مع تراجع الأراضي التي يُسيطر عليها تنظيم «الدولة» في كل من العراق وسوريا، تبدو الملاذات المُحتملة لعناصر التنظيم ضئيلة، وتأتي في مقدمتها ليبيا والمنطقة الصحراوية الممتدة جنوبا وغربا في اتجاه النيجر وشمال مالي. غير أن الوصول إلى تلك المنطقة صعبٌ ومحفوفٌ بالمخاطر، فضلا عن وجود شبكات مسلحة فيها سترفض تقاسم النفوذ مع وافدين جُدد. وفيما تسعى الولايات المتحدة اليوم إلى دعم عمليات التحالف ضد التنظيم، من أجل قطع طرق التنقل على عناصره ومنع وصول الإمدادات إليهم، تتقدم قوات تابعة للنظام السوري، مُعززة بميليشيات إيرانية، نحو معاقل التنظيم، وقد استولت على بلدة السخنة في ريف حمص الشرقي، وهي مفتاح دير الزور، وعلى حقول النفط والغاز الواقعة في المنطقة، وبخاصة حقل «آراك». وهذه الخسائر ستُؤدي في نهاية المطاف إلى اختناق التنظيم، أيا كان طول المقاومة التي سيُظهرها، وكيفما كانت قدرته على امتصاص الضربات العسكرية.
خيارات محدودة
وعلى الرغم من الخسائر البشرية التي تكبدتها قوات النظام، فإن الخيارات المُتاحة أمام التنظيم باتت محدودة، وهو ما يُفسر أمرين: أولهما الشراسة في الدفاع عن المواقع التي يسيطر عليها، مثلما أكد ذلك اللجوءُ إلى التكتيك الهجومي على قوات النظام، في اتجاه مدينة البوكمال وريف حماه الشرقي. أما الخيار الثاني فهو البحث في الوقت نفسه عن ملاذات آمنة، بالنظر إلى أن التنظيم يسير، لا محالة، نحو هزيمة استراتيجية في العراق وسوريا. وأظهرت الهجومات التي تعرض لها عناصر التنظيم على أيدي الأهالي في دير الزور، بما فيها اغتيال بعض قياداته (جهاز الحسبة) أنه لا يمكن أن ينعم بحاضنة شعبية في سوريا، ولا في العراق، واستطرادا تغدو الهجرة الخيار الوحيد المُتاح أمام عناصره.
وفي موقف يبدو استباقا لهذا الخيار، أكد العقيد رايان ديلون المتحدث باسم الائتلاف الدولي ضد تنظيم «الدولة» في تصريحات أدلى بها الأربعاء لقناة فرنسية، أن أمريكا «لن تسمح بأن يكون هناك ملاذٌ لتنظيم الدولة في أي مكان، سواء في العراق أم في سوريا». ويشي هذا الموقف بضراوة السباق المتوقع بين أركان الائتلاف الدولي للسيطرة على الفراغ الاستراتيجي الذي سيترتب على الهزيمة المحتومة لقوات التنظيم، وخروجه من منطقة الهلال الخصيب. خروجه إلى أين؟ ذاك هو السؤال المركزي، والأرجح أن التفاهمات الأمريكية الروسية غير المعلنة في سوريا تشمل الحؤول دون انتقال عناصر التنظيم إلى شمال افريقيا وخاصة ليبيا، حيث يبني الروس آمالا كبيرة على استعادة مواقعهم السابقة تجاريا وعسكريا.
وفي الذكرى الثالثة لإطلاق الولايات المتحدة، إلى جانب واحد وعشرين من حلفائها، عملية «الإصرار المطلق (Inherent Resolve)، الرامية للقضاء على تنظيم «الدولة»، من المهم إلقاء الضوء على قوة التنظيم في أهم منطقة يمكن أن يتمدد نحوها بعد العراق والشام، وهي شمال افريقيا. واستطاع التنظيم طيلة السنوات الأخيرة تشبيك خلاياه مع شبكات التهريب على الحدود الليبية الجزائرية والليبية التونسية لتسهيل حركة السلاح ونقل عناصره عبر منافذ موازية. واعتمادا على الاختراقات التي حققها في بعض أجهزة الأمن التونسية، نفذ ضربات موجعة في السنة 2015 في متحف باردو بضواحي تونس العاصمة، وفي مدينة سوسة السياحية، إلى جانب اعتداءات دموية استهدفت عناصر الأمن، قبل أن يُحاول إقامة إمارة في مدينة بن قردان القريبة من الحدود المشتركة مع ليبيا. أما في ليبيا فاستفاد التنظيم من انهيار الدولة لكي يتمدد في اتجاهي الساحل المتوسطي والصحراء، ويُعزز مواقعه عن طريق حلفائه في درنة وبنغازي الساحليتين، ويستولي في نهاية المطاف على مدينة سرت الاستراتيجية. واستثمر التنظيم قنوات التصدير الموازية، أسوة بما فعله في العراق وسوريا، لتحصيل إيرادات مهمة من بيع النفط المُهرب، حتى باتت سرت صنوا للرقة والموصل في هذا المجال.
وساهم ضعف التنسيق الأمني بين الدول المغاربية، بسبب القطيعة السياسية بين الجزائر والمغرب، في انتشار عناصر التنظيم مغاربيا ومحاولاتهم المُتكررة تحقيق اختراقات في كل من تونس والجزائر والمغرب، فضلا عن استخدام ليبيا منصة تدريب وتأهيل للانتحاريين، وخاصة الآتين من تونس. ووجد التنظيم في سرت، مسقط رأس معمر القذافي، الحاضنة الاجتماعية التي يفتقدها، مُستندًا على مكوِّنين أساسيين، هما بقايا كتائب النظام السابق والمنشقين عن تنظيم «أنصار الشريعة» المحلي الموالي لـ«القاعدة». وأسفر تكتيك الاحتواء الذي توخاه التنظيم في المدينة، والمناطق القريبة منها، مثل النوفلية والجبل الأخضر، تآلفًا بين المُكونات الثلاثة على رغم اختلافاتها الأيديولوجية. ويعزو هارون زيلين، الباحث في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، ذلك النجاح ليس فقط إلى قدرة التنظيم على المناورة، وإنما أيضًا إلى «خلوِّ سرت، بخلاف درنة، من فصائل مسلحة قد تنافسه على السلطة، والتسويات التي توصل لها مع القبائل المحلية ومع الجناح الجهادي المحلي لـ«أنصار الشريعة»، وانضمام أنصار القذافي في مسقط رأسه إلى التنظيم أو رضوخهم لاستيلائه على المنطقة بطريقة مُماثلة لما قام به البعثيون سابقًا في العراق».
ثلاثة ملاذات
نظريا تبدو الملاذات الثلاثة التي يمكن لتنظيم «الدولة» أن يلجأ إليها في ليبيا هي درنة وبنغازي وسرت. فعلى الرغم من ضراوة المعارك التي خاضتها قوات «البنيان المرصوص» لإخراج التنظيم من سرت (وسط) لم نشاهد أسرى، كما لم يتم الافصاح عن عدد القتلى من عناصر التنظيم، الذين كان عددهم يُقدر بثلاثة آلاف مسلح. وهذا ما غذى الكلام عن اندماجهم في صفوف المدنيين أو غض الطرف عن إفلاتهم عبر منافذ خاصة، ما يزيد من فرص معاودة بناء خلاياهم اليوم. أما في درنة (شرق) فإن بنية السكان المحليين قد تُمكنهم من تأمين بعض الملاذات، إذ أن أهل درنة لا تنتظمهم بنية قبلية موحَّدة، خلافًا للمدن الليبية الأخرى، بالنظر إلى أنها مدينة هُجِّر إليها جميع المغضوب عليهم عبر الحقب التاريخية، ما جعل بنيتها قائمة على فسيفساء قَبَلية وعِرْقية تنهض على التعدد والتعايش.
تبقى بنغازي (عاصمة الشرق)، التي خاض فيها «الجيش الليبي»، بقيادة الماريشال المثير للجدل خليفة حفتر معارك طويلة مع الجماعات المسلحة، وتبدو آمال عناصر تنظيم «الدولة» بالاستقرار فيها ضئيلة، لأنها ستكون مكشوفة ليس فقط لقوات حفتر، وإنما أيضا للجماعات المسلحة المنافسة، أسوة بـ«مجلس شورى ثوار بنغازي» وهو ائتلاف تشكل في 2014 من تنظيمات متشددة، بينها «أنصار الشريعة».
عداوة مستحكمة
وإذا كان تمدُد التنظيم عبر الشريط الساحلي محكومًا بموانع وعقبات ذاتية وموضوعية، من بينها العداوة التي يلقاها لدى السكان، والمقاومة المسلحة من الجماعات المُناهضة له، فإن الطريق إلى الجنوب الليبي تبدو محفوفة بمخاطر من صنف آخر، ليس أقلها خطر الضربات الجوية الأمريكية. وتزدهر في هذه المنطقة الشاسعة، الواقعة تحت سيطرة الجزائري مختار بلمختار، زعيم «القاعدة» في غرب افريقيا، كافة الأنشطة غير المشروعة، مثل الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر. ومن المُحتمل أن يستولي عناصر تنظيم «الدولة» على قسم من تلك التجارة لتمويل التنظيم. وهم يسيطرون بعدُ على قسم من تلك الشبكات في المثلث الليبي الجزائري التونسي، حيث نفذ بلمختار عملية خطف رهائن في حقل «تيغينتورين» الغازي، بمنطقة عين أم الناس جنوب غرب الجزائر مطلع 2013 راح ضحيتها العشرات من الأجانب والجزائريين بين قتلى وجرحى. ومن مؤشرات العداوة المستحكمة بين بلمختار وتنظيم «الدولة»، أن الأخير أعلن عن رصد مكافأة لمن يعتقله أو يُدلي بمعلومات عن مكان وجوده. بهذا المعنى يبقى بلمختار العقبة الرئيسية أمام تقدُم التنظيم نحو جنوب ليبيا والنيجر ومن ثم شمال مالي، حيث الدولة غائبة، اللهم إلا إذا توصلا إلى تفاهم للتعايش في وجه عدو مشترك يتمثل في «الائتلاف الدولي ضد تنظيم الدولة» الذي يستهدفُهُما معا، ويكاد لا يُميز بينهما. عدا عن هذا السيناريو فإن الموت خنقا هو المصير الذي ينتظر التنظيم في سوريا والعراق.
رشيد خشانة
تنظيم داعش تحركه المخابرات الامريكية وآلموساد ،لذالك لا نضن ان أمريكا ستقضي على هذا التنظيم الا اذا شق عصى الطاعة وهو للاسف لم يفعلها حتى الان