تناتيش ونغابيش

حجم الخط
0

لم أجد طريقة أفضل لتوصيف المنهج الذي تعمل به المواقع ذات الفكر المتطرف أياً كان توجهها، من المقتطفات التي نشرت من كتاب الأسلوب الخاص بموقع «ديلي ستورمر» الذي أنشأه بعض مهاويس التفوق العرقي الأبيض، والذي تم نشره بعد استحواذ موقع «هافنغتون بوست» على ملكية الموقع العنصري، وجاء فيها ما يلي: «من المهم أن نقوم باستمرار بالتركيز على النقاط نفسها التي نستهدف إيصالها المرة تلو المرة، سينجذب القارئ في البداية إلى الموقع من باب الفضول أو السخرية ثم سيتنبه تدريجياً إلى الحقيقة التي نبغي إيصالها. نحن نقوم بتغطية مضامين سلبية، لكن علينا أن نقوم بأقصى جهد لوضعها في رسائل إيجابية قابلة للتوصيل. يجب أن ندعي دائماً أننا منتصرون، ونحتفل بأي انتصار نحققه بأقصى قدر من المبالغة، وأن نحتفل بأنفسنا ونبالغ في تصوير نفوذنا. لا يجب أن نترك مكاناً للظلال أو المعاني غير الواضحة، كل شيء يجب أن يدهن بالأبيض والأسود. الفكرة المهمة أن كل شخص في صفنا يجب أن يدرك أنه جيد مئة في المئة، وأن كل من هو في غير صفنا هو شرير مئة في المئة». ولعلك تتفق معي أن هذه الطريقة التي يعمل بها ملاك وسائل الإعلام المتطرفة في كل أنحاء العالم، لأن التطرف ملة واحدة، وإن قاتل المتطرفون بعضهم بعضاً.
ـ بعد أن ألغت دار سيمون وشوستر صاحبة الاسم البارز في عالم النشر، العقد الذي وقعته مع مايلو يانوبولوس أحد وجوه اليمين المتطرف البارزة في أمريكا على تأليف كتاب لصالحها، قام مايلو برفع دعوى قضائية على الدار، وبعد أن اطلع محرر مجلة «هاربر» على أوراق القضية المودعة في أحد محاكم نيويورك، تم نشر مقتطفات من الملاحظات التحريرية التي كتبتها ميتشل إيفرز إحدى مسؤولي الدار، والتي جاء فيها ما يلي: «التباهي والتبجح لإرضاء جمهورك الشاب لا يجعلك تبدو بالضرورة صغير السن لدى بقية القراء ـ هذه النقطة واضحة بدون الحاجة إلى الإهانات المجانية وذكر الحلمات ـ استخدام تعبير «العاهرات ذوات الوجهين الطاعنات في الظهر» يقلل من أهمية ما تود طرحه بشكل عام ـ باريس هيلتون ليست أفضل شخص يمكن الاقتباس من أقواله ـ اترك المثليات جنسياً خارج الموضوع ـ لا تصف جنوب أفريقيا بأنها بيضاء ـ لا يمكن أن تقول أن الأشخاص قبيحي الشكل يميلون إلى اليسار، هل رأيت أي مسيرة لترامب مؤخراً ـ هل أنت فعلا تقوم بإخبار القارئ أنك تدافع عن حملات تشويه السمعة ـ هذا ليس المكان أو الزمان المناسبين لنكتة أخرى عن الأعضاء الذكرية للسود ـ دعنا نخرج الحديث عن النفايات والبراز من هذا الفصل ـ لو كان هذا العنوان خطاب كراهية فهذا الكتاب بأكمله خطاب كراهية». ما لم يتم نشره حتى الآن، هو المبرر الذي جعل دار نشر كبيرة ترى أن شخصاً يحمل أفكاراً منحطة مثل يانوبولوس لديه ما يقدمه لقرائها؟ وهل كان لا بد أن تنتظر الدار حتى تتصاعد الحملة ضد اليمين المتطرف بشكل تخشى منه على سمعتها، لكي تقوم بإلغاء عقد الكتاب؟ مثل ما سبقت وسائل إعلام تدعي التحضر ومواكبة قيم العصر عندما ساهمت في دعم دونالد ترامب والاحتفاء بظهوره قبل أن تدرك بعد فوات الأوان خطورة ما يمثله على مصالحها، وعلى التحضر القشري الذي تدعيه؟
ـ في كتاب تدريبي لمهنة التمريض صدر حديثاً، ويدعي أنه يعتمد على دراسات وتجارب فعلية، ورد في فصل يحمل عنوان (الاختلافات الثقافية في الاستجابة للألم) مجموعة أفكار تعميمية عن مجموعات من البشر، تفترض أن جميع أفرادها بسبب اشتراكهم في العرق والدين، يتشاركون الأفكار والاستجابات للألم نفسها، من هذه الأفكار ما يأتي: «المرضى الصينيون ربما لا يسألون عن الدواء لأنهم لا يريدون أن يعطلوا الممرضين عن مهام أكثر أهمية. الهنود الذين يعتنقون الهندوسية يؤمنون أن الألم يجب تحمله انتظارا لحياة أفضل في دورة الحياة القادمة. الفلبينيون ربما لا يأخذون أدوية تخفف الألم لأنهم يعتبرون الألم إرادة الله. العرب والمسلمون ربما يشكرون الله على الألم إذا كان نتيجة لتواصل عملية العلاج. اليهود ربما يعبرون عن ألمهم بصوت مسموع ويطلبون المساعدة، لأنهم يؤمنون أن الألم لا بد أن تتم مشاركته وأن يتحقق الآخرون من وجوده. الأمريكيون الأصليون ربما يختارون رقماً مقدساً بالنسبة لهم إذا تم سؤالهم عن اختيار مقياس للألم من واحد إلى عشرة. السود يعتقدون أن الألم والمعاناة أمر لا مفر منه». وبعد أن أثار الكتاب انتقادات واحتجاجات واسعة، أعلنت شركة بيرسون التي أصدرته أنها ستزيل هذا الفصل من الطبعات المقبلة من الكتاب، لكن ما ورد فيه من أفكار يصعب للأسف أن يزول من عقول الكثيرين.
ضمن سلسلة الدعاوى القضائية التي تواجه المنتج الأمريكي هارفي وينستين الذي أسقطته شهادات ضحاياه المشتركات في حملة «مي تو» لمكافحة التحرش الجنسي، قامت سانديب ريهال التي شغلت منصب المساعدة الخاصة له في الفترة من 2013 إلى 2015، برفع دعوى قضائية ضده في نيويورك، وقد وجدت مجلة «هاربر» ضمن أوراق الدعوى توصيفاً للمهام التي كانت تقوم بها سانديب في خدمة (تايكون السينما)، ومنها على سبيل المثال: «قراءة إيميلاته والرد عليها في الوقت الذي يكون فيها عارياً في المكتب ـ توفير غيارات داخلية نظيفة له باستمرار ـ الاحتفاظ بقائمة بياناته التي يوجد بها علامات تعريفية لعلاقاته الجنسية ـ تدبير مواعيد قريبة من المكتب لعلاقاته الجنسية ـ شراء ملابس داخلية للنساء اللواتي ينام معهن ـ توفير مخزون من حقن لعلاج مشاكل ضعف الانتصاب لديه ـ التقاط فوارغ الحقن التي يأخذها لعلاج مشاكل ضعف الانتصاب ـ والتقاط الواقيات الذكرية المستعملة أيضا ـ وتنظيف الحيوانات المنوية التي تسقط على كنبات مكتبه».
ـ من الأخبار التي توقفت عندها لأسباب لها علاقة بأوضاع السجون في بلادنا المنكوبة، خبر عن قيام نزلاء سجن مورغان كاونتي في ولاية ألاباما الأمريكية برفع دعوى قضائية ضد أنا فرانكلين مأمورة المقاطعة، بمساعدة من المركز الجنوبي لحقوق الإنسان، بعد أن اتضح أن فرانكلين قامت باستثمار مئة وخمسين ألف دولار أمريكي من ميزانية الطعام المخصصة للسجن، في صفقات لتجارة السيارات، مستندة على نص في قانون ولاية ألاباما يسمح لمأموري المقاطعات بالحصول على ما لم يتم إنفاقه من الأموال الفيدرالية المخصصة للطعام في السجون. وقد جاء في شكاوى السجناء ما يأتي: «طعم كل وجبة يشبه الصابون ـ تم تقديم السجق مجمداً وعليه ثلج ـ الدجاج تم تقديمه نيئاً في أجزاء منه ـ الرز يتم تقديمه غير مطهو ويصعب مضغه ـ الموز المقدم متعفن ـ الأناناس غير ناضجة ـ الشوربة كان بها رجل حشرة ـ هناك أشياء غير محددة المعالم في الشاي ـ لا يوجد قرع في شوربة القرع ـ الكميات المقدمة من الطعام صغيرة لدرجة أنك يمكن أن ترى قاع الطبق الذي يفترض أنه ملآن ـ لم أحصل على فاصوليا حصلت فقط على دِمعة الفاصوليا ـ وجدت منديلا ورقيا في الشوربة ـ وجدت حصى في الأكل ـ وجدت ظفراً في لفافة الحلويات»، وبعد أن تحققت المحكمة من صحة الشكاوى، تم إجبار فرانكلين على رد الأموال التي حصلت عليها وتغريمها مبــلـغ ألف دولار أمريكي إضافية، وسأترك لك التعليق.
ـ أخيراً، إذا كنت تعتقد أنك قد أحطت بكافة فنون الجنون، فأنت لم تقرأ بعد القائمة التي يصدرها موقع ويكيبيديا للتحذير من بعض المحررين المشاركين فيه وما قاموا بعمله من مساهمات وإضافات إلى مواد الموقع، وقد جاء ضمن مواد هذه القائمة: تحذير من محرر تعود كتابة معلومات مفبركة عن وجود أُسود مفترسة في ولاية مونتانا الأمريكية. تحذير من محرر يقوم بفبركة معلومات عن التعاون بين موسيقيين مشهورين. تحذير من محرر تعود على نشر معلومات لتلطيخ سمعة آخرين ونشر نظريات مؤامرة، أغلبها يستهدف بالتحديد هارلاند ساندرز مؤسس سلسلة دجاج كنتاكي الشهيرة. تحذير من محرر يقوم بنشر معلومات خاطئة تشوه سمعة أبطال مسلسل فريندز وتروي أكاذيب عن علاقات حصلت بين أبطاله. تحذير من محرر يرجح أن له علاقة بمجموعة تهدف لنشر دعاية سلبية ضد فول الصويا. تحذير من محرر يهوى اختراع كلمات غريبة لا علاقة لها بالواقع. تحذير من محرر تعود على إفساد أي موضوع له علاقة بالكلاب ومطربي الراب. أما أغرب تحذير فقد كان من محرر يدمن إقحام صور وفيديوهات لمراوح السقف في مواضيع لا علاقة لها بمراوح السقف. ولله في خلقه شؤون.

تناتيش ونغابيش

بلال فضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية