تركيا والكرد: ليس جنس الملائكة!

حجم الخط
5

 

لا جديد في القول إنّ العنصر الأبرز في ستراتيجية الأمن القومي التركي إزاء الجارتَين، العراق وسوريا، كان ويبقى الحيلولة دون إقامة كيان كردي مستقلّ على أيّ نحو؛ خاصة إذا نشأ بمبادرة من حزب العمال الكردستاني، الـPKK، أو وقع تحت سيطرته حزبياً وعسكرياً. الجديد، في المقابل، كثير ودائم من حيث حال الشدّ والجذب التي تعتري هذا العنصر، وصعود أو هبوط معدّلات نفوذ الـPKK، أو تبدّل خياراته ميدانياً؛ سواء على صعيد الداخل التركي أولاً، أو استطالاته نحو شمال العراق، وبعض إيران، وسوريا، تالياً.
ولا سرّ، إلا عند السذّج ودافني الرؤوس في الرمال، أنّ الجناح العسكري الضارب لحزب «الاتحاد الديمقراطي الكردي»، وكذلك «وحدات الحماية الشعبية»، لا يتلقى أوامر التحرّك الكبرى من قياداته الكردية في سوريا، صالح مسلم أو سواه؛ بل من جبال قنديل، في كردستان العراق، حيث تقيم القيادة العسكرية الفعلية للـPKK. وهنا مستوى التناقض الفاضح الأول بين قيادة تزعم الانتساب إلى الماركسية ـ اللينينية، وقواعد تؤمر باستقبال مندوبي البيت الأبيض، والتنسيق مع ضباط البنتاغون والاستخبارات الأمريكية، وفتح مهبط رميلان أمام حوامات اليانكي!
ولا سرّ، أيضاً، في أنّ تركيا ما تزال عضواً في الحلف الأطلسي؛ بل هي عضو مدلل على نحو ما، لأنها الوحيدة المسلمة في عداد الدول الـ 28، أعضاء الحلف؛ وهي الأقرب إلى قوس الأزمات الشرق ـ أوسطي التاريخي، في العراق وإيران والخليج العربي، ثمّ سوريا ولبنان وإسرائيل. وإذا كانت امتيازات هذه العضوية لا تمنح أنقرة حقّ النقض على سياسات واشنطن في التنسيق مع الجناح العسكري، السوري، من الـPKK، وتلميعه، وإعادة إنتاجه كأداة «معتدلة» في محاربة «داعش»؛ فإنّ تركيا، من جانبها، تمتلك حقّ التشويش على الخطط الأمريكية، أو حتى تعطيلها مباشرة، عبر اعتبار العنصر الأبرز في ستراتيجية أمنها القومي هو، بالتعريف والتضامن الأطلسي، عنصر بارز أمريكي أيضاً.
هذه هو وجه التناقض من الجانب الآخر، الموازي للتناقض الخاصّ بالـPKK؛ الأمر الذي يفسّر بارومتر المواقف الأمريكية تجاه احتمالات التوغل العسكري البرّي التركي في العمق السوري، أو على خطوط المواجهة مع وحدات الـYPG. تارة ترسل واشنطن إشارات تنمّ عن عدم الرضا، وهو الموقف الأعمّ أغلب الظنّ؛ وطوراً يتدخل الرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصياً، لتأكيد «تفهم» الولايات المتحدة لهواجس تركيا حول التحركات الكردية قرب الحدود التركية ـ السورية. وهكذا، بعد تصريح أردوغان بأن هذه الوحدات تستخدم أسلحة أمريكية، جرى اتصال هاتفي بين الرئيسين التركي والأمريكي استغرق 80 دقيقة (حسب وكالة أنباء رويترز)، لم يكن موضوعه جنس الملائكة بالتأكيد!
وفي تراث العلاقات السورية ـ التركية، لا تُنسى تلك الواقعة المفصلية التي شهدها صيف العام 1998، حين بادرت تركيا إلى إبلاغ حافظ الأسد هذه الرسالة الوجيزة القاطعة التالية: إمّا أن يرفع الغطاء عن عبد الله أوجلان، زعيم الـPKK، فيُطرد من سورية ومن البقاع اللبناني، وتُغلق معسكراته، ويُوقف أيّ دعم لوجستي وعسكري واستخباراتي كان النظام يقدّمه له؛ وإمّا… الحرب العسكرية المباشرة الشاملة. ولقد انحنى الأسد، بالطبع، وفي تشرين الأول (أكتوبر) من العام ذاته، غادر أوجلان الأراضي السورية واللبنانية إلى غير رجعة، أو بالأحرى إلى حيث يقيم اليوم: في المعتقل التركي!
والحال أنّ جنرالات أردوغان ليسوا أقلّ تعطشاً من أسلافهم، حينما يتصل الأمر بالحرب ضدّ الـPKK؛ ويُخشى أنّ قيادات قنديل، اليوم، ليست أقلّ استعداداً لتكرار أخطاء أسلافها في إقامة تحالفات خاطئة، مع الولايات المتحدة أو مع النظام السوري، دفع الكرد أثمانها باهظةً ودامية، مراراً وتكراراً.

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مهند العراق:

    كان زمان وجبر ! كما يقول المثل المصري ! الان لا تركيا اضحت الابن المددل، ولا اردوغان في حدا بحالوا !
    راح زمانك ياسلطان !!!

  2. يقول سامح // الاردن:

    * هم ( تركيا ) الاكبر ( الاكراد ) ؟؟؟
    * هم ( امريكا ) مصالحها ومصالح دلوعتها اسرائيل ف المنطقة ؟؟؟
    * هم ( الاكراد ) : قيام ( دولة الكرد ) ؟؟؟
    * هم ( الاسد ) .. ( الكرسي ) ؟؟؟
    * هم ( ايران ) .. تشيع العرب من ( المحيط الى الخليج ) ؟؟؟
    * هم ( اسرائيل ) .. اطالة ( شهر العسل ) ؟؟؟
    * هم ( العربي ) .. المثنى والثلاث والرباع ؟؟؟
    * حسبنا الله ونعم الوكيل والله المستعان .
    سلام

    1. يقول محمد قطيفان / شرق المتوسط:

      – مع كل الاحترام الأخ سامح ، العربي يحمل هموماً أكبر بكثير من شهوته ، المواطن العربي الذي تحاصره الجراح والقتل والغرق والتجهيل والتفقير وغياب العدل والتنمية بالتأكيد لا يبحث عن زوجة ثانية وثالثة ، هذا إذا استطاع تحصيل الأولى ..
      – الذين يضحون بأرواحهم في سوريا ، ويقهرون العدو في فلسطين ، ويثبتون على الحق في مصر .. مواطنون عرب كذلك

  3. يقول محمد قطيفان / شرق المتوسط:

    – الـ pkk تجمعه بإسرائيل علاقات قوية منذ فترة طويلة ، وهي تمده بالسلاح والمدربين (والمدربات)
    – هذا الحزب لا يثق به قطاع كبير من الكرد ، وعلى تركيا محاربته حتى النهاية ، وهذا لمصلحة الشعب الكردي كذلك

  4. يقول رودر:

    تركيا و إسرائيل سمن على عسل و الكل يعلم ذلك ولكن أين الدليل إذا كانت هناك علاقات بين الحزب العمال الكوردستاني و إسرائيل .

إشترك في قائمتنا البريدية