تلك هي العقيدة وذلك هو نتاجها

لم يكن الزعيم الكوبي فيدل كاسترو مُبالغًا حين قال: «اليهود حمقى لأنهم احتلوا دولة شعبها لا يكِلّ ولا يمل»، فالشعب الفلسطيني منذ الاحتلال لم يركن يوما إلى موازين القوى، صقلته تجارب النضال، وربّتهُ الجراح وشدّت عوده المحن.
عندما أطالع صور الجنود الصهاينة وهم يقاتلون العُزَّلَ من وراء جُدُر، ويتترسون بآلياتهم العسكرية خوفا من حجارة المقاومة، بل يفر الصهيوني بسلاحه أمام تلك الحجارة لا يلوي على شيء، فأقول: حقا إن بني صهيون أحرص الناس على حياة، أي حياة، مهما كان شكلها وطبيعتها، فالصهيوني يعيش مُتسلّقا، مُتحوصلا، لصًا يعيش، ذئبًا يعيش، حملًا يعيش، يغدُر، يسرق، يرشي، على رفات الأبرياء يعيش، ملتصقا بنعال الأقوياء الحُماة يعيش.
وفي المقابل رأيت كغيري بالأمس القريب، مشهدًا أسطوريًا لا نراه إلا في أفلام هوليوود، مشهدا من إنتاج وقصة وسيناريو وحوار وإخراج شعب ثلاثة أرباع وزنه إرادة، منذ أيام، وضمن فعاليات مسيرة العودة التي أطلقها الفلسطينيون في ذكرى يوم الأرض، كان ذلك الشاب على حدود غزة، يخوض ماراثون ركض وزحف ومناورة تحت وابل لا يتوقف من رصاص الاحتلال، وكأن تحرير فلسطين متوقف على ذلك الإطار من الكاوتشوك الذي يسعى إليه ذلك الشاب لإشعاله.
المفاجأة التي رأيناها في المشهد ذاته، هو ذلك الشاب الذي ركض بكل قوته نحو الأول، ليلتقط منه الإطار، يُذكّرك الأمر بتبادل حمْل الشعلة في مراسم الأولمبياد، إلى أن جاءته رصاصة غادرة في رأسه من قناص إسرائيلي، ارتقى على إثرها شهيدا بإذن ربه، لتسكب علينا والدة الشهيد من رحيق صمودها حين قالت لوسائل الإعلام: «لديّ غير عبد الفتاح (الشهيد) ثلاثة من الشباب، أتمنى أن يلحقوا به شهداء، فالشهادة هي مهر حرية الوطن، والوطن غال، ومهره غال، والحمد لله أن شرفني بشهادته».
تلك العقيدة هي أهم ما يميز الفلسطيني عن عدوه، فهو كغيره يريد الحياة، إلا أنه يأبى أن يعيش مُنكّس الرأس مسلوب الحق، وهو في ذلك الطريق يسعى لإحدى الحسنيين، نصْر على عدوه، أو شهادة يلقى بها ربه، ومن ثَمّ فلا مجال للخوف من الموت، ولعمر الله ذلك أشد ما يُرعب الأعداء، ولذا كان القائد المسلم في الزمن القديم يُهدّد عدوه فيقول: «سآتيكم برجال يحرصون على الموت أكثر من حرصكم على الحياة».
الفلسطيني لم يسقط في أوحال إلْف القهر، فمِمّا اصطلح عليه أهل الرأي، أن طول أمد الطغيان في الأصل يُلبس الناس أخلاق العبيد، لكن أهل فلسطين رغم الاحتلال فهم دائما في رباط ونضال، رضَع أطفالهم من لبن المناضلات الصامدات، وشبّوا على مشاهد تشييع الشهداء، ولا يزال الأقصى يغرس في نفوسهم غرس الاستعلاء.
لله درُّهم من صامدين..
صامدون وهم يرون بأم أعينهم آيات العمالة العربية، ويعلمون جيدا من هو الراشي والمرتشي والرائش والمُتاجر بأحلامهم وقضيتهم. صامدون وهم يرون حكام العرب يصافحون عدوهم ويهبونه حق العيش في سلام على الأرض المُغتصبة. صامدون رغم سقوط الرهان على تمثال الحرية بعد أن أعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل. صامدون رغم سقوط موقعو أوسلو وأخواتها في أوحال التطبيع، التي لم يجد الوزير الإسرائيلي يوسي ساريد كلمات يُعبر بها عن سعادته بتلك الاتفاقية سوى قوله: «إن إسرائيل اليوم خلقت من جديد، فمنذ إنشائها لم تكن الدولة شرعية في المنطقة التي قامت فيها، واليوم (13 سبتمبر 1993) اكتسبت إسرائيل شرعية الاعتراف بها». وصامدون رغم خيبة الأمل في تحقيق حلم المصالحة وإصرار البعض على شق الصف الفلسطيني والعزف منفردا بعيدا عن التوافق الوطني.
عالم النفس النمساوي وضع الدوافع الأساسية للسلوك البشري مُرتّبة على هيئة هرم له خمسة مستويات، أولها وأهمها الحاجات الفسيولوجية المتعلقة بغريزة حب البقاء، من طعام وشراب ومسكن، ثم الحاجة إلى الأمان، ثم حاجات الحب والانتماء، ثم حاجات التقدير والاحترام، وأخيرا حاجات تحقيق الذات، ولا يتجه الإنسان إلى إشباع مستوى قبل أن يشبع المستوى الذي يسبقه في الأهمية، فهو يتجه أولا لإشباع حاجاته إلى الطعام والشراب والنوم والسكن، ثم يتجه بعدها إلى العيش في أمان وسلام بعيدا عن الدمار والحروب وأماكن الكوارث.
لكن الفلسطينيين من أهل غزة خاصة، كسروا هذه النظرية، فلا طعام ولا شراب ولا مأوى ولا رغبة في الأمان تسبق حاجتهم إلى الحرية، تلك هي العقيدة، وذلك هو نتاجها.
لم يعد الحديث مجديا عن هَبَّةٍ عربية وإسلامية لنصرة القضية الفلسطينية، بعد أن بِيعت في سوق النخاسة، وضاعت بين عمالة وصمت الحكام وعجز الشعوب، لكن الشعب الفلسطيني يقود نفسه بنفسه في مسيرة العودة، والرهان عليه في أن تبقى القضية متوهجة وأن يظل أمل التحرير باقيا، سيبقى نضاله فاضحا لكل الخونة والعملاء والشياطين الخُرْس، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية

تلك هي العقيدة وذلك هو نتاجها

إحسان الفقيه

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عائدون usa:

    حياك الله يا أخت احسان الفقيه على هذا المقال القيم, الأخوات امثالك هم مدارس الحياة وهم أمل الامه بعد ان نضب الرجال.

  2. يقول الكروي داود:

    من باع فلسطين هم حكام العرب منذ التآمر على الدولة العثمانية قبل قرن مضى
    فكان الباعة متنوعي الألقاب كالخديوي والشريف والملك والرئيس والعقيد وووو
    ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول محمد صلاح:

      مع تحياتى لك يا اخ كروى
      لما الدولة العثمانية اصبحت رجل أوربا المريض
      نتيجة للتخلف وعصور النهضة فى أوربا
      اصبحت الدولة العثمانية شخشيخه ( لعبة بيلعبوا بيها الدول الغربية الكبرى)
      وكانت تعتمد على المعونات المالية من المانيا
      ولما انهزمت المانيا
      اصبحت املاك العثمانيين وهى الدول العربية المسكينة هى غنائم الفائزين فرنسا وانجلترا
      بمعنى العثمانيين سلموا الدول العربية
      الى الغرب
      ووجد الغرب الدول العربية فى اسوء حالتها
      اقتصاديا ومعيشيا بفضل تخلف العثمانيين
      فى كل المجالات
      والان البعض عاوز يرجعنا الى هذه العصور
      عصور التخلف والظلام العثماني
      للدول العربية
      مع تحياتى

    2. يقول الكروي داود:

      حياك الله عزيزي محمد صلاح وحيا الله الجميع
      كان السلطان عبدالحميد الثاني مُلمًّا بكل الإجراءات التي يقوم بها ثيودور هرتزل وذلك لأن السلطان كان يملك أقوى جهاز استخباراتي في ذلك الوقت، ولحماية فلسطين من الهجرات اليهودية أصدر السلطان عبد الحميد الثاني عام 1876 مذكرة قانونية بعنوان “مذكرة الأراضي العثمانية” أو كما هي في اللغة العثمانية “عثمانلي أراضي قانوني” وحسب هذه المذكرة القانونية منع السلطان عبد الحميد الثاني بيع الأراضي العثمانية وخاصة الفلسطينية لليهود منعًا باتًا وجهز وحدة شرطة خاصة للقيام بهذا الأمر ومتابعته، كما خصص السلطان أوقاتًا محددة وقصيرة لليهود الراغبين في زيارة فلسطين.
      رأى هرتزل أن السلطان عبد الحميد الثاني عائق كبير أمام الأهداف الصهيونية بفلسطين فقرر التحرك دبلوماسيًا والعمل على إقناع عبد الحميد الثاني بكل الوسائل للحصول على وطن في فلسطين، ومن أجل الحصول على فرصة للقاء السلطان عبد الحميد حاول إقناع صديقه نيوزلينسكي ذو العلاقة الحسنة والطيبة مع السلطان عبد الحميد الثاني بالتوسط له لدى السلطان للقائه، قبل عبد الحميد الثاني وساطة نيوزلينسكي وقدم وصديقه هرتزل في حزيران/ يونيو 1896 والتقوا بالسلطان عبد الحميد الثاني، وكان السلطان يحرص على توثيق جميع اجتماعاته ولقاءاته.

      وحسب الوثيقة التي وثقت هذا الاجتماع؛ بدأ هرتزل قوله بتعبيره عن خالص احترامه وتقديره للسلطان الكبير عبد الحميد الثاني ومن ثم تطرق إلى موضوع فلسطين قائلًا “إن الأمة اليهودية ومنذ زمن طويلة تتعرض لأقوى وأبشع أنواع الذل والاستحقار والإقصاء، ومن أجل تخليصها من أنواع العذاب الشرسة هذه، فإن كل ما نريده هو قبولكم لهجرتهم لفلسطين لا لشيء سوى إنقاذهم من التمييز البشع الذي يتعرضون له في أوروبا والقيصرية الروسية وأتعهد لكم في مقابل قبولكم هذا بسداد جميع ديون الدولة العثمانية وحتى تزويد الميزانية والخزينة العثمانية بفائض عن حاجتها”.
      فرد عليه السلطان العثماني بالقول “لا أستطيع بيع حتى ولو شبر واحد من هذه الأرض، لأن هذه الأرض ليس ملكٌ لشخصي بل هي ملكٌ للدولة العثمانية، نحن ماأخذنا هذه الأراضي إلا بسكب الدماء والقوة ولن نسلمها لأحد إلا بسكب الدماء والقوة والله لإن قطعتم جسدي قطعة قطعة لن أتخلى عن شبرٍ واحد من فلسطين”.
      – عن ترك برس –
      ولا حول ولا قوة الا بالله

    3. يقول محمد صلاح:

      مع تحياتى لك يا اخ كروى
      انا لا أجادل فى ماحدث فى فلسطين ووعد بألفور
      ان أتكلم عن فترة حكم العثمانيين للبلاد العربية
      مثال فرنسابقيادة نابليون استولت على مصر التى كانت تحت حكم العثمانيين
      وبدون ان تفعل تركيا اى شىء
      للدفاع عن احتلال فرنسا لمصر
      وتكرر الامر مرة اخرى احتلت انجلترا مصر ١٨٨٢
      وكانت مصر تابعة للعثمانيين ولم نسمع او
      نرى اى شىء من الدولة العثمانية
      كانوا ذى شاهد ماشفش حاجة
      وتكرر ذالك مع معظم الدول العربية التى كانت تحت حكم العثمانيين
      لماذا حدث ذالك ولماذ لم تنطق تركيا العثمانية او تعترض
      السبب انها كانت دولة متخلفة ومريضة اقتصاديا ومحتاجة روز
      والرز عند الالمان والالمان انهزموا فى الحرب
      وأصبحت تركيا محتله هى الاخرى
      اما موضوع فلسطين كان البريطانيين اصحاب الحل والربط فى ذالك الوقت وليس تركيا
      والا لماذا هاجر كثير من اليهود من كل العالم الى فلسطين فى زمن الدولة العثمانية
      وبداية القرن الماضى
      صحيح اعترض السلطان عبد الحميد
      ولكن اعتراض من عينة اعتراض العرب الان
      على امريكا
      وأمريكا تفعل ما تريد رغم أنف كل الدول العربية
      مع تحياتى لك

    4. يقول الكروي داود:

      لا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول ابو محمد من الشابورة - فلسطين:

    تحية للكاتبة الاخت المسلمة العربية. ان آهل غزه العزة والشعب الفلسطيني في كل بقاع الارض لن يبيع او يساوم علي فلسطين والمقدسات الاسلامية رغم كل الانبطاح خصوصا هذه الايام. كما اؤكد هنا ان الشعب الفلسطيني يعرف ان الشعوب العربية والاسلامية واحرار العالم يدعمونه رغم جراحهم كلا في بلاده. اعانهم الله علي حكام منبطحين فاسدين مفسدين.

  4. يقول سامح //الأردن:

    *نصر الله شعب(فلسطين ) الأبطال .
    العار كل العار على الحكام المتخاذلين
    من حكام العرب والمسلمين.
    حسبنا الله ونعم الوكيل.
    سلام

  5. يقول الحرحشي:

    احيي الجندي المجهول الفلسطيني الذي لم يكل في الجهاد المستمر وديمومة العمل في اشعال شعلة النضال الفلسطيني نحو تحرير كامل التراب الفلسطيني انها المرأة الفلسطينية التي ننحني امام قامتها وشموخها وصبرها واعداد الجيل الذي لم يكل ولم ييأس. ابشركم ان فلسطين ستتحرر بالصبر فالوقت هو عدو الطالم

  6. يقول سلام عادل(المانيا):

    ستبقى المظاهرات هي السبيل الوحيد الذي يوصل الفلسطينيون الى مبتغاهم,عليهم البحث عن مانديلا في داخلهم لكي يقودهم للنصر

  7. يقول (خالد) الجزائر:

    أصعب الطعنات هي التي تتلقاه من داخل بيتك ، فالقدس العربية طُعِنت من العرب. ومن طُعن من داخل بيته عندي جبانٌ أن ينتظر مساندة من احد .

إشترك في قائمتنا البريدية