تونس ـ «القدس العربي»: يبدو أن أغلب الأحزاب السياسية في تونس لم تستوعب حتى الآن أهمية المسار الديمقراطي وأثره على مستقبل البلاد، وهو ما يؤكده تشابه برامجها للانتخابات التشريعية (البرلمانية) وعدم وضوحها وجديتها بالنسبة لمواطن غير قادر على فهم اللعبة السياسية التي يرى بعض المراقبين أنها تُدار من الخارج، فيما يعوّل آخرون على قدرة الناخب في تمييز الغث من الثمين في ظل كثافة العرض وتشابه المضامين.
ورغم أن المقارنة لا تصح بين الديمقراطيات الغربية العريقة والديمقراطية الوليدة في تونس، إلا أن البعض ينتقد الطبقة السياسية التي لم تستفد من تجارب الحكم السابقة سوى في كيفية سلب إرادة الناخب عبر تقديم وعود خلبية يغذيها المال السياسي الداخلي والخارجي، ويبقى السؤال: هل قطعت تونس كليا مع منظومة الاستبداد السابقة، أم أن الباب ما زال مفتوحا لعودتها من النافذة في ظل الحضور الكبير لرموز نظام بن علي في المشهد الانتخابي الحالي؟
ويؤكد معز بوراوي (رئيس منظمة عتيد المتخصصة بمراقبة المسار الانتخابي والديمقراطي) وجود غياب شبه تام لبرامج سياسية واضحة وجدية يستطيع المواطن التونسي استيعابها، مشيرا إلى أنها لا تعدو مجرد «ديكور انتخابي، أما المنافسة (في الانتخابات) فيقودها المال السياسي وهذا من شأنه أن يضعف إيمان الناخبين بالمشاركة في الاقتراع، رغم أنه واجب وطني قبل أن يكون مرتبطا بهذا الحزب أو ذاك».
ويضيف لـ«القدس العربي» «البرامج الحالية هي مجرد شعارات أكثر منها محتوى لبرنامج سياسي لإدارة شؤون البلاد في تونس، كما أن ثقافة التونسي في المجال السياسي العام لا زالت شابة جدا، وكان من المفروض على الأقل أن تكون المقترحات واضحة لنفرق بين هذا الحزب وذاك وليتمكن التونسي من تحكيم ضميره لاختيار من يصلح لإدارة البلاد».
فيما يشير الخبير الدستوري د.غازي الغرايري إلى التشابه الكبير بين البرامج الانتخابية لمختلف الأحزاب السياسية، فضلا عن العدد الهائل للقوائم المشاركة في الانتخابات (أكثر من 1300 قائمة) و»هذا يصعب الاختيار جدا بالنسبة للناخب التونسي وخاصة ذاك الذي لا يهتم بخبايا ودقائق الأمور السياسية، وبالتالي كان على الأحزاب أن تقدم برامج واضحة مخترلة ومقروءة حتى يسهل على الناخب الاختيار».
ويضيق الغرايري (الامين العام للأكاديمية الدولية للقانون الدستوري) لـ«القدس العربي» «ثمة تقارب كبير في المضامين بين برامج الأحزاب السياسية على اختلاف توجهاتها (يمين – يسار- وسط)، فالكل يتحدث عن إصلاح منظومة الأمن والتوازن الجهوي وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، ولكن لا يتحدث عن كيفية القيام بذلك، بمعنى أننا أمام تخمة على مستوى العرض وتشابه على مستوى البرامج التي تفتقر للدقة، ولا يمكن أن نستشف منها برنامجا حكوميا جديا».
ويذهب الباحث رياض الصيداوي (مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاجتماعية في جنيف) إلى المقارنة بين الديمقراطيات التقليدية في الغرب التي تتضمن فصلا واضحا بين الأحزاب (يمين –يسار- وسط) على صعيد البرامج الاقتصادية والاجتماعية، حيث «يطالب اليسار بالتأمين وزيادة العدالة الاجتماعية والضرائب على الأثرياء، بينما يطالب اليمين بتخفيف ضرائب الأثرياء لكنه يركز على مسألة الهوية ولديه اتجاهات عنصرية في هذا المجال».
ويضيف لـ«القدس العربي» «تونس لم تتطور كثيرا في هذا الاتجاه، حيث نجد أن أكبر حزبين متنافسين (النهضة ونداء تونس) يتفقان كليا على اقتصاد السوق وتطبيق نصائح صندوق النقد الدولي في تحرير الأسعار والأجور رغم وجود اختلاف «إيديولوجي» كبير بينهما، كما أن هذه الثنائية (إسلامي –علماني) لا تعكس حقيقة الثورة التونسية التي كانت ثورة عدالة اجتماعية بالدرجة الأولى بدليل رفعها لشعار الحرية والكرامة».
لكنه يشير بالمقابل لوجود أحزاب قليلة كالجبهة الشعبية وبعض القوى اليسارية الأخرى ترفع شعار القطاع العام والتأمين ومساعدة الطبقة المتوسطة «التي بدأت تنهار كليا في تونس والطبقة الفقيرة التي أصابها اليأس وسقط بعض شبابها في الإرهاب والهجرة إلى سوريا وأوروبا، ولكن مشكلتها أنها لم توحد قواها في جبهة واحدة».
على صعيد آخر، ثمة من يحذر من تلاعب المال السياسي بنتائح الانتخابات على صعيد سلب إرادة الناخبين ومحاولة تزوير الانتخابات لاحقا، وقصور في البرنامج الانتخابي لمعالجة هذا الأمر.
ويشير بوراوي لوجود أدلة واضحة على محاولة بعض المرشحين رشوة الناخبين (شراء ذمم)، ويؤكد أن هذا الأمر كان موجودا أيضا في انتخابات 2011، ويضيف «هناك محاولة استيلاء على صوت الناخبين باستعمال المال السياسي القذر، والقانون الانتخابي ليس واضحا بل إنه متواطىء في هذا الأمر، وقد حذرنا خلال مناقشة مشروع قانون الانتخابات من وجود خلل فيما يتعلق بالعقوبة المتعلقة بالجرائم الانتخابية و السياسية، ولكن السياسيين في المجلس التأسيسي رفضوا ذلك وفكروا بمصالحهم أكثر من المصالح العليا لتونس».
لكنه يستدرك بقوله «عندما ننظر لانتخابات 2011 فإن رجال أعمال استعملوا كما هائلا من المال ولكن لم يتحصلوا سوى على مقعد واحد في المجلس التأسيسي، بمعنى أن الفئات الهشة في تونس تستغل هذا الظرف للحصول على الأموال ولكن عند الدخول للخلوة قد يغيّر التونسي رأيه في اللحظة الأخيرة وهذا ما حدث في الانتخابات السابقة».
فيما يذهب الصيداوي بعيدا عبر اتهامه لقوى خارجية (عربية ودولية) بالتدخل في العملية الديمقراطية في تونس، مشيرا لوجود مخاوف حقيقية من «لبننة تونس» وبالتالي تصبح مرتبطة ماليا واستراتيجيا وسياسيا بدول خارجية (على اختلاف الوضع الديموغرافي والطائفي بين لبنان وتونس)، كما يحذر أيضا تدخل رجال الأعمال التونسيين في العملية السياسية سواء عبر الترشح في بعض الأحزاب الكبرى كالنهضة ونداء تونس أو دعم بعض الأحزاب الأخرى.
حسن سلمان
طبعا هناك قوي رأسمالية تونسية ترى مصلحتها في هذا الحزب أو في ذلك الحزب وتحاول دعمه كي يصل إلي الحكم وكذلك قوى سياسية أجنبة ترى في بعض الاحزاب من يمثل سياستها العالمية وتحاول دعم هذه الاحزاب ماديا المسألة هي وعي الاحزاب واعية هل الاحزاب واعية ومحسنة محسنة بالمعرفة والحكمة وليس من إبتسامة دولة غربية ورجل أعمال تفقد الاحزاب توازنها