يعد التقرير الذي أصدرته لجنة تشيلكوت بشأن العراق، تقريرا ذا هدف اخلاقي أكثر منه مساءلة سياسية لمسؤول بريطاني حول قرار المشاركة في الحرب. وقد كشف التقرير الأسباب التي اعتمدتها بريطانيا في تسويغ الحرب على العراق وتسويقها، حيث ذكر ان الغزو اعتمد على معلومات استخبارية مغلوطة، وتقديرات غير دقيقة؛ وأن الخيارات السلمية لم تستنفد جميعها قبل اللجوء إلى الخيار العسكري؛ وأن شرعية الحرب اعتمادا على قرارات مجلس الأمن كانت غير كافية؛ وأن الحكومة البريطانية تجاهلت التحذيرات الصريحة بشأن عواقب الغزو؛ وأخيرا، ذكر التقرير أن الحرب فشلت في تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها في العراق. وعلى الرغم من ذلك كله، لم يصدر التقرير حكما نهائيا بإدانة بريطانيا، أو الحكومة البريطانية، أو توني بلير شخصيا، بانتهاك القانون الدولي، فضلا عن أنه لا يعد ما حصل جريمة عدوان.
لقد اعتمد قرار الحرب على العراق على تأويل أمريكي ـ بريطاني لقرار مجلس الأمن رقم 1441 الصادر في 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2002 والذي جاء بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ونصت المادة 13 منه على أن العراق «سيواجه عواقب خطيرة نتيجة لانتهاكاته المستمرة لالتزاماته. الأمريكيون أولا ولحق بهم البريطانيون، هذه المادة على انها ضوء اخضر للدولتين لاستخدام القوة لإنفاذ القرار، خاصة بعد فشلهما في استصدار قرار صريح عن مجلس الأمن يتيح لهما شن الحرب على العراق اعتمادا على المواد 42 – 48 من الفصل السابع من الميثاق، وذلك بسبب المعارضة الصينية ـ الروسية ـ الفرنسية. ولم يتضمن تقرير تشيلكوت إقرارا صريحا بان التأويل البريطاني، على الأقل، كان غير قانوني. فقد أشار التقرير صراحة إلى انه ليس ثمة يقينية كاملة بشأن النصيحة التي تقدم بها المحامي العام لورد غولد سميث للحكومة البريطانية حول الأساس الشرعي للحرب.
وجاء رد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير على التقرير تبريريا خالصا، من خلال اعادة كل الحجج، والتقييمات، التي اعتمدها في قرارا الحرب! خاصة من خلال الإشارة إلى المادة 51 من ميثاق الامم المتحدة الذي يعطي للدول حق الدفاع عن نفسها في حال تعرض أمنها للخطر، من خلال الإشارة إلى التهديد الذي كان يشكله العراق على بريطانيا! لكن خطابه تضمن جملة من المغالطات عندما طالب لجنة تشيلكوت بالعودة إلى تقارير الاستخبارات حول الأسلحة الكيميائية العراقية، وحول العلاقة بين نظام صدام حسين والقاعدة، على الرغم من أن لجان التفتيش الأمريكية والبريطانية قد أثبتت خلو العراق من أية أسلحة كيميائية أو جرثومية بعد الاحتلال، كما أثبتت عدم وجود أي صلة بين العراق والقاعدة! وقد تورط بلير خلال خطابة الطويل بإيراد معلومات غير صحيحة؛ مثل حديثه عن دعم أوروبي مفترض لقرار الحرب، وحديثه عن الموارد التي يحصل عليها العراق نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وما شكله ذلك من دعم لسياسات النظام العراقي التسليحية آنذاك، لكن الحقيقة ان الأوروبيين رفضوا قرار الحرب ضد العراق، حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وقتها في الحصول على تأييد حلف الناتو بسبب الموقف الألماني ـ الفرنسي ـ البلجيكي، الأمر الذي دعا وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد إلى التعريض ووصف القارة الاوروبية بـ «أوروبا القديمة».
كما أن الحديث عن الموارد العراقية يتناقض مع القرارات الدولية الخاصة بالحصار والنفط مقابل الغذاء ومع عمل لجنة 661، التي تشكلت بموجب قرار مجلس الامن بالرقم نفسه وتولت مهام الموافقة من عدمها على أية عمليات بيع او توريد للعراق حتى لو تعلق الأمر بأقلام الرصاص!
اعتمادا على ما تقدم لا يوفر تقرير تشيلكوت أساسا صلدا لاتهام بريطانيا بجريمة العدوان الموصوفة في نظام روما الأساسي لعام 1998، على الرغم من التعديلات التي أدخلتها الأمم المتحدة مؤخرا (2010) على توصيف جريمة العدوان في تلك الاتفاقية. وهو ما يفضي إلى عدم إمكانية المطالبة بأية تعويضات عن التدمير الذي لحق بالعراق جراء هذه الحرب، أو أية انتهاكات أخرى، إلا فيما يتعلق بمطالبات الأفراد، وهذه معطلة عمليا بسبب العقبات الكثيرة التي تواجه هكذا مطالبات، وبشكل خاص الاعباء المالية.
وربما لا ينتبه البعض من الذين يطالبون اليوم بتعويضات أمريكية وبريطانية للعراق، إلى ان التوصيف القانوني للقوات الأمريكية والقوات البريطانية في العراق بوصفها قوات احتلال، كما جاء في توصيف قرار مجلس الأمن رقم 1483 الصادر في ايار/مايو 2003، لا يغطي كامل المرحلة التي بقيت فيها هذه القوات على الأراضي العراقية. فهذه الصفة لا تغطي سوى السنة الاولى من وجود هذه القوات، وقد جاء قرار مجلس الأمن رقم 1546 الصادر في 8 حزيران 2004 لينهي بشكل قانوني صفة الاحتلال على وجود التحالف الدولي بالعراق، إذ نصت المادة الثانية من القرار على أن مجلس الامن «يرحب بأنه سيتم بحلول 30 حزيران/ يونيو 2004 ايضا، انتهاء الاحتلال، انتهاء وجود سلطة الائتلاف المؤقتة، وبأن العراق سيؤكد من جديد سيادته الكاملة». ومن ثم أي حديث عن احتلال بعد هذا التاريخ لا يمكن الاعتداد به قانونيا. بعد أن أصبحت هذه القوات «قوات تحالف» موجودة في العراق بموجب طلب رسمي من الحكومة العراقية. ومن ثم إذا ما كانت هناك مطالبات بالتعويضات يجب ان تكون خاصة بمدة الاحتلال حصرا! الامر الأهم هنا الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة التي صادق عليها مجلس النواب العراقي عليها عام 2008 والتي أسقطت حق اي من الدولتين بالمطالبة بتعويضات، سوى تلك المتعلقة بالأفراد. ولم تعقد هكذا الاتفاقية مع بريطانيا، إلا أنه ليس ثمة أساس قانوني حتى اللحظة للمطالبة بهكذا تعويضات.
المطالبون بالتعويضات ينسون أيضا أن معظم القوى السياسية العراقية المهيمنة على المشهد السياسي العراقي بعد 2003 كانت شريكا في قرار الحرب عندما كانت تمثل أحزاب المعارضة في الخارج، باستثناء حزب الدعوة الإسلامية. فقد حضر هؤلاء جميعا (الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الديمقراطي الكردستاني، حركة الوفاق، المجلس الأعلى الإسلامي، الحزب الإسلامي، المؤتمر الوطني العراقي، الحركة الملكية الدستورية، فضلا عن عشرات المستقلين الذين شكلوا النخبة السياسية لمرحلة ما بعد الاحتلال) مؤتمر لندن الذي عقد في كانون الاول/ديسمبر 2002، والذي أشار صراحة في بيانه الختامي إلى «استثمار العامل الدولي لإسقاط النظام الفاشي وانجاز عملية التغيير»، بل ان هذه النخبة نفسها أعلنت يوم 9 نيسان 2003، عيدا وطنيا للعراق! فكيف يمكن من الناحية الأخلاقية والقانونية لشريك في قرار الحرب، ان يطالب شركاءه بتعويضات عن قرار الحرب وتبعاته؟
في النهاية لا يمكن التعاطي مع تقرير تشيلكوت إلا على انه شأن بريطاني داخلي، ونتاجا لطبيعة النظام الديمقراطي في هذه الدولة والذي يمارس مراجعات نقدية ذاتية مستمرة، ولن يكون له أي تأثير أو انعكاس خارج هذا الإطار، سواء في الولايات المتحدة، أو في العراق.
٭ كاتب عراقي
يحيى الكبيسي
حجم حزب الدعوة بذلك الوقت قليل بالنسبة لحجم المجلس الأعلى ! ولولا الصدريين ما تمكن حزب الدعوة من حكم العراق
ولا حول ولا قوة الا بالله
السيد يحي ،الله بالخير، هل من فائدة ترجى من ،تقرير للجنه عربية مستقلة ،لكشف الدور العربي في الحرب?
للتاريخ ،وحق الناس بالمعرفة ،ومن أجل الربيع الديموقراطي ﻹرساء مبدء المساءلة والمحاسبة في حياتنا .
تقرير تشيلكوت صفعة قوية بوجه من ساهم في حرب 2003 ضد العراق