تونس – «القدس العربي»: تتجه أنظار العالم اليوم إلى تونس التي سيتم فيها رسميا إنهاء المرحلة الإنتقالية الثانية بانتخاب رئيس الجمهورية الذي سيتربع على عرش قرطاج لخمس سنوات. وقد أفرز الدور الأول مرشحين إثنين هما محمد الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة الأسبق، الفائز بالمركز الأول، ورئيس الجمهورية المؤقت محمد المنصف المرزوقي الفائز بالمركز الثاني. وتؤكد استطلاعات الرأي المجراة إلى حد الآن تقدم قائد السبسي على منافسه بفارق طفيف رغم التشكيك المستمر من قبل التونسيين في نتائج عمليات سبر الآراء. فالمرزوقي الذي مني حزبه، المؤتمر من أجل الجمهورية، بهزيمة نكراء في الإنتخابات التشريعية، يحظى بشعبية لدى جمهور حركة النهضة ويعتبره البعض المرشح الحقيقي للحركة الإسلامية والذي لم ترغب الحركة لعدة اعتبارات الإعلان رسميا عن دعمها له.
ويعتبر أنصار قائد السبسي وهم جمهور حزبه حركة نداء تونس بالأساس وأحزاب أخرى مساندة له، أن مرشحهم هو الأفضل باعتبار انتمائه لما يسمى «التيار الدستوري الليبرالي» الذي ظهر في بداية السبعينيات بزعامة المرحوم الوزير الأسبق حسيب بن عمار والذي أقصي عن الحزب الدستوري الحاكم آنذاك بسبب رفضه لتكريس الإستبداد في الدولة. حيث رفض هذا التيار الذي كان داخل الحكم للرئاسة مدى الحياة للحبيب بورقيبة كما طالب بتكريس إصلاحات ديمقراطية داخل الحزب الحاكم وقام لاحقا بتأسيس منظمات حقوقية على غرار «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» و»المعهد العربي لحقوق الإنسان» وجريدة «الرأي» التي صدحت بالآراء المخالفة لنظام بورقيبة.
كما يصر أنصار الباجي على النفس الديمقراطي لمرشحهم، ردا على اتهامه بالإستبداد من الفريق المقابل، من خلال التأكيد على أنه ترأس الحكومة خلال مرحلة انتقالية أولى صعبة مرت بها تونس بعد الإطاحة بنظام بن علي، وأنه نظم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2011 سلم بمقتضاها السلطة لحركة النهضة الفائزة يومها بأغلبية مقاعد المجلس الوطني التأسيسي. وبالتالي، وبحسب أنصار قائد السبسي، لا يمكن لمستبد أن ينظم انتخابات شفافة ويسلم السلطة بطريقة سلمية رغم إغراءات الكرسي الذي أوصل المتلهفين عليه في أكثر من بلد إلى ما لا يحمد عقباه. كما يعتبر أنصار قائد السبسي مرشحهم رجل دولة حافظ على مؤسساتها من الإنهيار بعد الثورة في مرحلة صعبة كانت الدولة التونسية مهددة بالفناء وبالإقتتال الأهلي.
في المقابل فإن أنصار المرزوقي، وهم بالأساس جمهور حركة النهضة، يصرون على أن مرشحهم هو الأفضل باعتبار ماضيه الحقوقي ومعارضته لنظام بن علي. ويتهمون قائد السبسي بتورطه، باعتباره كان جزءا من نظام بورقيبة، في تصفية المعارضين لدولة الإستقلال على غرار التيار اليوسفي وجماعة آفاق (برسبكتيف) اليسارية وغيرها وذلك في عقد ستينيات القرن الماضي حين كان في عنفوان شبابه وفي بداية مسيرته السياسية.
كما يعيب هؤلاء على قائد السبسي ترؤسه لمجلس النواب خلال السنوات الأولى لحكم زين العابدين بن علي، وصمته لاحقا وهو خارج الحكم بعد أن تفرغ لمهنة المحاماة على انتهاكات النظام بحق معارضيه. وتم الطعن من قبل أنصار المرزوقي حتى في ما يظهره قائد السبسي من وفاء للرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة ويتهمونه بالصمت على وضع مؤسس دولة الإستقلال في الإقامة الجبرية من قبل نظام بن علي سنوات قبل وفاته، وذهبوا بعيدا إلى حد الترويج إلى أن المرزوقي حضر جنازة بورقيبة لأجل كسب أصوات البورقيبيين، وهم نسبة هامة من التونسيين، في هذه الإنتخابات.
المناظرة
وبالتالي فقد استعرت الحملة الإنتخابية الرئاسية بين أنصار الفريقين، وتوضحت الرؤيا بشأن المساندين لكلا المرشحين من أحزاب ومنظمات، ويبدو أن قائد السبسي يحوز على دعم أكبر من منافسه باعتبار أن الحزبين المتحصلين على المرتبتين الثالثة والخامسة (الإتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق تونس) يساندانه صراحة، فيما دعا التيار الحائز على المرتبة الرابعة في الإنتخابات التشريعية (الجبهة الشعبية) أنصاره صراحة إلى عدم التصويت للمرزوقي. ويبدو أن المشرفين على حملة الرئيس المؤقت لم يتبق أمامهم سوى الدعوة لإجراء مناظرة بين المرشحين والإصرار عليها لتحقيق اختراق ما.
ويرفض قائد السبسي إجراء هذه المناظرة باعتباره المتقدم إلى حد الآن في استطلاعات الرأي ولا مصلحة له في إعطاء خصمه فرصة للتقدم وكسب النقاط. ويقدم أنصاره حججا مختلفة لهذا الرفض منها أن المرزوقي استعاذ بالله من جماعة نداء تونس في إحد حواراته وبالتالي، وبحسب أنصار النداء لم يعد ممكنا الجلوس معه والتحاور، كما يؤكد بعض هؤلاء على حرصهم على هيبة قائد السبسي باعتبارهم يخشون من إهانات قد يوجهها المرزوقي له وجب تجنبها.
ويخشى أنصار المرشح الباجي قائد السبسي من الشعار الذي رفعه المرشح المنصف المرزوقي، «ننتصر أو ننتصر»، وهو الشعار الذي رفعه الرئيس الإيفواري الأسبق لوران غباغبو الذي لم يعترف بنتائج الإنتخابات التي انهزم فيها أمام منافسه الرئيس الحالي الحسن واتارا ولم يغادر القصر الرئاسي إلا بالقوة. ولعل ما يدعم هذه الخشية تصريحات للمرزوقي أكد فيها أنه إذا لم يحصل تزوير في الإنتخابات فإنه سيكون الفائز لا محالة.
وقد دافع بعض أنصار المرزوقي على هذه التصريحات واعتبروا أن من زور الإنتخابات في وقت سابق وباعترافه (قائد السبسي) قادر على تزويرها مجددا، وهو ما اعتبر تشكيكا في العملية الإنتخابية برمتها وفي الهيئة المستقلة المشرفة على الإنتخابات وفي العملية السياسية برمتها. كما اعتبر البعض أن الأمر يتعلق بضغوط تتم ممارستها على الهيئة المستقلة المنتخبة من قبل مجلس تأسيسي كانت تتمتع فيه حركة النهضة بأغلبية المقاعد.
ويشار إلى أن بدء عملية التصويت في الخارج قد تزامنت مع شريط مصور هددت فيه جماعة تكفيرية مسلحة باستهداف البلاد، واعترفت هذه الجماعة بتورطها في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهددت بمزيد من الإغتيالات. واعتبر المتحدث باسم هذه الجماعة بأن الجيش التونسي وقوى الأمن جبانة لأنها استهدفت النساء في إشارة لإحدى عمليات تصفية خلايا إرهابية قتلت خلالها زوجات متورطين في التخطيط لعمليات إرهابية.
لذلك فإن هناك حالة استنفار أمنية قصوى خشية من حصول عمليات قد تفسد العرس الإنتخابي الذي انتظره التونسيون طويلا، وطيلة سنوات من الإستبداد والتضييق على الحريات.
روعة قاسم