بغداد ـ «القدس العربي»: لا تزال المحافظات الجنوبية في العراق، تشهد تظاهرات يومية، للمطالبة بتوفير الخدمات وفرص العمل، وإقالة المسؤولين المقصرين بتنفيذ واجبهم، والمتهمين بالفساد.
وفي كل تظاهرة، تقدم قوات الأمن على اعتقال عددٍ من المتظاهرين «من دون أوامر قبض قانونية»، قبل أن تقرر فيما بعد بإطلاق سراحهم بـ«كفالات ضامنة»، وتعهدات.
في العاصمة بغداد علمت «القدس العربي»، من أحد الناشطين بأن قوات الأمن اعتقلت 16 متظاهراً في تظاهرات الجمعة الماضية، ولم يتم إطلاق سراحهم حتى الآن، مشيراً إلى إعداد «قائمة» بأسماء عدد من الناشطين لدى القوات الأمنية، لغرض اعتقالهم في الأيام المقبلة.
في المقابل، نفت وزارة الداخلية الاتحادية،» تلك الأنباء، معتبرة إن الهدف من وراء ذلك هو «إحداث الفوضى» وإضعاف الثقة بين قوات الأمن والمواطنين.
وقالت في بيان :»في إطار استمرار حلقات المسلسل التخريبي الذي يظهر مع كل تطور في الشأن الداخلي للبلاد في مسعى محموم لأحداث فوضى وخلق ضبابية حول هذه التطورات، وهو غالبا ما يستهدف القوات الأمنية لإضعاف ثقة المواطنين بها وهذا لم ولن يحدث مطلقا».
وأضاف البيان: «بناء على ما تناقلته بعض مواقع التواصل الاجتماعي من أخبار عارية تماما عن الصحة تتلخص في إطلاق هذه المواقع مزاعم أن وزارة الداخلية تعد قائمة مطلوبين للاعتقال من الناشطين والمتظاهرين بعد الاتفاق مع القضاء على إصدار قوائم سلفا على حد ما زعمته هذه المواقع المغرضة».
وأشار إلى «وزارة الداخلية وفي الوقت التي تنفي هذه المزاعم جملة وتفصيلا، وتترفع بنفسها والقضاء العراقي العادل عن هذه الأكاذيب تود أن تؤكد أن قواتها الأمنية ستبقى تحمي كل تظاهر سلمي يعبر عن الحقوق ويكون بعيدا عن التخريب والاساءة للمصالح العامة والخاصة لأنها تنفذ توجيهات الحكومة بهذا الصدد وستبقى عيون أبنائها ساهرة على الأمن والقانون وبالمرصاد لكل من تسول له نفسه العمل خلاف ذلك».
ودعت، حسب بيانها، وسائل الإعلام المختلفة إلى «اعتماد المصادر الحقيقية للأخبار وعدم الترويج للأخبار الكاذبة كي لا نعطي لمروجيها دعما يمكنهم من الاستمرار في الكذب والخداع»، مشيرة إلى أنها تتمسك بحقها القانوني في اتخاذ الإجراءات الرادعة بحق كل من ينقل أو يلفق أو يفبرك معلومات وأخبار كاذبة عن عملها بهدف تأجيج الأوضاع».
وفي ظل تواصل التظاهرات، قال المحلل السياسي، مسؤول مركز الهدف للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي) هشام الكندي، لـ«القدس العربي»، إن «المحافظات الجنوبية تعاني من مظلومية كبيرة. يجب أن تكون هناك عدالة بين جميع العراقيين»، مبيناً أن «الدستور العراقي ينص على إن الثروات توزع على حسب نسبة السكان».
وأشار إلى أن «البصرة تغذي موازنة العراق، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 4 ملايين نسمة، لكنها تحصل على 1.5٪ فقط من الموازنة المالية الاتحادية، فيما يحصل إقليم كردستان العراق الذي يضم نحو 7 ملايين نسمة 17٪ من الموازنة. هذا ظلم كبير».
ورغم ذلك، المحلل السياسي أقرّ أن «الحكومة استجابت لبعض مطالب المتظاهرين مثل إطلاق الدرجات الوظيفية، وتنفيذ بعض المشاريع الخدمية»، لكنه لفت في الوقت عيّنه إلى أن «هناك مطالب تحتاج إلى فترة زمنية».
واعتبر «الوعود الحكومية وإن جاءت متأخرة فإنها أفضل من أن لا تأتي».
مغازلة الجماهير
ودفع الحراك الاحتجاجي الذي دخل أسبوعه الثالث، القوى السياسية في العراق، إلى تبني «خطاب جديد» يغازل مشاعر الجماهير الغاضبة، يستند على «توفير الخدمات» كأبرز الملفات التي ستعمل على تنفيذها الحكومة الجديدة.
أفكار رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تطابقت مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، في ضرورة أن «تلبي الحكومة المقبلة «مطالب الشعب» في تقديم الخدمات وخلق فرص العمل».
جاء ذلك خلال استقبال العبادي لبارزاني ورئيس ديوان رئاسة الإقليم فؤاد حسين أمس، في العاصمة العراقية بغداد.
وحسب بيان لمكتب العبادي، فإن اللقاء تضمن «مناقشة الأوضاع السياسية والعامة في البلد، وبحث عدد من الملفات المشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان، بما يحقق وحدة ومصلحة العراق».
كما جرى التأكيد على أهمية «التواصل وتبادل الحوار بما يعزز العمل الوطني المشترك، بعد أن تضافرت الجهود في تحقيق النصر على عصابات داعش الإرهابية والتعاون بين القوات الأمنية بمختلف صنوفها والبيشمركه، وأهمية الحفاظ على هذا التعاون لإبعاد أي خطر عن العراق»، حسب البيان.
وشهد اللقاء «تقارب وجهات النظر تجاه معالجة التحديات التي يواجهها البلد، والمرحلة المقبلة والسير قدما لتشكيل الحكومة القادمة بما يحقق مطالب الشعب العراقي في دعم الاقتصاد والاعمار وتقديم الخدمات وخلق فرص عمل». ويرى مراقبون للشأن السياسي، أن هناك «تحديات كبيرة» تنتظر الحكومة الجديدة، أبرزها تلبية مطالب جميع المكونات.
الموقع الرسمي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة الراحل، جلال طالباني، نقل تصريحاً لرئيس المركز العراقي للتنمية الإعلامية (منظمة غير حكومية)، عدنان السراج، أكد فيه أن «أمام الحكومة الجديدة مهام صعبة، وعليها اجتياز العديد من الحواجز والخطوط من اجل الجمع بين مطالب الكتل السياسية، في نفس الوقت طرح مشروع جديد يتناغم مع بناء الوطن الجديد بمشاركة جميع المكونات».
وأضاف: «على الحكومة الجديدة تحقيق مطالب الجماهير كافة، وليس المحافظات الجنوبية فقط، وعليها تلبية مطالب الشعب الكردي أيضاً والتي تتعلق بالرواتب والمواد الدستورية والمناطق المستقطعة، بالاضافة إلى تلبية مطالب المناطق السنية التي شهدت معارك كبيرة بالإعمار واعادة النازحين».
وتابع: «ستكون أمام الحكومة الجديدة مهمة شاقة جداً، لكن إذا تعاونت الكتل السياسية في اختيار حكومة خدمية قادرة على تجاوز الأزمات فإننا سنحقق الشيء الكثير، وإذا لم تتعاون الكتل وأصرت على النمط نفسه في المحاصصة والشد والجذب فستبقى الأمور عالقة، ويمكن أن تتطور إلى مشاكل وخيمة تهدد أمن العراق».
مشروع الكتلة الأكبر
في الأثناء، يؤكد زعيم ائتلاف «دولة القانون»، نوري المالكي، أن مشروع الكتلة الاكبر «يشق طريقه بوضوح وقوة»، داعياً في الوقت ذاته إلى «العمل المشترك» لتحقيق الأهداف التي تهم المواطنين، فيما أشار إلى أن مشروع الكتلة الأكبر «يشق طريقه بوضوح وقوة».
وقال مكتبه في بيان، إن «رئيس ائتلاف دولة القانون استقبل، اليوم (أمس)، وفدا سياسيا من محافظة الانبار يضم النواب الفائزين عن محافظة الأنبار برئاسة محمد الحلبوسي (محافظ الأنبار)»، مبينا أن «جرى خلال اللقاء تدارس مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد، فضلا عن مناقشة مرحلة ما بعد عملية العد والفرز اليدوي ومصادقة نتائج الانتخابات».
وأكد المالكي «على وحدة الكلمة والصف وحمل هموم أبناء الشعب العراقي والتعبير عنها بصدق وجدية»، وفق البيان الذي نقل عنه قوله أيضاً: «مشروع الكتلة الأكبر يشق طريقه بوضوح وقوة وجميع من يُؤْمِن بتشكيل تحالف الأغلبية مدعوون للمشاركة»، داعياً إلى «العمل المشترك لتحقيق الأهداف التي تهم المواطنين جميعا كعودة النازحين والمهجرين وإعمار المدن وحل مشكلة البطالة ورفع مستوى الخدمات وإنجاز برنامج حكومي عبر مشروع أغلبية سياسية وطنية وحكومة قوية تعالج الأزمات والعقبات وتحقق الانجازات للشعب».
وفد نواب الأنبار أبدى ترحيبه بـ«الخطوات الرامية لتشكيل الكتلة الأكبر، واستعداده في أن يكون جزءا أساسيا منه لتسهيل عملية تشكيل الحكومة بأسرع وقت».
وعلمت «القدس العربي» من مصدر مطلع، إن المالكي توجه أمس إلى دولة الكويت، في زيارة تستمر ليوم واحد، من دون أن يدلي بمزيد من التفصيلات باستثناء إن ملف الزيارة سيكون «بحث الملفات المشتركة بين البلدين».
ويخشى ائتلاف المالكي من «زوال» الأحزاب المتنفذة في العراق، على وقع الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تشهدها البلاد.
وقال النائب السابق عن «دولة القانون» منصور البعيجي في بيان: «على القوى السياسية أن تتعاون فيما بينها من أجل تشكيل حكومة قوية قادرة على العمل، وأن تدير البلد بعيدا عن أي تدخلات سواء كانت خارجية أو داخلية».
وأضاف أن «تشكيل الحكومة من قبل الكتل السياسية بعيدا عن التدخلات الخارجية لن يتيح أي فرصة لأي تدخل من قبل هذه الدول وسيصب في مصلحة البلد من خلال تشكيل حكومة قوية قادرة أن تنهض بواقع البلد وعلى جميع الأصعدة والمجالات الأخرى التي يطالب بها أبناء الشعب».
ورأى أن «الأحزاب السياسية أمام اختبار خطير وأخير خلال المرحلة المقبلة لانها إذا لم تقدم شيئا للشعب فإنها ستكون بحكم المنتهية، ولن يكون لها موقع في العراق، والمرجعية أكدت على هذا الأمر، لذلك على الأحزاب جميعا أن تعمل على تحقيق ما أراده الشعب وتترك مصالحها، وإلا ستكون نهايتها قريبة جدا وهي الفشل الذريع ولن يكون لها وجود».
حكومة مدنية قوية
في الأثناء، دعا بطريرك الكلدان بالعراق والعالم الكردينال لويس روفائيل ساكو، إلى تشكيل حكومة «مدنية قوية» تدير شؤون البلاد، مطالباً باعتبار القدرة والخبرة أساسا لاختيار الأشخاص للمناصب العليا والدرجات الخاصة بعيدا عن المحسوبية، إضافة إلى ضرورة استرجاع المال العام وإحالة الفاسدين إلى القضاء.
وقال في بيان: «يجب تدارك الأمور قبل فوات الأوان، لذا ينبغي الإسراع بتشكيل حكومة ائتلاف مدنية قوية لإدارة شؤون البلاد، والبدء بمشروع نهضوي متكامل للتغيير والتطور والتناغم الوطني والدولي، من خلال توفير الأمن والحقوق المدنية والسياسية، وتعزيز القيم الإنسانية الأساسية والديمقراطية، إضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة، وتعزيز دور المؤسسة العسكرية وابعادها عن الأحزاب والمحاصصة الطائفية».
وطالب، بـ«تطبيق ضوابط صارمة في اختيار الأشخاص للمناصب العليا والدرجات الخاصة، استناداً إلى الاقتدار والخبرة وليس على المحسوبية، وضرورة إحالة الفاسدين إلى القضاء واسترجاع المال العام، وتوظيف أكبر عدد من الشباب العاطلين وتقوية الاقتصاد الوطني، من خلال إحياء مشاريع زراعية وصناعية وسياحية، فضلا عن تشجيع المواطنين الميسورين على الاستثمار»، مؤكدا على «أهمية تحديث البنى التحتية من خلال تخصيص أموال لضمان الكهرباء والماء وتحسين الشوارع والجامعات والمدارس والمستشفيات وتنفيذ هذه المشاريع بمهنية عالية».