تشريعات «انتقامية» وتشريعات مهيمنة لوضع السلطة الجديدة التي لم تتشكَّل بعد في طريق الاستبداد بالقانون

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي»: حفلت الصحف الصادرة أمس الأربعاء 15 يوليو/تموز بالكثير من الأخبار والقضايا المهمة، كان منها حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي لقاءين، ألقى في كل واحد منهما كلمة، الأولى على حفل إفطار الأسرة المصرية واشتملت كلمته على ردود مباشرة وغير مباشرة على اتهامات موجهة إليه بشكل غير مباشر، سترد عند عرضنا لها، متبعا الطريقة نفسها في مخاطبة الناس بالكشف أولا بأول عما يدور وينشر، والتوضيح والرد، متخطيا الجهاز الإعلامي للدولة ولمؤيديه، حيث يحرص على استمرار الاتصال المباشر معهم.
والثانية كانت أثناء حضوره احتفال وزارة الأوقاف بليلة القدر، وتوزيع الجوائز على الفائزين في مسابقة القرآن الكريم، وكان أبرز ما في هذه الكلمة، قوله عن افتتاح قناة السويس الجديدة في السادس من الشهر المقبل، إنها ستوفر موارد مالية للدولة وتوفير فرص عمل للشباب، وهي المشكلة التي تهم معظم الأسر المصرية الآن، وبشّر بمشروعات أخرى قال عنها، «المرحلة المقبلة ستشهد الإعلان عن المزيد من تدشين الكثير من المشروعات القومية الكبرى التي ستساهم في بناء الوطن وتأمين مستقبل المصريين، ليجدوا عيشا كريما وحياة طيبة». ذلك أنه يدرك أن المشكلة الاقتصادية هي الأهم بالنسبة للغالبية الساحقة، التي لن تصبر كثيرا إلا إذا بدأت النتائج في الظهور ولو بالتدريج، خاصة مع موجات الغلاء وارتفاع أسعار الكهرباء والمياه والرفع المتوقع للوقود وتذاكر مترو الأنفاق وأتوبيسات النقل العام وأعباء الأسر. لدرجة أن زميلنا وصديقنا الرسام الموهوب عمرو سليم أخبرني أمس في «المصري اليوم» أنه ذهب لزيارة موظف صديق له وجده خارج من شقته ويحمل سلسلة مفاتيح مثل التي يحملها اللصوص ويقول لزوجته وأبنائه:
– مسافة السكة يا دوب أجيب لكم فلوس كحك العيد والعيديات ولبس العيد ومصاريف الفسح وفلوس المدارس كمان.
وما ذكره الموظف هو ما تهتم به الصحف مثل، الاستعدادات لعيد الفطر وإعلان الوزارات حالة التأهب في الحدائق والشواطئ والطرق والقطارات، وتوفير السلع، وقبل ذلك المسلسلات التي تقترب من نهايتها وأفلام العيد الجديدة، التي ستعرض في دور عرض السينما، ومتابعة ملايين الأسر تعليمات الرئيس بالقضاء على مرض فيروس الكبد في مصر وتوفير العلاجات المجانية للمرضى حتى يختفي بعد ثلاث سنوات من الآن.
كما بدأ وزير العدل المستشار أحمد الزند اتصالات مع صديقنا نقيب المحامين سامح عاشور لإيجاد حل لواقعة إطلاق أمين الشرطة النار على محام اسمه محمد الجمل وإصابته، واتهام مساعد في النيابة بضربه، وتعهد الوزير بتلبية طلب سامح انتداب قاضي تحقيق للواقعة. وكان السيسي بنفسه قد تدخل في أزمة سابقة بقيام نائب مأمور قسم بضرب محام بالحذاء، بعد مشادة بينهما، بأن قدم اعتذارا علنيا للمحامي وللنقابة.
وإلى بعض مما عندنا….

إبراهيم عيسى:
نحن في حاجة إلى رشد عاطفي

ونبدأ بأبرز ما نشر عن الرئيس عبد الفتاح السيسي من هجوم ودفاع وشرح، بسبب قانون إعفاء رؤساء الهيئات من مناصبهم، وما أثاره من معارك ساخنة، إذ أيده البعض بشدة بينما هاجمه آخرون، واتهموا وزير العدل المستشار أحمد الزند بأنه وضعه خصيصا للخلاص من المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بينما ذهب آخرون إلى أنه لعزل محافظ البنك المركزي وشيخ الأزهر. وغيرهم نفوا عن الرئيس أن يخطط مع الزند لأمور كهذه، وأن الهدف من القانون تمكين الرئيس من ممارسة سلطاته في حماية الدولة، إذا تطلب الأمر إجراءات معينة. وقام زميلنا وصديقنا رئيس تحرير جريدة «المقال» اليومية المستقلة إبراهيم عيسى يوم السبت بمناقشة الأمر من دائرة أوسع بقوله عن أسباب دعمه للسيسي: «هل كان هتاف الملايين في مظاهرات تأييد عبد الناصر نفاقا؟ لكن هل يمكن أن نقول مثلا إن أشعار صلاح جاهين وأغانيه لجمال عبد الناصر كانت نفاقا؟ مستحيل كانت حبا وإيمانا بالرجل ورسالته، وكانت صادقة حتى أنها عاشت بعدهما وخلدت تماما. لا ننسى أبدا ميدان التحرير في ثورة يناير/كانون الثاني يغني «ناصر يا حرية.. ناصر اشتراكية». هل عباس العقاد حين كان يكتب ينافق زعيم الأمة وقتها؟ بالتأكيد لا إذن كيف نعرف المنافقين؟ سهلة خالص استفت قلبك لا شيء مضمونا فقد يكون التأييد نفاقا وقد لا يكون، وقد يكون النقد والهجوم كراهية وقد لا يكونان، هناك طبعا منافقون للسيسي هذا شيء طبيعي وظاهرة كونية أن يجد الشخص صاحب الجماهيرية والشعبية والمسؤولية من ينافقه ويتودد إليه، لكن العبرة ليست في من ينافق، بل في التعامل مع هذا المنافق؟ هل يستجيب إليه السيسي.. هل يقربه.. هل له مكان في حكمه.. هل سيكافئه على نفاقه.. هل سيتأثر بكلامه.. هل سيصدقه؟ أصلا الآن وبعد أكثر من عام من رئاسة السيسي ليس لديّ أي دليل على أن الرئيس يستجيب إلى النفاق، حتى الآن على الأقل. على الناحية الأخرى هناك شتامون للسيسي أكثر حماسا بكثير من منافقيه «الرجل لا يفعل لا مع منافقيه ولا مع شاتميه شيئا، ولا يستجيب إلى هذا ولا يردع ذاك، لكن لا يمكن لنا أن نتقدم وهذه الطفولية بين الحب والكراهية تدير واقعنا السياسي، نحن في حاجة إلى رشد عاطفي».

للقوة حدود بعدها
تتحول إلى طغيان

أما زميلنا في «التحرير» وائل عبد الفتاح فقد ترك هذه القضية واتجه إلى غيرها بقوله يوم الاثنين في عموده اليومي «مفترق طرق» عن قانون إعفاء رؤساء الهيئات: «لماذا أصدر الرئيس السيسي قرارًا بقانون يمنح لنفسه حق عزل رؤساء الهيئات المستقلة (المفروض استقلالها عن الرئيس…) والرقابية (التي من مهمتها الرقابة على أجهزة الدولة التنفيذية التي تتبع الرئيس..)؟ المعنى يقول: الرئيس يتحرر من كل محاسبة.
والنميمة تقول: المستهدف هو المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يسبب صداعا لمؤسسات وسلطات تتعامل على أنها في مرحلة «استعادة أرضها المفقودة وتثبيت وضعها في حرب طوائف الدولة». والواقع يقول: إن الرئيس يجمع صلاحيات دولة كاملة في يده من دون محاسبة ولا رقابة.. متجاوزا الوضع الذي كان عليه مبارك الذي تمناه الناس أن يكون «الفرعون الأخير»…. السلطوية لعبت على إعادة ترويج فكرة منتهية الصلاحية وهي: «رجل قوي يشكمها ويحنو عليها»، وبعيدا عن ركاكة استخدام الفيتش الجنسي في السياسة، إلا أن نظرية «الرجل القوي» لم تعد صالحة لبناء دول حديثة فللقوة حدود، بعدها تتحول إلى طغيان.. يداري العجز أو يبرر التراجع عن تنفيذ الوعود المنتظرة من «الرجل القوي» من القوة… فشل الجهاز السياسي الذي حكم مصر منذ يوليو/تموز 1952 وحتى يناير/كانون الثاني 2011، وهو جهاز كانت السلطة تتصور فيه قدرتها على إقامة «تحالف طبقي/ اجتماعي» تحت رايتها/ لكنها مع الأزمات الاقتصادية والضغوط الاجتماعية حدث صراع حسمته أجهزة الدولة الأمنية لصالحها، وقادت البلد إلى هزيمة 67، وهنا بدأت بوادر إصلاح من أعلى بقيادة عبد الناصر، لكن السادات حولها في يناير/كانون الثاني 1971 إلى «تصحيح» أفقد الدولة الأمنية جزءًا من سلطتها لصالح الطبقة المالية، انقلاب من أعلى قام بتفكيك تنظيم الحكم «الاتحاد الاشتراكي» على عدة مراحل، ليصل إلى «الحزب الوطني» الذي لم يصلح كجهاز حكم/ أو لم تثق فيه الدولة/ وقلبها العسكري، كما لم ينجح في التصدي لسطوة الجماعات الإرهابية فكان اختيار مبارك الحكم بجهاز أمن الدولة.. وهو ما كان أحد الأسباب القوية في سقوطه/ فأفق.. أي جهاز أمني في الحكم مسدود».

محمد حامد الجمل: رئيس الجمهورية
يحق له إصدار القوانين وفقا للدستور

لا.. لا.. لا هذا ولا ذاك ولا ذلكم مما ذكره وائل وإنما الأمر، كما جاء في اليوم التالي الثلاثاء في تحقيق في مجلة «آخر ساعة» القومية أعده زميلنا شحاتة سلامة جاء فيه: «رئيس قسم التشريع في مجلس الدولة المستشار مجدي العجاتي قال في تصريحات صحافية، إن القسم قام بمراجعة القانون مؤكدا أنه لا توجد فيه أي مخالفة دستورية. موضحا أن الدستور لم يشترط أخذ رأي الأجهزة الرقابية مثل الجهاز المركزي للمحاسبات والبنك المركزي قبل إصدار القانون، الذي يحدد حالات إعفاء رؤساء تلك الجهات من مناصبهم. المستشار محمد حامد الجمل الفقيه الدستوري رئيس مجلس الدولة الأسبق قال، إن قرار رئيس الجمهورية بإصدار قانون لإعفاء رؤساء الهيئات من مناصبهم ليس مخالفا للدستور، وإن رئيس الجمهورية يحق له إصدار القوانين وفقا للدستور، وأكد أن الدستور منح رؤساء الهيئات البقاء في مناصبهم لمدة أربع سنوات، وفق شروط محددة، مشيرا إلى أن الشروط التي حددها الدستور ورئيس الجمهورية تتعلق بسلامة وأمن البلد وغير مضرة بالمصلحة العامة».

إبراهيم منصور: يا أيها الذين
تديرون البلاد التزموا بالدستور

ومن «آخر ساعة» نعود مرة أخرى إلى «التحرير» يوم الثلاثاء لنكون مع رئيس تحريرها زميلنا وصديقنا إبراهيم منصور، الذي لم يقل غضبا عن وائل في عموده اليومي «أقول لكم»: «لا يعقل أن يتحدَّث إعلامي في التلفزيون مطالبًا بالتخلُّص من بعض الأشخاص أو بعض المجالس، ومنها المجلس القومي لحقوق الإنسان، الذي يحافظ على الحد الأدنى لحقوق الإنسان بدفاعه عن بعض الشباب في السجون، الذين اعترف الرئيس نفسه بأن هناك مظلومين في السجون منهم، ووعد بالإفراج عنهم، ثم يأتي في اليوم التالي وزير العدل ليكرر كلام الإعلامي ويصف مجلس حقوق الإنسان بأنه يدافع عن القتلة، ومن ثَمَّ يصدر تشريعًا بقرار جمهوري يمكّن رئيس الجمهورية من التخلُّص ممن لا يريدهم هو، أو ممن لا تريدهم المجموعة الجديدة التي حول الرئيس! فتصدر تشريعات «انتقامية» وتشريعات مهيمنة لوضع السلطة الجديدة التي لم تتشكَّل بعد في طريق الاستبداد بالقانون. ولعل من الملاحَظ أن الذين يفعلون ذلك هم بقايا نظام مبارك، الذين دافعوا ويدافعون عنه ويتعاملون مع ثورة الشعب على أنها وباء. الذي يحدث الآن من استغلال ماكينة الرئيس السيسي في إصدار التشريعات لا يساعد أبدًا في بناء الدولة الديمقراطية، وإنما يساعد في هدمها. فيا أيها الذين تديرون البلاد التزموا بالدستور الذي أقسمتم على الالتزام به والحفاظ عليه».

قانون إعفاء رؤساء الهيئات
من مناصبهم مثير للجدل والقلق

ومن «التحرير» إلى «الشروق» في يوم الثلاثاء ذاته وزميلنا محمد عصمت وقوله الغاضب في عموده «أوراق»: «ما يزيد سخونة هذه الشائعات أن المستشار جنينة شخصيا تلاحقه أقاويل قد تكون صحيحة أو مبالغا فيها، أو حتى كاذبة بأنه إخواني الهوى أو أنه «مش إخوان بس بيحترمهم»، وأن الذي عينه في منصبه الرفيع هو الرئيس المعزول محمد مرسي، إلا أن كل ذلك لن يقدم أي مبرر منطقي واحد لإقالته، فالرجل نفسه نفى بوضوح انتماءه للإخوان، والأكثر من ذلك فإن الرئيس السيسي نفسه تم تعيينه وزيرا للدفاع في عهد مرسي. توقيت إصدار هذا القرار الجمهوري يثير الكثير من علامات الاستفهام، ويتطلب من مؤسسة الرئاسة إصدار توضيحات شافية وكافية حول المغزى منه وهل له علاقة بمعركة جنينة ـ الزند أم لا؟ وهل له علاقة في الأساس بالمستشار جنينة أم أنه يستهدف تلاشي أوجه قصور معين في هذا الجهاز الرقابي، أو ذاك أو هذه الهيئة أو تلك، أيا كان الأمر من حقنا على الرئيس أن يوضح لنا بمنتهى الصراحة والشفافية الهدف الحقيقي من إصداره لهذا القرار المثير للجدل والقلق أيضا».

الدستور المصري
يحتاج لمزيد من الوقت لتفعيل نصوصه

وبالفعل استجاب الرئيس لطلبه مغرب يوم الثلاثاء نفسه بعد الإفطار الذي أقامته جماعة الأسرة المصرية، ودعا إليه السيسي أمهات وآباء عدد من شهداء الشرطة والجيش وأعداد من السياسيين والصحافيين والشخصيات العامة وألقى كلمة قال فيها عن هذا القانون، بالنص عن تغطية زميلنا في «الأخبار» محمد هنيدي أمس الأربعاء في الصفحة السادسة: «إنه يتابع الملاحظات التي يبديها البعض حول بعض التشريعات والقوانين التي يصدرها، خاصة في الآونة الأخيرة. الدستور المصري طموح ورائع، ولكننا نحتاج لمزيد من الوقت لتفعيل نصوصه، إذ كنتم تثقون فيّ فهذا أمر مهم جدا وتأكدوا أنه لن يكون هناك أي إجراء إلا ابتغاء مرضاة الله والوطن، وهذه مسؤولية ألقيتموها على عاتقي، هل تظنون أنني أسن القوانين لكي استخدمها ضد شخص بعينه»، لن يسن تشريعا يقيد الحريات أو يظلم الناس ما يتردد حول هذا الكلام يؤلمه بشدة».

معارك الصحافيين

ونظل مع الرئيس في الكلمة نفسها ولكن إلى القضية الأخرى التي أوضح موقفه فيها، وكانت قد هددت بصدام بين نقابة الصحافيين والنظام، بسبب المادة 33 من مشروع قانون مكافحة الإرهاب، التي تجيز الحبس في قضايا النشر سنتين، خلافا للدستور، ولأن المواد الخاصة بالإعلام وضعتها الحكومة في مشروع القانون، من دون أخذ رأي نقابة الصحافيين والمجلس الأعلى للصحافة، كما ينص القانون، ورغم وجود تأييد لا بأس به من جانب عدد من زملائنا للحكومة، إلا أنها وللأمانة سارعت بالإعلان عن عدم وضع أي مادة لا ترضى عنها النقابة، وألغيت مادة الحبس فعلا وقدم رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب ترضيات كافية، بل وزائدة عن الحد للصحافيين وللنقابة، ودخل الرئيس في كلمته المشار إليها بطريقة غير مباشرة إلى هذه القضية، وبسرعة بعكس ما فعل في موضوع قانون إعفاء رؤساء الهيئات، والسبب في تقديري أن الهجوم على القانون انصب عليه مباشرة، بينما الهجوم على مشروع قانون مكافحة الإرهاب أنصب على الحكومة وترزية القوانين، لا عليه، وبالتالي لم يرد أن يكون طرفا ولكن كان راغبا في غمز بعض الصحف والصحافيين، بسبب الأخبار التي نقلتها عن «داعش» والمصادر الأجنبية، عند بدء الهجوم على مدينة الشيخ زويد وقسم الشرطة فيها، وعدد من مواقع الجيش، والادعاء بمقتل أكثر من سبعين وتدمير معدات للجيش واحتلال المدينة، ما أدى إلى حالة من البلبلة الشديدة لم تنته إلا بعد صدور أول بيان عسكري عن حقيقة ما جرى والدمار الذي ألحقه الجيش والشرطة بـ«داعش» .
الرئيس قال بالنص: «في الوقت الذي تنشر فيه بعض وسائل الإعلام أخبارا من شأنها تخفيض الروح المعنوية، سواء بقصد أو من دون قصد، فضلا عن استخدام بعض الشباب لوسائل الاتصال الحديثة في هذا الاتجاه، وهناك من يقدم دمه وروحه فداء لوطنه. أي بصراحة فإن الرئيس يميل شخصيا إلى الاعتقاد بإمكانية وجود تعمد فيما نشرته المواقع الإلكترونية لبعض الصحف، خاصة «اليوم السابع» و»الوطن».

تخبط إعلامي وصحافي تحت شعار الحريات

وفي يوم الثلاثاء قال زميلنا في «الأهرام» الشاعر فاروق جويدة في عموده اليومي «هوامش حرة»: «كان من الصعب بل من المستحيل أن تنشر صحيفة مصرية مهما تكن أهميتها خبرا أو موضوعا عن الجيش المصري، من دون موافقة القوات المسلحة.. وكان للجيش المصري مراسلون معتمدون يغطون الأخبار ويتابعون الأحداث بمنتهى الحرص والأمانة.. وكان من الصعب أن يتسرب خبر مشبوه أو تحقيق غامض أو قصة لا أساس لها. كان هناك اتفاق ضمني بين الجيش والإعلام بحيث لا يتجاوز الإعلام بأي صورة من الصور على أسرار القوات المسلحة، على أساس أن كل ما فيها يتعلق بالأمن القومي للوطن، ولكن للأسف الشديد أن كل هذه التقاليد اختفت تماما أمام التخبط الإعلامي والصحافي الذي فتح الأبواب على مصراعيها، من دون ضوابط تحت شعار الحريات.. هناك أخبار تدخل فى نطاق السرية وتنشرها الصحف حول الجيش، من دون الرجوع إلى مصادرها.. وهناك مصطلح جديد هو، أن مصدرا رسميا صرح أو قال مع عدم نشر اسمه أو أهميته. وهناك أخبار عن صفقات من الأسلحة والمهمات الخاصة والسرية تنشرها الصحف من مصادر أجنبية مدسوسة، وهناك أرقام عن خسائر أو ضحايا ينشرها الإعلام المصري من دون الرجوع إلى مصادرها».

صحافيون في خدمة رأس المال

وفي العدد نفسه من «الأهرام» قال زميله أنور عبد اللطيف عن اجتماع مجلس نقابة الصحافيين ورؤساء تحرير الصحف المستقلة والحزبية والقومية، الذي حضره ممثلا لرئيس التحرير محمد عبد الهادي علام: «في أقل من شهر يحتمي مجلس نقابة الصحافيين برؤساء التحرير مرتين، المرة الأولى فى 15 يونيو/حزيران الماضي، أسفر اجتماعه مع 35 رئيس تحرير عن بيان مضمونه باختصار: «لا للغرامة المفروضة على «اليوم السابع»، وضمنا «لا مانع من حبس الصحافي أحمد موسى» ومع أن الأزمة في الحالتين كانت تتعلق بإساءة ممارسة المهنة وتخص جموع الصحافيين، والمتسبب فيها رؤساء تحرير صحف مواقع خاصة، قتل أحدهم الحرية بفوضى النشر في يوم، ومشى في جنازتها بثياب الواعظين في اليوم التالي، ففي الأولى نشر أخبارا كاذبة تكدر السلم العام وتتعلق بإطلاق نار على سيارة الرئاسة، وفي الثانية نشر أخبارا احتوت على أرقام ومعلومات عن عدد الشهداء في صفوف القوات المسلحة من مصادر معادية أو غير موثوقة وحين أنابني الأستاذ محمد عبد الهادي رئيس التحرير لحضور الاجتماع الأول، شاهدت «عنتريات» عجيبة كان يمكن تجنبها لو كان لدينا ميثاق شرف يتم احترامه، شاهدت رئيس تحرير يقسم أنه حدث إطلاق نار على سيارة الرئاسة، رغم نفي الجهات الأمنية للحدث، وحين أثار أحد الزملاء خبر الحبس الوشيك للزميل أحمد موسى لقذفه في حق الدكتور أسامة الغزالي حرب، قال النقيب إن القضية على وشك الحل – في الوقت الذي تركت الوساطات «المحترمة» لتصطدم عمدا برفض شادي وإسراء ووائل، ورد آخر في الحال: أن هذه ليست قضيتنا اليوم، والزميل ارتكب الخطأ في برنامج تلفزيوني نظرت حولي واستغربت من هذا المنطق فأكثر الحاضرين «مزدوجي الجنسية المهنية» ونجوم بعقود في برامج التلفزيون، استبدلوا العمل لصالح الدولة بخدمة صاحب رأس المال، وأن الأخطاء التي تسببت في الأزمتين ارتكبها صحافيون في المواقع الإلكترونية لم يحدد حتى الآن شكل تبعيتها للنقابة، والأغرب أنه بدا لي أنه لا مانع لديهم من حبس صحافي لخطأ في حق زميل، أما الخطأ في حق المجتمع وتكدير السلم والأمن في وقت الحرب على الإرهاب فلا يستحق مجرد دفع غرامة أو كفالة مالية».

الانتخابات والأحزاب

وبعد فترة نوم طالت بدأ بعض الأحزاب والسياسيين يستيقظون، بعد توقيع الرئيس على التقسيم النهائي للدوائر الانتخابية، وبدأ رئيس حزب الوفد السيد البدوي التحرك مبكرا استعدادا لانتخابات مجلس النواب، وانعقاده قبل نهاية العام الحالي، وقد أولى الرئيس اهتماما كبيرا بتشكيلة المجلس المقبل، رغم أنه لا حزب له سيخوضها، لدرجة أنه قال بالنص في حفل إفطار الأسرة المصرية الذي أشرنا إليه: «مهم جدا المرة دي بالذات ننتقي بتجرد علشان خاطر بلدنا، وأن الدستور طموح، خاصة أنه منح صلاحيات واسعة للبرلمان المقبل، ومن هنا يأتي حسن الاختيار حتى لا يكون البرلمان أداة خطيرة تعرقل ما نقوم به، وأقول لكل المصريين في الريف والصعيد اختاروا أفاضل الناس حتى لو كانوا ليسوا منكم، وانحازوا للصالح وغير كده هيبقى فيه مشكلة».
والسيسي هنا وجه كلامه للناخبين في الصعــــيد والمناطـــق الريفية، لا سكان المدن لإدراكه أن معظم اختيارات الناخبين تحركها الارتباطات القبلية والعائلية ويتحكم فيها المال أيضا، بعكس المدن حيث تختفي ظاهرتا القبيلة والعائلة، وتبقى الرشاوى الانتخابية في بعض المناطق الفقيرة والعشوائية. والسؤال هل سيستجيب الناخب إلى نداء الرئيس؟

جابر نصار: نريد للأحزاب
أن تسبح حتى تتعلم العوم

وفي يوم السبت نشرت «التحرير» حديثا مع الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة أجراه معه زميلنا يوسف شعبان على صفحة كاملة ومما قاله: «للأسف الأحزاب السياسية في مصر تعاني من مشكلة وهي مقبلة على حقبة حزبية سوف يتم فيها تفتيت هذه الأحزاب وتكسيرها، هذه الأحزاب منذ عام 1976 حتى الآن عاشت على الهامش الذي كانت تتركه السلطة لها، فقد كانت الصورة الحزبية تقوم على حزب كبير تتبناه السلطة، وكان حزب الاتحاد الاشتراكي في السابق ثم الحزب الوطني، وكان لباقي الأحزاب السياسية هامش بسيط مصنوع تتحرك فيه الآن فإن الطبقة التي تقود الأحزاب السياسية اليوم هي الطبقة نفسها التي عاشت على هذا الهامش، ولم تعش على الزخم الشعبي الذي يدفع الحزب إلى الأمام وهذا الأمر يمكن علاجه بضابطين أساسيين، وهما أن لا تعلن السلطة التنفيذية، رئيسا وحكومة، تبنيها لأي حزب من الأحزاب السياسية، لأن هذا يؤدي إلى غرق الأحزاب، في وقت نحن نريد للأحزاب أن تسبح حتى تتعلم العوم. نعم هناك أحزاب سوف تغرق وأحزاب سوف تغرق في قلة الحيلة وأخرى سوف تغرق لعدم وجود تمويل كانت تتقاضاه من الدولة سرا أو من بعض رجال الأعمال، وفقا لمصالحهم لكن هذا الغرق وذلك الاضطراب سوف ينشئ أحزابا قوية.

الثورة علم وتنظيم وتصميم وخطة للتحرك

وعن «داعش» التي فضحت دولنا ورعاياها كتب لنا طلال سلمان مقاله في «الشروق» عدد يوم أمس الأربعاء ومما جاء فيه: «فضحتنا هذه «الدولة ـ الوهم» بشعارها الإسلامي المزور و«خليفتها» الآتي من الماضي، فكادت تلوي عنق مستقبلنا نحو المجهول وهي تصادر الحاضر في قلب عجزنا عن مواجهتها، ثقافيا وفكريا واجتماعيا قبل العسكر والميليشيات، التي تحولت ـ بطائفيتها ومذهبيتها ـ إلى مصدر دعم لهذا التنظيم الآتي من الجاهلية مزودا بأحدث منتجات العقل البشري، في مجال التواصل الاجتماعي وأدوات تعميم الخوف لفرض الاستسلام لهذا «القدر» طلبا للسلامة.
فضحتنا في أنظمتنا الشديدة على شعوبها، الهاربة من ميدان المواجهة مع أعداء الأمة في حاضرها وفي غدها، إلى التسليم بشروطهم التي تذهب بالسيادة والكرامة والاستقلال، والتي تهدر ـ وهذا هو الأخطر ـ كرامة الدين فضلاً عن حق الإنسان (المواطن) في حياة كريمة. فضحتنا في واقع مجتمعاتنا التي تكشف تخلفها وتمزقها وترديها في وهدة الخوف من الحاضر، بذريعة الحرص على المستقبل الذي يكشف عجزنا عن محاولة صياغته بما يحفظ كرامتنا الإنسانية. فضحتنا في عجزنا عن الثورة، لنقص إيماننا بأنفسنا وبقدرتنا على الفعل، هذا العجز الذي ذهب بانتفاضات «الميدان» إلى التيه لافتقادها القيادة المؤهلة والبرنامج الثوري لإعادة صياغة الحياة، والقادر على تحويل هدير الملايين في الشوارع إلى قوة فاعلة تحمي المسيرة إلى التغيير من المصادرة بالمزايدة التي تطرح الانقلاب الشامل والفوري، حيث لا بدائل جاهزة: فلا قائد يفرضه الإجماع ولا قيادة تقدمها «النخب» ولا «جبهة» يتلاقى فيها المختلفون في الأسلوب المتفقون نظريا على الهدف، حتى إذا صار الهدف في متناول اليد تضاربت الأيدي وتشابكت في صراع عبثي، وعاد الجميع إلى دوامة الضياع حول تحديد الأولويات.
فضحتنا في جهلنا للسياسة لانقطاعنا القسري عن ممارستها في حياتنا اليومية بدافع الخوف أو الانتهازية ومداراة السلطان.. ومن مارسها بالممالأة خسر قضيته وخسر مع براءته أسباب قوته، فالمساومة مع السلطان تذهب بالبراءة والتطهر مغلبة الانتهازية التي تفتك بالثورة وحلم التغيير.
والثورة علم وتنظيم وتصميم وصبر عظيم وخطة للتحرك تحدد متى تتقدم وأين وإلى أي مدى، ومتى تتراجع تكتيكيا لتحمي مسيرتك ولو بطأت خطاك من دون أن تضيع منك الطريق أو يضيع الهدف فتراوح مكانك، بينما يستمد النظام من مراوحتك قوة فيغادر موقع الدفاع، ويهاجمك بشعاراتك فيقتلك بأخطر أسلحتك لإسقاطه».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية