تقارب تاريخي بين تركيا ودول مجلس التعاون… هل بات الخليج «العمق الاستراتيجي» لأنقرة؟

حجم الخط
2

إسطنبول ـ «القدس العربي»: دخلت العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي مرحلة تاريخية من التقارب، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التساؤل حول ما إذا بات الخليج العربي يمثل «عمق إستراتيجي» لتركيا وعمود فقري في رؤيتها السياسية والاقتصادية للمرحلة المقبلة، في ظل التغيرات الكبيرة التي شهدها العالم العربي خلال السنوات الماضية وانعكس على سياسة تركيا الخارجية.
فبعد التقارب الكبير مع قطر، تطورت العلاقات التركية السعودية بشكل متسارع منذ وصول الملك سلمان لسدة الحكم، فيما تمكنت أنقرة من إذابة جليد العلاقات مع الإمارات، كل ذلك في ظل علاقات «جيدة» مع الكويت وعُمان والبحرين يتوقع أن تتطور قريباً.
ويرى مراقبون أن السعودية ساهمت في دفع العلاقات التركية الإماراتية للأمام، وأن أنقرة التي أعادت تقييم علاقاتها تسعى لإقامة علاقات متينة مع دول الخليج الغنية بموارد النفط والطاقة بعد أن أظهرت التطورات في السنوات الأخيرة هشاشة تحالفاتها السابقة وضعف حلفائها السابقين خاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر والتدخل الروسي الذي أنقذ نظام بشار الأسد من السقوط.
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة بين دول الخليج وتركيا إلا أن العديد من الملفات الإقليمية الهامة فرضت على الجانبين تطوير تعاونهم خاصة ملفي سوريا وإيران، حيث تلتقي مواقف الجانبين في سعيهم لإسقاط نظام الأسد والحد من النفوذ الإيراني في المنطقة، بالإضافة إلى شعور الخذلان الذي يسيطر على أنقرة والعواصم الخليجية من سياسات الإدارة الأمريكية التي وقعت الاتفاق النووي مع إيران وترفض إسقاط نظام الأسد.
وكان ولا زال الاقتصاد من أهم أعمدة التقارب التركي الخليجي في السنوات الأخيرة، حيث تعمل مئات الشركات الخليجية في السوق التركي ومئات الشركات التركية لا سيما العقارية في الدول الخليجية، بينما تطمح دول الخليج لتصدير الطاقة لتركيا، في المقابل تهدف تركيا لبيع الأنظمة الدفاعية والأسلحة لدول مجلس التعاون.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وصل فجر الخميس، العاصمة القطرية الدوحة، في مستهل زيارة رسمية تستغرق يومين، هي الأولى من نوعها، منذ توليه رئاسة الحكومة الحالية، يرافقه فيها عدد من الوزراء والمسؤولين، وبحث مع أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ورئيس الوزراء العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية والدولية وسيلتقي رجال أعمال من البلدين.
وأوضح داود أوغلو أن العلاقات التركية القطرية وصلت إلى أعلى مستوياتها، وأن الدوحة على تنسيق وثيق مع أنقرة بالنسبة للسياسات المتعلقة بالمنطقة، وخاصة سوريا والعراق، مبيناً أن مشاريع الشركات التركية في قطر بلغ في الوقت الراهن 15 مليار دولار، ولفت إلى أن بلاده تسعى لتوقيع اتفاقية تجارة حرة مع قطر وأن شركات الصناعات الدفاعية التركية تجري محادثات مع نظيراتها في إطار مساع رامية لتعزيز التعاون بين البلدين.
وعسكرياً، وقعت تركيا وقطر، في الدوحة، أول اتفاقية عسكرية بين البلدين، حيث جرى توقيع الاتفاقية، الخاصة بتمركز قوات تركية في قطر، بحضور رئيسي الوزراء التركي، داود أوغلو، والقطري عبد الله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، وذلك بعد اجتماع مغلق بين داود أوغلو والأمير تميم، على مدى ساعتين، بعيدًا عن وسائل الإعلام.
وتشهد العلاقات التركية القطرية «تجانسًا وتناغمًا» في رؤية القضايا الإقليمية، وهناك توافق في الرؤى حيال العديد من الأزمات والقضايا، التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، مثل ثورات «الربيع العربي»، والأزمات في سوريا، وليبيا، واليمن، والوضع بالعراق. وتشهد العلاقة بين البلدين تطورا كبيرا، حيث وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في وقت سابق 17 اتفاقا بين البلدين في العديد من المجالات، وذلك بعد أن وقع البلدين على اتفاقية التعاون الإستراتيجي.
يُذكر أن حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل خلال العام الماضي إلى مليار و300 مليون دولار، وتعمل في قطر 60 شركة تركية كبيرة و150 شركة تركية صغيرة، ومن المتوقع أن تنفذ قطر مشاريع استثمارية بالمليارات في تركيا خلال المرحلة القادمة.
سعودياً، على الرغم من قصر فترة التقارب بين البلدين، إلا أن أردوغان والملك سلمان تمكنا من القيام بخطوات متسارعة وصولاً للتوقيع على اتفاقية تأسيس مجلس التعاون الإستراتيجي بين أنقرة والرياض نهاية العام الماضي، والاتفاق على تأسيس مجلس التنسيق السعودي التركي، قبل نحو أسبوعين.
وعلى هامش مشاركة الملك سلمان في القمة الإسلامية التي عقدت في إسطنبول، وقع البلدين على محضر إنشاء مجلس التنسيق السعودي التركي، الذي يعنى بالتنسيق بين البلدين في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصاد والتجارة والبنوك والمال والملاحة البحرية. كما يعنى بمجالات الصناعة والطاقة والزراعة والثقافة والتربية والتكنولوجيا والمجالات العسكرية والصناعات العسكرية والأمن، والإعلام والصحافة والتلفزيون، والشؤون القنصلية.
ويرى مراقبون أن البلدين قطعا شوطا طويلا من التنسيق والتعاون في توحيد المواقف على مستوى السياسات الأمنية والاقتصادية والإستراتيجية، معتبرين أن التقارب السعودي التركي سيساعد في خلق توازن في القضايا الإستراتيجي على مستوى المنطقة والعالم.
وقبل توجهه إلى الإمارات، الاثنين، زار وزير الخارجية التركي السعودية والتقى العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأجرى مباحثات مع نظيره السعودي عادل الجبير.
إماراتياً، ولأول مرة منذ سنوات كسر البلدين حالة الجمود بينهما التي تسببت فيها مواقف البلدين من الأحداث الأخيرة في العالم العربي خاصة في مصر، وتجسد ذلك في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إلى أبو ظبي.
والتقي جاويش أوغلو في زيارته نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء محمد بن راشد آل مكتوم، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، وسط استقبال رسمي حافل، وأظهرت الصور أجواء حميمية سادت اللقاء الأول منذ سنوات بين قادة البلدين.
وعقب الزيارة أعلنت تركيا أن الإمارات ستعيد سفيرها الذي سحبته قبل سنوات إلى أنقرة، وأوضح جاويش أوغلو أن السفير الإماراتي سيعاود عمله مجدداً بالعاصمة أنقرة، في 7 أيار/ مايو المقبل، ولفت إلى أن زيارته كانت «مفيدة للغاية» و>نقطة تحول» و>فتح صفحة جديدة»، وأنها تشكل منعطفًا في العلاقات بين البلدين، مشيراً إلى توصل الجانبين إلى اتفاق لتطوير العلاقات في كافة المجالات، خلال المرحلة المقبلة.
وعن العلاقات مع دول الخليج بشكل عام، قال جاويش أوغلو في لقاء مع إحدى الصحف التركية إن بلاده ترى أمن واستقرار منطقة الخليج من أمنها واستقرارها، لافتًا إلى أن بلاده ستعزز تعاونها الإقليمي أكثر مع مجلس التعاون الخليجي في إطار الآليات المشتركة.
والخميس، اتصل جاويش أوغلو بنظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، دعا فيه الأخير لزيارة تركيا، وشكره على حسن الاستقبال الذي حظي به خلال الزيارة الأخيرة التي أجراها إلى العاصمة الإماراتية مؤخرًا.
بحرينياً، وفي تصريحات له بداية العالم الجاري خلال استقبال وفد تركي، أشاد أمير البحرين خليفة آل خليفة بعلاقات «الصداقة المتميزة» التي تربط مملكة البحرين والجمهورية التركية، منوها بالتعاون القائم بين «البلدين الصديقين» في شتى المجالات ومنها ما يتعلق بتبادل الخبرات والتعاون في المجال العسكري، مؤكدا على أهمية اللجنة العسكرية البحرينية التركية المشتركة في تحقيق المزيد من ذلك التعاون والتنسيق في الشأن العسكري بين البلدين الصديقين وبما يطور ويعزز العمل المشترك فيما بينهما
من جهته، قال رئيس مجلس المصدِّرين الأتراك، «محمد بيوك أكشي»، إن حجم التبادل التجاري بين تركيا والبحرين ارتفع تسعة أضعاف خلال السنوات الـ13 الأخيرة، ليبلغ 330 مليون دولار، مؤكّدا أنه يمكن رفع حجم التجارة بين البلدين من منطلق الربح المتبادل، وذلك على هامش انعقاد الاجتماع المشترك لمجلس الأعمال التركي ـ البحريني، في مدينة إسطنبول.
وتتمتع العلاقات التركية الكويتية بـ»الاستقرار» حيث شهدت تحسن متزايد طول العقود الماضية دون المرور بخلافات كما حدث مع الإمارات والسعودية سابقاً، ويقوم زعماء البلدين بزيارات متبادلة دورية، ويقترب معدل التبادل التجاري بين البلدين البلدين من مليار دولار في ظل وجود عدد كبير من الشركات الكويتية العاملة في تركيا.

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    من مصلحة دول الخليج العربي التقارب مع تركيا بل والتحالف معها ضد الأطماع الإيرانية بالمنطقة خصوصاً بعد فتور التحالف الخليجي الأمريكي
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول محمد منصور....فلسطين:

    تعتبر الدبلوماسية التركية نشطة وتعمل على ملء الفراغ الحاصل جراء انحسار النفوذ الأمريكي في المنطقة وعلية نعتقد أن هذا التقارب يصب في النهاية في مصالحة الأمة.

إشترك في قائمتنا البريدية