القاهرة ـ «القدس العربي»: عبثاً تسعى النخبة التي تعيش في نعيم السلطة المستبدة في العالم العربي، لأن تخفي رأسها في الرمال، كي لا تواجه حقيقة مؤلمة لا يستطيع أحد إنكارها في المسألة الخليجية، التي هي بصدد أن تتحول لمأساة، بعد أن ارتضت القوى المتربصة بقطر بمسجل خطر من سلالة بوش، الذي سبق أن دمر العراق، لأن يلعب دوراً في الخلاف المخيم على البيت الخليجي.
أما الحقيقة التي تخفيها النخبة، التي لا تقل استعلاء واستبدادا عن السلطة مكممة الأفواه، التي تسير في ركابها، أن الخندق الذي تقف فيه ضد الدوحه هو الخندق نفسه الذي لعب دور البطولة في الثورة المضادة لثورات الربيع العربي، ولأن التاريخ لا ينسى فمجرد استدعاءالمواقف السعودية والإماراتية تحديدا، مع نظام مبارك وزين العابدين، تكشف بجلاء كيف أن كلا الدولتين، ومن ورائهما البحرين وبعض البلدان الأخرى، دأبت على التحريض ضد ثورات الياسمين، تلك الثورات التي تترحم عليها الآن سائر القوى المعارضة، التي باتت تقف في خندق واحد مع أصدقاء الديكتاتور المستبد مبارك في الخليج، في موقف يكشف بجلاء حجم التناقض الكبير وحالة الفصام الفكري التي باتت تلازم تلك النخب، التي تتماهى مع السلطة الحاكمة، والتي تتفوق عليها بدورها في الثبات على موقفها، فيما بعض الشخصيات التي تدور في فلك النظام تتلون كالحرباء، فبعد أن كان لا نشاط لها سوى الهجوم على الرياض وأبوظبي، باعتبارهما معقل أنصار نظام مبارك، انقلبت مؤخراً على عقبيها، حيث لا تكف عن توجيه آيات الثناء للعواصم التي تدعو لفناء قطر وغزو الدوحة، وإلى التفاصيل:
لهذا السبب لن تندلع الحرب
«أكثر من سبب يمنع تطور أزمة الخليج إلى حرب رابعة في المنطقة تكون في هذه المرة أشبه بالحرب الأهلية، لأنها بين أطراف ذات طبيعة واحدة. أهم الأسباب حسب فراج إسماعيل في «المصريون» أن قوتين كبريين وثالثة إقليمية تنتمي للمنطقة نفسها تعمل بكل قوة حاليا على حل الأزمة بالحوار. نعني بتلك القوى الولايات المتحدة ممثلة في الكونغرس والتصريح الحاسم لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب كروكر، بأنه لا تصديق على صفقات الأسلحة قبل حل الأزمة. ألمانيا التي لها مصالح وعلاقات اقتصادية كبرى في قطر، تعمل بكل قوة وبصفتها المؤثرة في الاتحاد الأوروبي على جلوس دول مجلس التعاون على مائدة الحوار. أما إيران فرغم الاستفادة التي يجنيها اقتصادها بملء الفراغ الذي أدى إليه حصار قطر من الدول الشقيقة، تقوم حاليا بجهود مضنية لمنع الحل العسكري، وقد رأينا المؤتمر الصحافي المشترك لوزير خارجيتها مع وزير خارجية ألمانيا يوم الثلاثاء 27/6 ومناشدته للدول التي لها نفوذ في المنطقة بالتوسط. ربما فهم البعض من تصريحات أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي وتهديداته المستمرة، خصوصا تصريحه عن الطلاق البائن، ومن التصريح الأخير لوزير خارجية البحرين الذي قال فيه أن قطر باستعانتها بقوى أجنبية – يقصد تركيا – تدفع نحو الحرب، ربما فهم من ذلك أن المنطقة ذاهبة إلى الحرب في غضون أسابيع، إن لم تكن أياما، يضاف إليه تصريح السكرتير الصحافي للبيت الأبيض شون سبيسر بأن ما يجري مسألة عائلية ويجب عليهم – يقصد دول الخليج – حلها بأنفسهم».
أي الطرفين أولى بالإدانة؟
تجاوزت آثار الأزمة الخليجية آفاقاً بعيده من عدم الحياد، وها هو فهمي هويدي في «الشروق» ينتقد غسان شربل الذي بدا متحاملاً على قطر: «في مقاله خص شربل قطر بنقده، في حين أن الطرف الآخر في الأزمة الخليجية أو قيادته على الأقل، تمتلك القوة المالية الضارية التي تحدث عنها، وتسعى جاهدة لإحداث التغيير في المنطقة، بمشرقها ومغربها، وإذا جاز لنا أن نتصارح أكثر فسنجد أن أذرع تلك الدول التي تتحرك وتسعى لتحقيق التغيير الذي تنشده، أوفر وأكثر عددا من كل ما تتوسل به قطر. وسبق أن قلت إن كل ما يؤخذ على قطر يمكن أن يتحول إلى لائحة اتهام للذين يقودون حملة مقاطعتها وحصارها. وذلك جانب تجاهله الكاتب الذي يعرف جيدا حقيقة الدور الذي يؤديه المال النفطي في العالم العربي وخارجه. كما أنني لا أشك في أنه يدرك أن المشكلة ليست فقط في طموحات بعض الحكام الذين يملكون القوة المالية «الضارية»، وإنما أيضا في الفراغ العربي المروع الذي سمح لتلك الطموحات بأن تتعاظم وتستشري. لقد ظلم الكاتب موضوعيته مرتين، الأولى حين وجه رسالته إلى الدوحة فقط، في حين أنها واجبة التعميم على بقية العواصم العربية الضالعة في الأزمة، إذ بدا وكأنه حرّم على قطر ما استحله الآخرون وأوغلوا فيه. أما المرة الثانية فحين تجاهل الأهداف التي يرنو إليها كل طرف، من وقف إلى جانب الثورة المضادة بكل قوة وشراسة، ومن وقوف مع تطلعات الشعوب العربية في الحرية والكرامة والعدل الاجتماعي».
انقلاب بنكهة أمريكية
مازالت التغييرات التاريخية في السعودية مثار اهتمام الكثيرين من بينهم طلال سلمان في «الشروق»: بقبلات على اليدين والقدمين «انتزع» ولي ولي العهد الاعتراف من ولي العهد، الذي ربت على كتف «بديله» و«خليفته» ثم غادر وعلى وجهه طيف ابتسامة سيختلف الخبراء في ترجمتها وهكذا، وببساطة لافتة، خرج الأمير محمد بن نايف من موقعه الممتاز بينما «خلفه» محمد بن سلمان يسعى بين يديه مودعا بشيء من الارتباك. وتقدمت المملكة خطوة في قلب الغموض العائلي المقدس، في اتجاه المستقبل ــ كما جرى التبرير ــ علما بأن ولي العهد «المخلوع» هو من «جيل الشباب» قياسا بتقاليد العائلة المالكة، لكن الهدوء الذي أحاط هذا التغيير كثيف جدا وينشر ضبابا لا يساعد على وضوح الرؤية، مع أن القرار بتوريث الملك سلمان نجله محمد كان شبه معلن، منذ أن قدمه على «أعمامه» المتقدمين في السن، مثله، والذين كان قد استبعدهم، أصلا، مستبقيا منهم الأمير مقرن بن عبدالعزيز، ثم لم يلبث أن خلعه ليعين ابنه الأمير محمد وليا لولي العهد محمد بن نايف. لم تهتم الدول الحليفة والشقيقة والصديقة بهذه التطورات الملكية التي كان الكثيرون يتوقعونها، بل سارع الملوك والرؤساء (بمن فيهم الرئيس اليمني المخلوع منصور هادي) إلى تهنئة الملكين الوالد والنجل ولي العهد المفرد، باعتبار أن هذا الأمر من الشؤون الداخلية التي لا علاقة للخارج بها.. مع أن الأوساط المتصلة بولي العهد الجديد سارعت إلى التذكير بعلاقته المميزة بالولايات المتحدة الأمريكية، وزيارته واشنطن، حيث حظي باستقبال ملكي في البيت الأبيض، وعقد معه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اجتماعا رئاسيا، احتل فيه الأمير ووفده جانبا من الطاولة الرئاسية في مواجهة الرئيس الأمريكي ووزرائه ومعاونيه. كانت واشنطن، إذن، على علم ــ بل لعلها شريكة ــ بالانقلاب الأبيض الذي سيقوم به الأمير الشاب، مستندا إلى دعم والده، الذي سيفتح أمامه الأبواب ليكون ملكا مع غياب أبيه، والذي بات يتعجل تدبير أمر الحكم بعده».
للصبر حدود جلالة الملك
ومن المعارك الصحافية ضد النظام السعودي على خلفية التغييرات الأخيرة ما كتبه ماهر الجعبري في «الشعب»: «تسلم الملك سلمان –أمريكي الولاء المُلك، ثم جاء ترامب الجمهوري المتبجح ليسارع في أمركة الخليج، وليعمل على خلع ما تبقى من نفوذ بريطاني فيه ما استطاع إلى ذلك سبيلا. بادر الملك سلمان إلى تعيين ابنه أمريكي الولاء ولي ولي العهد، ووزيرا للدفاع (في المؤسسة ذات الولاء الأمريكي)، في خطوة أولى لمحاصرة ولي العهد مقرن- بريطاني الولاء. برز محمد بن سلمان في إدارة الحرب (الأمريكية) التي تقودها السعودية في اليمن، ثم حانت الفرصة وخلع الملك سلمان الأمير مقرن من ولاية العهد، مخالفا لما أكّد عليه الملك السابق عبد الله، من أن تعيين مقرن غير قابل للتغيير، حيث كان قد أصدر مرسوما يمنع عزل وليّ وليّ العهد (في حينه) عين الملك سلمان الأمير محمد بن نايف بديلا عن مقرن –مرحليا- وكان بذلك أول أحفاد الملك عبدالعزيز آل سعود، الذين تم تصعيدهم لهذا المنصب، كسابقة ممهدة لتعيين الحفيد محمد بن سلمان وليا للعهد. صحيح أن محمد بن نايف تخرج في كلية لويس آند كلارك الأمريكية، إلا أن له «ثارا»، في ما وصف بأنه اغتيال لأبيه نايف بين عبد العزيز، الذي كان الملك السابق عبد الله –بريطاني الولاء- عينه وليا للعهد قبل سلمان – الملك الحالي. ولي العهد الحالي محمد بن سلمان أمريكي الولاء ومحارب شرس في «الحرب الأمريكية على الإرهاب»، ومنسجم مع عقلية ترامب الصدامية وقابل للتلقّي والتنفيذ من أسياده الأمريكان ضمن استراتيجية القوة الصلبة (العسكرية) للجمهوريين. يسيطر محمد بن سلمان على غالبية مفاصل الحكم في السعودية، ومن الممكن أن لا يطول الزمان قبل أن يصبح ملكا، بتنحي سلمان أو وفاته».
من يدعم الإرهاب؟
وإلى وجهة نظر يبدو صاحبها حسين أبوطالب في «الوطن» موغرا صدر واشنطن كي تلوي ذراع قطر: «لقد كُتب الكثير عن تخبط إدارة «ترامب»، وعن عدم تحركها وفق رؤية استراتيجية واضحة ومتماسكة، وليس مجرد تغريدات تصدر بنت اللحظة، وتعبر عن انفعال شخصي بالحدث، وليست تعبيراً عن سياسة دولة عظمى بحجم أمريكا. وهو تخبط من شأنه إرباك الأصدقاء والحلفاء ودفعهم إلى الابتعاد عن واشنطن والبحث عن حلفاء وأصدقاء آخرين، حتى لو كانوا أقل تأثيراً ونفوذاً في الشؤون الدولية المختلفة. والواضح من أزمة قطر أن تحركاتها تهدف إلى استهلاك الوقت وافتعال معارك سياسية فرعية، وبالتالي التملص من الالتزام بالشروط الثلاثة عشر، التي سبق أن وافقت على أغلبها الدوحة كتابة في العامين 2013 و2014 لإنهاء الخلاف بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي، التي كانت قد سحبت سفراءها مطلع عام 2014. وبمقارنة المطالب الجديدة بما تعهدت الدوحة بالالتزام به ولم تنفذه، نجد أن الجديد ينحصر في ثلاثة أمور تتعلق بإغلاق القاعدة العسكرية التركية، وبتحجيم العلاقات المتصاعدة مع إيران، والالتزام بالضوابط التي يقرها مجلس التعاون بشأن منظمات الإرهاب ومواجهته، فضلاً عن الخضوع لآلية مراقبة تستمر بعض الوقت لضمان التطبيق الفعلي بلا مناورات أو خداع. ومع افتراض أن المواقف الأمريكية المتساهلة والرافضة ممارسة أي نوع من الضغط على قطر، نابعة من حسن نية واشنطن في إنهاء أزمة بين أشقاء في بيت واحد، والحيلولة دون وصول تلك الأزمة إلى نوع من الانشقاق الدائم بين هؤلاء الأشقاء، فإن هذا التساهل الأقرب إلى الانحياز الفعلي للشقيق المتمرد والساعي إلى التملص من أي التزامات لمكافحة الإرهاب عملياً، يؤدي في النهاية إلى تعقيد الأزمة».
لماذا نبدو «كومبارس» في الخليج
سؤال جوهري تطرحه تداعيات الأزمة الخليجية بشأن عدم وجود دور لمصر في مجرياتها، بحسب منى مكرم عبيد في «المصري اليوم»: «أين الرؤية المصرية في التعامل مع هذه القضية، فهل تملك القاهرة أجندة واضحة المعالم، أم تكتفي بموقفها المشترك مع السعودية والإمارات، خاصة أن التصريحات الصادرة عن الكويت التي تلعب دورا في الوساطة، لا تشير إلى أي ردود أفعال من الدوحة تجاه الأزمة مع القاهرة، والإشارة فقط إلى أن قطر تتفهم هواجس أشقائها في الخليج، وتنازلات قدمتها دول الخليج للحالات الإنسانية للمواطنين، بينما لا يوجد حديث حول كيفية التعامل مع الغضب المصري، كذلك لم تظهر أي بوادر للتعامل الجديد في العلاقات مع الأردن بعد أن قامت بتخفيض العلاقات الدبلوماسية مع قطر إلى أدنى مستوى.
وتنتقد منى عدم الاعتراف بقائمة الإرهاب الصادرة عن مصر والسعودية والإمارات، والاكتفاء بالقائمة المعترف بها في مجلس الأمن، وهو ما يشير إلى فشل مصر خلال سنوات مضت في إدراج عدد من الجماعات والأفراد في قائمة الإرهاب، وأن الجهود لم تستمر بالشكل المناسب، وإذا كنا في هذه المرحلة الحرجة، وعلى الرغم من تغير المزاج العام تجاه قطر، إلا أنه لم يكلل بالنجاح المنتظر نتيجة التراخي في مخاطبة مجلس الأمن والأمم المتحدة، بكثير من الوثائق التي كان يمكن أن تدعم الموقف المصري في هذه الأزمة، وهو الموقف نفسه، الذي لم تنجزه الخارجية المصرية في التعامل مع هذا الملف في الكونغرس الأمريكي، فعلى الرغم من وجود مشروع قرار لإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب، إلا أنه لم يتم تمرير الأمر باحترافية، وسمح لدول أن تستخدم نفوذها لعرقلة ظهور هذا القرار، أخشى أن تنتهي الوساطة الخليجية بتفاهمات بين هذه الدول، وتخرج مصر من المعادلة دون أن تستفيد من هذا الموقف».
ضحايا على أعتاب الأزمة
«في سياق الهجوم على قطر أفردت الصحف الحكومية خاصة «الأخبار» صفحات كاملة تحت عنوان «شخصيات إعلامية ممولة من قطر» وأن الدوحة جندتهم ليكونوا أبواقا لها.. وذكرت عشرات الاسماء من بينها اسماء يعد من السخافة وفقاً لعلي القماش في «الشعب» اتهامهم بدليل عشوائي، ومنهم خارجيا روبرت فيسك المراسل الخاص بمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة «الأندبندنت» البريطانية، الحكومي نفسه سبق أن أشاد بهما وبمهنيتهما ومواقف لهما، فضلا عن أنه من غير المتصور أن يبيع صحافي في حجم فيسك نفسه، وتتغاضى جريدة في حجم «الأندبندنت عن تاريخها وسمعتها من أجل رشوة. أما الزميل جمال سلطان، فإذا كان خط جريدته «المصريون» مرتفع، فإنه يعتبر صوت الجريدة الورقية الوحيدة في مصر صاحبة الصوت المعارض بشكل واضح، خاصة أنه غير مرتبط بسياسة حزب، ويزيد من وضوحه إغلاق الحكومة لجريدة «الشعب الجديد» بقرار أمني وسجن رئيس تحريرها الزميل مجدي أحمد حسين في قضايا صحافية بالمخالفة للدستور. ويبدو أن الإعلام الحكومي المنبطح، لا يتصور وجود صوت مختلف فصوّرته وكأنه مرتش من الدوحة، فهل إذا كانت أجهزة الأمن تعرف بتمويل للزميل جمال سلطان من قطر كانت ستغمض العين؟ وأين هي مظاهر التمويل في جريدة لا تستطيع مجابهة طبع نسخ أسبوعية؟ مرة أخرى إختلف مع قطر كما تشاء، ولكن الاتهامات العشوائية تفقد قيمة الاتهام».
حذاء السيسي أكثر لمعاناً
«كان من ضمن المقترحات التي أبدتها قوى المعارضة لعدم التفريط في الجزيرتين الدعوة إلى إعلان تجميد نشاط كل الأحزاب السياسية المعارضة لاتفاق تيران وصنافير، كما يشير خالد داوود في «مصر العربية» لـ»إحراج» النظام على المستوى المحلي والعالمي. وتناسى «الأصدقاء» أن إعلان تجميد نشاط كل الأحزاب المعارضة هي هدية ينتظرها النظام بفارغ الصبر ويتمناها، في ضوء أن النظام لا يرحب ولا يحبذ وجود أي أصوات معارضة من الأساس، ويرى أن واجب كل مصري «وطني» في هذه المرحلة هو الانصياع لأوامر «القائد»، وعدم إضعاف الروح المعنوية، بينما نحاول تجنب مصير سوريا وليبيا والعراق في المعركة الدائرة ضد الإرهاب. أما النظام العالمي والمجتمع الدولي الذي نرغب في فضح النظام أمامه وبعث رسالة مفادها أنه لا يوجد مجال لممارسة السياسة في مصر، فهو بدوره قد تخلى تماما عن أي اهتمام بقضايا حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط عموما، وأصبحت الأولوية فقط لمكافحة الإرهاب، والسعي لوقف تدفق اللاجئين إلى الدول الغنية. وإذا كان دونالد ترامب الأخرق يبالغ في إبداء حبه للنظام الحالي وللرئيس السيسي، لدرجة أنه أبدى إعجابه المفرط بحذائه اللامع، واستقبله في البيت الأبيض لكي يرتب معه «صفقة القرن»، فسنكون محظوظين جدا لو صدر بيان مقتضب عن الخارجية الأمريكية، ينص على أن الوزارة تدرس قرار الأحزاب المصرية المعارضة بتجميد نشاطها، وتدعو السلطات المصرية للتعامل بشكل فيه تفهم لمطالبها، ورغم أن أوروبا قد تبدو أكثر استياءً من الانهيار الحاد في أوضاع حقوق الإنسان في مصر وغلق المجال العام، خاصة بعد صدور قانون تجميد عمل الجمعيات الأهلية وإخضاعها كاملة لرقابة الأمن، فإن صفقات الرافال والميسترال ستسكت فرنسا، وصفقات الغواصات والسفن الحربية ستسكت ألمانيا، وعدة صفقات لاستكشاف الغاز لشركات بريطانية ستسكت لندن. هذه حقائق يدركها النظام».
محدش يتكلم.. الموضوع انتهى
علق الدكتور نور فرحات، أستاذ فلسفة القانون في جامعة الزقازيق، على تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي، يوم السبت، على اتفاقية التنازل عن «تيران وصنافير». ووفقاً لـ«البداية» كتب فرحات مستدعياً أبرز تصريحات ووصايا السيسي في شأن الجزيرتين: هدية العيد من السيسي لمصر. التصديق على معاهدة التنازل عن الجزيرتين. شريط الذكريات حول المأساة من بدايتها يستدعيه فرحات على النحو التالي: «محدش يتكلم في الموضوع ده تاني. الوصية بألا أحصل على ما لا يخصني.. وهي وصية استوحاها فرحات من نصيحة والدة الرئيس له منذ نعومة أظفاره، حينما دعته ألا ينظر لما في يد غيره، كي ينشأ قنوعاً». ومن شريط ذكريات الأزمة استدعي الكاتب تصريحا آخر: -ألم تتعاملوا مع شرفاء من قبل؟ ـ حبس كل من توجد في عينيه نظرات معارضة من الشباب. ـ نحن دولة تحكم بالقانون والدستور والموضوع خلص خلاص. في اليوم التالي صدر قرار رئيس الدستورية بإيقاف حكم مجلس الدولة. التصديق ليلة العيد.. في انتظار إنزال العلم ورفع العلم».
لن نفرط.. لن ننسى
نبقى في «البداية» حيث علق المحامي زياد العليمي، القيادي في الحزب الديمقراطي الاجتماعي، على تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم السبت، على اتفاقية التنازل عن «تيران وصنافير»، وقال العليمي، في صفحته على الفيسبوك: «النهاردة بتنتهي معركة خضناها للحفاظ على أرضنا، وتبدأ معركة جديدة لاستعادة أرضنا المحتلة».
وتابع: «معركة هنخوضها بكل الطرق، طول ما فيه نفس داخل وخارج من صدرنا، ومش هننسى حقوقنا عند المحتلين، ومندوبي الاحتلال في بلادنا». وأردف: «شعبنا طول تاريخه، اتهزم في معارك كتير، واتعلم منها وخرج أقوى وانتصر تاني». واختتم: «الجيل اللي خرج مع الناس بالملايين في الشوارع يرفض الظلم، ويطالب بحقه في العيش والحريّة والعدالة الكرامة الإنسانية، مش هينسى حلمه ولا حقه، ومش هيرضى غير باستعاده أرضه من محتل، واستعادة بلده من عصابة بتنهبها وبتبيعها، وبتسجن وتقتل شعبها». وصدق الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم السبت، على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، ويتنازل النظام المصري بموجب الاتفاقية، عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين، لصالح المملكة العربية السعودية. وأعلن مجلس النواب، موافقته على اتفاقية تعيين الحدود البحرية، في جلسته العامة المنعقدة قبل أسبوع من الآن. يذكر أن الاتفاقية باطلة، بعد قرار المحكمة الإدارية العليا بطلانها وتأييد حكم القضاء الإداري بمصرية الجزر».
الرئيس يعلم أين المشكلة
«تساءل الرئيس في مناسبة الاحتفال بليلة القدر عن حالنا، وعما إذا كنا راضين عن أنفسنا، وضرب الأمثال مؤكداً أنه مازال علينا وأمامنا الكثير.. لنأخذ مكاننا بين العالمين.. وهذا الاعتراف والمصارحة بحسب شوقي السيد في «الأهرام» بداية طريق النجاح والإصلاح.. لأن الحياة في كل الدنيا تموج بالخير والشر، وبالسيئ والأسوأ.. والصواب والخطأ.. والحرب والسلام.. والحب والكره.. والتسامح والمكايدة والمعاندة، والاختلاف بين دولة وأخرى يقع في درجة الغالب والمغلوب، وعندنا في مصر لم تخرج حالتنا الراهنة عن تلك الأوصاف، فلدينا كل هذه الصور وزيادة، لدينا التطرف والاعتدال، وعمليات الإرهاب ومقاومته، واضطراب الأحوال الاقتصادية بين الانخفاض والارتفاع، وجنون الأسعار والحماية الاجتماعية لمحدودي الدخل والفقراء، ولدينا انخفاض مستوى المعيشة ونسبة النمو، وزيادة عدد السكان، وعجز الموازنة، والترويج للاستثمار واستمرار الروتين والبيرقراطية، ولدينا أيضاً وقائع الفساد ومكافحته، ولدينا الانفلات الإعلامي في بعض جوانبه ومحاولة ضبط الإيقاع باتباع المنطق والحكمة، ولدينا أيضاً ضعف الحياة السياسية واختفاء أصوات الأحزاب وتصاعد التصريحات مقرونة بالتهديد والتخوين، ولدينا كذلك ارتكاب لأخطاء في إشعال الحرائق بغير مناسبة، وفي مقابل هذا كله، لدينا محاولات لسد العجز وزيادة معدل النمو وإقامة المشروعات.. ولدينا إطلاق شعار سيادة القانون ومحاولة البعض إهداره، لكن الأهم من هذه الأوصاف، كيفية مواجهة تلك الأحوال، وأولها أن تقف السلطات المسؤولة في البلاد على معرفة الواقع ودراسة أسبابه والعمل على مواجهته وتهيئة المناخ لحسن معالجته، وإقناع الرأي العام بقبول طرق العلاج والمواجهة حتى لو كانت قاسية. وأن يكون ذلك في الوقت المناسب. والأخطر من هذا وذاك أن لدينا حالات تسببت الحكومة فيها في إيجاد الأزمات أسهم في تصاعد تلك الحالة، المناقشات التي جرت عليها تحت قبة البرلمان.. آخرها كانت قضية تيران وصنافير».
الفرنسيون ثاروا بالوكالة عن الليبيين
نولي أبصارنا شطر الساحة الليبيبة، حيث يهتم عبد الناصر سلامة في «المصري اليوم» بتصريحات مهمة على لسان الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي الذي: «نكأ الجراح العربية، طعن في الربيع والخريف في آن، هو لم يكشف المستور، ذلك أنه كان مكشوفاً مسبقاً، إلا أنه رفع برقع الحياء من على تلك الوجوه التي بدت كالحة، هي وجوه ليست كالوجوه العربية، ليست كالوجوه الإفريقية أيضاً، هي مسخ حفتري لم يحسب له ساركوزي أي حساب، طعنها في شرفها وفي وطنيتها وفي عروبتها، ربما كان تعبير الطعن مهذباً مقارنة بالحقيقة على أرض الواقع، ذلك أنه فعل فعلة قبيحة بكثير من المتواجدين على الساحة السياسية العربية، والليبية بصفة خاصة، وما أكثرهم، علّ وعسى ألا نسمع لهم صوتاً مرةً أخرى، هم بالفعل التزموا الصمت، إلا أنهم التزموه أمام ساركوزي فقط، لم يستطع أحدهم الرد عليه، أو مقارعته بأي حجة.
فى حديثه للقناة الثانية في التلفزيون الفرنسي قال ساركوزي نصاً: «لا توجد ثورة في ليبيا، الليبيون لم يقوموا بأي ثورة، ما حدث في ليبيا ثورة قامت بها فرنسا، نحن من صنع تاريخ 17- 2- 2011 يوم الانطلاق، بل إن الاستخبارات الفرنسية هي من حددت هذا اليوم لتسهيل التدخل في ليبيا عسكرياً، نحن من أوقف رتل الجيش الليبي الذي كان متجهاً إلى بنغازي، طائرات فرنسا دافعت عن مصراتة ثمانية أشهر، كان بإمكان الجيش الليبي السيطرة على مصراتة منذ الشهر الأول، طائرات فرنسا دمرت 90٪ من القوة العسكرية الليبية، طائراتنا أيضاً هي من قصفت رتل القذافي في سرت، وألقت القبض عليه عندما اختفى عن كتائب مصراتة، بعد تخديره قمنا بتسليمه لهم، دور الثوار كان لوجستياً، يتقدمون بعد أن نمهد لهم الطريق من خلال الطيران. المعلومات الموثقة أكدت أن ساركوزي حصل على رشوة تقدر بخمسين مليون يورو لإسقاط القذافي».
أثرياء فلسطين هل يعرفون فضل الصدقة؟
نتوجه بالمعارك الصحافية خارج الحدود مع عباس الطرابيلي في «الوفد»: «أعرف كيف يعاني أبناء قطاع غزة، ربما أكثر من أبناء الضفة الغربية، وكيف أن إسرائيل تضيق عليهم الخناق، ولا تسمح بدخول إلا أقل القليل من الخدمات والبضائع من منافذها- في الضفة، ومن شمال غزة- والهدف هو «ترويض» السلطة الفلسطينية، سواء التي تم ترويضها في الضفة بقيادة محمود عباس، أو التي تحاول المناطحة أو الثورة ولو ظاهرياً. ومن أبرز ما تقلل دخوله إلى قطاع غزة الأكثر كثافة سكانية الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الكهرباء، حتى أن أبناء غزة محرومون من الكهرباء إلا ثلاث ساعات يومياً، وهذا أبشع ترهيب لأبناء القطاع أو ترويض. وربما ذلك هو ما دفع مصر- كالعادة- إلى تقديم معونة عاجلة من الوقود دخلت منذ أيام لتساهم مصر في زيادة عدد ساعات عودة الكهرباء إلى أبناء غزة.. وذكرتني صورة شحنات هذا الوقود داخل شوارع غزة، بمشاهد «قطار الرحمة» الذي نظمته مصر في أعقاب ثورة يوليو/تموز لجمع التبرعات ونقلها إلى أبناء غزة، وبالمناسبة كانت خدمات السكك الحديدية المصرية، تصل إلى هناك. إن المصريين انطلقوا كعادتهم يقدمون لمشروعات الخير أكثر مما تنص عليه قواعد الزكاة، للمال، أو للفطر، فإنني هنا أتساءل: وماذا عن أثرياء فلسطين ومنهم من يمتلك مليارات الدولارات وليس الملايين فقط، ويعيشون إما في دول الخليج، أو دول المهجر ليس فقط في غرب إفريقيا، ولكن في معظم دول أمريكا الجنوبية والوسطي.. فضلاً عن أمريكا الشمالية وهم في كل هذه الدول حققوا نجاحات كبيرة وثروات أكبر.. فهل يدفعون لأهلهم داخل فلسطين زكاة المال.. وهي الأهم، فضلاً عن زكاة الفطر، أم أن البعيد عن العين بعيد عن القلب».
صراع المرجعيات في إيران
«منذ أن خرج الصراع بين خامنئي وروحاني إلى العلن إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والمرشد الأعلى، كما يشير مكرم محمد أحمد في «الأهرام» لا يتوقف عن التشهير برئيس الجمهورية واتهامه بأنه يكرر مأساة الحسن بني صدر، ويحاول قسمة البلاد إلى خصوم ومؤيدين، مؤكدا أن ذلك لن يتكرر مهما تكن النتائج، وأن الذين يكررون الخطأ ذاته سوف يلقون المصير نفسه، وقد اعتبر المحافظون أنصار خامنئي أن إشاراته السلبية للرئيس روحاني تمثل ضوءا أخضر يمكنهم من استباحة روحاني والعمل على سرعة عزله، قبل أن يصبح خطرا على مصير الثورة الإيرانية، ويكتسب المزيد من الشعبية خاصة بين صفوف الشباب الذين يتطلعون إلى المزيد من الحريات الشخصية والعامة، وتناصرهم فئات واسعة من المجتمع الإيراني، من بينها المرأة وتجار البازار ونسبة عالية من الأكاديميين وأساتذة الجامعات وأصحاب المهن الحرة، شكلوا منذ حكم محمد خاتمي تيارا قويا زاد من قوة الإصلاحيين، ومكنهم من إلحاق هزيمة قاسية بالمحافظين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، عندما حقق حسن روحاني فوزا ضخما على منافسه في انتخابات الرئاسة الأخيرة آية الله إبراهيم رئيسي، واحد من أهم أقطاب جماعة المحافظين المقربين من المرشد الأعلى والمرشحين لخلافته، لكن روحاني سحقه في الانتخابات الأخيرة. ويبدو أن حسن روحاني تجاوز الخط الأحمر عندما طالب بأن يكون اختيار المرشد الأعلى بالانتخاب، فضلا عن احتفائه الشديد خلال الحملة الانتخابية بالرئيس الإصلاحي محمد خاتمي وتعهده بالإفراج عن مهدي كروبي وعدد من قادة الإصلاحيين الموقوفين، ولأن شعبية حسن روحاني تجاوزت كثيرا شعبية المرشد الأعلى، ومكنته من أن يحوز منصب رئيس الجمهورية، ورغما عن أنف المرشد الأعلى الذي يسيطر علي الأمن والمخابرات والإعلام والحرس الثوري، أصبح وجود حسن روحاني يمثل تهديدا مباشرا لسلطة المحافظين».
حسام عبد البصير