بغداد ـ «القدس العربي»: تساؤلات فرضت نفسها على العراقيين هذه الأيام عن مغزى صفقة نقل عناصر تنظيم «الدولة» من لبنان إلى العراق، التي فجرت فضيحة جديدة لا يمكن التستر عليها أو تبريرها، أفسدت فرحة العراقيين بإعلان تحرير تلعفر وكل الموصل من تنظيم «الدولة» بعد معارك طاحنة. لقد جددت صفقة حزب الله ـ «داعش» تصورا إضافيا عن سيناريوهات وامكانيات خلق التهديدات والتحديات في عراق ما بعد «داعش»، وأكدت مخاوف العراقيين من طبخات يجري الإعداد لها للمرحلة المقبلة، عبر أحداث ومواقف شكلت مؤشرات تستحق الوقوف عندها.
والسؤال الأول عن توقيت الصفقة التي سترفع بالتأكيد معنويات مقاتلي التنظيم بعد هزائمه المتكررة في العراق وسوريا والتي ستعيد توزيع قوات التنظيم بما يعطيها المرونة والقدرة على ان تشكل مخاطر جديدة على المنطقة، ولتكشف حقيقة مواقف بعض الدول والمنظمات التي ما زالت متمسكة بأسلوب الصفقات والاتفاقيات السرية رغم الادعاءات والشعارات الرنانة مثل الممانعة ومحاربة الإرهاب.
وفي تكرار لتناقضات مواقف قادة العراق، فقد تباينت ردود الأفعال تجاه صفقة نقل عناصر تنظيم «الدولة» من لبنان إلى المناطق الحدودية السورية العراقية، حيث أبدى رئيس الحكومة حيدر العبادي رفضه لهذه الخطوة واعتبر انها ستكون لها آثار سلبية على أمن العراق، مؤكدا على ضرورة عدم التعامل أو التفاوض مع الإرهابيين وانما القضاء عليهم.
والسؤال الآخر عن مبررات إصرار زعيم حزب الدعوة نوري المالكي على ابراز الخلافات داخل الحزب عبر إطلاق التصريحات المتناقضة مع رفيقه رئيس الحكومة حيدر العبادي. والمالكي لم يدافع فيها عن صفقة نقل عناصر التنظيم التي اعتبرها جزءا من مشروع «الممانعة» فقط، بل انه شكك بإعلان العبادي، عن انتصار القوات العراقية بتحرير تلعفر غرب الموصل، عندما أعلن ان ما حدث في تلعفر هو اتفاق مع تنظيم «داعش» على الانسحاب وليس قتالا، وذلك لتبرير اتفاق حزب الله مع تنظيم «الدولة». ولم يراع المالكي موقف العبادي ولا مشاعر العراقيين وفرحتهم بالنصر، كما لم يراع الدماء الزكية والتضحيات التي قدمها المقاتلون والمدنيون العراقيون في حرب طاحنة لتحرير الأراضي العراقية.
وفي سياق خطوات تأزيم الأوضاع، يتساءل الكثير من العراقيين وغيرهم، عن فحوى إصرار القيادة الكردية على الاستفتاء بموعده المقرر الذي أقرت انها تعتبره خطوة نحو الاستقلال وإعلانها الطلاق بالثلاث من العراق، وذلك رغم كل الاعتراضات والتحذيرات والتحفظات الداخلية والخارجية.
ويمكن النظر إلى قرار حكومة كركوك الاشتراك في الاستفتاء على استقلال الإقليم، على انه خطوة تصعيدية نسفت آخر أمل في امكانية حصول تقارب بين قيادتي حكومتي بغداد وأربيل لحل المشاكل والأزمات بينهما عبر الحوار.
وضمن تباعد المواقف، أكد العبادي ان «استفتاء إقليم كردستان مرفوض ولا قيمة له وان اجراءه غير دستوري ويبعث المزيد من النزاعات» مشيرا إلى ان «السير باتجاه استخدام القوة وإهمال الشركاء الآخرين، لا يؤدي سوى إلى نتيجة عكسية، وأننا في أي نزاع سنعود إلى الوراء ونخسر ما تحقق».
وفي المقابل، وفي نبرة لا تخفي التحدي والاصرار على المضي في الاستفتاء والاستقلال، أكد رئيس الإقليم مسعود بارزاني «استعداد شعب كردستان للتضحية بدمائهم من أجل كركوك، وان العالم يتعامل مع الأمر الواقع»، أي ان الدول ستقبل بالدولة الكردية في النهاية. وفي خضم هذه التطورات، برزت أزمة التوتر بين تركيا والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال طالباني، وطرد تركيا لممثل الاتحاد فيها وفرض عقوبات أخرى، في أعقاب قيام حزب العمال الكردي التركي، بخطف عناصر تركية في السليمانية ونقلهما إلى مقرها في جبال قنديل شمال العراق، ما دفع تركيا لممارسة الضغوط على الاتحاد لإطلاق سراح المخطوفين، ولتجدد إثارة تساؤلات عن أبعاد وخفايا العلاقة بين الاتحاد الوطني والأحزاب المعارضة التركية التي تتواجد في الإقليم وتمارس نشاطا ضد حكومات بلدها.
وأعادت هذه الأزمة إلى الواجهة من جديد، تساؤلات عن حقيقة تحاول سلطات إقليم كردستان التعتيم عليها، وهي خضوع مناطق واسعة من شمال العراق، لسيطرة تنظيمات كردية غير عراقية سواء بالاتفاق مع سلطات الإقليم أو بدونه، إضافة إلى تنامي نفوذ هذه الأحزاب والتنظيمات في مدن الإقليم، واستغلالها أحيانا من قبل قوى محلية وإقليمية.
وفي موقف آخر ضمن سلسلة مواقف تعبر عن تحدي بعض القوى السياسية الشيعية لحكومة العبادي لتحقيق مكاسب سياسية، جاء إعلان مجلس محافظة بابل بالتمسك بقراره منع عودة النازحين إلى جرف الصخر، وهو القرار الذي قوبل باستنكار من القوى السياسية والشعبية وحتى الدولية، كونه يخالف الدستور والقانون ومبدأ المصالحة الوطنية والمبادئ الإنسانية. ويبدو ان مجلس بابل الذي تسيطر عليه قوى شيعية معروفة، اختارت اصدار قرار يتحدى ويحرج حكومة العبادي، لإظهارها بمظهر الضعيف، ولكسر نشوة تحقيق الانتصارات على تنظيم «الدولة».
وازاء هذه التطورات والمحاذير، إضافة إلى تحديات إعادة النازحين وإعمار المدن المدمرة، ومع التصعيد الأمني الأخير في بغداد والانتخابات المقبلة، يبرز السؤال المشروع: هل ان آمال العراقيين بعراق مستقر آمن في مرحلة ما بعد «داعش» ممكنة التحقيق في المدى القريب؟!
مصطفى العبيدي
شكراً للأستاذ العبيدي على المقال المهم
أريد – لو سمحت لي – أن أتجاوز موضوع كردستان والبرزاني والأستفتاء على ” الأستقلال ” وأقف عند العبادي و سلفه المالكي فأقول أن الأول أثبت جدارته كرئيس فاعل للوزراء عرف بنزاهته وعفت يده وبكونه قائد قوات مسلّحة يدين له بالولاء كل قيادات الجيش العراقي والحشد الشعبي حيث قاد تدمير الدواعش خلال 6 أشهر
بينما الثاني أدخل البلاد في متاهات و صعوبات ليس لها أول ولا اَخر وطبعاً أبرز ما متهم به هو الأختلاس من خزينة الدولة العراقية مئات الملايين من الدولارات ولو كان لدى العراق قضاء غير مسيس و عادل لكان المالكي أول من يعتقل و يودع في السجن ” المؤبد ” !!!
كما إن المالكي متهم بتسليم محافظة الموصل الى خوارج القرن الحادي والعشرين (الدواعش) عام 2014 لتدميرها عن بَكرة أبيها خلال 3 سنوات ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم….
وعلى أساس هذه المقارنة فإن الشعب العراقي الشجاع والذكي سيعيد أنتخاب العبادي ويطالب بإخضاع المالكي للعدالة النزيهة وغير المسيسة.