شاع في العصر الحديث مصطلح توأمة المدن. وهو اتفاق تعاون بين مدينتين أو أكثر من بلدان مختلفة، هدفه تبادل الخبرات في مجال التنمية والتعاون العمراني وتعزيز الأمن والسلم الأهلي، وخلق صلات ترابط ثقافي ومعرفي بين مجتمعات هذه المدن.
وقد ولدت هذه الفكرة بعد الحرب العالمية الأولى، وأطلق عليها مصطلح الدبلوماسية المواطنة، تعبيرا عن نزع الصفة السياسية في التحرك الإنساني نحو الآخر، بهدف مد يد الصداقة والتعاون الحر، الخالي من أي أهداف وأغراض تقع ضمن أجندات حكومية. وقد نشأت علاقات توأمة بين مدن الجنوب الفرنسي والشمال البريطاني عام 1918 بإطار رومانسي، يحفز على إشاعة السلام بين المدن الأوروبية بعد فترة الحروب الطاحنة، ويعطي أملا جديدا لهذا التيار بالانطلاق من المدن الصغيرة إلى المدن الكبرى ثم الدول في ما بينها، ثم امتدت هذه الفكرة وتطورت إلى مدن أخرى في بلدان مختلفة، ولعل الاتحاد الأوروبي بصيغته الحالية، أكبر تعبير عن هذه التوأمة، التي ضمت مجالات واسعة، شملت كل فضاءات التعاون الممكنة.
لكننا في الوطن العربي اليوم نقف عند مشاهد تراجيدية تغمر مدنا عربية كبيرة وصغيرة، وتولد روابط توأمة من نوع آخر تقطر بؤسا وحزنا وأسى غير محدود. ففي المدن الفلسطينية والعراقية والسورية وبقاع عربية أخرى يتربص الموت بالجميع، حيث السموات تمطر فسفورا أبيض وبراميل متفجرة، وتساقط عليهم كل أنواع المقذوفات النارية القديمة والحديثة، بينما يطبق الجوع حصاره عليهم من جميع الجهات، حتى بات الإنسان يقف عاجزا لا حول له ولا قوة، إلى الحد الذي يبقى خياره الوحيد هو محاربة الموت بأكل القطط والديدان والحشائش والادغال. حدث هذا في غزة ومضايا وبلدات سورية أخرى، ويحدث في الفلوجة والكثير من قرى وبلدات الانبار في العراق، حتى بات الرحيل عن هذه المدن، هو النهر الوحيد الذي يجري متدفقا بلا انقطاع رغم قسوته، ويجرهم إلى ظلامية حياة جديدة تنتظرهم في أماكن أخرى غير التي اعتادوها. أنه القاسم المشترك الأعظم الجديد الذي يربط كل مدننا العربية بحبل التوأمة، والذي يقطر دما وذكريات طفولة وأحلاما عجزت كل الأنظمة عن تحقيقها لهم، فباتت الهجرة موتا من نوع أخر ينتظر هذه الجموع الغفيرة، التي أدركت بألا أحد بعد الآن يمكنه أن يعيدهم إلى ما كانوا عليه، فبات خيارهم أن يعيشوا عمرا آخر في أماكن بعيدة عن الأوطان، ويعلمون جيدا أن مدن الرحيل الجديدة لابد أن تفقدهم جزءا كبيرا من ذواتهم. إنه موسم ذوبان الانتماء العربي في دول الهجرة، بعد أن مات الضمير العربي في قمة الهرم السياسي، ولم يعد له هم إلا القتل بهدف الاستمرار في التسلط، حتى لو كان على حساب ملايين البشر، وعلى حساب التغيير الديموغرافي الذي بات يهددنا كأمة، فكلما اقترب العالم المتحضر من إعادة الاندماج الإنساني على أسس جديدة، إلى الحد الذي بات كقرية صغيرة يسهل أتصال الجميع بالجميع، نجد أننا نبتعد مسافات شاسعة عن بعضنا بعضا، ونهجر اوطاننا إلى بلدان أخرى تفرض ثمنها على أجيالنا القادمة اندماجا قسريا، يقابله سلخ قسري لكل قيمنا ومعتقداتنا، مع اتهامات تبقى تلاحقهم إلى زمن غير معلوم، بأنهم عرب ومسلمون.
وإذا أمعنا النظر في رحلات القوارب التي تجوب البحار باتجاه اوروبا، وإذا قرأنا جيدا السلوك الأوروبي والقوانين الجديدة التي يشرعونها ضدنا، وقارنا كل ذلك باستمرار الهجرة، رغم كل هذه الظروف، يصبح لدينا يقين تام بأن المواطن العربي وصل إلى حد الموت وهو حي، وهي حالة شعورية قاسية جدا لأنها تعني المعاناة المستمرة، فالموت ليس بالضرورة توقف الأجهزة الحيوية وحسب، بل في كثير من الأحيان يصبح مرادا في ظل انحطاط الاوضاع الإنسانية، ووصول الألم إلى درجة الحرقة غير القابلة للتفسير من قبل الآخرين، بينما هم وحيدون ومنسيون إلى الأبد.
ففي أعماق المدن العربية، التي أغلبها كانت يوما ما حواضر علم وثقافة وفكر نير، يسحق آلاف من البشر سحقا ظالما وبلا رحمة تحت آلاف الأطنان من القذائف، كي يتحولوا إلى وقود يدير عجلة المصالح السياسية لهذا الطرف. إنهم جميعا باتوا غرباء في أوطانهم ومستلبين ومنزوعي الهوية، وكل ما يلقونه من قسوة وحشية يجري بصمت تام أسواره عالية جدا وعصية على الاختراق.
الساسة نوعان، بعضهم يخلقون الأماكن ويعيدون تأهيل الإنسان، ويتركون بصماتهم على كل شيء بعقولهم وقلوبهم النيرة المشتعلة بهموم الأوطان والإنسان، والبعض الآخر مشغولون بهموم الكراسي والمعارك السياسية التي تتيح لهم جمع أوراق الضغط والكسب غير الحلال، ومع أنهم سيمضون مثل الحشرات يوما ما، لكنهم سيجعلوننا ندفع ثمن إزاحتهم أجيالا، وسيتركون آثارا مدمرة على الإنسان والأوطان، لانهم ليست لديهم معرفة البحث في المكان المناسب عن الحل المناسب.
أنظروا إلى الحلول التي يصنعونها في العراق، خنادق حول كركوك ومحافظات الشمال وكربلاء ثم في العاصمة بغداد، بحجة حفظ المناطق من الاختراق، وكأنه لم يبق من الخطط الامنية المعروفة في العالم غير العودة إلى عصور الخنادق، بينما ملايين البشر يسكنون في الخيم دون ماء وطعام. وفي سوريا تقطع أوصال المدن ويفرض الحصار عليها كي يستسلم الناس، في سبيل الحصول على كسرة خبز أو شربة ماء. وعلى حدود غزة مع مصر يجري العمل حثيثا على تفجير كل الأنفاق، التي ينقل من خلالها الغذاء والدواء إلى شعبنا العربي الفلسطيني، كي تكسر كرامته ويلين في مقاومته. وفي الأردن ولبنان يفرض على اللاجئين السوريين حصار أمني، وكأنهم ليسوا في وطنهم الثاني، كما يفترض، ولا يسمح لهم بمزاولة العمل في ظل ظروف معيشية مزرية. وفي تونس والمغرب يتظاهر الناس من الجوع والبطالة وامتهان الكرامات. ومع كل هذا الكم الهائل من البؤس تستمر القراءات الخاطئة للأوضاع العربية، ويتم تحميل المواطنين في هذه الاقطار نتائجها الكارثية السيئة، بدون أن يعتبر الحكام أنفسهم مخطئين، مما يسمح للخطأ بأن يتضاعف ويتغول إلى ما لانهاية.
إنها دعوة تراجيدية للبحث عن توأمة مخيمات أهلنا الفلسطينيين الأزلية والمنتشرة في كل مكان على الارض العربية، مع مخيمات اللاجئين العراقيين والسوريين الحداثية، كي يبحثوا معا عن افضل طرق الحصول على كسرة خبز وشربة ماء نظيف، وكيف يتقون برد الشتاء وحر الصيف، فالمأساة طويلة ومستمرة، ولاوجود لأفق حل قريب لهم.
كما أننا بحاجة إلى أن نتعلم من أهلنا في فلسطين وسوريا والعراق، كيف جمعوا أشلاء اطفالهم في ظل قصف النيران الصديقة والمعادية، وكيف دفنوا فلذات أكبادهم في حدائق بيوتهم وأرصفة شوارعهم، بعد أن تعذر عليهم الذهاب بهم إلى المدافن. وكيف جازفوا بركوب البحر والسير آلاف الكيلومترات عبر اوروبا، كي يصلوا إلى بلاد باتت تتهمهم بالتحرش الجنسي، وانتهاك حرياتهم وتقاليد بلدانهم وقيمهم الحضارية.
باحث سياسي عربي
د. مثنى عبدالله
الجواب ليس طائفيا ولكنه واقعيا
هذه المناطق التي ذكرتها يا دكتور مثنى يسكنها العرب السنة فقط
إذا فالعنوان الأكثر تفصيلا لا بد أن يكون :
توأمة مدن القتل والدمار العربية السنية البائسة
وإضافة أخرى : حتى يتم إستبدال سكانها من آخرين
ولا حول ولا قوة الا بالله
غريبة وكأن اليمن ليست في قواميس الكتاب العرب وكأن أهل اليمن في أمريكا الجنوبية والله شيء محزن جدا جدا من الكتاب العرب
في اليمن اهتمينا بالعراق وما يحدث للعراق بشكل لا يصدقة حتى عراقي وكذلك كانت قضية فلسطين قضية وجود ووجدان وسوريا بكيناها دموعا وعندما جاء دورنا في اليمن كانت مفاجأة لم نتوقعها لا اهتمام إعلامي وجفت أقلام الكتاب والمثقفين وكأننا غرباء عن العالم العربي للأسف وكأن مايحدث في اليمن مجرد نزهة
اليمن في طريقها للحل يا عزيزي عصام
لكن العراق وسوريا لا زالتا بلا حل
اللهم فرج عن اليمن واليمنيين
مع تحياتي ومحبتي وإحترامي لك وللجميع
ولا حول ولا قوة الا بالله
بس الملاحظ لا أحد يتحدث عن مايجري على أرض المعارك وغارات السعودية السعودية على مدن وقرى اليمن وما خلفت من مآسي يفوق وصفها وهناك حصار دخل عامة الأول انعدام تام جدا للمواد الغذائية والأدوية علاوة على شحت المياة وأول أمس استهدفت طائرات السعودية الحوض الوحيد للمياه في محيط صنعاء من أين ابدء ومن أين انتهي مآسي لا تصدق قسما بالله ومعروف عن اليمنيين الجلد والصمت على مصابهم باسم العزة وكان آخرها وفاة امرأة مع أطفالها الثلاثة جوعا في صنعاء بعد أن غابت فترة عن جيرانها وعند اكتشاف الحادث ظهرت المرأة الميتة مسودة العين ويبدو كانت تبكي على أطفالها وهناك الكثير
دكتور مثنى المحترم
المقال رصد وبدقة أحوال الأمة العربية التي إنحدرت الى هوة سحيقة بفعل وتخطيط أعدائها بالحروب التي شنها هؤلاء الأعداء بصورة مباشرة أو بالوكالة أو من قبل حكامها التي تم تعينهم من قبل الأعداء لتحطيم البنى التحتية التي سلمت من التدمير بهذه الحروب وأقصد منها المادية وإلى نوع آخرمن التدمير و هو أشد خطراً على الأمة من التدمير المادي وأشد وقعاً في النفوس وهو تمزيق المجتماعات المتآخية الى عشائر و طوائف وأفراد متناحرة متقاتلة وهذا ما حدث في المدن التي أشار اليها المقال وبسببها خلت مدن كبيرة وصغيرة من ساكنيها أما بالقتل أو بالهجرة أو بالتدمير لتغيرها ديمغرافيا وكما خطط لها أعداء الأمة ورسموا لها خرائط التقسيم وحسب الأنتماءآت الطائفية والعرقية وذلك لأحلال مواطنين مستقدمين اليها من دول أجنبية لمحو هويتها العربية ….