تسريبات عن تغييرات بين مساعدي رئيس الجمهورية… وتنبؤات عن مبارك تتراوح بين البراءة والموت

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» ركزت الصحف الصادرة يومي السبت والأحد اهتماماتها على عدد من الموضوعات، أبرزها ذكرى مولد خير الخلق سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، والكلمة التي ألقاها الرئيس عبد الفتاح السيسي في احتفال وزارة الأوقاف بالمناسبة.. ونشر الصحف المقالات والتحقيقات الخاصة بالذكرى، وكذلك عرض القنوات الفضائية الأفلام الدينية.. والشكوى من ارتفاع أسعار حلوى المولد، وعرض بعض المحلات «عروسة المولد» على هيئة راقصة. أيضا انشغلت الصحف بالأزمة المفاجئة التي نشبت بسبب وصف القناة الأولى والثانية في التلفزيون الرسمي المغربي ما حدث في الثلاثين من يونيو/حزيران عام 2013 بأنه انقلاب ودعا الجميع إلى محاصرة الأزمة وعدم تصعيدها والتذكير بتأكيد ملك المغرب لما حدث في يونيو/حزيران الماضي . كما أبدت اهتماما كبيرا بالزيارة التي سيقوم بها اليوم الاثنين للكويت الرئيس السيسي، واختطاف ثلاثة عشر مواطنا مصريا قبطيا في ليبيا وسقوط صخرة من هضــــبة المقطــــم من دون خسائر بشرية، وعرض وحدات سكنية جديدة للبيع وبدأ الاهتمام يتزايد بانتخابات مجلس النواب في مارس/آذار المقبل، ولم تتضح حتى الآن التشكيلات النهائية للتكتلات والتحالفات وتجدد التحذير من عودة رجل الأعمال ومحتكر إنتاج الحديد وأمين تنظيم الحزب الوطني السابق احمد عز للظهور وعقد اجتماعات حزبية.. وإلى بعض مما عندنا….

يقول المنجمون: نهاية البرادعي
سياسيا وجمال وعلاء مبارك خارج السجن

اهتمت الصحف بالعام الميلادي الجديد، ونشر تنبوءات وتوقعات المنجمين، حيث نشرت مجلة «آخر ساعة» حديثا مع المنجمة الجميلة عبير فؤاد أجرته معها زميلتنا الجميلة هبة بيومي قالت فيه: «رصدت الحالة الفلكية للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك من قبل عندما تم تأجيل النطق بالحكم لجلسة 9 نوفمبر/تشرين الثاني، وتنبأت أنه سيكون يوم حظ رائع وتوقعت الحكم ببراءته. أما العام القادم في 2015 سيكون الحظ حليفه أيضا بشكل أكبر من ذي قبل، لأن رقمه فلكي يقول إن لديه نجاحا وسيشهد حالة انفراجة قانونية تشير إلى براءته نهائيا من تهمة قتل المتظاهرين وحالته الصحية ستكون جيدة. قيادات الإخوان بالخارج ومصير الخاضعين للمحاكمة ستطبق عليهم أحكام بالإعدام خاصة محمد مرسي، لأن رقم ميلاده في العام المقبل يعطي مؤشرات بنهاية مرحلة، تشير في الغالب إلى احتمالات نهاية حياته».
أما الفلكي محمد فرعون فقال لهبة أيضا: «توقعت للرئيس محمد حسني مبارك في عام 2014 أنه ستكون حالته الصحية سيئة، وتوقعت براءته وأيضا هذا العام سوف يمر بوعكة صحية أتوقع أنها تنتهي بوفاته. أما مصيره قضائيا فأرى أنه سيظل في السجن وتستكمل براءته، وأتوقع العام المقبل خروج جمال وعلاء مبارك من السجن وسفرهما من مصر وابتعاد سوزان مبارك تماما عن أي نشاط سياسي أو اجتماعي .
أتوقع عودة عدد كبير من الشخصيات السياسية المختفية العام الماضي، كأعضاء في البرلمان المصري من رجال مبارك وعدد من الشخصيات الإخوانية. أما البرادعي فأتوقع نهايته سياسيا وأيضا عبد المنعم أبو الفتوح لن يعود. كل قيادات الإخوان في الخارج سيظلون هاربين ولن يعودوا العام المقبل، أما مصير الخاضعين للمحاكمة فقد تنبأت بحصولهم على أحكام بالإعدام».

لا يعلم الغيب إلا الله

لكن كل هذه المقابلات في الصحف والفضائيات أغضبت زميلنا وصديقنا ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الأسبق مرسي عطا الله فقال عنها يوم السبت في عموده اليومي «كل يوم»: «في مطلع كل عام جديد تأخذ لعبة التنجيم وقراءة الطالع على أنها نوع من الدعاية التي لا تمس جوهر عقيدتنا، «كذب المنجمون ولو صدقوا»، وكانت اغلب قنواتنا التلفزيونية مشغولة باستضافة المنجمين والعرافين ليلة رأس السنة، وتلك في حد ذاتها تمثل غيبوبة فكرية ودينية لا تليق، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله».

مراكز قوى داخل البيت الرئاسي

أما أبرز ما نشر يوم السبت فكان الموضوع الرئيسي في الصفحة الأولى من جريدة «البوابة» اليومية المستقلة، وهو تحقيق زميلتنا الجميلة شيماء جلال الذي قالت فيه:
«كشفت مصادر رئاسية واسعة الاطلاع عن أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يعتزم اتخاذ إجراءات نحو إعادة ترتيب البيت الرئاسي، ملمحة إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تغييرات كبيرة تشمل تعيين مساعدين جدد للرئيس، وتغيير عدد من القيادات المهمة داخل القصر وإبعاد بعض المقربين.
وتحرك الرئيس نحو إعادة ترتيب البيت من الداخل وصفته شيماء بحالة عدم الرضا عن أداء عدد من المساعدين، مشيرة إلى أن الرئيس فوجئ بعدم تقدير بعض مساعديه حساسية المرحلة وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بالنظر إلى أن فترة وجودهم داخل القصر لم تتجاوز الثمانية أشهر، ما يمثل ناقوس خطر بأن الأمر من الممكن أن يستفحل ويخرج عن السيطرة، ولفتت إلى تمدد نفوذ بعض مساعدي الرئيس حتى أصبح بعضهم يشكل ما يمكن وصفه «بمراكز القوى»، علاوة على التورط في صراع مع جهات أمنية.
وقالت إن السيسي يسعي لتشكيل طاقم جديد يساعده في إدارة الأمور وأداء المهام بكفاءة وفاعلية أكبر، حيث أزعجه بشدة وجود حالة من السباق بين مساعديه للاستحواذ على ثقته، الأمر الذي تسبب في وقوع مصادمات بين الجميع».
المهم أنه في اليوم التإلى الأحد أمس لم ينشر أي ردا أو تكذيب وهو ما يطرح السؤال هل نحن أمام عملية تسريب مقصودة لصحيفة محددة ؟ .

الأزهر بين المهاجمين والمدافعين

أما المعارك مع وضد الأزهر فإن أبرز ما قرأته دفاعا عنه وأكثره حرفية ومنطقية وبأسلوب سهل وسلس كان للدكتور الشيخ محيي الدين عفيفي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية يوم الثلاثاء في جريدة «الوطن»، ومما قاله بارك الله فيه ورعاه: «تعالت مؤخرا أصوات بعض المثقفين والإعلاميين والأكاديميين متهمة الأزهر وجامعته بالتطرف، مرتكزين تارة على مادة مقتطعة من بعض المقررات التعليمية وتارة في واحد من الكتب التي يدرسها طلاب جامعة الأزهر بكلياتها، التي يقارب عددها الثمانين كلية في مختلف محافظات الجمهورية ومراكزها، أو فتوى لأحد علماء الأزهر ومشايخه، أو مقال منشور في واحدة من مجلاته أو إصداراته. ويستطيع أي متابع منصف لما تشهده مصر أن يلمح مظاهر لانتشار التطرف في قطاعات واسعة من المجتمع بمؤسساته وهيئاته على اختلافها، وليس مستغربا مثلا أن تجد كبارا في وزارة الزراعة أو أساتذة بكليات العلوم والهندسة والتربية في جامعة القاهرة أو أعضاء في مجلس إدارة أحد مصانع النسيج يبدون آراء متطرفة، يدعون إليها ويروجون لها بين الناس، لكن لا يقول أحد إن وزارة الزراعة تنشر التطرف أو أن جامعة القاهرة ترعى الإرهاب أو أن صناعة النسيج مستنقع للتشدد.
إن هذا النوع من ازدواج المعايير الذي تتعدد نماذجه وحالاته يشير إلى نزوع لدى بعض الأشخاص والجهات إلى التربص بالأزهر وغياب الإنصاف في تناول ما يتعلق به من قضايا ومشكلات تواجهها كل المؤسسات في مصر.
وما لا يعرفه المهاجمون أو يعرفونه ولا يلقون إليه بالا، أنهم يقدمون خدمة مجانية للتطرف، فمعاولهم وقذائفهم التي تنطلق صوب الأزهر إنما تستهدف صوت اعتدال واتزان وحكمة ووسطية، لتترك ساحة التفسيرات الدينية لدعاة التطرف وجماعاته ورموزه الذين وقف الأزهر سدا منيعا دون سيطرتهم على العقول والقلوب، سواء من خلال جهوده الفكرية أو مواقفه كمؤسسة خلال الثلاث سنوات ونصف السنة الفاصلة، أسهم الأزهر خلالها في إنهاء حلم المتطرفين في السيطرة على مصر، بعد أن كانوا قاب قوسين أو أدنى.
من جهة أخري فإن المهاجمين وهم من المحسوبين على السلطة يخلقون مناخا ملائما لاتهام الدولة ذاتها بأنها تعادي كل مظهر للتدين، وتشن عليه حربا شعواء، وهذا هو عين ما يريد المتطرفون إبرازه والتأكيد عليه، فالحاصل أن المهاجمين الذين استبدت بهم الأيديولوجيا يحملون الدولة تبعات أفكارهم وممارساتهم، ويزجون بها في مواقع الشبهة ويمنحون التطرف نقاطا لصالحه من دون تبصر بعواقب ما يفعلون».

ثلاثة آلاف جارية ملك
يمين أحد الخلفاء العباسيين!

وفي «المصري» في يوم الثلاثاء أيضا واصل صاحبنا عادل نعمان هجومه وكأنه لم يقرأ للشيخ محيي الدين عفيفي فقال: «يئسنا من خطاب ديني جديد، رجال الدين يتكسبون من البضاعة القديمة، نحن نمسك بتلابيب خطاب عقيم حتى لا يقع في ما هو أسوأ منه، أو يعود إلى أظلم وأحلك من ظلمنا وظلمتنا.. لماذا انتظار رجال الدين لتحرير الخطاب الديني، ولن يفعلوا؟ ولماذا لا نحرره نحن بإرادتنا؟
نأخذ مثالا إفتنان العباسيين بالجواري وجمالهن وقد استولوا عليهن من بلاد الشرق المفتوحة في عهد الأمويين، أبناء عمومتهم، ووصل ملك يمين أحد الخلفاء ثلاثة آلاف جارية، واستغنى الرجال عن نساء العرب حتى اعتلى كرسي الخلافة في العهد العباسي أبناء الإماء، ومنهم هارون الرشيد، واحتاج الخلفاء والأمراء إلى غطاء شرعي يجعل وطء ومضاجعة المسبيات والإسراف فيه أمرا شرعيا وحقا ممنوحا لهم من الله، فيقبله الدهماء والرعاع من الرعية، الذين لا يملكون هذا الحق حتى لا يثور الرعاع على الخلفاء والأمراء، فكانت فتاوى مواقعة المسبية وجواز بيعها وإهدائها، حتى وصل الأمر إلى فتوى مواقعة الأنثى لمرة واحدة تكفيها في العمر حتى يستطيع السيد المرور على الأمة والزوجة مرة واحدة، ويستطيع امتلاك غيرهن وتبديلهن من دون الترف في بضاعته القديمة وحبسهن حتى لا تفضح ضعفه من دون ضجر منهن أو تمرد، فمن أين له من الصحة والعمر لكل هؤلاء».

شيخ الأزهر يوضح موقف
مؤسسته لرؤساء بعض الصحف

منذ مدة بدأت أستخرج من مكتبتي بعض الكتب عن التاريخ الإسلامي ومنها كتاب «وعاظ السلاطين» لعالم الاجتماع العراقي الفذ المرحوم الدكتور علي الوردي، وكان قد أهداني في منزله في العاصمة العراقية بغداد نسخة من الطبعة الأولى له عام 1955، وكنت قد أشرت من سنوات في أحد التقارير في «القدس العربي» إلى أنها فقدت عندما أخذها مني زميلنا وصديقنا الناقد الأدبي الكبير رجاء النقاش، ليسلمها لصديقه عبد الوهاب الكيالي صاحب المؤسسة العربية للنشر في بيروت، لإعداد طبعة ثانية ثم إعادتها إليّ ولم تعد النسخة، وقرأ ذلك مواطن عراقي يعيش في أمريكا، وعلم أن زميلنا وصديقنا الأديب جمال الغيطاني موجود في نيويورك، فأرسل إليه نسخة من الكتاب طبعة ثانية صدرت عام 1995 عن دار كوفان في لندن، وأجدد له الشكر والامتنان على هذا الجميل. المهم أن الدكتور علي الوردي قال في ص 9 «يروى أن المتوكل «رضي الله عنه» كان يملك في قصوره أربعة آلاف جارية وطأهن جميعا».
أي أكثر من ألف من الذي أشار إليه عادل نعمان. المهم أن الحملات على بعض الكتب والمراجع التي يتم تدريسها في معاهد وكليات الأزهر، وكذلك الحملات على أن شيخ الأزهر يحمي عددا من الإخوان في مكتبه وفي مجمع البحوث الإسلامية دفعت شيخه الدكتور احمد الطيب إلى الاجتماع مع عدد من رؤساء تحرير الصحف لتوضيح الصورة لهم، ونفي الاتهامات، وذكّر بدوره ودور الأزهر في التصدي للإخوان، وأن تنقية المناهج والمراجع من الأفكار الداعية للتطرف والعنف تتم، وذكّرهم بمحاولات هدم الأزهر بواسطة المظاهرات التي كانت تقتحم المشيخة وفي الجامعة لدرجة أنه قال إن طالبات الأزهر المتظاهرات كانت الواحدة تأخذ ثلاثمئة جنيه إذا تظاهرت عدة ساعات وخمسمئة إذا زادت.

بعض الفرق الإسلامية تسيء للإسلام

أما أبرز تحول في هذه المعركة فكان دخول الرئيس عبد الفتاح السيسي طرفا مباشرا فيها، ففي الكلمة التي ألقاها يوم الخميس في احتفال وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوي الشريف، طالب الأزهر بثورة دينية تغير من الخطاب الديني، وتبدأ من أفعال بعض الفرق الإسلامية التي أساءت للإسلام في العالم كله نتيجة تفسيرات خاطئة مستمدة من الماضي. لدرجة أنه أستأذن في الخروج عن النص المكتوب ليقول لهم: «أنا باخلص ذمتي منكم وها اقول لربنا يارب أنا قلت لهم يا فضيلة الإمام أنتم مسؤولون أمام الله والدنيا كلها تنتظر كلمتكم»، ثم قال وقد ظهر الضيق على وجهه: «المشكلة لم تكن في العقيدة بل في الفكر، ونحن نحتاج إلى مواجهة الأفكار الضارة بمنتهى الحسم، لا بد أن نتوقف عند الحالة الموجودة في مصر والمنطقة، هل من المعقول أن يتحول الفكر الإسلامي الشائع حاليا إلى مصدر للقتل والتدمير في العالم كله، هذا فكر تم تقديسه لمئات السنين، وأفكار تعادي الدنيا بأكملها لماذا لا يخرج من عندنا إلا هذا الفكر؟ كل الناس خايفة مننا يقولون أننا كمسلمين في كل منطقة ندخلها تتحول إلى خراب، وبعد شهر أو عشرة نتحول إلى قتلة ومخربين، لا والله لا يمكن أن يكون أبدا هذا الفكر الذي يصر البعض أن يستقي منه أفكاره منذ حوالى ألف سنة لا يوجد دين يصطدم مع الدنيا كلها، أنظروا إلى الخراب والدمار الذي يسببه بعض المسلمين، إذا كان بعضنا يسافر ليعيش وسط ناس في الخارج ويتحول بعدها بعشرة أو خمسة عشر عاما إلى إرهابي ويحاول مقاتلتهم بعدها، فلماذا يذهب إليهم من الأساس؟ أهم حاجة نتوقف عندها أن الأمة دي تتمزق وتضيع وللأسف بأيدينا نحن.
وقد عقب وزير الأوقاف الدكتور الشيخ محمد مختار جمعة في كلمته على مطلب الرئيس بأن تطوير الخطاب الديني يتم من دون المساس بالثوابت الشرعية، وهي عبارة قد ذكرها السيسي نفسه في كلمة سابقة له منذ حوالى ثلاثة أشهر، عندما طالب بتطوير الخطاب الديني، من دون مساس في الثواب الشرعية، لكنه في كلمته الأخيرة تجاوز مطلب التطوير إلى المطالبة بثورة دينية، وهي عبارة تكون عادية أو تعبر عن ضيق وعدم رضا من، إما بطء الخطوات التي يتخذها الأزهر في تنقية مناهج الدراسة، أو عدم اتخاذه خطوات جادة أو ملموسة أو تلميح إلى الاتهامات الموجهة إليه».

لماذا طلاب الأزهر الأكثر عنفا وتخريبا
في المظاهرات؟

ويوم السبت خاطب الطبيب والكاتب خالد منتصر في عموده اليومي «خارج السرب» في جريدة «الوطن»، وهو من خصوم أنصار الدين، الرئيس قائلا: «هذه الثورة التي يتمناها لن تحدث أبدا إذا ظل معتمدا على الأزهر وحده، ولم تقم ثورة داخل الأزهر، أولا: ثورة على تسلط الفكر السلفي الوهابي على أروقة وعقول الأزهر، ثورة على مناهج تراثية ترسخ مفاهيم عنصرية عفا عليها الزمن وتحط من قيمة الآخر، سواء كان مختلفا في الدين أو في الجنس. ثورة على محاولات إخضاع منهج العلم المتشكك بطبيعته للمنهج المطلق. ثورة على تكفير كل من يطالب بالبحث في منهج علم الحديث وإعادة فرزه على أساس المتن لا السند فقط، وإخضاع كل ما يعارض العلم والقرآن والمنطق إلى التمحيص والتنقية.
فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر حتى هذه اللحظة لم يسأل نفسه لماذا هؤلاء الطلبة والطالبات الذين ينتمون إلى جامعته هم الأعنف والأكثر تخريبا في مظاهراتهم والأطول لسانا في هتافاتهم والأقبح عبارة في شعاراتهم التي يكتبونها على الجدران؟ الإجابة بسيطة جدا لأنهم تعلموا في المناهج أنهم يتقربون إلى الله ويدافعون عن دينه بهذه الصورة لأنهم الفرقة الناجية.
المدهش والغريب أن معظم هؤلاء ينتمون إلى كليات الطب والهندسة والعلوم، وهذه الكليات التي نشأت بقرار جمهوري من الرئيس عبد الناصر وكان هذا القرار من أكبر أخطائه، الهدف غير المعلن هو تنقية صورة النظام من تهمة الشيوعية والمزايدة الدينية بقرار لم تعرفه جامعة الأزهر منذ إنشائها ولم تطلبه أصلا».

مشروع تطوير الأزهر كان فكرة
علماء الأزهر أنفسهم وليس عبد الناصر

وفي الحقيقة فقد وقع خالد في أخطاء ذلك أن هذا القدر من العنف والقبح في العبارات لم يكن قاصرا على طلبة جامعة الأزهر، لأنه شمل من ينتمون لهذه التيارات في الجامعات غير الأزهرية.
كما أن نشأة الجماعات الإسلامية في عهد الرئيس السادات، التي قامت بأعمال العنف نشأت داخل جامعتي القاهرة وأسيوط أساسا، ولذلك كان الدكتور الشيخ محيي الدين عفيفي في مقاله، الذي أشرنا إليه في البداية، موفقا في الإشارة لانتشار التطرف في وزارات وكليات الزراعة والهندسة والتربية في جامعة القاهرة أو مصانع النسيج أو وزارة الزراعة.
أما الخطأ التاريخي الآخر فهو أن إنشاء كليات الطب والهندسة والعلوم في جامعة الأزهر من قبل خالد الذكر لم يكن من أكبر أخطائه، فهدفه كان نفي تهمة الشيوعية عن نظامه والمزايدة الدينية، ذلك أنه لو كان قد تابع المعارك التي نشبت واستمرت منذ عام 1961 عند صدور القانون رقم 103 بتطوير الأزهر واستمرت حتى وقت قريب لما تورط في ما تورط فيه. ذلك أن تحويل الأزهر إلى جامعة كاملة بدلا من الاقتصار على الكليات الدينية الأربعة فقط، بإضافة كليات عملية وللتجارة كان تتويجا لجهود بذلها مشايخ الأزهر وعلماؤه على امتداد السنين لتطوير الدراسة وتغيير مناهجه لتساير التطور، إلى أن اكتملت بالقانون رقم 103. وعارض القانون قلة من العلماء وحتى الآن ومن وقت لآخر نجد الاتهامات من هؤلاء المعارضين بأن التطوير أراد به خالد الذكر إفساد الأزهر. ولعله يذكر هجوم الشيخ محمد متولي الشعراوي «عليه رحمة الله» ثم تراجعه، وقد قال المعارضون، إن الهدف من التطوير كان لإضعاف الأزهر، أي أن مشروع تطوير الأزهر لم يكن فكرة أو تخطيط خالد الذكر، بل علماءالأزهر أنفسهم وكان القانون رقم 103 لسنة 1961 قد شمل أيضا إلغاء هيئة كبار العلماء وإنشاء مجمع البحوث الإسلامية من خمسين عضوا، ثلاثون منهم من مصر وعشرون من علماء المسلمين من هيئات غير مصرية.

فيلم «الخروج» فيه مغالطات تاريخية

وإلى معركة أخرى مختلفة لكنها ليست بعيدة عن الأزهر، وهي اعتراضه على تجسيد الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة في أعمال فنية وأفلام سينمائية ومسرحيات ومسلسلات تلفزيونية، ودائما ما يصاحب الاعتراض على أي عمل ومنعه معركة بين فريق من المثقفين يؤيدون العرض وفريق آخر معارض وأحدث المعارك كان قرار منع عرض فيلم «الخروج». ففي «أهرام» الأربعاء قال زميلنا عادل صبري: «تلقى يهود أو بنو إسرائيل لطمتين شديدتين، الأولى على الخد الأيمن عندما ألغت محكمة القضاء الإداري الاحتفال بمولد الحاخام اليهودي يعقوب أبو حصيرة مع رفض نقل الرفات لإسرائيل لتعارضه مع مبدأ نبش القبور في الإسلام. اللطمة الثانية على الخد الأيسر، بسبب القرار الجريء لوزير الثقافة جابر عصفور بمنع الفيلم الأمريكي «الخروج.. ملوك وآلهة» من العرض في جميع دور السينما. مؤكدا أن الفيلم صهيوني ويروج للدعاية الصهيونية وفيه مغالطات تاريخية، منها إظهار معجزة شق البحر على يد موسى بأنه حدث طبيعي نتيجة زلزال ضخم والمد والجزر الذي حدث للبحر، كما أنه اظهر نبي الله موسى يحمل سيفا بدلا من عصا وهو يواجه فرعون.
أما باطنه فهو إثبات أنهم بناة الأهرامات، رغم دخول سيدنا موسى مصر بعد سبعمئة عام من بناء الأهرامات، ولكن الفيلم يجب أن يعرض في التلفزيون المصري وعلى القنوات الفضائية يوميا ليشاهده كل مصري وعربي مع عمل إشارات تنبيهية على المشاهد التي بها أخطاء تاريخية، مع وضع شريط مشابه لشريط الأخبار أسفل الفيلم ليوضح الخطأ وما هي الحقيقة من استضافة شيوخ ونقاد لتفنيد أخطاء الفيلم والرد عليها. فهذه الضجة حول الفيلم ستجعل الناس أكثر حرصا على مشاهدته، مثلما فعلوا في فيلم «الرسالة» و«الوصايا العشر». وسيتأثر به من يجهل القصة الحقيقية لقوم موسى، كما ستجعله ينتشر بسرعة البرق على مواقع الإنترنت، وسيجعل نسبة مشاهدته أكبر مشاهدة قد تفوق «بشرة خير» لحسين الجسمي. وحكاية أن اليهود هم الذين بنو الأهرام قديمة، لدرجة أن أول زيارة لرئيس وزراء إسرائيل الأسبق مناحيم بيغن الذي وقع مع الرئيس السادات اتفاقية كامب ديفيد في نوفمبر/تشرين الثاني 1978 واتفاقية السلام في مارس/آذار عام 1979، حيث طلب بيغن زيارة الأهرامات في الجيزة وتعمد أن يصرح وهو هناك أن أجداده هم الذين بنوها، ما أثار انتقادات عنيفة ضده».

وزارة الثقافة تلجأ إلى سلاح
العجزة والمرتعشين في مواجهة الفن

وعن موضوع منع عرض الفيلم نفسه قال زميلنا في «اليوم السابع» عادل السنهوري «ناصري» يوم الأربعاء أيضا: «هل مصر بحضارتها وتاريخها وتراثها الثقافي والعلمي والإنساني، وإسهاماتها في الحضارة الإنسانية تهتز وترتعش وتخاف من مجرد عرض فيلم؟ وهل السماح بعرض الأفلام التي قد تعترض عليها وعلى ما تعرضه من مادة سينمائية اجتماعية او سياسية أو تاريخية برؤية مؤلفها تؤثر على سمعة مصر وتنال من تاريخها وعراقتها؟ من الذي يسيء إلى سمعة مصر، هل هو الفيلم السينمائي أم الأيدي المرتعشة والعقول المغلقة والأفكار المشوهة، التي تتولي مسؤولية مناصب لها قيمتها ومكانتها، وتتخذ قرارات عشوائية وعبثية تتسبب في ردود أفعال أسوأ من الفعل نفسه.
أتعجب ونحن في مرحلة من المفترض بحكم الدستور أن يزدهر فيها الإبداع وتنتعش فيها حرية الرأي والتعبير وحرية المعتقدات تلجأ الحكومة ممثلة في وزارة الثقافة إلى سلاح العجزة والمرتعشين في مواجهة الفن».

مستقبل النظام في عام 2015

وعن مستقبل النظام عام 2015 يكتب لنا محمود سلطان رئيس تحرير جريدة «المصريون» عدد أمس الأحد مقاله الذي جاء فيه: «قبل سقوط مبارك، كان منظّرو الحزب الوطني، يستبعدون الثورة على نظامه، مستندين إلى أن حالة الغضب والسخط العام، كانت تحت مستوى ما يسمى بـ«الكتلة الحرجة».. وهو تعبير مُستقى من الفيزياء أو الكيمياء النووية، يعبر عن كتلة عنصر اليورانيوم 235 أو البلوتونيوم 239 اللازمة لحدوث التفاعل المتسلسل «الانفجار النووي». وفي العلوم السياسية يعني مستوى الغضب الكافي لقيام الثورات.. كان ثمة يقين لدى مفكري مبارك، بأن مصر بعيدة عن هذه الكتلة، واستندوا إلى فواتير التليفونات وعدد الموبايلات والسيارات التي يملكها المصريون، وانتشار الهايبرات الضخمة، دليلا على «الرفاهية» التي عصمت النظام من الاحتجاجات الواسعة ضده! بل إنه حين تنشر أرقام مستويات تحت الفقر ـ في عهد مبارك ـ التي بلغت 40٪ من المصريين، فإن البعض منهم كان يتساءل: لم لا يتحدث أحد عن نسبة الـ 60٪ الباقية.. باعتبار أن النسبة الأكبر من المصريين «سعداء» وليس لديهم «قضية» للنضال من أجلها ضد النظام، بل إن الثقة في قدرة مبارك على البقاء، تنامت بشكل تفاؤلي وربيعي، من خلال تقديم تفسيرات غريبة لشكوى المصريين من الفقر.. وقال بعض منظري مبارك، أن الشكوى ليست من الفقر وإنما سخط وعدم رضا على نصيب كل فرد من كعكة الأموال الضخمة التي تدفقت بشكل كبير في عهد الرئيس المخلوع.. فكل مصري غير راض عن نصيبه من الأموال، بمن فيهم الأغنياء ورجال الأعمال الكبار.. يعني «فراغة عين» وليس جوعًا أو فقرًا! في 25 يناير/كانون الثاني 2011.. كانت المفاجأة مدوية، واجتاحت الاحتجاجات الشعبية المليونية مدن مصر وقراها.. وانتهت بإيداع مبارك السجن وعدد من رموز نظامه. هذه المقدمة الطويلة أذكرها لعودة اليقين في «الغيب السياسي» مجددًا في الأدبيات التي تتكلم حاليًا عن مستقبل نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.. وهي يقينيات تعتمد أيضا على ما يشبه «اللاهوت» واعتماده على تقديس المؤسسات الخشنة وقدرتها على صنع الاستقرار بدون رؤية سياسية وبرنامج سياسي مناسب وطموح، لأنها رؤية تعيد إنتاج «يقين» مبارك في استمراره في الاتحادية، تحت زعم «الرفاهية» التي حالت دون بلوغ «الكتلة الحرجة» المنتجة للثورة.. وهي أكاذيب اتشحت بوشاح علمي ورقمي «ديجتال» تحايلي ومزيف.. أخفى حقيقة أن مبارك اعتمد على القمع الأمني وبدون رؤية سياسية، وانتهى به الحال إلى السجن. البعض الآن يراهن على عدد من المؤسسات في تحديد مستقبل مصر عام 2015، ومنها الجيش والأجهزة الأمنية والقضاء والإعلام.. وأخيرًا الجهاز البيروقراطي للدولة.. ولم يدرج «الشعب» ولا «قوى الثورة» في تلك الحسبة الاستعلائية.. وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه منظّرو مبارك وسدنة نظامه، حين لم يحسبوا مفاجآت الحراك الشعبي.. واعتمدوا على تلك المؤسسات في حماية مبارك ونظامه.. فسقط خلال 18 يومًا من الاحتجاجات الشعبية».

حسنين كروم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية