في حين انهمك عشاق كرة القدم الى حل لغز الانهيار المفاجئ لبطل اسبانيا وأوروبا ريال مدريد، وافراد غالبية الصحف الاوروبية والعالمية صفحات عدة لتحليل الاداء المخيب للنادي الملكي، فان قلة أعطت الوقت للتأمل في الفريق القادم من شمال لندن… توتنهام.
توتنهام الذي أسقط الريال في ملعب «ويمبلي» ليلة الاربعاء الماضي، لم يكن على رادار المرشحين، ولا من بين الكبار، بل حين تأهل الى دوري الأبطال للمرة الاولى في 2011 فانه كان لقمة سائغة لعمالقة أوروبا، وبينها الريال، الذي سحقه بخماسية في مجموع مباراتيهما في ربع النهائي، وبعدها خطف النادي الملكي أبرز نجوم الفريق اللندني، حين دفع مبلغا عالميا قياسيا لضم الويلزي غاريث بيل في 2013، وقبلها بسنوات خطف منه أيضاً أحد أبرز نجومه الكرواتي لوكا مودريتش، ولكن مثلما يبدو حاليا فان المال ليس الوسيلة الوحيدة لبناء فريق ناجح وجبار يقارع الكبار.
في الواقع، توتنهام دائما اشتهر بأسلوب لعبه الشيق، وباحتوائه نجوما مميزين، وعلى الاقل يكون هناك لاعب مثير من العيار الثقيل، بل بدأ عشقي للكرة الانكليزية بسبب توتنهام، في مطلع الثمانينات، عندما كان يتألق معه أرديليس وريكاردو فيا، وكانا أول ارجنتينيين يحترفان في انكلترا، الى جانب أرشيبولد وغلين هودل، وبعدها جاء جيل كريس وادل وبول غاسغوين وغاري لينيكر، وجميعهم من الاسماء الكبيرة في الكرة الانكليزية، وبعدهم في نهاية الألفية كلينسمان وجينولا عندما فتح الباب على مصراعيه لضم الاجانب. وعندما جئت الى لندن بهدف الدراسة في 1987، حفظت عنوان ملعب «وايت هارت لين» قبل معرفتي لعنوان جامعتي. وحضرت مبارياته في ملعبه، وصدمت صدمة كبيرة، عندما شاهدت العشرات من حولي، من أنصار الفريق يرتدون القلنسوات اليهودية على رؤوسهم، وهو ما قادني الى الاشمئزاز والنفور، لكن لم تتغير حقيقة انه فريق ممتع، وان غالبية أنصاره في شمال لندن من اليهود، بل ادارته الحالية وملكيته تعود لهم.
علاقة توتنهام مع الألقاب لم تكون وطيدة، بل كانت على استحياء كل فينة وأخرى، بل هناك رقم سحري ارتبط بانجازاته، وهو الرقم واحد، او السنة التي تنتهي بالرقم واحد، فهو أحرز بطولة الدوري مرتين في عامي 1951 و1961، وأحرز كأس انكلترا 8 مرات، خمس منها في السنوات التي انتهت بـ1، وآخرها في 1991، وأحرز كأس المحترفين 4 مرات، أولها في 1971، وخمس من الدروع الاجتماعية التي أحرزها كانت في الاعوام التي تنتهي بـ1. طبعا هذا قد لا يتعدى سوى كونه صدفة محضة، لكن ما حدث في السنوات الاخيرة بالتأكيد لم يكن صدفة.
عندما عين الرئيس دانيل ليفي المدرب المخضرم هاري ريدناب في 2008 بدل خواندي راموس، كان الهدف احراز الألقاب ومقارعة الأربعة الكبار (مانشستر يونايتد وتشلسي وأرسنال وتشلسي) وفك احتكارهم المحلي، خصوصا المراكز الاربعة المؤهلة الى دوري الأبطال، وريدناب نجح في الاثنتين، حيث حقق كأس المحترفين في 2008، وهو لقب طال انتظاره، ونجح في التأهل الى دوري الأبطال في 2011، لكن ليفي كان يدرك انه بحاجة الى مدرب صغير السن، موهوب وديناميكي، ينقل النادي الى العصر الجديد، حيث اصبحت الثروات الهائلة عنصرا فعالا بحوزة مانشستر سيتي وتشلسي، فآثر ليفي اقالة ريدناب والاستعانة بالواعد فيلاش بواش، لكن بعد جني 100 مليون يورو من بيع بيل، وانفاقها على 8 لاعبين لم يبق منهم الا واحد اليوم (ايركسن)، فان العلاج بات بمدرب لا يبني نجاحاته على الصرف والانفاق والمواهب الجاهزة، فجاء ماوريسيو بوشيتينو الذي أبدع مع ساوثهامبتون في بناء مواهبه، وهو ما نقله اليوم الى توتنهام بأسماء لم يكن يسمع عنهم أحد قبل موسمين، ليبرز هاري كاين كواحد من أفضل المهاجمين في العالم (من اكاديمية النادي)، وديلي آلي (5 ملايين)، وايرك داير (3.5 مليون)، وكايل ووكر (رحل الى السيتي بـ50 مليونا) وداني روز وايركسن وسون هيونغ وتريبيير، وجميعهم لم يكلفوا عشر ما أنفقهم المنافسون مثل يونايتد والسيتي وتشلسي وليفربول وأرسنال، لان الاستثمار كان في الثقافة والتخطيط.
twitter: @khaldounElcheik
خلدون الشيخ