تطبيع

هل نحن أحرار؟ بالنسبة لي، مؤرقة جداً «حقيقة» انعدام حريتنا كبشر، فأفضل ما نمتلك نحن هو وهم الحرية، أما في الواقع فالأجزاء الأعمق والأهم من حيواتنا تتشكل قبل حتى أن نولد، ليسد بعدها بقية الثغرات المجتمع والمحيط والبيئة والناس والتقاليد والدين خالقين بيئة نفسية واجتماعية وأخلاقية بل وبيولوجية لا فكاك منها.
كل منا سجين جسده، سجين جيناته التي ولد بها ولا خلاص منها، حتى أن الكثير من النظريات الحديثة تميل لتبرئة حتى أبشع التصرفات البشرية من الإرادة الحرة الكاملة التي تغيب تماما تحت التشكيل الجيني ثم «التطبيع» المجتمعي. نحن كذلك سجناء ما تعلمناه في الصغر والذي انطبع الآن في النفوس كما النقش على الحجر، تؤرقنا الكثير من عاداتنا وتصرفاتنا ومع ذلك نكررها بعصابية لا منحى عنها، فنحن في النهاية منتج أنظمة قديمة قدم الحياة، فكيف لنا الفكاك من منظومة بيولوجية مليونية العمر وأخرى اجتماعية ألفية الزمن خلال أعمارنا البشرية القصيرة عشرية الأمد؟
ولأننا سجناء مغيبون لا نعرف أننا سجناء، فقد قمنا وبأيادينا بإحكام القضبان من حولنا ظناً أننا نشكل قضبان أمان، اعتقاداً أننا نرتب الحياة بل وما بعد هذه الحياة. غَرًنا عقلنا الذي أتى لوعيه منذ ملايين السنوات بعد أن كان مجرد ومضة عصبية في خلية بدائية مائية، ولأننا الكائن الوحيد الواعي لوعيه، لأننا الوحيدون الذين نسائل وجودنا ونتساءل حول وعينا، فقد أخذتنا العزة بالإثم، وظننا أننا قادرون على الفكاك من سجن البيولوجيا والتاريخ، بل وتطاولنا معتقدين أننا قادرون على مواجهة الكون وتحدي الفناء، توارثنا الأنظمة الاجتماعية والدينية المعقدة جيلاً بعد جيل وحضارة بعد حضارة، وما زادتنا هذه الأنظمة سوى سجن فوق سجن، وما ساهمت سوى في تراكم الأسلاك الشائكة حولنا، حتى لتكاد حياتنا تتعتم تماماً تحت أنظمة الحديد المسلح التي خلقناها بأنفسنا. وبنظرة سريعة على التاريخ الإنساني، نجد أن الإنسان القديم، على معاناته وقصــــر عمره النسبي وقلة علمه، كان أكثر تحرراً، وكلما ازداد وعيه، ارتفع عدد الأنظمـــــة التي يخلقها محاولاً وضع صور نظامية لعالم أهوج لا نظــــام له ولا منطق أخلاقي يحكمه، حتى تعقدت حياته تماماً وسقط أسير الأنظمة التي خلق والمخاوف التي صنع والمعتقدات التي شكل في محاولة يائسة منه لإعطــــاء معنى لهذا الكون وهدف لاتساعه الساحق وامتداده القاسي المهيب في مواجهة الوجود اللحظي لنفسه وضآلة تأثيره وفنائه المحتم.
هي نظرة سوداوية جداً، تنتمي للمدرسة الطبيعية التي اعتمدت النظرية الداروينية تفسيراً ليس فقط للوجود والاستمرار البيولوجي بل كذلك للتشكل الاجتماعي والحياتي لهذا المخلوق العجيب الذي هو الإنسان. أعلم أنني ومن خلال هذه النظرية أقر بسجني وأؤكــــد على سذاجة اعتقادي أنني قـــادرة على التغلب على مخاوفي ونواقصي، إلا أن «الحقيقة» مهما بلغت سوداويتها دائماً أجمل، مهما بلغ ألمها دائماً أكثر سلوى، الحقيــــقة، مهما ارتفعت قسوتها، لا تنحو أن تكون أكثر تواؤماً مع النفس وأشد احتراماً لها. فإذا كنا وحيدين كمخلوقات ذرية فانية في هذا الكون الشاسع، فلا أقــــــل من أن نعرف الحقيقــــة، لا أقل من أن نحترم الكون ونحترم وجودنا الضئيل فيه فنواجهه بكل عمقه وواقعيــــته ولحظيتنا القصيرة فيه.
وماذا بعد هذا السواد، يبقى زمن قصير لكل منا على هذه الأرض، نستطيع أن نخلق المعنى من خلاله، نعيشه بما يعكس احترامنا لمهابة هكذا كون، كون صَنَعَنا وما عاد يأبه لنا، وضعنا على كرة ثم تركنا لمصير محتوم، ولكن رغم ذلك لا نمتلك سوى أن نحترم قسوته الباردة في عدالتها، فهذا الكون، رغم برودته وظلامه وأبديته وعدميته وقسوته وامتداده ووحدتنا فيه وضآلتنا على ذرة من ذرة منه، يبقى أكثر احتراماً لوجودنا بصدقه الصلف البارد وعدله القاسي الحارق من كل الأكاذيب المحيطة بنا. نحن صناعة التطور الدارويني، كما يقول ريتشارد دوكينز، ولكن هذا لا يعني أن نحيا حياة داروينية يأكل فيها القوي الضعيف. نستطيع في هذه الفترة النانو زمنية لكل إنسان منا على سطح الأرض أن نصنع هدفاً ولو قصيراً، أن نعطي معنى ولو زائلاً، في هذه اللحظة، وفقط في هذه اللحظة يتشكل المعنى، نعيشه بكل أبعاده، فتكون الحياة، ثم بعد لحظة، لا تكون.

تطبيع

د. ابتهال الخطيب

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مسعود -الجزائر:

    الله سبحانه وتعالى اخبرنا انا الذي يبحث في الغيبيات المتعلقة بالحياة الاخرى هو واهم ولن يصل الى شئ مهما بلغ علمه ،وحين يعجزون عن ذلك يرمون الناس الاخرين بانهم يؤمنون باساطير وخرفات ، اتركوا حال الناس انشغلوا بانفسكم .

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    عزيزي Harry، عن اي تحرر تتكلم، الغرب متحرر بالكامل؟ ا كانني اسكن في مجرة ثانية. الغرب متححر في جوانب،
    و ليس متحرر في جوانب أخرى. لا يمكن لاي انسان اي يتحرر بالمطلق. هي علاقة جدلية بين السجن و الحرية سترافقنا
    مدى الدهر.

  3. يقول Harry/uk:

    عزيزي صديقي الراقي .. عبد الكريم البيضاوي . السويد
    قلمك .. ارائك … فكرك .. تجعل الغرب يقف بانبهار و احترام لجيناتك المتطورة التي عاشت بللشرق ثم انتقلت بعالم الغرب .. فاندمحت و تتطورت و سبقت جينات الشرق و الغرب .. و لا يحتاج ان نضعها تحت المجهر حتي ندرس خواص جيناتها المتقدمة .. فهي واضحة مثل الشمس الساطعة و قمر ١٤ هههه .. لكن تطور حيناتك قد يعتبرها بعض من الشرق .. ربما تمرد .. ربما خيانة .. ربما .. ربما كفر هههه … و هم جيتاتهم لا تحتاج مجهر .. لانها تحللت وتوقفت عن النمو و التطور من زمن بعيد ..تحياتي

  4. يقول Harry/uk:

    عزيزي الراقي .. ابن الجاحظ
    جدا شكر ذوقك كرم كلماتك … اسمك .. ابن الجاحظ .. هو اكبر دليل ان جينات الشرق بلزمن الماضي كانت متطورة اكثر من جينات الغرب .. لكن الاجيال التي توارثتها لم تتطورها حتي اصبخ كثر منها جينات ظلامية داعشية الفكر و المنطق و الافعال.
    .تحياتي

  5. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    أخيراً ، اجابت السيدة كاتبة المقال بطريقة غير مباشرة على سؤالي وسؤال اخي رياض و اخوة اخرين ، الواضح المباشر !
    .

    معتقدها توضح و بان معدنه اخيراً ، فشكراً لها من حيث لم تقصد ربما !
    .

    ذكرني هذا المقال بقصيدة “الطلاسم” للشاعر ايليا ابو ماضي ، التي يفتتحها بقوله :

    جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت. ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت. وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت. كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري!

    لا شئ معلوم ، حيرة كاملة ، لا ثوابت ولا حقائق ، حتى الملموسة و المشاهدة عرضة للتبدل و التغيير ! يأتي بعض الناس الى هذه الدنيا والى هذه الارض ، ويذهبون و لا يقين و لا ايمان بمدبر و لا بخالق ، اعراض كامل عن ذكره ، فتكون المعيشة ضنكى و الصدور ضيقة و النظرة سوداوية ، مهما بدا من ظواهر العيش المريح و المترف ،حيث ترى هناك من لا ينقصه شئ من لوازم و متع الحياة لكنه كريشة في مهب الريح لا تستقر على حال من القلق ، و كل ما يمتلكه لا يكفيه و يسعى للمزيد الذي لا سقف له.
    .

    هذا يشمل بعض مدعي الايمان كذلك ، و لكن الحالة هنا يكون الجشع محركها !
    .

    جذب انتباهي عبارتان في هذا المقال هما :

    الاولى :
    “غَرًنا عقلنا الذي أتى لوعيه منذ ملايين السنوات بعد أن كان مجرد ومضة عصبية في خلية بدائية مائية”
    .

    و الثانية :
    “نحن صناعة التطور الدارويني، كما يقول ريتشارد دوكينز”
    .

    طريقة و اسلوب طرح العبارتين ، تبين اسلوب من يمتلك الحقيقة المطلقة في طيهما! رغم الاعتراف سابقاً بأن لاشئ مطلق!

    عقولنا كانت ومضة عصبية في خلية بدائية مائية !

    اتسائل ما الدليل العلمي المادي الذي يجعلني اصدق ذلك و ليست مجرد نظرية و كلام مرسل كرأي يبقى لبشر مهما امتلك من معرفة ، لأن من يؤمن بنظرية ( لاحظ انها لا تزال يطلق عليها نظرية) دارون اوما تسمى بنظرية التطور لا يقبل من المؤمنين ايمانهم لأنه يقوم على الايمان بغيبيات لا يمكن تفسيرها او تحضيرها في المختبر !
    .

    سؤالي ، اين الدليل المادي الملموس على كون ان عقولنا كانت ومضة عصبية في خلية بدائية مائية قبل ملايين السنين ؟! اين اجد ذلك مشاهد ؟
    .

    ان قالوا ان لذلك اثار و شواهد ، فيا سبحان الله ، وهل للمؤمنين غير هذا الكون بأكملة اثاراً و دليلاً ؟

    يتبع لطفاً ….

  6. يقول د. اثير الشيخلي- العراق:

    تتمة رجاءاً …
    .
    العبارة الثانية ، التي تطرح بثقة مستغربة، قول لإمام الملحدين الجدد و نبيهم و كأنه نبي يوحى اليه فعلاً و لا ينطق عن الهوى!
    .
    ريشارد داوكنز هذا سأل في لقاء معه سٌأل سؤالأً تقليدياً يٌسأل عادة لكل ملحد ، لو ثبت ان هناك اله فعلاً و انك ستقابله حتماً بعد موتك ، فماذا ستقول له (اضاف المذيع نوعاً من البهارات الى السؤال حين قال ، و قد منحك كل هذه الملايين من بيع كتبك التي حرضت فيها الناس على انكاره) ؟

    اجاب امام الملاحدة ، داوكنز قائلاً ، أجيب كما اجاب برتراند راسل حين سأل هذا السؤال ، و سأقول له ، “لماذا بذلت كل هذا الجهد لأخفاء نفسك ؟!”
    .

    حقيقة ،لم أتخيل أن امام الملاحدة و لا استاذه عبقري الرياضيات بهذه السذاجة المنقطعة النظير ، واذا كانت هذه طريقة تفكير ائمة الالحاد و انبيائه ، فما بالك بالأتباع ؟!
    .
    جوابه هذا دليل على جهل مطبق ، بالخطة شديدة الوضوح بأكملها ، و عمى عن رؤية الشمس في رابعة النهار ،ربما بسبب الاصرار على أن تكون زاوية الرؤية مختلة تماماً !

    الخطة بأكملها قائمة على التكليف و أن لا تراه عياناً ، و لكن تقر به و تتبعه.
    .

    لو لم يكن الله غيب ، لما اختلف اثنان على الإقرار به و لأختلت خطة التكليف بأكملها!

    الفكرة كلها قائمة على الإقرار بوجوده من اثار صنعته ، و كل ما في هذه الصنعة من إحكام و دقة و حكمة وغاية و كمال وجمال .

    الكلام عن انه بذل كل هذا الجهد لأخفاء نفسه يراها المؤمنون من زاوية اخرى ، كيف كل هذا الوضوح على وجوده و يغفل عن هذا الوضوح الملحدون ؟!

    من أين كل هذا الكون و ما يحويه اذاً ؟!
    .

    احدنا و بضمننا الملاحدة لا يقبلون بحقيقة ان النظارت بعدساتها ليس لها صانع يعقل ما يفعل ، و لكنهم يقبلون بأن العين بكل تعقيداتها التي لم يصل العلم بعد الى الاقتراب من صناعة نظير لها ، و سيبقى تقليدا ً لها حتى في حال الوصول اليه ، لا يقرون بوجود صانع عاقل لها !

    لخص الله نفسه الأمر، في ثماني كلمات ليس إلا بصيغة استفهامية استنكارية، جمعت المنطق كله :

    ” أم خلقوا من غير شئ ؟! أم هم الخالقون ؟!
    .

    ولخصه سيد البلاغة علي بن ابي طالب حين مثلّ قمة الوضوح على وجوده سبحانه حين قال :

    لو تجلى الله لي في علاه ، ما زاد ذاك في إيماني شيئاً !

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      المعادلة النسبية e=mc² تبيّن أن الطاقة تساوي الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء و هذا يبين بأن إنتاج أية مادة يستلزم طاقة هائلة.
      و قد تفكر أينشتاين في حجم الطاقة الذي احتاجه خلق كتلة الكون بما فيه من مجرات عملاقة، إن طاقة هائلة جداً كهذه لا يمكن أن تنتج من العدم، و قد استخلص آينشتاين أن مصدر تلك الطاقة الهائلة جداً هو خالق الكون.
      – منقول من النت –
      ولا حول ولا قوة الا بالله

    2. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      صديقي العزيز الكروي. على حسب معرفتي (وهي ليست كاملة لكن كوني فيزيائي أعرف أينشتاين وأعماله الفيزيائية جيداُ) أينشتاين لم يكن يؤمن بالله خالق الكون بل كان يؤمن بوحدة الله والعالم (أي الكون) وهذا يعني أن الله بالنسبة له هي قوى الطبيعة شاملة وهي فلسفة الطبيعيين ومعروفة منذ زمن الإغريق.

    3. يقول الكروي داود النرويج:

      وبناء على قوانين الجاذبية ، يمكن أن يخلق الكون نفسه من لا شيء ، والخلق العفوي هو السبب في وجود شيء ما ، ومن اجله يوجد الكون ، ومن اجله نوجد نحن ”
      31 أكتوبر 2010م – ستيفن هوكينغ –
      لطالما الملاحدة رددوا هذا الكلام وسيرددونه إلى يوم القيامة والآن من أين أتت قوانين الجاذبية ؟ وأيضا m-theory ؟ هل من المعقول أن تصدر هذه القوانين المحكمة المتقنة هكذا من اللاشئ ؟ في الحقيقة لا أعلم بالضبط ماذا يريد هوكنغ أن يوصله للناس يقول أن الكون ليس بحاجة إلى خالق ؟ يريد الشهرة على مايبدو والله أعلم
      – منقول من النت –
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  7. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    لا ادري ما الم بي بعد قرائة هذا المقال. هل انا غاضب؟ و لماذا؟ لماذا انا متضايق؟
    كان نص المقال فيه اشياء تضايقني، و ان هنا لا اتدخل في طريقة كتابة، بل اعبر عن احساس الم بي.
    كان اشياء اعتدنا على وجودها هنا قد ابتترت عنوة، و اشياء اخرى صارت بارزة وهذا لم نعتده.
    .
    ربما بين السطور اشياء قد التقطها و انا هنا اقول، انا موافق، و لا احد يستطيع سلب الكاتبة منه،
    لكن يا د. ابتهال مقالك اليوم بحتث قيه عن بعد خاص يميزك، و لم اجده. انا الآن في انتظار. طاب نهارك.

  8. يقول الكروي داود النرويج:

    حياك الله عزيزي الدكتور أثير وحيا الله الجميع
    هذا ما نطق به لسان الفطرة عند الأعرابي عندما سُئل عن دليل وجود الله ؟
    فقال: البعرة تدل على البعير .. والأثر يدل على المسير .. فسماء ذات أبراج .. وأرض ذات فجاج .. ألا تدل على العليم الخبير ..
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  9. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

    عندما نقول أن الكون يتألف من مجرات ونجوم وكواكب هل هذا يعني أن هذا إنكار لوجود الله! ونحن نعرف اليوم كثيراً مما يكن معروفا عندما جاء الإسلام والأديان الأخرى. ومع ذلك هذه المعرفة لا تعني بالضرورة إنكاراً لوجود الله ويوجد علماء يبحثون هذه المجرات ومنهم من يؤمن بالله الخالق ومنهم من لا يؤمن بالله الخالق أيضاً. بالنسبة لنظرية داروين الأمر لا يختلف فالمسألة هي فقط كيف يمكن التوفيق بين الإيمان العلم. وهنا في الدين لا يوجد إكراه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) فكيف في العلم أي أننا نحن أحرار لكن هناك فرق بين الحرية البدائية الأولية (حرية الغابة) والحرية الإنسانية المرتبطة بالحضارة والتطور البشري وهنا القصة طويلة لكنها بديهية أيضاً فمثلاً الحريات الأساسية يجب أن تصان في أي مجتمع إنساني. وهنا تصبح الحرية كالمنزل الذي نعيش فيه نستطيع أن نسكنه ونخرج منه بإرادتنا ولنا جيران …. أما السجن فهو ليس مسكناً وإن كان بناء كالمسكن!. من ناحية داروين فلقد استمعت في كنيسة قرب الجامعة هنا في ألمانيا حديثا (في في إحدى المناسبات الموجه للطلبة خصوصاً) لأستاذ جامعي وقسيس! وقد اتخذ نظرية داروين وبالطريقة ذاتها كما ورد في مقال الأخت ابتهال ( الإرادة الحرة الكاملة التي تغيب تماما تحت التشكيل الجيني ثم «التطبيع» المجتمعي) على أنها دليل لتبرئة البشر من الذنوب حيث تم تخليصهم من الذنوب بتضحية السيد المسيح ابن الله من أجل البشر. إذا الجميع رجال الدين على اختلاف ديانتهم والسياسة على اختلاف انتمائهم وآخرين كثيرون يحاولون تطييع وتسخير العلم لخدمة قناعتهم أو أيديولوجيتهم وأهدافهم وعادة بقصد وبعمل منظم أما العلم بحد ذاته فهو حيادي ( رغم تعارضه في بعض الأحيان مع الدين أيضاً) حيث يمكن استعمال نظرية الذرة لاستغلال الطاقة الشمسية أو المفاعلات الذرية السلمية (لكنها خطرة عندما لا تكون أمنة تماما) أو لصناعة القنبلة الذرية المدمرة. وبالنسبة العلم والإيمان يمكن التوفيق بينهما إذا تركنا الصراع الأيديولوجي العدمي بعيدا وتمسكنا بقبول الأخر وبروح الانفتاح بدون الإلغاء والإقصاء وعدم الرفض المسبق أو القسري لأي تفكير أوتجديد للفكر الإنساني هنا تصبح الحرية لها معناها الإنساني الذي يسمح بالتطور الحضاري.

    1. يقول رياض- المانيا:

      اخي اسامة بعد التحية، هل فهمت انت من المقالة ان السيدة الكاتبة تعترف بوجود الله؟ ان كنت فهمت هذا فادعوك لقراءة المقالة مرات عديدة. الحقيقة ان هناك انكار كامل لوجود الله. وهذا لا دخل للكواكب والنجوم والسماء فيه. وهذا بكل الاحوال رأيها وكما قال الدكتور اثير هو اجابة على سؤال طرح. لا تعارض بين الدين والعلم ابدا.

    2. يقول Ossama Kulliah أسامة كليَّة سوريا/المانيا:

      أخي رياض الله أعلم بما في الصدور وفي أعتقادي أن هذا لا يتفق مع الحوار السليم وأن الحكم على الناس ليس سليماً بل خطأً وبرأيي الإيمان بالله ليس أساس الحكم على أي شخص أبدا. وانت تعرف أن بشار الأسد كان يذهب ويصلي مع الحسون في جوامع دمشق بينما براميله المتفجرة وأسلحته الكيماوية تقتل الأطفال بأبشع الطرق!

  10. يقول خليل ابورزق:

    لنواجه الحقيقة و لنعترف اننا نواجه في الشرق و في كل البلاد العربية تحديدا حالة ليست من غياب الحرية و لكن من القهر المتراكم و المتزايد و الذي يمكن من خلاله تفسير كل ظواهر التخلف السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و العلمي و القيمي التي نعانيها. و التي في تراجع مستمر.
    قالت الكاتبة ان الانسان القديم كان اكثر تحررا. واستطيع القول اننا حالة خاصة في الشرق. و ان الانظمة السياسية في بلادنا بنوعيها الابوي و العسكري الديكتاتوري هي اهم اسباب حالة غياب الحرية بل حالة القهر السائدة.
    لقد لمست بنفسي على مدى خمسة عقود من تنقلي في البلاد العربية تراجع درجة وقيمة الحرية في بلادنا بقدر تطور و ترسيخ النظام السياسي فيها. فقد لمست ان الانسان العادي في الخليج قبل 40 عاما كان حرا الى حد كبير بالنسبة للانسان العادي في مصر او في بلدان الشام و العراق. ثم لمست ان الانسان العادي في اليمن قبل 30 عاما كان حرا بالنسبة لغيره حتى بالمقارنة مع الانسان العادي في الخليج. و هكذا نجد ان الانظمة السياسية كلما ازدادت رسوخا زاد تقييدها للحريات السياسية و الحريات المدنية. و تجتهد هذه الانظمة بقتل اي فرصة للابداع و التفوق. و على الرغم من تضاعف عدد السكان الا اننا نشهد تضاءل نسبة النخب في كل المجالات. وهذا طبيعي فان معظم النخب الكبيرة نشأت في اوقات ضعف سطوة النظام السياسي او اوقات الاستعمار حيث كان التحرر مبدأ لا نزاع فيه

1 2 3 4 5

إشترك في قائمتنا البريدية