تغييرات «الإخوان» و«الثورة الوشيكة» في مصر

■ أعلنت قيادة «الإخوان» في الخارج مؤخرا عن «تغييرات جذرية شهدتها الهياكل التنظيمية والإدارية على مختلف المستويات داخل الجماعة»، وتعهدت باندلاع «ثورة جديدة تطيح النظام في القريب العاجل». وقالت إنه «تم إشراك الشباب بنسبة كبيرة جدا ليتولوا مسؤوليات كبيرة داخل الجماعة».
ولعل هذه التغييرات الإدارية جاءت نتيجة طبيعية لما تعرضت له كوادر الجماعة وقياداتها في المرحلة الماضية، من ضربات موجعة أدت إلى حالة كاملة من الشلل التنظيمي، لكنها لم تقلل من نفوذ القيادة الحقيقية للجماعة الموجودة داخل السجون، ولا من «النهج الثأري» الذي أصبح طاغيا على سلوكها..
ومن الواضح أن التغييرات لم تمس كذلك الخطاب السياسي للجماعة، الذي مازال يبشر بـ»ثورة وشيكة» تطيح بالنظام، متحدثا عن حراك شعبي واسع معارض، لا تمثل الجماعة سوى جزء بسيط منه، وهي قراءة لا يقرها كثيرون داخل الجماعة نفسها، مطالبين بمراجعة سياسية حقيقية وتغييرات لا تقتصر على الاسماء والمناصب هنا وهناك، بل تشمل العلاقة مع كافة عناصر المشهد المعقد في مصر، واولها الشارع غير المسيس، الذي يعد الطرف الأقوى بدون منازع، والوحيد القادر، إن تحرك، على تغيير النظام.
ويدلل هؤلاء على دقة هذه القراءة بأن القيادة التي أوصلت الجماعة إلى حيث هي الآن، تتحدث عن تلك «الثورة الوشيكة» منذ قرابة عامين، في إطار خطاب عدمي، ينفي وجود أي تيار شعبي حقيقي معارض لهم، أو مؤيد للنظام، في حين أن النظام يزداد استقرارا كل يوم، رغم تفاقم العديد من المشاكل والأزمات في كافة المجالات.
وبالبناء على هذه الرؤية يمكن الوصول بسهولة إلى استنتاج مفاده أن استمرار الجمود مع غياب مشروع، أو رؤية سياسية في هذا الخطاب أصبح، على العكس مما أريد به، أي أحد العوامل الداعمة للنظام.
وعلى الرغم من وجود مزيج من مشاعر الإحباط والغضب الشعبي من فشل النظام في العديد من الجبهات السياسية والاقتصادية والامنية، فإن هذا لا يبرر قبول خطاب عدمي يقوم على هدم كل المؤسسات والمسارات، ووضع الدولة في مهب الريح ليتمكن تيار بعينه من العودة إلى تولي الحكم.
ومع تصاعد أعمال العنف والهجمات الارهابية، تتضاعف مكاسب النظام مع اقتناع كثيرين بمن في ذلك اشد معارضيه، بضرورة تأجيل الضغــــط عليه حتى زوال الخطر الوجودي الذي يواجه الدولة.
ومن النتائج الطبيعية أن يؤدي وضع كهذا إلى ازدهار الخطاب العدمي على الجانبين، ونفور القاعدة الشعبية من التورط في مواجهة تفوح منها رائحة التحريض والكراهية والدم.
وبالنظر إلى أن اعمال العنف والإرهاب لم تحقق أي مكسب سياسي في تاريخ مصر، فإنه من غير الوارد أن تشكل أي تهديد حقيقي للنظام الحالي، وبالتالي سيطول انتظار من يأملون في «ثورة وشيكة»، بل أن الارهاب سيوفر غطاء سياسيا لارتكاب النظام مزيدا من الانتهاكات المروعة لحقوق الانسان، ومنها مقتل ثاني محام أمس الاول في قسم شرطة المطرية في ثاني جريمة من نوعها خلال اسابيع قليلة.
اما المحصلة، وللمفارقة، فإن الجمود والعدمية في خطاب «الإخوان» تحولا إلى أحد العوامل التي تخدم النظام وتقويه بدلا من أن تضعفه. ولن تستطيع القيادة (الجديدة القديمة) للجماعة أن تحدد فعلا ما تعنيه بـ»ثورة وشيكة» ، كما أن وسائل إعلامها لن تسألهم عن ذلك، تفاديا لإحراجهم.
ورغم حديث تلك القيادة عن مد الجماعة أيديها إلى «شركاء الثورة»، والعودة إلى سياسة الجماعة ابان ثورة يناير، التي اسهمت في تشكيل جبهة وطنية ضد النظام، لا تتوافر أدلة حقيقية على وجود تأثير واقعي لسياسة كهذه على الارض.
وعلى العكس فان كثيرا من الذين ينسبون لانفسهم فضل قيام الثورة اصبحوا يفتقرون إلى مصداقية، أو رصيد شعبي حقيقي يكفي لازعاج النظام، كما أن «اخوان الثورة» لم يكونوا يمارسون التعالي على باقي القوى السياسية، بحجة انهم اضعف من الجماعة، بل كانوا يرفعون شعار «المشاركة لا المغالبة»، وهو ما فشلوا في الوفاء به بمجرد وصولهم إلى السلطة، ولم يعتذروا عنه حتى الان.
والخلاصة اننا امام قراءة خاطئة للواقع، لا يصدقها حتى بعض من يروجون لها، وهي تقوم على أن الحياة في مصر يمكن أن تتوقف على شخص او تيار سياسي ايا كان، وان القوى السياسية، حتى لو اجتمعت، يمكن أن تغير معطيات المشهد بدون دعم من القاعدة الشعبية المعتدلة غير المسيسة.
والمطلوب من «الإخوان» اليوم يفوق تبني خطاب سياسي جديد لا يتكبر عن الاعتذار إلى تلك القاعدة الشعبية، بل يقوم على أسس عملية تنأى عن شبهة التواطؤ مع خطاب التكفير الديني او السياسي، وما افرزه من ارهاب. بهذا فقط يمكن أن نشهد إعادة تأسيس للجماعة تفي بشرط حتمي لإمكانية تأهيلها للاندماج في العملية السياسية، وبالتالي توفير وسيلة تواصل تستند إلى الواقع وليس التفكير المتمني مع الكتلة الشعبية الحرجة التي لا يستطيع أن يصمد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي او غيره امامها، إن ارادت التغيير.

٭ كاتب مصري من أسرة «القدس العربي»

خالد الشامي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الاخوان يعتذروا من ماذا يا أستاذ

    هل انقلبوا على حكم شرعي
    هل سيسوا القضاء والاعلام
    هل ألغوا انتخابات البرلمان

    هل أخونوا العسكر والشرطة
    هل أخونوا المحافظين
    هل سرقوا

    كم كانت نسبة الاخوان بحكومة قنديل – الخمس
    اذا فأين الاستفراد بالحكم

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول عادل:

    ثورة ووشيكة كمان؟الاخوان مازالوا يعيشون علي الوهم والخداع والاحلام. أنا معارض السيسي وأديت صوتي لمرسي رغم أني لا اخوان ولا انتمي لأي حزب لكن اؤيد كل كلمة في هذا المقال . طبعا لاتوجد ثورة وشيكة ولو قامت ثورة وسقط النظام .. مفيش اخوان بارود. الجماعة انتهت وخسرت كل شئ وتحتاج اعادة تأسيس فعلا كما يقول المقال لكن على أسس جديدة وخطاب وقيادات جديدة. اما القيادات الحالية فشكرا جدا كفاية عليكم سيقول التاريخ تنكم دمرتوا الجماعة والبلد، ياريت تكتبوا مذكراتهم ويرتاحوا.

  3. يقول عبد القادر الجزائر:

    المقال اكبر دليل على قوة الاخوان فهم يتعرضون للهجوم رغم انهم مقموعون معتقلون مقتولون منفيون.

  4. يقول السيد حسين - مصر:

    اختلف مع الكاتب المحترم رغم التحليل القيم. الشارع المصري لن يقبل الاخوان ولو بعد عشرين سنة، والنظام مالوش دعوة هنا لانه فيه ثار بين الناس والاخوان. ولو النظام قرر يتصالح هيخسر الشارع، وبالتالي لاتتوقعوا لا ثورة ولا مصالحة ولايحزنون. شكرًا

  5. يقول سامح // الامارات:

    * من الآخر : ليس أمام حركة ( الإخوان ) سوى تطليق ( السياسة )
    بالثلاث والتحول فقط ( للنصح والإرشاد ) وبناء مجتمع صالح
    يسوده الخير والسلام والمحبة وحب البناء والتنمية بعيدا عن
    ( العنف ) والمؤامرات وتخريب ( الأوطان ) .
    * شكرا

  6. يقول عربي حر:

    تحية للكاتب المحترم
    – أتفق مع الكاتب أن حزب الكنبة هو الأقوى الآن
    – إذا كان النظام لم يعطي مساحة حتى لمن إنحنوا من حركات و أحزاب ليصعد على أكتافهم في 30 يونيو فكيف سيسمح للإخوان بالمشاركة السياسية .
    – يربط عدد من المراقبين حالة الهدوء بإستقرار النظام وينسون أن الهدوء قد يسبق العاصفة .
    – لا أفهم لم الربط دائما بين إسقاط النظام يساوي إسقاط الدولة @إلا في حالة مرسي @
    – رغم تمترس أجهزة الإمن والإستخبارات والإعلام خلف نظام السيسي إلا أنهم عجزوا عن الإتيان بدليل مادي واحد على أن الإخوان يمارسون العنف وكل الإدعاءات إعلامية بداية من إسقاط الأندلس إلى إتهام مرسي بجريمة رابعة .
    ـ أثبتت الأحداث قبل الإنقلاب وبعده أن الإخوان هم الفصيل المنظم والذي يستحيل تجاوزه بأي حال
    والشكر موصول للقدس العربي

إشترك في قائمتنا البريدية