نواكشوط ـ «القدس العربي»: تنشغل حكومات دول منطقة افريقيا ما وراء الصحراء بما أعلن عنه صندوق النقد الدولي مؤخرا من توقعات بخصوص مؤشراتها التنموية التي أعلن الصندوق أنها لن تتجاوز آخر السنة الجارية حدود 1.4 في المئة.
وأكدت سلين آلار رئيسة قسم الدراسات الإقليمية في صندوق النقد الدولي، في تصريحات أدلت بها مؤخرا لوكالة «إيكوفين فينانس» المتخصصة في الأخبار الاقتصادية، «أن بلدان منطقة افريقيا ما وراء الصحراء تمر حاليا بأوضاع اقتصادية ومالية بالغة الصعوبة»، مبرزة «أن صندوق النقد الدولي قد توقع في آخر أرقام ينشرها ان مؤشر التنمية لن يتجاوز آخر العام الجاري 1.4 في المئة وهذا أضعف مؤشر تنموي اقتصادي تشهده المنطقة منذ أكثر من عشرين سنة، كما أنه مؤشر ينخفض كثيرا عن مؤشر الـ 5 في المئة الذي ظل المسجل طوال الفترة ما بين 2010 و2014 وحتى أنه أخفض من مؤشر 3.4 المسجل برسم السنة الماضية». وأرجع الصندوق انهيار مؤشر التنمية لعاملين، أولهما الظرف الاقتصادي العالمي المتأزم، والثاني وصول أسعار المواد الأولية لمستويات شديدة الانخفاض، وينضاف ذلك لعامل آخر هو الصعوبة البالغة في ظروف التمويل العامة. وما زاد في تعقد المشكلة تأخر الدول الأكثر تأثرا بهذا الواقع، في وضع سياسات اقتصادية لمواجهة هذا الانهيار، ما جعل تأثيراته السلبية تتمدد لتشمل جميع مناحي الاقتصاد ولتشل تبعا لذلك النشاط التنموي برمته.
ولتحليل هذه الناحية تقول سلين آلار رئيسة قسم الدراسات الإقليمية بصندوق النقد الدولي إنها لا تحبذ الحديث بتشاؤم عن هذا الوضع بالنظر لتنوع الظروف التي تخفيها المعدلات التنموية الإقليمية، حيث أن هناك ثنائية افريقية متجاورة، فمن ناحية هناك الدول الافريقية المصدرة للمواد الأولية وهي بلدان متأثرة بالأوضاع وبخاصة تلك المستوردة للنفط، وهناك، من ناحية أخرى الدول الأقل ارتباطا بالمواد الأولية في صادراتها وهي دول يتواصل نموها بشكل متسارع في الغالب.
«والواقع، تضيف آلار، أن نصف عدد دول منطقة ما وراء الصحراء، تشهد معدلات نمو أكثر من 4 في المئة بينها الكاميرون، أما دول ساحل العاج وإثيوبيا والسنغال وتانزانيا فإنها ستشهد معدلات نمو تتجاوز 6 في المئة».
ولمساعدة بلدان منطقة ما وراء الصحراء في مواجهة ضيق هوامش التصرف المالي، يقترح الصندوق على حكومات هذه الدول، الإسراع بوضع خطة تشمل إجراءات منسجمة تتعاضد فيما بينها، من أجل استعادة الاستقرار الاقتصادي ولتهيئة الظرف أمام إقلاع لمعدلات التنمية.
ويقترح أن تشمل هذه الإجراءات ثلاثة محاور أولها، بالنسبة للدول الموجودة خارج الإتحادات النقدية، هو ترك معدلات الصرف تنتظم بطريقة تمتص الضغوط الخارجية؛ أما المحور الثاني فهو ضبط السياسة النقدية وبخاصة في المواقع التي يتسارع فيها التضخم.
ويقترح الصندوق في المحور الثالث، تقويم الحسابات العمومية مع السهر على حماية النمو من التأثيرات السلبية عبر زيادة العائدات من خارج المواد الأولية وعبر انتقاء المصروفات العمومية ذات الأولوية مع حماية المجموعات السكانية الهشة. وحول مشكلة ارتفاع المديونية والصعوبات التي تواجهها الحكومات في تعبئة الموارد الخاصة، أكدت آلار «أن المديونية العمومية في دول منطقة ما وراء الصحراء النامية منها والمتعثرة، تتجه كلها نحو الإرتفاع».
وأضافت «إذا كانت المديونية الوسيطة في الدول المصدرة للنفط في المنطقة المذكورة قد زادت في عام في عام 2013بما يقارب 20 نقطة مئوية من الناتج الداخلي الخام، فإن هذه المديونية نفسها قد زادت بـ 13 نقطة مئوية من الناتج الداخلي الخام بالنسبة للبلدان التي يرتبط اقتصادها بتصدير المواد الأولية».
وترى خبيرة النقد الدولي «أن هذه المديونية رغم ثقلها، قد استخدمت في غالبها في تمويل مشاريع استثمارية ومشاريع بنى تحتية تحتاج إليها هذه البلدان حاجة ماسة» غير أن من المهم، تضيف آلار، في وضع تصعب فيه ظروف التمويل وتتقلب فيه أسواق التمويل العالمية، العمل لإيجاد توازن بين حاجيات الصرف على التنمية واستدامة المديونية بطريقة لا تؤثر سلبا على الديون.
وحول الطريقة الموصلة لهذا التوازن، أكدت «أن أمام بلدان منطقة ما وراء الصحراء طريقان أولاهما تعبئة أفضل للعائدات الداخلية غير المرتبطة بالقطاعات الاستخراجية، ونحن، تضيف سلين آلار، على مستوى النقد الدولي، نرى أن المنطقة تحتوي على عائدات جبائية إضافية غير مستغلة، تتراوح بين 3 و6.5 نقطة من الناتج الداخلي الخام، وهذه العائدات مرتبطة بخفض إعفاءات ضريبية عديدة موجودة، مع توسيع الشبكة الجبائية أكثر نحو القطاع غير المصنف، وتشكل هذ التعبئة وهذه المراجعة، موردا تمويليا أكثر ديمومة في مواجهة المصاريف المستقبلية لبلدان منطقة ما وراء الصحراء.
أما الطريق الثاني لإيجاد التوازن المطلوب فهو تحسين عملية انتقاء المشاريع بحيث لا يمول إلا المشاريع ذات المردودية الأفضل على الاستثمار الاقتصادي والاجتماعي.
عبد الله مولود