تمثيليات أردوغان

حجم الخط
15

في المواقف التاريخية المفصلية تجري مفاضلات ومقارنات، في مواقف الدول، وهذه يُسجّلها التاريخ، فإما أن تكون فخراً لنظام حاكم في هذا البلد أو ذاك، وإما أن تكون خزياً وعاراً لا تنساه الأجيال.
أتى احتفال افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، وما رافقه من قتل للعزل من الفلسطينيين في قطاع غزة، ليضربَ الشرعية الدولية وحقوق الإنسان والأعراف كلها بعرض الحائط، ويعني عمليا شرعنة الاحتلال وتشجيع ضم أراضي الغير بالقوة، وقتل العُزّل من المتظاهرين.
أمام هذه العربدة الأمريكية ـ الإسرائيلية،هناك أنظمة قادرة على اتخاذ مواقف مستقلة، مقابل أنظمة عاجزة حتى عن الاستنكار والتنديد بوضوح بهذه الجرائم.
الأنظمة العاجزة، غالباً ما توجّه سهامها المسمومة إلى الضحية ومن يقف معها، وعادة ما تطلب «ضبط النفس من الطرفين»، و»العودة إلى طاولة المفاوضات»، وكأنما كانت هناك مفاوضات، وبدون أن توضّح ما هي هذه المفاوضات، وعلى ماذا، وما هو المتوقّع منها؟ بعضهم يحمّل المسؤولية بالتساوي بين المجرم والضحية تحت ذريعة «حق إسرائيل بأن تدافع عن حدودها»، في الوقت الذي لم تقرر إسرائيل ولا مرّة في تاريخها أو دستورها، أين هي حدودها، ونتحدى هؤلاء القانونيين أن يحدّدوا أين هي حدود إسرائيل.
ما أن أعلنت تركيا طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة والقنصل من اسطنبول، حتى دبّ الحسد والغيرة في أوساط بعض العرب، فراحوا يصفون أردوغان بالثعلب المتلوّن، ويصفون مواقفه بالتمثيل. عندما يأمر أردوغان بطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة ثم القنصل من إسطنبول، فهو لا يمثل. أما من يحتضن السفير والقنصل الإسرائيليين، ثم يستنكر جرائم الاحتلال بحياء، ويطالب بحقن الدماء من دون تحديد المسؤول عنها، فهو الذي يُمثل. عندما يستدعي أردوغان سفيره من واشنطن للتشاور، ويعلن رفضه للموقف الأمريكي، ويعتبره معاديا للشرعية الدولية فهو لا يمثل. أما الذي لا يجرأ على كلمة واحدة في مواجة ترامب، فهو الذي يُمثل. الذي يستنكر جرائم إسرائيل القديمة والجديدة وعلاقته متوترة مع نتنياهو منذ سنين فهو لا يمثل. أما الذي يستنكر الجرائم الإسرائيلية بالكلام، ويهرول إلى التطبيع من جهة أخرى، فهو الذي يُمثّل.
عندما يطالب أردوغان بمحاكمة المجرمين في محكمة الجنايات الدولية، فهو لا يمثل. أما من لا يتقدم بشكاوى رغم الجرائم المتكررة ضد المدنيين في فلسطين، فهو الذي يُمثّل. عندما يطالب أردوغان الدول الإسلامية باتخاذ موقف حازم تجاه إسرائيل وترامب، فهو لا يُمثل. أما من يصطف إلى جانب نتنياهو وترامب بذريعة مواجهة الخطر الإيراني فهو يمثل، لأن مواجهة الأطماع الإيرانية لا تعني التحالف مع نظام توسّعي عنصري فاشي على حساب شعب عربي آخر. عندما يعلن نظام عربي استنكاره لمقتل سبعين فلسطينياً، بينما هو يقتل شعبه والفلسطينيين معهم بعشرات ومئات الآلاف، فهو يُمثّل. من يسفك دماء السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين، ثم يعرب عن قلقه واستنكاره لمقتل مدنيين فلسطينيين، فهو يمثّل. الأنظمة الصديقة والمعادية التي تساوي بين الضحية والجلاد، وتدعو الطرفين لضبط النفس، تُمثّل، لأن الذي استعمل السلاح معروفٌ وواضح.
كان بإمكان أردوغان أن يتخذ موقفاً إنشائياً خطابياً، من دون طرد السفير والقنصل، ومن دون وصف نتنياهو بأن يديه ملطختان بدماء الأبرياء، ومن دون استدعاء السفير من واشنطن للتشاور، ومن دون دعوة رئيس وزرائه علي يلدريم الدول الإسلامية لإعادة النظر في علاقتها بإسرائيل، لكنهما لم يمثّلا.
ادعى البعض أن موقف أردوغان نابعٌ من حاجته إلى الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في يونيو المقبل. حسناً، وما الغلط بأن يكون موقفه هذا سبباً في زيادة أعداد ناخبيه، فهذا يشير إلى موقف شعبي تركي مؤيد للحق الفلسطيني، وهل أتى هذا الموقف الشعبي في تركيا صدفة؟ أم نتيجة تراكم إعلامي واضح إلى جانب الحق الفلسطيني بتنا نتوق إليه من بعض العرب. تركيا اليوم من أقوى الأصوات على الساحة الدولية المنحازة بوضوح إلى حقوق الفلسطينيين، وتنتقد السياسة الأمريكية والإسرائيلية بقوة، وهي من الدول القليلة في العالم، التي تملك الجرأة على استدعاء سفيرها من واشنطن، وتخاطب رئيس أمريكا بندّية. المظاهرات التي يشارك فيها مئات الآلاف من الأتراك بإرادتهم تأييدا للحق الفلسطيني، والذين سيتظاهرون يوم غد الجمعة تحت شعار، «وقفة ضد الظلم»، تقول إن التعبئة التركية شعبية، وليست على مستوى المسؤولين فقط.
صحيح أن أردوغان رجل سياسة، ولا يوجد في السياسة أيقونات مقدّسة، فهو يضع مصلحة تركيا على رأس سلّم اعتباراته، ولكنه منسجم مع إرادة شعبه إلى حد بعيد، وهو بهذا يخدم الشعب الفلسطيني أكثر من أولئك الذين يقمعون شعوبهم، ويرغمونها على غير ما تريد وتصبو إليه وتشعر به، بل ويضللونها ويبثون الأكاذيب حول الفلسطينيين وعلاقتهم بالإرهاب، وببيع أراضيهم، لتبرير تخاذلهم.
أخيراً، أدعو من يدّعون بأن أردوغان يمثّل، إلى التمثيل، أن يمثّلوا طرد سفيريّ إسرائيل من القاهرة وعمّان، وأن يمثّلوا استدعاء السفراء العرب من واشنطن للتشاور، (أعتقد أنهم لن يجرؤا على هذا حتى في السينما)، وأن يمثلوا إجراء انتخابات رئاسية مثل تلك التي يخوضها أردوغان وحزبه، (وهذه أصعب)، وأن يمثّل الأغنياء والنّفطيون منهم توزيع الزكاة على الدول الإسلامية الفقيرة، بدلا من صفقات السلاح الأسطورية، وأن يمثلوا احتضان اللاجئين السوريين بالمستوى الإنساني الذي مثلت فيه تركيا هذا الدور، مثّلوا، فأنتم الممثلون، وأنتم أحقُّ من ممثلي هوليوود وكان بالسُّعف الذهبية والجولدن غلوب والأوسكار وغيرها وغيرها..
كاتب فلسطيني

تمثيليات أردوغان

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رؤوف بدران-فلسطين:

    آآآه.. ما اصدقه من تمثيل يا اردوغان!! وما اكرهه من غيرك؟!! ما اجمل الاخلاص منكَ يا اردوغان!! وما اقبح الخيانة من غيرك؟!! ما اجل قول الحق منك يا اردوغان !! وما اخس انزواء الجبن في غيرك ؟!!
    انتظرنا طلتك يا اردوغان , لتشملنا نجدتك!! كما انتظرنا في وقت مضى حلول مواسم العز والهيبة من صلاح الدين قبلك ؟!
    واردوغاناه !!!صرخة الاستنجاد نعلنها كما اعلنا واستنجد المستضعفون بصرختهم وامعتصماه ..!! ساعة الهجيج امام الفرنجة وصيحات الضجيج …كان يومها للعربان حافز النجدة , لبناء صروح المجد وهذا ما تحقق ..واليوم آآآه واسفاه!!
    (نحن في القلب جرحنا ..غير انا نحمل الجرح بصبر الانبياء)؟!!
    اين منكم الشهامة يا سلاطين البوادي! اين مردود زيت جزيرتكم , من تتابع قوافل عزنا نحن (الفلسطينيون) ومقارعتنا للظلم والقهر والاستعباد ونحن ابناء الحرية وتواقوا الانعتاق من براثن الهمجية !! نعم…نعم لاننا نحن خير العباد!!
    نحن الفلسطينيون لسنا بحاجة لمالكم , ولا لنجدتكم ..فانتم اقل من ان تستطيعوا حماية فراشة تظلل عيبكم !
    لتعرفوا يا سلاطين جزيرة الزيت الاسود , ان الارض لا يحرثها الا عجولها , ونحن عجول فلسطين , واما انتم فوالله……والسلام.

  2. يقول الحرحشي:

    يا ليت زعامات دول الهنولولو قادرين حتى على التمثيل فهو غير قادرين على شيء سوى قيامهم على اتم صوره دورهم كمندوبين او وكلاء للاستعمار وكاضامنين لبقاء دورهم متخلفة ينخرها الفساد وكل افات العصر وغيره. يا رب.. انت حسبنا

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    الذين عندنا ، لا يجيدون حتى التمثيل !
    .
    هم لا يجيدون شئ ، سوى العمالة و الخيانة و الحماقة و الجهل و القسوة و الغباء !

  4. يقول S.S.Abdullah:

    على أرض الواقع إعلان شركة الاتصالات زين 2018؟ كان رائع وهو حقيقة يمثل اقتصاد الأسرة للأسرة الإنسانية، في كل تفاصيله،
    ولذلك أظن هذه فرصة ذهبية لأي فكرة لمنتجات تتعامل مع بطاقة التعريف الإليكترونية والعملة الإليكترونية، كوجها عملة الاقتصاد الإليكتروني في أجواء العولمة، وهو ما نعد به في مشروع صالح التايواني (اقتصاد الأسرة كبديل عن اقتصاد الفرد)، والنموذج العملي لتطبيق ذلك هو مفهوم أم الشركات (على وزن أم المعارك لصدام حسين عام 1991) والهدف من الشركة هو تحسين مستوى الدخل للموظف من خلال أن يقترح مبادرة، لتحسين مستوى الخدمات بواسطة تطويع الأتمتة، فيكون شريك في زيادة الدخل للجميع، الإنسان والأسرة والشركة والمؤسسة وبالتالي الدولة بالضريبة والرسوم بعد أن تم تحسينها وتوفيرها للجميع، في تلك الحالة لن يكون هم الدولة إيجاد وظيفة للروبوت (الآلة) بواسطة الأتمتة، لا، بل أصبحت الأتمتة وسيلة لزيادة دخل الجميع داخل أي دولة، من خلال خمسة أركان هي: الحوكمة الرشيدة(هناك اختلاف بينها وبين الإدارة الرشيدة)، لوحة المفاتيح (الشفافية واللامركزية)، الحرف (الأصوات والموسيقى)، الكلمة (معنى المعاني التي في القواميس وهيكل اللغة)، الجملة (الحوار والتواصل والاتصال والتكامل بين ثقافة الـ أنا وثقافة الـ آخر من خلال التجارة بين منتجات بعضهم للوصول إلى ثقافة الـ نحن كأسرة إنسانية)، حيث يجب تطوير مناهج التعليم لكي نعمل على تخريج رجل أعمال بدل المقاول (دلوعة أمه الفاسد) دونالد ترامب، فسبحان من قال رب ضارة نافعة، فلولا ما فعله الرئيس دونالد ترامب لما كان هناك مسيرة العودة لأهل فلسطين لنسف مفهوم أن يتم تخصيص كرسي الوظيفة في الدولة فقط لآل البيت من شعب الرب المختار، واستغلال الواسطة والمحسوبية والرشوة بداية من لغة الجسد، لأن الأقروبون أولى بالمعروف؟!
    هل قيادة تركيا لمؤتمر التضامن الإسلامي في عام 2018، سيُغير حال سوء فهم قضية فلسطين، ولذلك لم يجدوا حل لها طوال 70 عام؟ هل ستطلب تركيا من دول العالم الإسلامي، مقاطعة الأمم المتحدة وعدم دفع أي إلتزامات مالية، حتى يتم إصدار شهادة ميلاد لفلسطين، وتغيير بيان حقوق الإنسان، ليكون الإنسان أولا، بدل ما هو الآن الورق أولا، لأن البيان الحالي هو سبب أزمة اللجوء، حيث يتم رفض التعامل مع الإنسان كأنسان له حقوق إنسانية، مالم يحمل ورق صادر من جهة تعترف بها الأمم المتحدة أولا؟!

  5. يقول د. طارق الخطيب ـالقوميون العرب:

    أخي سهيــــل ؛؛؛؛؛ لقـد أوفيـت بما عبرت عنه …فجاء نبضا لكل ضمير عربي مخاص طاهر؛؛؛؛ أثلجت صدري ,,وعززت بي الأمــل الذي لم ينحسر يوما رغم الآلام…؛ أعفيتني لأن أضيف لشرف الكلمة الصادقة ؛؛ ولما تدفق وفاء وبأروع ما يختلج به قلب كل حر ملك الشهامة والوفاء مثلك …أشـد وبشرف واعتزاز على يديك ؛؛؛ فسر مباركا بخطى العزة والعنفوان فأنت شعلة أدعو الله دوام نورها .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية