تعالوا نركب «آلة الزمن» مع الأديبة د. مانيا سويد

حجم الخط
14

كتاب يشبه الموسوعة اسمه «سينما وأدب في 100 عام بين (1915 ـ 2015م) تأليف د. مانيا سويد» صادر عن دائرة الثقافة والاعلام ـ الشارقة.
أهدتني إياه المؤلفة وتوهمت حين كنت استعد لمطالعته انني امام (ميني موسوعة) لأخذ العلم والاطلاع ولأهل الاختصاص السينمائي. لكنني فوجئت وأنا أطالعه أنه ينتقل بالقارئ إلى حالة وجدانية شبه ذاتية، وأن د. مانيا حتى تتحدث عن السينما تنصب لنا فخًا جميلا سيسرنا أن نقع فيه: إذ ان الكثير من الأفلام التي تتحدث عنها تحرك ذكرياتنا الشخصية يوم شاهدناها وأين، وانطباعنا الذاتي عنها بغض النظر عن رأي «نقاد السينما» المحترفين..

بين غسان التويني وسمير نصري

الراحل غسان التويني صاحب جريدة «النهار» البيروتية المعروفة كان حين يرغب في مشاهدة أحد الأفلام يسأل مَن حوله في مقهى «الهورس شو» الذي كان مقابل مكاتب جريدته يومئذ: ما هو الفيلم الذي مدحه سمير نصري لأتحاشاه
والطريف ان سمير كان الناقد السينمائي في «النهار» ويطري غالبًا الأفلام المملة التي لا يرغب الكثيرون في مشاهدتها والتي يعشق بعض نقاد السينما الكتابة مطولا عنها
وسواء صحت تلك الحكاية التي سمعتها من العديد من العاملين في «النهار» أم لم تصح، ولكنها تدل على الهوة بين بعض (نقاد السينما المحترفين) والمتفرج الذي يلقبه بعض «أرباب النقد» بالعادي.

مانيا لم تقع في هوة العجرفة

في كتابها الجديد الموسوعي لم تقع د. مانيا في «فخ العجرفة» النقدية بل اختارت أفلامًا (تحدثت عنها في كتابها) أحبها المتفرج ولقيت إقبالا جماهريًا كبيرًا من دون ان تنقصها القيمة الإبداعية وبعضها عن روايات لكبار المبدعين… ومعظم ما تتحدث عنه د. مانيا نال جوائز عالمية في العديد من حقول الفن (الإخراج ـ التمثيل ـ الديكور ـ الملابس ـ السيناريو ـ إلى آخره)
ويستطيع القارئ ان يتخيل مدى الجهد الذي بذلته د. مانيا سويد للكتابة عما تقدم وباختزال وثراء في المعلومات. فالكتاب يقع في 616 صفحة.

فيلم آخر على شاشات قلوبنا

فيلم «تيتانيك» مثلا عن الباخرة العملاقة التي غرقت مانيا تقدم المعلومات عن تاريخ صدور الفيلم وأبطاله ونجاحه الكاسح جماهيريا وفنيا بحصوله على العديد من جوائز الأوسكار وبكل دقة موسوعية. ولكن القارئ لا يتذكر الفيلم وحده بل يتذكر أيضا مشاعره حين شاهده.. مانيا تنصب للقارئ شاشة في قلبه لتعيده إلى مشاعره الأولى. مانيا توقظ الشياطين القديمة في قلب المتفرج. ومن طرفي تذكرت غرور كابتن الباخرة بقوتها وعدم استماعه إلى نصائح معاونيه بخفض سرعتها مما سبب الكارثة… واصطدامها العنيف بجبل جليدي وغرقها.
وذكرني ذلك ببعض الحكام العرب الذين يقودون سفن الوطن إلى الدمار بفعل الغرور ووهم القوة ولا ينصتون إلى تحذير الناس والادباء، والمفكرين. فكل فيلم نراه يعكس فيلما آخرَ على شاشات قلوبنا.
فيلم «أماديوس» عن الفنان الكبير المبدع موتزارت وحياته القصيرة كطفل شارد بين أصابع البـــــيانو ذكــرني مثلا بالغيرة منه وسواه من المبدعين الطيبين لدى الكثيرين الذين لم يحظوا بالموهبة بل بالمكانة الاجتماعية والسياسية… أي بسالييري قليل الموهبة الذي حاول الاستقواء بمركزه في الدولة لتدمير موتزارت الثري بالإبداع منذ الطفولة، وحين زرت المدينة الأم لموتزارت أي سالزبورغ وجلست في الساحة مقابل بيته الأول في أحد المقاهي سمعت صوت (المزمار المسحور) من تلحينه ولحقت به إلى أعالي الجبال

غارة على ذاكرة

الأفلام كلها تقريبا التي اختارتها مانيا للحديث عنها واحسنت اختيارها تزخر بقيمة إبداعية في القصة كما في الإخراج والتمثيل، وتجسد الزواج الناجح بين الابداع الروائي والسينمائي. ومنها على سبيل المثال:
آنا كارنينا لتولستوي ـ «مرتفعات ويذرينغ لايميلي برونتي» ـ عربة اسمها الرغبة لتينيسي وليامز ـ لمن تقرع الاجراس لهمنغواي، وسواها كثير.
مع د. مانيا نركب «آلة الزمن» ونعود إلى أول فيلم شاهدناه وبقية أفلام الذكريات الشخصية فكل فيلم يحرض فينا فيلما آخر على شاشة الذاكرة له صلة بمشاعرنا يوم شاهدناه، وبهذا المعنى تنجح د. مانيا في ايقاظ الصلة بين حياتنا اليومية وحقيتنا الداخلية التي قد نسهو عنها في غمرة الركض اليومي الروتيني، أي ركضنا اليومي خلف (الجزرة الذهبية) المعيشيةن ونحن حين نقوم مع د. مانيا بجولة في «آلة الزمن» على أفلام شاهدناها منذ أعوام بعيدة، نتذكر كيف كنا ونعيش المناخ النفساني الذي عشناه (ونسيناه)! ويرسم الصوت السري في قلوبنا.

لم الأفلام الغربية لا العربية؟

سؤال كان سيطرحه الكثيرون على د. مانيا وتجيب مقدما عنه بقولها: وجدت ثراء مرجعيا بالنسبة للسينما والأدب العالميين عموما، الغربيين خصوصا حيث تعددت وتنوعت مصادر البيانات والمعلومات، في حين انني صادفت شحا نسبيا في تلك المرجعيات والمصادر بالنسبة للسينما والادب الشرقيين عموما والعربيين خصوصا، فآثرت اختيار المتوفر».. وهو جهد مشكور ومن لا يعجبه ذلك فيتفضل وليسد النقص في عمل إيجابي بدلا من سهولة النقد السلبي.
ولن يفوتني التنويه بجاذبية غلاف الكتاب الملائم للنص وهو من تصميم ضياء الدين الدوش.
أكرر: مع مانيا سويد نركب «آلة الزمن» ونعود بها إلى أول فيلم مسحنا دموعنا سرا مع خاتمته قبل إضاءة السينما استعدادا للخروج لكي لا يرى أحد حقيقة قلوبنا ويكتشف كم هي هشة وعاطفية.
وكتاب د. مانيا سويد ليس فقط وثيقة أكاديمية ولكنه أيضا كتابة جمالية إبداعية مرهفة السطور.

تعالوا نركب «آلة الزمن» مع الأديبة د. مانيا سويد

غادة السمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول نجم الدراجي - العراق:

    استاذي الكببر رؤوف بدران اسعدت مساءاً
    ما أجمل محطتك النقيه الخالصة ياسيدي حيث فلسطين والفلكلور والعادت والتفاليد ، كنت أنتظر هذه المحطة لانطلق في رحاب فضاءها الواسع ، شكراً للايقونة غادة السمان التي تتوارد الخواطر في اركان صالونها بلحظة حرية ، لنا موعد مع التألق الفكري
    الف تحية للنبيل رؤوف بدران ولكل الاصدقاء الحاضرين والغائبين
    نجم الدراجي.بغداد

  2. يقول ابن الوليد. المانيا.:

    بكل صراحة و احترام لايقونة الاذب العربي، كالعادة ساقول رايي و هو لا يلزم احدا غيري،
    .
    عادة لما نريد تقديم اي منتوج كان كتابا او فلما … نحاول ربطه بما يشغل الناس، و بما يستهلكونه بشغف،
    كي تحرك اوثار اللاشعور … هكذا نسبغ على المقال شيئا من الجدية و لو ان موضوعه هو تقديم منتوج.
    اول ارتسامة لي و انا اقرأ المقال، وجدت ربط التايتانيك بحكام العرب المغضوب علبهم منا جميعا و لا نشبع
    من مقالات نقد في حقهم هو محاولة تطويع موضوع المقال لربطه بما يشغلنا كلنا.
    .
    لذلك، و قد اكون مخطئا طبعا، كتبت تعليقي اعلاه، و بكل ود و احترام للسيد غادة و للسيدة مانيا سويد.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية