تزايد المؤشرات على قرب عملية برية للجيش التركي في العراق

حجم الخط
2

إسطنبول ـ «القدس العربي»: تتزايد المؤشرات بشكل متسارع على إمكانية وقرب إقدام تركيا على القيام بعملية عسكرية برية في شمالي العراق، في خطوة قد تكون بداية لصدام عسكري مباشر بين الجيش التركي ونظيره العراقي والميليشيات الشيعية من جهة أخرى وستعيد ـ إن تمت ـ رسم خريطة الصراع المشتعل في المنطقة.
سلسلة من التهديدات غير المحددة التي أطلقها كبار المسؤولين الأتراك، طوال الفترة الماضية، أشارت إلى استعداد الجيش التركي للتحرك برياً في العراق في حال تعرض البلاد لأي تهديد انطلاقاً من الأراضي العراقية لكن العديد من التصريحات الجديدة عززت هذه التكهنات بشكل غير مسبوق.

تلعفر والتركمان

أبرز هذه المؤشرات لفت إليها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، الذي أكد في تصريحات صحافية، امس الأربعاء، أن بلاده ستتخذ كل الإجراءات اللازمة في حال حصول هجوم على مدينة تلعفر قرب الموصل والتي تقطنها أغلبية من التركمان الذين توليهم أنقرة أهمية خاصة.
وتكمن خطورة هذه التصريحات في كونها تأتي بعد يوم واحد من تأكيد وصول آلاف المقاتلين التابعين للحشد الشعبي الشيعي في العراق إلى أطراف مدينة تلعفر من أجل بدء عملية عسكرية لاستعادة المدينة من تنظيم الدولة، وهو ما أعلنت تركيا مراراً رفضه معتبرةً أنه سيؤدي إلى صراع طائفي خطير.
وتقول تركيا إنها لن تتردد في القيام بكل ما هو ممكن من أجل «حماية التركمان» ومنع تغيير التركيبة السكانية في شمال العراق، ويقول كُتاب وقانونيون أتراك إن الاتفاقيات التاريخية تسمح للجيش التركي بالتدخل من أجل حماية التركمان دون الحصول على إذن من الحكومة العراقية.
وقال جاويش أوغلو: «إذا كان هناك خطر يهدد تركيا، فسنستخدم كل وسائلنا، بما في ذلك عملية برية (…) للقضاء على هذا التهديد.. هذا أبسط حقوقنا الطبيعية».

سنجار والأكراد

ومن جانب آخر، تخشى تركيا بشكل كبير من أن يتمكن المتمردون الأكراد من تركيا والعراق والمرتبطين بشكل مباشر مع حزب العمال الكردستاني الإرهابي من السيطرة على مناطق جديدة في شمال العراق، وخاصة مدينة سنجار على الحدود التركية العراقية.
وتشن الطائرات الحربية التركية بشكل متواصل غارات على المواقع الخلفية لحزب العمال الكردستاني في شمالي العراق في إطار الحرب الدائرة بين المتمردين والجيش الذي وجه ضربات قوية لهم خلال الأشهر الأخيرة ويخشى الآن من أن تؤدي التطورات في العراق لتعزيز نفوذهم من جديد.
وقال جاويش أوغلو: «تركيا لن تسمح لمنظمة بي كا كا الإرهابية بجعل منطقة سنجار معقلًا لها»، لافتاً إلى أن «العديد من عناصر «بي كا كا» يتسللون من مناطق مختلفة في العراق، إلى تركيا وينفذون هجمات داخلها»، مضيفاً: «يسعون لجعل سنجار، قنديل ثانية (جبال في شمالي العراق/تتخذها المنظمة كمعقل).. بلادنا ستتدخل بشكل فعّال ضد المنظمة في العراق من خلال حقوقها وصلاحياتها النابعة من القانون الدولي.. لن نسمح بذلك ونتخذ كافة التدابير على جانبي الحدود من أجل جعل تلك المنطقة (سنجار) آمنة».

النزوح والتغيير الديموغرافي

ركزت وسائل الإعلام التركية، امس الأربعاء، بشكل غير مسبوق على ما قالت إنها ممارسات طائفية وإجرامية بدأت بارتكابها وحدات من الجيش العراقي وميليشيات الحشد الشعبي بحق اللاجئين الفارين من الموصل وأشارت إلى حصول عمليات إعدام ميداني وتعذيب لعشرات الفارين.
تركيز الإعلام التركي على هذه الجزئية يعكس حالة القلق التي يعيشها المسؤولون الأتراك من تبعاتها على أمرين، الأول مرتبط باضطرار الفارين من الموصل التوجه إلى الحدود التركية والنزوح إلى أراضيها خشية من تعرضهم لانتهاكات وتعذيب وبالتالي تحمل أنقرة عبء عشرات وربما مئات آلاف اللاجئين الجدد.
لكن الثاني يبدو الأخطر في نظر أنقرة التي تحاول منع حدوث أي تغيير ديموغرافي في تركيبة السكان في شمال العراق، وبالتالي فإن أي عمليات نزوح واسعة لسكان المدينة سواء نحو أراضيها أو مناطق أخرى ستؤدي إلى إفراغ سكان المدينة السنة والتركمان، ما يعني حصول هذا التغيير.
وتحاول أنقرة بكافة الطرق منح حصول موجات هجرة ولكن إذا تطورت مشاركة الحشد الشعبي وممارساته ضد النازحين ستجد أنقرة نفسها مضطرة للتدخل من أجل تغيير المعادلة وفرض نفسها في معركة الموصل بشكل أكبر لمنع حصول ذلك.

هروب مقاتلي «الدولة» لتركيا

مع الحديث عن احتمال بدء معركة الرقة من خلال عزل مدينة الموصل العراقية عن الرقة في سوريا، تخشى أنقرة أن يؤدي إغلاق الطريق من الموصل إلى سوريا وحصار المدينة إلى ارتفاع خطر لجوء عناصر تنظيم «الدولة» إلى تركيا من خلال الحدود الممتدة على 300 كيلومتر.
وتتركز المخاوف التركية في أن يلجأ عناصر التنظيم إلى التسلل إلى أراضيها وتنفيذ هجمات إرهابية هناك، أو محاولة العودة إلى بلادهم أو العيش في الأراضي التركية وهو ما يعني تشكل عشرات الخلايا النائمة الجديدة للتنظيم.

تعزيزات عسكرية

منذ بدء عملية الموصل قبل نحو أسبوعين، زجت تركيا بتعزيزات عسكرية كبيرة إلى الشريط الحدودي مع العراق، وخلال الأيام الماضية واصل الجيش إرسال العشرات من الدبابات والآليات العسكرية المدرعة ورفع من درجة التأهب على طول الشريط الحدودي.
وتأتي جميع هذه التطورات مع تأكيد كبار المسؤولين الأتراك على أن بلادهم اعتمدت ما أطلق عليه «إستراتيجية أمن قومي جديدة» تقوم على مبدأ مواجهة التهديدات الأمنية في أرضها والذهاب للعدو في أرضه، وهو ما بات يتكرر بشكل شبه يومي على وسائل الإعلام التركية ما يؤشر إلى تهيئة الرأي العام الداخلي والخارجي لعمليات أكبر للجيش التركي خارج حدود البلاد.

تزايد المؤشرات على قرب عملية برية للجيش التركي في العراق

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    المشكلة في قضاء تلعفر هي أن التركمان مقسومين بين سُنة وشيعة ! وهناك تركمان مع داعش وهناك تركمان مع الحشد الطائفي
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للأستاذ جمال على المقال المهم حول القوات التركية ودخولها العراق لملاحقة داعش والقضاء على ما يمكن من هؤلاء ” الأوباش ” ملووثي العقول من ” خوارج القرن الواحد والعشرين ” …

    أنا أستغرب من قلق و توجس الدولة التركية ومخاوفها – كما تقول في مقالك – من أن يلجأ عناصر التنظيم إلى التسلل إلى أراضيها وتنفيذ هجمات إرهابية هناك، أو محاولة العودة إلى بلادهم أو العيش في الأراضي التركية وهو ما يعني تشكل عشرات الخلايا النائمة الجديدة للتنظيم ولكن …

    1) تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبالتالي تتمتع بأمكانيات عسكرية غير عادية وقواتها مدرّبة أفضل تدريب.
    2) أجهزة المخابرات (المدنية) والأستخبارات (العسكرية) في تركيا هي أفضل ما موجود في منطقة الشرق الأوسط ولذلك وعلى هذا الأساس تم كشف محاولة الانقلاب في تموز الماضي.
    3) أجهزة مكافحة الارهاب هي الأخرى متمكنة ومسيطرة على وضع حزب العمال الكردستاني الماركسي وتحركاته.

    أذاً لماذا القلق والمخاوف والتوجس من داعش ؟؟؟ أعتقد أنه مع ما ذكر أعلاه يمكن للطيران الحربي التركي ” الفائق الأمكانات ” وبالذات الطيران من دون طيار المسماة ” بالدرون ” يمكن أن يكون لها دور فاعل و حاسم للقضاء على داعش ومن لف لفهم !!!

إشترك في قائمتنا البريدية