باريس/ بيروت – وكالات: أعلنت الرئاسة الفرنسية أمس الخميس أن مؤتمر «سيدر1» الدولي لدعم لبنان الذي سينعقد اليوم الجمعة سيقر خطة استثمارات متعددة السنوات في هذا البلد مرفقة باصلاحات بنوية مهمة.
واوضح قصر الإليزيه ان 41 بلدا ستشارك مع حوالي 10 منظمات دولية في المؤتمر الذي يعقد برئاسة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وفرنسا قبل شهر من استحقاق الانتخابات التشريعية في لبنان. ويختتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والحريري المؤتمر الاقتصادي للتنمية «سيدر1». وستتمثل الدول الـ41 على مستوى وزراء او سفراء.
وقالت الرئاسة الفرنسية ان المشاركين «سيتفقون على خطة استثمارات خصوصا في المجالات الأساسية لتأمين الخدمات للسكان أي المياه والطاقة والبُنى التحتية والتربية والتنمية المستدامة».
وأضافت انه لن يكون مؤتمر جهات مانحة تقليديا تُقطع فيه تعهدات مالية، حتى وإن كان «سيتم فيه الاعلان عن بعض المبالغ». وستشمل الخطة استثمارات عامة وخاصة.
ويأمل لبنان في أن يحصل في مرحلة أولى، وفق ما شرح نديم المنلا، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة سعد الحريري، على دعم يتراوح «بين ستة وسبعة مليارات دولار على شكل خطوط إئتمان وهبات من إجمالي عشرة مليارات مقررة في المرحلة الأولى من خطة الاستثمار». وفي المقابل سيتعهد لبنان الذي يشهد فسادا وتهربا ضريبيا على نطاق واسع، تطبيق خطة اصلاحات. وقال الناطق باسم الإليزيه ان «الجميع يدركون ان هذه الاستثمارات لن تكون فعالة الا اذا ترافقت بإصلاحات بُنوية مهمة» خصوصا «تطبيق العدالة» وفي الأسواق العامة.
آلية متابعة
وسيصار إلى وضع آلية متابعة للتحقق من ان هذه التعهدات ستطبق بعد الانتخابات التشريعية، الاولى منذ تسع سنوات في هذا البلد.
واقتصاد لبنان يعاني منذ سبع سنوات من أزمات سياسية متكررة. يضاف إلى ذلك النزاع في سوريا وتدفق حوالي مليون لاجىء سوري إلى لبنان.
وقال قصر الإليزيه ان السعودية التي يشتبه في انها دفعت الحريري إلى الاستقالة في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بسبب النفوذ المتنامي لحزب الله الشيعي في لبنان، بعثت «إشارات ايجابية» حول مشاركتها في المؤتمر.
وكان الحريري، الذي قدم استقالته من الرياض، عاد إلى لبنان بعد ثلاثة اسابيع واستعاد مهامه كرئيس للحكومة بعد وساطة فرنسية. ويأتي «سيدر1» عقب مؤتمر روما الذي عقد في 15 مارس/آذار الماضي لتعزيز قدرات الجيش اللبناني. وكانت فرنسا فتحت في حينها خطا إئتمانيا بقيمة 400 مليون يورو لشراء معدات عسكرية وامنية. كما سيعقد مؤتمر ثالث في بروكسل في الاخامس والعشرين من الشهر الجاري لمساعدة لبنان على ايواء اللاجئين السوريين. وقد تضاعفت خلال الأشهر الأخيرة المخاوف من انهيار الاقتصاد والمالية العامة في لبنان، في غياب إصلاحات بنيوية حقيقية، ما سرّع مبادرة فرنسا للدعوة إلى عقد «سيدر1» بهدف توفير الدعم وتجنب إفلاس الدولة.
وشهد الاقتصاد اللبناني منذ العام 2011 تدهوراً تدريجياً بفعل الجمود السياسي والانقسام حول ملفات داخلية عدة. وفاقم النزاع في سوريا المجاورة من الأزمة الاقتصادية مع تدفق موجات النازحين، ولا يزال نحو مليون منهم في لبنان.
وأثمرت تسوية سياسية نهاية العام 2016 بعد أزمة طويلة شغر خلالها منصب رئيس الجمهورية، انتخاب رئيس وتشكيل الحكومة الحالية التي ضمت ممثلين عن معظم الاطياف السياسية، بينما يعتزم لبنان اجراء انتخابات برلمانية في السادس من مايو/أيار المقبل للمرة الأولى منذ العام 2009.
ومنذ ذلك الحين، وضعت الحكومة خطة اقتصادية شاملة لانعاش الاقتصاد تنص على ضبط أوضاع المالية العامة واستثمار 23 مليار دولار في البُنى التحتية على مدى 12 عاماً. وتعتزم تقديم هذه الخطة إلى المؤتمر.
واستبقت الحكومة اللبنانية انعقاد هذا المؤتمر بإقرارها الأسبوع الماضي موازنة للعام الثاني على التوالي مع عجز يقدر بـ4.8 مليار دولار، بعد عجز عن إقرار موازنة عامة استمر 12 عاماً.
ورغم التدابير الاقتصادية التي تتخذها الحكومة اللبنانية، لا تزال المخاطر المحدقة بالاقتصاد اللبناني كبيرة جداً. ويقول الخبير الاقتصادي بول الدويهي ان «احتمال حصول أزمة أصبح الآن أعلى».
الاستقرار النقدي
وفي تقرير شديد اللهجة نشر في فبراير/شباط، حذر «صندوق النقد الدولي» مجددا السلطات اللبنانية من حجم الدين العام المتصاعد، في غياب أي إصلاحات هيكلية.
وارتفع الدين العام مطلع العام إلى أكثر من ثمانين مليار دولار، أي ما يعادل 150 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ثالث أعلى معدل في العالم بعد اليابان واليونان. واذا استمرّ الارتفاع بهذه الوتيرة، قد تبلغ نسبة الدين 180 في المئة خلال خمس سنوات، حسب الصندوق.
ويرى الصندوق أنه مع عجز الموازنة الذي يبلغ عشرة في المئة من إجمالي الناتج المحلي فإن «هناك حاجة ملحة لخطة ضبط مالي».
ويستغرب الدويهي أن «الدولة لم تتوقف عن زيادة نفقاتها»، بخلاف توصيات «صندوق النقد الدولي». وأقرّ البرلمان في يوليو/تموز الماضي زيادة على الرواتب في القطاع العام، ترتب أكثر من مليار دولار على خزينة الدولة سنوياً. علاوة على ذلك، أدخلت الدولة وفق ما يوضح نسيب غبريل، رئيس قسم الابحاث في بنك «بيبلوس»، 26 ألف موظف جديد خلال السنوات الثلاث الأخيرة إلى المِلاك العام.
واذا كانت المالية العامة تحت المجهر، فإن المخاوف من انخفاض قيمة الليرة اللبنانية لا تزال موجودة. فقد ضخّ مصرف لبنان (المركزي) في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أكثر من 800 مليون دولار في سوق القطع، لامتصاص عمليات تحويل الودائع من الليرة اللبنانية إلى الدولار، والحفاظ على سعر صرف الليرة مقابل الدولار والثابت منذ العام 1997 عند1507.5 ليرة.
ورغم ذلك، لا تزال العوامل البُنيوية لضعف العملة موجودة. وفي ظلّ عجز الحساب الجاري المُزمن الذي تخطى 20 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في العام الماضي، يرى خبراء أن قيمة الليرة اللبنانية مبالغ فيها.
ويورد تقرير «صندوق النقد الدولي» أن «سعر الصرف الفعلي الإسمي سجّل ارتفاعاً حاداً في السنوات الأخيرة».
الأزمة السياسية التي أحدثها تقديم سعد الحريري استقالته في شهر نوفمبر الماضي والضغوط التي تعرضت لها العملة المحلية، تسببت بارتفاع كبير في أسعار الفائدة من 6% إلى 9% على الودائع بالليرة اللبنانية، ما قد يؤثر سلباً على الاستثمارات ويُثقل كلفة الدين العام على المدى المتوسط. ويضاف إلى ذلك انخفاض هامش التسليف لدى المصارف للقطاع العام في ظل تباطؤ نمو الودائع.
في العام 2017، ارتفعت نسبة النمو إلى أربعة في المئة، مقابل 12 في المئة عام 2010، عشية اندلاع النزاع في سوريا المجاورة.
ويُجمع الخبراء الاقتصاديون على أنه من أجل تجنب انهيار اقتصادي محتمل، على الدولة أولاً تقليص نفقاتها «بشكل طارئ» وتعزيز إيراداتها.
وأقرت السلطات قبل أشهر سلسلة اجراءات ضريبية بينها رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 11 في المئة، لتمويل سلسلة الرتب والرواتب الجديدة.
ويرى عودة مروان بركات، مدير قسم الأبحاث في بنك «عودة» أنه «من الصعب إقرار المزيد من الضرائب، في ظلّ نمو اقتصادي بطيء وتآكل القدرة الشرائية».
ويوضح أنه يمكن زيادة إيرادات الدولة عبر مكافحة التهرب الضريبي الذي تبلغ قيمته 4.2 مليار دولار سنوياً. ويضيف «إذا كانت هناك إرادة سياسة جادة، بإمكان الخزينة تحصيل ما يصل إلى نصف هذا المبلغ، أي أكثر من ملياري دولار سنوياً».
الا أن ضعف مصداقية الطبقة السياسية وتزايد الفساد يقلل من قدرة الدولة اللبنانية على تأمين جوّ ملائم للنمو ومكافحة التهرب الضريبي، حسب الخبراء و»صندوق النقد الدولي».
ويُعتبر لبنان حالياً ضمن الدول الـ37 الأكثر فساداً في العالم، إذ صنفته منظّمة الشفافية الدولية في المرتبة 143 من أصل 180 دولة.