تمدد الكتابة

منذ عدة أيام، كنت نشرت على صفحتي في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مقطعا صغيرا من نص جديد أعمل عليه هذه الأيام. كان فيه وصف لأحد العطور الحديثة، بأنه عطر ملائكي، صمم ليبقى على الجسد أياما طويلة. وفوجئت بعشرات الرسائل ترد إلى بريدي، وتؤيدني في وصفي للعطر، وكانت من أشخاص إما يعرفون ذلك العطر ويســتخدمونه، وإما التقطوا اسمه حين ذكرته وجــربوه، و اقتنعوا بإيحاء أنه ملائكي. وكــانت إحـــدى هذه الرسائل من موزع للعــطور أعرفه، وبدا في رسالته متحمسا لإدخال العطر إلى تجارته، وليصبح من ضمن العطور التي يتولى بيعها والترويج لها.
وقبل عام تقريبا، كنت تلقيت رسالة من منظمة الصحة العالمية، تخبرني عن نشاط فيروس إيبولا القاتل، الذي يسبب الحمى النزيفية، أي البلاد غزا مؤخرا، وأي البلاد يتوقع أن يغزو في المستقبل القريب، وما عدد ضحاياه، وكانت تلك الرسالة رد فعل علمي أو طبي لرواية متخيلة لي اسمها «إيبولا76»، فيها القليل من الحقائق والكثير من الهواجس، كتبتها عام 2012عن فيروس إيبولا، وبالتحديد عن هبته الأولى حين ظهر عام 1976 في الكونغو وجنوب السودان، كفيروس مرعب وخطير وحاصد للأرواح بلا أي رحمة.
أيضا أخبرني زميل، عن كاتب يعرفه، كتب قصة عن قرية متخيلة، تشبه قرى بلاده كثيرا، ذكر فيها أحداثا وقعت في النص، لكنها يمكن أن تقع في الواقع أيضا، وذكر أسماء معينة، تشبه أسماء كثيرة يتم تداولها في القرى عادة، وفوجئ حين نشرت قصته بواحد من سكان القرى، يقدم شكوى ضده، بوصفه أساء إليه، حين استخدم اسمه كاملا في النص، وألبسه لشخص غير جدير بحمله، كان يقوم بأشياء معيبة، بينما هو بعيد عن كل ذلك.
ما أردت قوله من هذه المقدمات، هو أن الكتابة بكل حسناتها وسيئاتها، تصل إلى أبعد مما يمكن أن يتخيل الكاتب. ولكن الكاتب قد لا يعرف ذلك، إلا إذا أخبره أحد ما، أو عثر أحد على عنوانه وراسله، هنا لا أعني القراءة العادية التي يمكن معرفة نتائجها من مواقع القراءة، ومن الاحتكاكات التي تحصل كثيرا بين المؤلف وقرائه، وأيضا من الأصدقاء المتوفرين بكثرة على صفحات المؤلفين في المواقع الاجتماعية، بعضهم يكتب، وبعضهم لا يكتب لكنه يتابع الكتابة. هنا أعني أولئك الذين لا تهمهم القراءة في العادة ولا يحسون بوجودها أصلا، إلا إذا تناولت شيئا يخصهم، فلا أعتقد أن موزع عطور مثلا، يهتم بفقرة من نص في صفحة لمؤلف، ويسعى لتذوقها والثناء عليها، أو وضع علامة الإعجاب الشهيرة، التي أعتبرها شخصيا نوعا من عرض الوجه أمام الصديق، ولفت انتباهه، أكثر من الإعجاب بنصه، لا يفعل ذلك إلا إن كان هناك ما يهمه. موزع العطور سيفرح إن كتب اسمه أو اسم عطر يوزعه، أو عطرا آخر سيسعى لتوزيعه بعد أن التفت إليه مصادفة.
منظمة تعمل في شؤون الصحة، ومكافحة الأمراض، والسعي للقضاء عليها، لا يملك أعضاؤها وقتا أو مزاجا، لتصفح رواية، إلا إن كانت تتحدث عن مرض ممدد في يومهم، ويسعون لمكافحته، وأجزم أن الأطباء غير المهتمين بالأدب عادة، يمكن أن يقرأوا «إيبولا76»، و»الحب في زمن الكوليرا » لماركيز، و»الطاعون» لألبير كامي، لكن من المؤكد أنهم لن يقرأوا «مئة عام من العزلة»، أو «شيطنات الطفلة الخبيثة»، لأن العزلة ليست مرضا يسعون خلفه، والأطفال بمفهوم العاملين في حقل الطب، كائنات هشة، تتوجب رعايتها في أي وقت.
بالنسبة لكتابة الجو العام لمكان ربما يعرفه المؤلف ويتقن تفاصيله، ويستخدم خاماته في إنتاج نصه، فهذا شيء مشروع، وما دام الأمر خياليا بحتا، ستزداد مشروعيته، وما سيجعله غير مشروع هو أن تصل الكتابة المتخيلة هذه بواسطة أشخاص يقرأوون إلى أشخاص لا يعرفون عن القراءة، أو لا يهتمون بها، وفقط سيهتمون بذلك التشابه، ويسعون لنيل حقوفهم من المؤلف، الذي يعتبر مارقا في نظرهم.
إذن نحن أمام تمدد الإبداع بشكل أو بآخر، إيجابيا كما حدث في تذكر مؤلف إيبولا وشكره على مجهوده ومده بمعلومات جديدة ستساعده، إن كان سيكتب مرة أخرى، وسلبيا حين يسعى أشخاص حقيقيون، لمحاكمة مؤلف كتب نصا متخيلا عن أشخاص متخيلين وأحداث متخيلة. وبالنسبة لكل ما يكتب على الإنترنت خاصة، فهو يصل لا محالة، الذي تمتدحه وتثني عليه، يصله مديحك ويصلك انتشاؤه، والذي تسبه وتنتقص من قدره، يصله سبابك، ويصلك استياؤه، وحدث أن كتب أحدهم في مدونة مغمورة عن كاتب صديق، نعتز به، وصفه بالغبي الذي لا يفهم معنى كلمة رواية، ويلقى برغم ذلك رواجا من الناس، فوصلت حماقته للصديق، ووصله استياء الصديق وسخريته.
الكتابة تصل، وتصل بسرعة غريبة، ومهما كان الكاتب مغمورا، أو غير جدير بالقراءة، لكن يصل حين تصبح قراءته أمــرا ضــروريا عند اللــزوم، وقد فكرت جديا في استــغلال مســألة الاهـتـــمام من غــير القراء بنصوص معينة، والإمساك بهؤلاء لينضموا إلى ركب عشاق الكتب، وقرائها المميزين.
كاتب سوداني

أمير تاج السر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ما اسم حسابك على الفيسبوك؟:

    بحثت عن صفحتك في الفيسبوك فلم أجد لك حسابا أرجو أن تعرفني على اسم حسابك أيها الروائي الكبير[email protected]

إشترك في قائمتنا البريدية