لندن ـ «القدس العربي»: من سيدمر العراق؟ تنظيم الدولة الإسلامية أم الإقتصاد؟ في الوقت الحالي يواجه البلد الذي يعيش حروباً واضطرابات منذ عام 2003 الأمرين.
ففي وسط حرب يخوضها ضد تنظيم «الدولة «الإسلامية في العراق والشام، تمر البلاد بمرحلة اقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط الحادة ما دفع الحكومة إلى طلب المساعدة من الولايات المتحدة والمؤسسات المالية الدولية.
ففي ظل هبوط سعر برميل النفط إلى حوالي 30 دولاراً اضطرت الدول في المنطقة التي أقامت دعائم اقتصادها على النفط لاتخاذ سياسات تقشف وخفض ميزانيات الإنفاق العامة والبحث عن طرق لتنويع الموارد المالية.
والمشكلة في العراق تبدو أكثر إلحاحاً فهو يعاني من معدلات إنفاق عالية وتدفع الحكومة رواتب لـ 7 ملايين موظف وتمول حملة قوات عسكرية وكذا جماعات الحشد الشعبي التي تشارك في المعارك ضد تنظيم الدولة.
وتبلغ نفقات الدولة السنوية على رواتب الموظفين حوالي 4 مليارات دولار. وتشكل الموارد النفطية نسبة 90% من الميزانية فتراجع سعر النفط يبدو واضحاً من خلال التظاهرات التي يقودها الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي هدد في الأيام الماضية باقتحام المنطقة الخضراء التي اتخذتها النخبة الحاكمة مقراً لها منذ الإطاحة بنظام صدام حسين وعزلتها عما يجري في أنحاء البلاد.
الفجوة متسعة
ولكن «الفجوة» كما يطلق عليها المسؤولون العراقيون في توسع مستمر. وأصبحت كما تقول مراسلة صحيفة «واشنطن بوست» لاف دي موريس مثاراً للقلق بالقدر نفسه الذي يمثله تنظيم «الدولة» من تهديد.
وتضيف موريس أن الولايات المتحدة تقدمت للمساعدة حتى يغطي العراق نفقاته العسكرية وفي الوقت نفسه لكي يتقدم بطلب مساعدات من المؤسسات الدولية والحصول على قروض وتحديد سياسات للتقشف.
ولا يستبعد مسؤولون عراقيون بروز مصاعب أمام الحكومة نهاية العام الحالي خاصة من جهة توفير رواتب الموظفين بشكل يؤدي لاندلاع أحداث شغب واضطرابات.
وتضاف إلى الأعباء الحكومية الشهرية فواتير جديدة لإعادة إعمار المدن التي دمرت بشكل كامل، مثل الرمادي وتكريت ومساعدة 3.3 مليون نازح بسبب الحرب الجارية منذ عامين.
ويتوقع زيادة عددهم في المستقبل ذلك أن مدينة الموصل لا تزال تحت سيطرة الإرهابيين الذين احتلوها منذ عام 2014 ويعيش فيها أكثر من مليون نسمة.
وتشير الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يحاول مواجهة أزمة الفساد المستشري في البلاد وزيادة دخل الحكومة بطرق لا تحظى بشعبية ولكنها محاولات لمنع إفلاس الحكومة.
ونقلت موريس عن منذر صالح، المستشار الإقتصادي لرئيس الوزراء قوله إن هناك حاجة لسد الفجوة، وتحدث عن أزمة حادة لأن «البقرة العجوز التي كانت تحلب المال لم يعد لديها حليب».
وتشير الصحيفة إلى أن التظاهرات التي حشدها مقتدى الصدر والتي تضع ضغوطاً على الحكومة تذكر بتظاهرات صيف العام الماضي عندما خرج العراقيون للاحتجاج على الفساد ونقص الكهرباء وبقية الخدمات الرئيسية.
ولكن العراقيين يدفعون الآن مبالغ أكبر للحصول على هذه الخدمات في وقت تم فيه تخفيض الرواتب بنسبة 3%.
ويستخدم الصدر سياسات الحكومة الداعية للتقشف لكي يدعو لمكافحة الفساد ويطالب بالكشف عن التريليونات التي ضاعت من موارد النفط. وبدأت مؤسسات الدولة بفرض رسوم رمزية على الدخول إليها، فلم يعد العلاج الصحي مجانياً. وفرضت رسوم رمزية على إدخال المريض للمستشفى وعلى الزوار الذين يريدون الاطمئنان على صحته.
وهناك خطط لزيادة رسوم الكهرباء، وفي مدينة البصرة في الجنوب عبر التجار عن احتجاجهم على فرض ضرائب جديدة. وتنقل الصحيفة عن سجاد جياد، الباحث في معهد الإصلاح الإقتصادي في بغداد قوله إن هناك حاجة لحرب «وهي أمر لا تريد عمله» الآن لأنها لا تدعم معنويات الشعب.
لكن حكومة العبادي مضطرة للحصول على المال وبأي وسيلة. ويتوقع العراق عجزاً في الميزانية هذا العام بقيمة 25 مليار دولار.
ولكن هذا العجز تم توقعه بناء على سعر لبرميل النفط بقيمة 45 دولاراً ولهذا فالفرق بين هذا والسعر الحالي يعني عجزاً مضاعفاً.
ومثل بقية الدول النفطية بدأ العراق يستعين بالإحتياطي الأجنبي والذي يتوقع تراجعه هذا العام إلى 43 مليار دولار من 59 مليار دولار.
ومع تفاؤل العبادي بقدرة حكومته على تجاوز الأزمة المالية إلا أن مراقبين غربيين أبدوا تشاؤماً.
وقال مسؤول غربي «إنهم يحرقون الإحتياطات سريعاً بشكل سيقود في مرحلة للعجز عن الإستيراد وإدارة اقتصاد حديثاً».
ولتجاوز الأزمة طلب العراق العام الماضي قرضاً عاجلاً من مؤسسة النقد الدولي بقيمة 12.4 مليار دولار على شكل قرض عاجل وعرضت الولايات 2.7 مليار دولار على شكل قروض للإنفاق العسكري وقدمت ألمانيا 550 مليون دولار للمساعدة في جهود الإعمار.
حنق شعبي
وفي الوقت نفسه تواجه الحكومة حنقاً من العراقيين الذين يتهمونها بسرقة ثروات البلاد وبدون أن تخشى المحاسبة. ونقلت صحيفة «الغارديان» الشهر الماضي تصريحات النائب مشعان الجبوري، عضو لجنة النزاهة في البرلمان العراقي التي قال فيها إن كل نائب ومسؤول في عراق ما بعد الغزو له دور في الفساد ولم يستثن نفسه.
واعترف بأنه أخذ رشاوى. ورغم محاولات العبادي مواجهة الفساد وإحالة اربعة مسؤولين للتحقيق إلا أن مكافحة فساد عمره 12 عاماً يظل تحدياً صعباً.
ويرى جياد أن الحكومة يمكنها تخطي العام الماضي ولكنها ستواجه أزمة حقيقية إن استمر سعر النفط بالتراجع العام المقبل. وقال إنه في حالة فشل الدولة دفع الرواتب فستواجه اضطرابات وإضرابات وخرقاً للنظام والقانون.
ويرى العبادي أن الأزمة قد تؤدي إلى تحولات إيجابية من ناحية الدفع لتحقيق الإصلاح المطلوب وتنويع الاقتصاد العراقي.
ولن تتمكن الدولة من تحقيق هذا خاصة أن القطاع الخاص غائب، فهو متطفل على الدولة. أما وضع الصناعة فليست بأحسن حالاً، فقد ترنحت في ظل الحصار الدولي على نظام صدام، ونهبت المصانع بعد الغز ولم يبق منها إلا السقوف والجدران، في وقت يعتمد ملايين العراقيين على الوظيفة الحكومية.
ويواجه العبادي مشكلة أخرى نابعة من النظام السياسي الذي نشأ في مرحلة ما بعد الإطاحة بصدام فهو قائم على المحاصصة الطائفية والخصومات السياسية بين أطراف اللعبة خاصة الأحزاب الشيعية التي باتت تهيمن على العراق اليوم.
واستفادت هذه الأطراف من وضع النفط المستقر، ففشلها بإدارة البلاد والتصدي للعمليات الإنتحارية التي تواجه البلاد من عام 2003 غطى عليه موارد نفطية جيدة ورواتب عالية حتى في ذرورة الحرب الطائفية التي مرت على البلاد في الفترة ما بين 2006- 2007 .
يفحصون حساباتهم
ومن هنا تأثرت رؤية المواطنين الذين يعتمدون على الوضع الحالي الذي تراجعت فيه موارد النفط إلى ملياري دولار. وبات هؤلاء قلقين من عدم وصول الراتب الشهري. وسأل باتريك كوكبيرن مدرسة من كربلاء إن وصل راتبها لشهر شباط/فبراير أم لا فكانت إجابتها أنها فحصت حسابها في البنك واكتشفت أنه وصل.
ويعلق كوكبيرن في «إندبندنت أون صنداي» قائلاً «حقيقة قيام المسؤولين بالتأكد من وصول رواتبهم يظهر الحالة العصبية التي يمرون بها». ويعلق قائلا إن هناك ملامح من الذعر في بغداد حيث يراقب السكان أسعار النفط وفيما إن ارتفعت أم لا.
ورغم استمرار ارتفاع أسعار العقارات في بغداد إلا ان الإقبال على شرائها وبيعها محدود جدا، وهذا ينسحب على أسعار السيارات. ولا ينتج العراق أي شيء سوى النفط الخام، فحتى الطماطم التي تباع في أسواق بغداد مستوردة من إيران لأنها أرخص من المنتج محليا. ورغم أن هذا هو وضع كل الدول المنتجة للنفط إلا أن العراق يواجه نفقات أخرى متعلقة بالقوى الأمنية والجيش التي يصل أفرادها إلى مليون.
لكل هذا يرى أن الأزمة الإقتصادية لعام 2016 حلت محل الأزمة العسكرية عام 2014. موضحاً أن الوقت تأخر لعمل شيء إزاء الفساد المستشري في البلاد.
ومن هنا فالتهديد بتقديم من استفادوا ونهبوا مقدرات البلاد غير واقعية «فكل الطبقة السياسية في أرجاء العراق حصلت على المال من خلال نهب الموارد النفطية منذ سقوط صدام عام 2003. واستفاد قطاع كبير من العراقيين من نظام الرعاية «وظائف للأولاد»». ونظراً للأزمة الإقتصادية يقول مسؤول أمني إنه لا يجد المال الكافي لإطعام عناصره. ويرى نائب مدير الأمن القومي العراقي صفا حسين الشيخ أن الأزمة التي تواجه العراق ليست عسكرية بل اقتصادية وسياسية.
وعلق الشيخ على العمليات الأخيرة التي نفذها تنظيم «الدولة» الإسلامية قرب بغداد والهجمات الإنتحارية حيث قال إن الهدف منها هي تشتيت قدرات القوى الأمنية بشكل يعطي الجهاديين التفوق في منطقة معينة.
ضعيف
ويرى الشيخ أن التنظيم ضعيف اليوم مقارنة مع السنتين الماضيتين، خاصة بعد خروجه من مدن عدة ومعظم محافظة صلاح الدين ولكنه لم يهزم بعد. ويبلغ عدد قواته ما بين 20.000 – 30.000 مقاتل محترف. ويلقى دعماً من 40.000 ـ 50.000 مقاتل أقل تدريباً والتزاماً بآيديولوجيته.
وهو قادر على تعويض خسائره البشرية من السكان المحليين التابعين لحكمه ولكنه لا يستطيع تجنيد مقاتلين أجانب لتشكيل جوهر قدراته العسكرية. وتقول مصادر أمنية إن نسبة 85% من مقاتلي التنظيم في العراق هم عراقيون.
وقلل المسؤولون الأمنيون من أهمية الحديث حول التقدم نحو الموصل وأكدوا أن التركيز سيكون على المشاكل السياسية والعسكرية وعلى مناطق الحويجة والشريقات في الجنوب. ويقول الشيخ إن الطريق إلى الموصل «طويل».
وأكد أنه لن تتم هزيمة تنظيم الدولة «طالما بقي له عمق في سوريا». ويضيف أن التنظيم في تراجع مستمر وفقد القدرة على شن هجمات واسعة على بغداد كما فعل عام 2014.
أشبال الخلافة
وفي سياق مختلف ولكنه يتعلق بطريقة تجنيد الجهاديين المتطوعين وتدريبهم كتب مارك تاونسد في صحيفة «أوبزيرفر» عن جيل جديد من المجندين يتم إعداده في داخل ما يطلق عليها «الخلافة» وجرى تثقيفه بالمفاهيم الدينية والأيديولوجية للتنظيم منذ الولادة. وينظر المقاتلون لهذا الجيل بأنه أحسن وأنقى. وأشار تاونسد إلى أول دراسة تتصدى لاستغلال الأطفال من أجل تأمين مستقبل التنظيم. وفي هذا يعني الكاتب الدراسة التي أعدها معهد «كويليام» لمواجهة التطرف في لندن تحدثت عن وجود 50 طفلاً بريطانياً ينشأون ويتربون في أراضي الدولة، وهم جزء من 30.000 متطوع أجنبي منهم 800 بريطاني.
وقالت صحيفة «أوبزيرفر» إن تقرير المعهد المشار إليه «أطفال الدولة الإسلامية» أقرته الأمم المتحدة وسيتم تقديمه للبرلمان البريطاني ونشره يوم الأربعاء تم إعداده من خلال دراسة «بروباغندا» التنظيم وبياناته التي ظهر فيها أطفال. وقام الباحثون بالتنسيق مع مصادر موثوقة في مناطق «الخلافة». ويقدم التقرير صورة عن تنظيم يستخدم الأطفال لتأمين المستقبل. فقد تم تدريب العديد منهم كمخبرين ودعاة وجنود و«جلادين» وانتحاريين.
ويقول مؤلفوا التقرير «تركز المنظمة جهدها الأكبر على تثقيف الأطفال عبر مقرر تعليمي متطرف وتربيهم كي يكونوا إرهابيي المستقبل.
وينظر المقاتلون الحاليون لهؤلاء الأطفال كمقاتلين أحسن وأكثر قسوة منهم. وذلك لأنهم لم يتحولوا إلى الأيديولوجيات الراديكالية بل نشأوا ضمن القيم المتطرفة، من الولادة حتى سن الشباب». كما أن هؤلاء الأطفال لم يتعرضوا لتأثير من القيم العلمانية. وهم والحالة هذه أنقى من المقاتلين الكبار في العمر. وتقول الدراسة «هؤلاء الأطفال تمت حمايتهم من الفساد» وهو «ما يجعلهم أقوى من المقاتلين الحاليين ونظراً لمعرفتهم العميقة بالدين. وهم مقاتلون أفضل وأقسى حيث يتم تدريبهم على القتال منذ الصغر».
ويمثل المجندون الأجانب نسبة عالية من القوات التابعة للتنظيم والتي تقدر بحوالي 80.000 حيث يعيش تحت سيطرته سكان يقدرون بحوالي 6 ملايين نسمة.
وجاء في التقرير أن «الهدف هو تحضير جيل ثان قوي وجديد من الإرهابيين تم إعدادهم وتدريسهم لكي يكونوا الجيل الثاني» و«المجال الذي تهتم به «الدولة الإسلامية» هي تسليح الأطفال وتثقيفهم في المدارس وتعريضهم للعنف عبر مشاهدة الإعدام ومتابعة أشرطة الفيديو وتوفير السلاح لهم للعب به».
ويرى مؤلفو التقرير أن التركيز على الشباب يشبه ما قام به تشارلس تايلور في ليبريا بالتسعينيات من القرن الماضي. فقد سيطر تايلور على السلطة عام 1997 بجيش كان فيه عدد كبير من الأطفال. ويرى المؤلفون أن تنظيم «الدولة» ربما اطلع على تاريخ النازية التي أنشات فرعاً للشباب وهناك وجه شبه بينه وبين «فتيان الإسلام» الفرع الذي يعود للتنظيم.
وبحسب الدراسة فقد اعتمدت «الدولة» وبشكل كبيرفي دعايتها على الأطفال. ففي الفترة ما بين 1 آب/أغسطس العام الماضي و 9 شباط/فبراير العام الحالي حدد الباحثون 254 مناسبة وتصريحاً تظهر أطفالاً قدموا لتأكيد جهود بناء الدولة. واعتمد الإرهابيون على الأطفال لتبرير العنف والوحشية، حيث شجع هؤلاء على حمل رؤوس قتلى أو ممارسة كرة القدم بها. وفي الأشهر الستة الماضية قدم التنظيم 12 مناسبة ظهر فيها أطفال وهم يمارسون القتل. ويكشف التقرير أن الاطفال يتم تجنيدهم بالإكراه وأحياناً الاختطاف.
وقدرت بعثة الأمم المتحدة في العراق أن التنظيم قام في الفترة من آب/أغسطس 2014 وحزيران/يونيو 2015 باختطاف ما بين 800- 900 طفل تتراوح أعمارهم ما بين 9- 15 عاماً.
ويستخدم التنظيم الترهيب حيث يهدد الأطفال بالجلد إن لم ينفذوا الأوامر. كما سيطر التنظيم على النظام التعليمي في العراق وسوريا وغيره واستخدمه كأداة للتثقيف والتربية وللتدريب في المعسكرات.
إبراهيم درويش