توني بلير نبيًّا!

بعد أقل من أسبوعين على استقالته من رئاسة اللجنة الرباعية، أعلن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير أنه سيتولى مسؤولية دولية أخرى: رئاسة المركز الأوروبي للتسامح والمصالحة.
واضح أن الرجل وافر الحظ ولم ينتظر طويلا أو يضيّع وقتا لينقضَّ على منصب دولي جديد يبقيه في الواجهة العالمية ويدر عليه مزايا وأموالا لا يعلمها إلا هو ومن يغدقون بها عليه.
المركز الأوروبي للتسامح والمصالحة هو هيئة غير حكومية تتولى، نظرياً، ترقية التسامح والتعايش بين الإثنيات والأقليات في الدول الأوروبية. مهمته أيضا مساعدة الحكومات على محاربة العنصرية وما يسمى معاداة السامية بالأدوات القانونية والتعليمية والثقافية. أُنشئ في 2008 بمبادرة من رجل الأعمال والناشط الروسي الإسرائيلي فيتشلاف موشيه كنتور، وتولى رئاسته أول مرة الرئيس البولندي السابق ألكسندر كواسنفسكي. يضم في عضويته رؤساء حكومات ومسؤولين سابقين بينهم الإسباني خوسيه ماريا أثنار. بيد أن الانتماء لدول أوروبا الشرقية يغلب على قائمة الأسماء البارزة فيه.
شيء جميل يستحق الثناء والمباركة لولا بعض علامات الاستفهام، أبرزها حول كون رئاسة هذا المركز مُنحت إلى رجل يداه ملطختان بدماء ودموع مئات آلاف الضحايا في أكثر من مكان من هذا العالم، اسمه: توني بلير.
هناك مستويان من النقاش حول هذا المركز، بلير ورئاسته أحدهما.
الأول أن هذا المركز مثير للريبة نَفَسَه يميل نحو تشجيع ما هو سائد وتكريس المكرّس، أي المضي في اعتبار اليهود ضحايا العنصرية ومعاداة السامية، وغيرهم ـ المسلمون بالذات ـ مذنبون وفي أفضل الأحوال ليسوا ضحايا. وهذا لم يجرؤ أصحاب المركز على الجهر به.
ليس اكيداً ان القائمين على المركز، وخصوصا بلير، سيتوقفون عند الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الكراهية والتطرف في أوروبا. وليس اكيداً أنهم سيقرّون بوجود ثنائية السبب والنتيجة: تشتعل الحروب والمظالم في آسيا أو الشرق الأوسط، فتنعكس أعمالا انتقامية في أوروبا. والحبل على الجرار منذ نحو عشرين سنة.
صحيح أن هناك مشاعر عداء وكراهية مستفحلة في أغلب البلدان والمجتمعات الأوروبية، من نتائجها زحف اليمين المتطرف في الانتخابات. هذا كل الناس تقرّ به. لكن الأصح أيضا، وهذا ما ينكره كثيرون في أوروبا، أن هذه الكراهية والمشاعر السوداء لا تطال فئة أو إثنية دون أخرى. بل قليلون يمتلكون شجاعة القول إن المسلمين باتوا أكثر عرضة للاضطهاد من اليهود. بأي حق تهان سيدة مغربية أو تركية في أحد شوارع باريس فقط لأن أبو بكر البغداي قتل رهينة ياباني أو سويسري هناك في إدلب أو الرقة؟ المجتمع أو الفرد الذي يمزج بين هاته وتلك ويعاقب هاته بجريرة تلك، يعاني حتما من خلل فادح ويحتاج إلى معالجة.. فهل بلير هو المعالج المناسب؟ مستحيل! لأن جرائمه يصعب أن تسقط بالتقادم وستلاحقه بأكثر من طريقة واسلوب.
إن العقل والمنطق يطرحان بإلحاح أسئلة عن مصدر هذه الثقة التي شجعت على اقتراح اسم بلير ثم منحه رئاسة المركز الأوروبي للتسامح والمصالحة. لا بد أن الذي اختاره يرى فيه نبيّ سلم ومصالحة وتسامح، ميزات لا يراها الآخرون، بل قد لا يراها حتى بلير ذاته في نفسه.
كتب بلير وموشيه كنتور مقالا مشتركاً في صحيفة تايمز البريطانية يوم الخميس يشرح دواعي وجود المركز ومنها، وفق المقال، استفحال الكراهية والعنصرية بشكل كبير. أقل ما يجب قوله عن المقال هو أنه بلا ذاكرة، لأنه تعمّد عدم الذهاب أبعد من العام الماضي ولم يستشهد بغير جرائم داعش كسبب ولم يعتبرها نتيجة.
كما نحى المقال المنحى ذاته الذي يعتبر اليهود وحدهم ضحايا الآخرين. صحيح لم يذكر ذلك بصحيح العبارات، لكنه ساق ما يكفي من الأمثلة التاريخية لتصل الرسالة، وقد وصلت.
من سخرية القدر ان بلير الذي أنجب داعش بدبلوماسيته الحمقاء والعنصرية، وتبعيته العمياء للرئيس جورج بوش الإبن، يدّعي اليوم محاربتها فكريا.
ربما يفيد التذكير بأن بلير، وبعد استقالته من الحكومة وحزب العمال في 2007 وتركهما خرابا في يد خلفه غوردن براون، لم يتأخر ساعة واحدة في تقديم النصح والاستشارة، مقابل اموال طائلة، لحكومات سجل أغلبها الحقوقي والإداري بائس بينها فيتنام، وبيرو، ومصر، وكازاخستان، والكويت، وكولومبيا، والبرازيل، وبورما، وجنوب السودان، ومنغوليا، وسيراليون، وراوندا، وليبيريا وغينيا. كما يعمل مستشاراً، غير معلن، لحكومات وجهات رسميّة في مصر، والإمارات، والسعوديّة، ورومانيا، وتايلاند، وهونغ كونغ والصين.
هل يجب القول إن هذه النصائح والمشورة، وهي تُقدّم لأنظمة قمعية، تولِّد بشكل أو بآخر تولد الكراهية والتطرف؟
القاسم المشترك في الصفقات مع الحكومات المذكورة، إضافة الى صفقة المركز الأوروبي للتسامح والمصالحة، هو السرية، ما يعني أن أحد الطرفين لديه ما يخفيه أو يخيفه.
مع المركز الأوروبي ذُكر ان بلير لا يتقاضى أجراُ محدداً، بل مبلغا سنويا يحوّل إلى «مؤسسة الإيمان» التي أنشأها ويديرها والتي تقدم الاستشارات.. الى طغاة أمضى بلير أربعة عقود في السياسة يدّعي محاربتهم والحد من شرورهم.
صاحب نظرية الطريق الثالث في السياسة، اختار طريقا واحدا هو جمع ما أمكن من أموال تضاف إلى ثروته من تجارة العقارات شراكة مع زوجته شيري بوث.
٭ كاتب صحافي جزائري

توفيق رباحي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول د0عطوة0ايلياء:

    كان بلير واسمه قلت فيه بالانجليزية توافق اسمه اللفظ لا تكذب
    كان من اشد المشجعين على غزو العراق وكان ممن روج لامريكا ان خروجها من ازمتها مرهون بغزو العراق وحسب ادعاءه ان العراق غنى بموارده الاكثر فى الدنيا حسب ادعاءه وكان لسان حاله يقول هيا هيا نلحق النهبة قبل فوات الاوان يستحث ليس جيش بلاده يستحث الثور الامريكى بوش بكذبة هم اول من بين انها غير حقيقية اسلحة الدمار الشامل فبعد غزو العراق اجمعوا انها غير صحية وانها من وحى خيال صهيون بعد تدمير العراق بناء وانسا ن ودولة وحضارة وتزايد ازمتهم تفاقما لان سببها الديون الراس مالية للبنك الدولى الذى يمتلكه روتشيلد الصهيونى وجرائم صهيون يتهم بها الاخرون العنصرية واساسها التاريخى ينبع من مقولة
    يا بنى اسرائيل انا فضلناكم على العالمين وكل جرائم صهيون يتهمون العالم بها وانهم ضحيتها من اراد معرفة اللاسامية الحقة عليه زيارة الكيان ويبحث حياة يهود الشرق فيه ليرى ان الكيان اشد الناس معادات لسام ونسله والسلام على من اتبع الهدى0

  2. يقول خليل ابورزق:

    مقال ممتاز اتمنى ترجمته الى الانجليزية و الالمانية و الفرنسية و نشره على اوسع نطاق

  3. يقول ملاحظ:

    من نسي جرائم الحرب التي شنها توني بلير على العراقيين ؟ من نسي دعمه لبوش لترويج الأكاذيب وتجويع الشعب العراقي ؟؟ أليست هذه الأكاذيب والجرائم بحق الشعوب كفيلة بمحاكمة بلير وبوش؟ ما أتفه تاريخنا !!!

إشترك في قائمتنا البريدية