تعقيبا على مقال صبحي حديدي: يوم ليوبولد بلوم العجائبي
حي يقظان
كما قلتُ في موضع آخر، وفي هذا اليوم بالذات من السنة الفائتة، ما يسمى بـ«يوم بلوم» Bloomsday الواقع في 16 حزيران (يونيو) 1904، إنما يُعتبر، من حيث سعة الخيال الأدبي وقوته، أطولَ يومٍ في تاريخ الأدب المكتوب باللغة الإنكليزية برمَّتهِ – وهو، على أرض الواقع أصلاً، اليومُ الذي تمَّ فيه اللقاءُ الغرامي الأول بين جيمس جويس نفسهِ وحبيبته نورا بارْنَكِلْ التي أصبحت زوجتَه فيما بعد. إذن، فقد كان الكتاب الخالد «يوليس» أو «عوليس» (ولا أقول رواية، لأسباب بيَّنتُها هناك) بمثابة هدية ثمينة خاصة من الكاتب إلى رفيقة عمره من أجل تخليد ذلك اليوم تخليدًا عالميًّا. وبما أن ليوبولد بلوم نفسَهُ يظهرُ في الكتاب بصفته يهوديًّا من يهود إيرلندا القلائل (المتحدرين من شعوب مجرية)، فإن العديد من الصهاينة المتعنِّتين بقوميَّتهم المفرطة يعمدون إلى استغلال فحوى «يوم بلوم» هذا وتأويله على أنه رمزٌ لزمن «اليهوديِّ التائه» Wandering Jew الذي سيعود إلى وطنه «الأم» (أي إسرائيل، رغمَ أنها مُوجَدَةٌ استعماريًّا) في آخِر المطاف. وعلى فكرة، ونكايةً بمن يصرُّ على تعنُّته من أولئك الصهاينة وأمثالهم، حتى الرسول محمد مذكور في الكتاب ذكرًا «عابرًا» على طريقة تداعيات ما سُمِّي بعدئذٍ بـ»تيار الوعي»Stream of Consciousness، تلك التداعيات التي تستحضر إنسانيةَ الرسول المدهشة من خلال الإشارة إلى رفقه اللافت بالحيوان (وتحديدًا، قصته الشهيرة مع القطة التي نامت على أذيال عباءته، حينما كان يخطب في الأمة لساعاتٍ وساعات) ومن خلال تألُّمه الشديد على البائسين والمعذبين في الأرض.
مرة أخرى، فيما يخصُّ الاحتفالات السنوية الواسعة والمزعومة (والمُفَبْرَكة، في أغلب الأحيان) بنهار متخيَّل تخيُّلاً فنيًّا محضًا، فهي لا تعدو أن تكون برهانًا قاطعًا على نفاق الحكومة الإيرلندية السافر والفاضح، تلك الحكومةِ التي صارت، من جهةٍ، تدرُّ الأموالَ الخيالية من جرَّاء رعايتها «الوفيَّة» و«المخلصة» لتلك الاحتفالات، والتي كانت، من جهةٍ ثانية، تمارس كلَّ أنواع القمع والقسر والاضطهاد بحقِّ كاتبٍ مبدعٍ أبداعًا فريدًا من نوعه، كاتبٍ عاش جُلَّ حياتهِ بعيدًا عن مسقط رأسه دبلن، ولكنه لم يكتب في سيرته الأدبية كلِّها سوى عن دبلن، لكي تكون مدينةَ المدائن في تاريخ الأدب العالمي الحديث.
جيمس جويس
شكرا أستاذنا الكريم حي يقظان على هذه الملاحظات القيمة..
فما زلت على العهد تسلط الأضواء على أشياء خافية حتى على الكثير من من يعتبرون أنفسهم مثقفين في هذا الزمان..
بوركت يداك.. وسلمت يراعك أينما حللت وأينما نزلت..
أحييك أستاذ حي يقظان الفذ …
كلام رائع وبارع وفي الصميم فعلاً …
خاصة في ما يتعلق باستغلال تأويل يوم بلوم من قبل الصهاينة المتعنتين …
وخاصة في ما يتعلق بذكر الرسول الكريم في كتاب جيمس جويس الخالد «يوليس» …