عندما يتمكن متملّقون مقرّبون من السلطة، أو تتيح لهم السلطة التحدث باسمها في الشارع، يصبح السؤال إلزاميًا وعميقًا، وبمستوى حالة التوتير الوطني عن تلك الأزمات التي تبدو منفلتة، وفي بعض الأحيان مصنوعة أو مسكوتا عنها في الشارع الأردني.
الفيسبوك في الحالة الأردنية تحديدًا وخلافًا لكل ما يحصل مع الشعوب المتحضرة أصبح مصنعًا عابرا للهويات والمكونات، ينتج كل أنماط الأشكال والتأزيم في المجتمع.
لم يعد عمليًا من الممكن ضبط إدمان الأردنيين الاجتماعي، لكن بعض تلك الخلايا الغامضة، بدلًا مِن أن تلعب دورها في تسكين آلام المجتمع واحتواء تناقضاته، تمارس هِوايتها الموسمية في تنشيط هذه التناقضات، لا بل افتعالها في كثير من الأحيان.
حتى لا نقول: إن بعض المستويات في الحكومة متهم برعاية وتغذية هذا النشاط الإلكتروني الغامض لبعض المتملّقين وثوار الفيسبوك يمكن الإصرار ببساطة على أن بعض ما يحصل في السياق على الأقل يُرضي غرور السلطة ويُعجب بعض المسؤولين على أساس نظرية معلّبة كلاسيكية تقول: إن انشغال وإشغال الأردنيين ببعضهم بعضا أمر مفيد في كل الأحوال ويخدم حالة الاستقرار السياسية والاجتماعية والأمنية في البلاد، كما يخدم خطط ومشروعات الحكومة أو الدولة.
نظرية سقيمة وبائسة في معظم الأحوال وسلاح ذو حدّين لا يمكن تقدير نتائجها في أي لحظة خصوصًا عندما يتم العبث بصورة مبرمجة مع كتل سكانية أو شرائح اجتماعية ترزح أصلًا تحت الضغط الاقتصادي وتؤمن بالهُوية الفرعية وتحترف ترويج الكراهية وتصعّد باللغة العشائرية والجهوية.
يبدو المشهد محيّرًا تمامًا في الأردن، فقد سمعت شخصيًا وفي غالبية غرف القرار التي تمكنتُ من التحاور مع رموزها حالة شكوى وضجة وتذمر كبيرة جدًا من نتائج وتداعيات واحتقانات إدمان الأردنيين على وسائط التواصل.
الغريب جدًا أن بعض المؤسسات الرسمية تتلاوم بينها، ويتهم بعضها الآخر برعاية هذه التشنجات الإلكترونية التي يقول مراهقون في الوظيفة العامة إنها تخدم المصالح العليا في النهاية، لكنها تتحول مع مرور الوقت إلى ورم سرطاني خبيث يعبث في أوصال المجتمع وبطريقة لا يمكن ضمان تداعياتها، وستؤدي حتمًا عاجلًا أم لاحقًا إلى أضرار بالغة على الحكومة والشعب في حال عدم السيطرة عليها.
لأنها ببساطة تشنجات غير صحية، ولا تنفعل لأغراض العلم والتثقيف والتنمية، بقدر ما تنشط وتنفعل لتحقيق مكاسب صغيرة جدًا وبائسة يحتفل بها موظف أو مسؤول.
تواصل الأردنيين الإلكتروني أصبح عبئًا على المجتمع والدولة.. هذه حقيقة لا يُنكرها حتى أصحابها، لكن لا أحد بالمقابل يريد الغوص في التفاصيل أو اللجوء للطرق المفهومة والمنطقية في الاحتواء والمعالجة، لأن هذه الطرق ببساطة شديدة ستحرم طبقة كبيرة من الانتهازيين والأنانيين في السلطة والمجتمع من منظومة الخدمات غير الشرعية، لا بل غير الأخلاقية أحيانا.
الرأي العام الأردني يتكوّم اليوم في بطن صفحة فيسبوك وقوة هذه الوسيلة الاتصالية هزمت مجالس المجتمع ومنابر المساجد ومؤسسات التعليم ونظام الوعظ كله في البلاد .
الاستخدام السيء للتواصل الاجتماعي في تدعيم التطرف أو التغزل بالكراهية باعتبارها وطنية، لم يعد حكرا على أفراد أو هواة، بل من الثابت والملموس بالوقائع والأرقام والأسماء أن بعض الدوائر في أجهزة الحكومة تستخدم مجموعات من المراهقين وطنيًا وسياسيًا في تثوير وإنتاج الأزمات بحجة الدفاع عن الوطن والنظام.
لا تحتاج الدولة لخصوم حقيقيين وهي تمنح بعض الرعاية أحيانا لتلك الخلايا التي تشن حربا نفسانية على الناس والقيم، فمع حلفاء وأصدقاء متملّقين وسحّيجة ومراهقين من هذا النوع يمكن أن يحصل اكتفاء ذاتي عند السلطة من الخصوم، فهؤلاء يتكفلون أصلا بسحب رصيد الدولة والنظام من وجدان الجمهور، برغم أن وظيفتهم بالأصل هي إيجاد وتوفير رواية أخرى لمصلحة الموقف الرسمي فقط
وهي وظيفة معقولة لو تم التعامل معها باحتراف ولا مجال للتشكيك فيها لو أنيطت بعقلاء.
لكن المسـألة أشبه برعاية وتسمين وتغذية وتمويل بعض الموتورين وبلطجية الإنترنت وإطلاقهم في العصب الحيوي لإدمان التواصل بين المواطنين.. والغريب جدًا أن ذلك يحصل من دون توجيه تفصيلي ومن دون إعداد مدروس للرسائل التي ينبغي أن توجه فيصبح الأمر أقرب إلى صيغة حفلة وناسة.
لكنها إلكترونية هذه المرة وأقرب إلى فيلٍ يتم إطلاقه في حقل من الجِرار لأن التكليف يحظى بغطاء في مثل هذه الحالات، لكن أصحاب الغطاء لا ينتجون المادة ويتركون الأمر لعشوائية وتخبط وفلسفة المتملّقين للسلطة من نشطاء التواصل الاجتماعي.
حصل ذلك مرات عدة، وازدادت جرعات حصوله مؤخرا، الأمر الذي يثير التساؤل عن حكمة وجدوى وإنتاجية نبذ العقلاء والمثقفين والمعتدلين وترك الشبكة الإلكترونية لهذا النمط المختل من المدافعين عن السلطة والنظام، الذين يتصرفون عشوائيا ويخلطون أهواءهم الشخصية وأمراضهم الاجتماعية بسعيهم للتصدي للرأي الآخر
فيتلاشى أي معنى حقيقي للرسالة.
إدمان المجتمع الأردني على التواصل أصبح مسألة في غاية الخطورة حتى في البعد الأمني والاجتماعي، وترك المهمة للمغفّلين أو من يجيدون مخاطبة الغرائز فقط، من دون علم أو احتراف أشبه بجدع الأمن الوطني وأقرب لصيغة إطلاق الرصاص على الرأس وإيذاء الجسم.
هي على نحو أو آخر وصفة غريبة وغامضة لإشاعة الفوضى والتجاذب في المجتمع والتركيز على إثارة الفتنة.
من يرعى ويفعل ذلك ولماذا؟.. سؤال محيّر فعلًا، لكن هذا ما يحصل بحيث استعارت ظاهرة البلطجة والتأزيم نموذجها بكفاءة على صفحات التواصل، وتحديدا فيسبوك، حيث يتبادل الأردنيون التعازي والتهاني والأفراح والأتراح والمعلومات وكل ما يمكن تبادله بطبيعة الحال بالتوازي مع إهدار ساعات طوال أمام جهاز الكمبيوتر أو الهاتف المحمول وسط فراغ ذهني وارتجال في التعبير وندرة في الخطاب السياسي والوطني .
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»
بسام البدارين
لا داعي للقلق.
وسائل الاتصالات الحديثة اعطت بعدا جديدا و اجواء حرة مفاجأة لم يعتد عليها الناس في بلادنا. وككل جديد يحتاج الناس بعض الوقت للفهم و التأقلم و نضج الاستعمال.. المهم الفرصة و الحاجة و يسيسقيم الاستعمال مع الوقت.
الاسوأ هو قمع الحريات و التقييد بحجة عدم الاهلية او عدم الاستعداد او خشية النتائج و الذي يعني الابقاء على اهم اسباب تخلفنا و هو افتقاد الحريات و الفرص المتساوية