رغم الخلاف مع اختيارات السياسة والاقتصاد الحاكمة في الداخل المصري، فلا أحد عاقلا ينكر دواعي السلامة النسبية في الجانب الآخر، وبالذات في الاختيارات الدولية والإقليمية، فقد خرجت القاهرة من أحادية الاعتماد على العلاقة الخاصة المتعثرة مع واشنطن، وطورت علاقات متقدمة مع روسيا والصين وأقطاب أوروبا الكبرى، والأهم أنها تستعيد باطراد عافية دورها في تفاعلات إقليمها ومنطقتها العربية.
في الدائرة العربية الألصق بمصر، يبدو دور القاهرة هو الأبرز بامتياز في ليبيا، وكانت ليبيا قد تركت تماما لدواعي التفكيك، وتحولت إلى مصدر خطر داهم على الأمن المصري المباشر، ومع التفاعلات المحتدمة في الداخل المصري بعد ثورة 25 يناير 2011، لم يكن أحد يهتم بالمخاطر المقبلة من خراب الدولة الليبية، بعد انتفاضة متعثرة، جرى فيها استدعاء الخارج الأطلنطي والاقليمي على نحو فادح، ثم تركوها لمصائر الهوان، وانتشار جماعات التطرف والإرهاب، وإلى أن صارت ليبيا مرتعا لميليشيات دينية ولصوصية وقبلية، ناهزت الألفين عددا، وسرعان ما تحطم أثر الديكورات الديمقراطية المنتخبة في ليبيا، وتشكلت حكومات جهوية تنكر إحداها الأخريات، وكان الخطر يتفاقم، وإلى أن انتبهت مصر إلى المأساة الليبية في السنوات الأخيرة، وجرى تعميق الاهتمام، وعدم الاقتصار على تصريحات الدبلوماسية الباهتة، وجرى تشكيل «اللجنة الوطنية المصرية» المعنية بليبيا، ومن قلب أجهزة الدولة المصرية الصلبة، وأوليت رئاستها إلى رئيس أركان الجيش المصري الفريق محمود حجازي، وكان المغزى ظاهرا، فلم تعد مصر بصدد اهتمام عابر بما يجري في ليبيا، التي تجمعها بمصر حدود طويلة مكشوفة تزيد على الألف كيلومتر، وتعد سلامتها الداخلية ضمانا مباشرا لحيوية الأمن المصري، ومن وقتها، توالت النجاحات المصرية في ليبيا، اعتمادا على دعم مجلس النواب الليبي المنتخب، وعلى دعم وتطوير الجيش الوطني الليبي المعروف أحيانا باسم «قوات حفتر»، وعلى روابط واسعة بقوى وطنية واجتماعية ليبية لا تستثنى أنصار الرئيس الراحل معمر القذافي، وأثمرت السياسة المصرية المخططة في خلق القطب الحاسم على خريطة التفاعلات الليبية، كان الحرص المصري بارزا على دفع الخطر بعيدا عن الحدود، ونجح الجيش الليبي المدعوم مصريا في مواصلة الحرب لسنوات، وإلى أن صارت الخرائط من السلوم إلى بنغازي محررة بالكامل، باستثناء جيب صغير في»درنة» تجري معالجته، ثم كانت القفزة الكبرى، بتحرير جيش حفتر لمنطقة «الهلال النفطي» من هيمنة العصابات، ثم التحول إلى الجنوب الليبي، ونشر سيطرة الجماعات القريبة من مصر على غالب الجنوب، ومساحات في الغرب الليبي، ولم تعد من عقبة عسكرية ذات بال سوى في مدينة «مصراتة»، وروابط فئات فيها مع جماعات تعدها مصر الرسمية معادية لها كالإخوان والجماعة الليبية المقاتلة، وهو ما يفسر اقتراب السياسة المصرية أخيرا بذكاء من التفاعلات الداخلية في «مصراتة»، وإقامة جسور بينها وبين المؤيدين لجماعة حفتر في الشرق والجنوب، وبصرف النظر عن تفاصيل قد لا يتسع المقام لذكرها، فقد حققت السياسة المصرية في ليبيا نجاحا مؤثرا، وصار دور مصر هو الرقم الأصعب في المعادلة الليبية كلها.
وفي الدائرة الألصق ذاتها، عانت مصر من علاقات مضطربة بالحكم السوداني، خاصة بعد إطاحة حكم الإخوان في مصر مع ثورة 30 يونيو 2013، والعلاقة القديمة المستجدة بين الإخوان وحكم البشير، والتردد السوداني في الوقوف مع مصر، بصدد نزاعات «سد النهضة» الإثيوبي، وإثارات الخرطوم الدورية لقضية «حلايب وشلاتين» المحسوم أمرها تاريخيا لصالح مصر، لكن السياسة المصرية الرسمية امتازت بهدوء أعصاب نادر تجاه المنغصات كلها، وحفظت علاقات القاهرة والخرطوم من تدهور إضافي، وزادت السياسة المصرية بالقفز مجددا إلى العمق الإفريقى من حول منابع النيل، وأقامت علاقات دافئة مع أوغندا وتنزانيا والكونغو وغيرها، واستفادت من تحولات الريح على القمة الدولية، ومن العلاقة الوثيقة المتطورة مع السعودية، وبما جعل الخطر المقبل من السودان في حدود أخفض، وأرغم الخرطوم على خفض النبرة العدائية للقاهرة، وإلى حد دعوة الجيش السوداني للمشاركة في مناورات «النجم الساطع»، التي تستأنف مصر تنظيمها بالمشاركة مع واشنطن، فقد بدا نظام الخرطوم شغوفا وحريصا على تحسين العلاقة مع مصر في الآونة الأخيرة، فيما حافظت مصر الرسمية في الوقت نفسه على علاقات مركبة متميزة مع دولة جنوب السودان، رغم شكاوى الخرطوم.
وبدت ديناميكية السياسة المصرية ظاهرة على الجبهة الفلسطينية، فقد حافظت القاهرة على علاقات معقولة مع سلطة رام الله وإدارة عباس، وإن منحت لنفسها حرية حركة أوسع في احتضان جماعة دحلان المنشقة على عباس، وهي جماعة ذات تأثير محسوس في «غزة» المجاورة لمصر بالذات، وبينها وبين «حماس» ثأر دموي معروف، وهنا بدت حيوية السياسة المصرية براغماتية تماما، فعلاقاتها مع «حماس» كانت في الحضيض بعد إطاحة حكم الإخوان في مصر، و»حماس» ـ تاريخيا ـ هي الفرع الفلسطيني لتنظيم الإخوان، لكن السياسة المصرية تصرفت على نحو معقول تماما، وطعنت على حكم قضائي مصري باعتبار «حماس» منظمة إرهابية، وكسبت جولة التقاضي في الاستئناف، وهو ما أتاح استمرارا في التواصل، وغير تدريجيا لهجة حماس غير المريحة للقاهرة، وأزالت «حماس» صور الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، ثم حرصت على إعلان استقلالها التنظيمي عن الإخوان، وظلت الاتصالات تتقدم، إلى أن جرى عقد صفقة تفاهمات في هدوء تام، جمعت فيها القاهرة بين الغريمين دحلان و»حماس»، وتعهدت فيها «حماس» بتعزيز التعاون مع جهات الأمن المصرية، وإقامة منطقة أمنية عازلة على الحدود مع مصر، وإلى درجة حدوث اشتباكات دموية بين «حماس» و»الداعشيين» الفلسطينيين الساعين للتسلل إلى مصر، وقدمت القاهرة في المقابل دعما بالمحروقات لتشغيل محطة كهرباء غزة، ووعدت بتسهيلات أكثر في فتح معبر رفح، وزيادة منسوب الرعاية المصرية في غزة، وإدارة منحة شهرية تعهدت «الإمارات» بتقديمها إلى غزة، قد تصل قيمتها إلى 15 مليون دولار، تتشارك جماعتا «دحلان» و»حماس» في صياغة تفاصيل إنفاقها للحد من آثار الحصار المضروب على غزة، وهو ما يغضب عباس وإسرائيل معا، والمعروف أن سفارة إسرائيل في مصر مغلقة تماما منذ شهور طويلة، وفي واقعة غير مسبوقة منذ بدء سيرة علاقات مصر وإسرائيل دبلوماسيا في 26 مارس 1980، وهي علاقات مكروهة شعبيا في مصر، بينما لا تحرص الجهات الرسمية على الجهر بها ولا الاحتفاء، اللهم إلا من باب كلام فارغ عن تسويات فلسطينية ـ إسرائيلية لا تأتي أبدا.
وفي المشرق العربي، بدا الدور المصري عائدا على نحو مفاجئ، خاصة بعد نجاح مصر مع روسيا في عقد اتفاقات تهدئة حول دمشق وشمال حمص، صحيح أن مصر استفادت من حاجة روسيا إلى دورها، ومن علاقات القاهرة المحسوسة الممتدة مع جماعة بشار الأسد، ومن صلات راكمتها الأجهزة المصرية مع جماعات من المعارضة السورية المدنية، ودون أن تتورط يوما في سجال الدم السوري، وهو ما كان يفترض نظريا أن يحرمها من دور في استحقاقات التسوية السورية، لكن السياسة المصرية قفزت فجأة إلى دور محسوس، تشجعه روسيا التي تريد التخفف جزئيا من العبء الإيراني، ولا تمانع فيه واشنطن محدودة التأثير في التفاعلات السورية، بينما تتحمس له الرياض وأبو ظبي الحليفتان للقاهرة، وتقدمان التسهيلات المناسبة للدور المصري الجديد، فلم تعد السعودية على ذات التبني القديم لاشتراط رحيل بشار الأسد، ولم يعد بوسع الجماعات المسلحة التي مولتها أن تحدث أثرا عسكريا، ولم يعد عندها من بديل سوى أن تنسق مع القاهرة، وأن تعول على الدور المصري المرغوب شعبيا في سوريا، فمصر لم تكن أبدا طرفا في حروب أو نزاعات طائفية تفشت في المشرق والخليج، وسياسة القاهرة الرسمية لا تبالغ في قصص العداء للدور الإيراني، واعتمدت مقاربة جديدة، تمثلت في رعاية وتطوير العلاقات المباشرة مع دمشق وبغداد، وهو ما يسايرها فيه الحلفاء الخليجيون في الفترة الأخيرة، خاصة في تطوير العلاقات الرسمية مع بغداد، والانفتاح الرسمي على الأطراف الشيعية العراقية، وقد لا تنتظر الأوضاع الراهنة كثيرا، حتى يبرز دور جديد لمصر الرسمية في تسويات محتملة باليمن، خصوصا بعد وصول الإرهاق السعودي هناك إلى مداه.
وباختصار، نحن بصدد عودة محسوسة للدور المصري عربيا، عودة براغماتية نعم، وليست مبدئية ثورية على نسق الدور المصري في الخمسينيات والستينيات، عودة إقرب إلى تعويم الدور لا صناعة الدور، وسندها الرئيسي هو «العروة الوثقى» المتشكلة مع القوة الخليجية المالية الضاربة، فضعف الاقتصاد المصري لا يمكنه من تحمل تكاليف الدور، لكن السياسة المصرية الرسمية تلعب ضمنا بورقة أخرى تملكها، هي قوة الجيش المصري الحاسمة كواحد من أقوى جيوش العالم، وهو الوحيد الذي يمكنه خلق قوة عربية توازن نفوذ تركيا وإيران.
كاتب مصري
عبد الحليم قنديل
ياسيد محمد حاج بعد التحيه
اذا كنت تريدنى ان اتساْل لماذا القى بمرسى فى السجن فهذا لايحتاج لاْى نوع من الجراءه و الاسباب عديده لكن خذ منها الاتى: سجين هارب و اول جاسوس مدنى منتخب و رىْيس اكبر جماعه ارهابيه فى مصر والعالم العربى قبل ان تتفرع منها كل الجماعات الارهابيه المجوده فى العالم الان . طبعا اى واحده من هؤلاء كفيله بالقاىْه فى السجن . تحياتى للاخ محمد صلاح المصرى الحقيقى الوحيد فى كل هذه التعليقات .
للتذكره فقط: الليل انجلى خلاص يوم 30 يونيه 2013
ألا تعلم يا سيد سليمان أن الإيداع في السجون يكون لتنفيذ أحكام قضائيه؟ فهل لك أن تخبرنا ما هي القضيه التي سجن بسببها السجين الهارب محمد مرسي من السجن و أمام أي محكمة حوكم؟
ثانياً و للتصحيح فقط محمد مرسي ليس رئيس لا للإخوان و لا غيرها من الجماعات، و هل لك أن تخبرنا ما الذي يؤهلك لوصفها بالإرهابيه؟ وما الذي يمنعني أن أصفك بنفس المنطق بأنك رئيس جماعات كوكلوكس كلان و منظمات شتيرن و الهاجناه و الالويه الحمراء الارهابيه؟
ثالثاً، قلت منتخب و هذه كافيه أن تخرس الألسنه و تنهي أي نقاش.
و تحياتي لجميع العقلاء والشرفاء و الأحرار وذوو الكرامه .