«ثورة» الإسلاميين ليست ثورة إسلامية

حجم الخط
5

هو نقاش الخاسرين: ماذا قدم العلمانيون للثورة السورية، أو ماذا قدم لها الإسلاميون؟ لولا خسارتهما، ربما كان، بدلاً من النقاش، حرب هدفها التفرد بالسلطة وإقصاء الآخر. أما وهو نقاش نظري، فقد يكون مفيداً إذا تم خوضه بنية التعلم، لا بنية المماحكة والقتال على ركام ثورة وخرابها. ولكي يكون مفيداً يجب أن ينظر كل طرف في المرآة، ويسائل نفسه قبل الآخر: ماذا قدمت أنا للثورة السورية، أو ماذا فعلت بها؟
لكنهما لن يفعلا، ما دام الأمر يتعلق بصراع على السلطة، مهما ابتعد هذا الهدف بفعل الخسارة البينة. فما زال، في الصف المعارض، «سلطة» ما تطمح لتحديد معاني الكلمات وكتابة التاريخ على أقل تقدير، إن لم يكن بقايا «وجاهة» ومنافع تافهة.
واضح من مضمون السجال الدائر أن هناك ثورتين على الأقل، لا واحدة متفق عليها. وما دام الأمر كذلك، فصحيح أن العلمانيين لم يقدموا شيئاً لثورة الإسلاميين، وما كان لهم أن يقدموا. ولا قدم الإسلاميون شيئاً للثورة السورية، ولا كان لهم أن يقدموا. بل حاربوا كل قيمها، قالوا إن الديموقراطية كفر، وحكموا في مناطقهم «المحررة» بالحديد والنار، وحاربوا حرية الفرد وكرامته، عمادا الثورة السورية ومعناها. أعمتهم السلطة وأسكرهم التحكم بالبشر وكفروا بكل التراكم المتحقق في الحضارة الإنسانية.
ولكن مهلاً، عن أي «إسلاميين» نتحدث؟ عن الإخوان المسلمين، أو التيار الإخواني الذي يظهر في شخصيات ومجموعات وأحزاب كثيرة مموهة، أم عن المجموعات السلفية الكثيرة بدورها، أم عن السلفية الجهادية بمنظماتها المتحاربة فيما بينها؟ ذلك أن الإسلام السياسي، بمختلف أنواعه، ليس بالإيديولوجيا التي تتقبل التنوع والتعدد. وكل مجموعة تعتبر نفسها «الفرقة الناجية»، وتكفّر أخواتها، الأمر الذي لا يسمح بالحديث عن أنواع مختلفة من «الثورة الإسلامية» يمكن المفاضلة فيما بينها. فلو أن المجموعات الإسلامية المنخرطة في الصراع السوري اتفقت، فيما بينها، على مفهوم واحد لتلك الثورة، ومرجعية واحدة، لكان من الممكن وضعها في مواجهة الثورة الأخرى التي يدافع عنها معارضون غير إسلاميين.
أما واقع الحال فهو وجود فاعلين سياسيين كثر، بعضهم مسلح، يعتنقون إيديولوجيات متنوعة، منها إسلامية ـ بطبعات مختلفة ـ ومنها غير إسلامية. ولم تنكر القوى غير الإسلامية على الإسلاميين حقهم في المشاركة في الثورة أو الحياة السياسية بصورة عامة، لكنهم يرفضون استخدام الإسلام لأغراض سياسية. فهذا مما يسيء للإسلام الذي ليس حكراً، كدين وثقافة، على الإسلاميين. للعلماني حصته من الإسلام، انتماءً وقراءة وتأويلاً، ولا يستطيع الإسلامي أن ينازعه في ذلك. كما أن عامة المسلمين، متدينيين وغير متدنيين، لا يجدون في الإسلاميين ممثلاً سياسياً لهم. فهذا هو الغش الأولي الذي يمارسه الإسلاميون: أي اعتبار المسلمين إسلاميين تعريفاً. معروف للقاصي والداني أن «أسلمة الثورة السورية» تمت بفعل فاعل، من الجهات الممولة التي باتت لها اليد الطولى، في مرحلة معينة من الثورة، ولم تكن تطوراً عفوياً بحكم إسلام أكثرية السوريين كدين متوارث ومستقر في المجتمع.
أبعد من ذلك: أزعم أن ثورةً إسلامية قامت في التاريخ مع الدعوة المحمدية، وخاضت تجربتها التاريخية إلى النهاية، وبقي منها جانبها الثقافي العام، هو الذي يمتح منه «إسلاميون» يريدون إضفاء طابع قدسي على مطامحهم السياسية المشروعة بذاتها. إن الحديث عن تكرار تلك الثورة التاريخية العظيمة، أو استعادة بعض جوانبها «المفيدة سياسياً» من قبل طامحين حديثين إلى السلطة، هو الذي يشكل أكبر الخطر على إرث تلك الثورة الأولى المنتهية. وما عاشته منطقتنا من تجارب «إسلاموية» في عصرنا هذا، لم ينتج عنها غير الخراب والخسائر لمجتمعات المسلمين.
الإسلام السياسي الذي انتعش في أعقاب انحطاط الإيديولوجيا القومية، يمر اليوم بأزمة عميقة نرى تجلياتها في غير مكان: من إيران «الجمهورية الإسلامية» إلى السودان، إلى تركيا العدالة والتنمية، إلى حركة حماس الإخوانية، والتجربة الإخوانية القصيرة في السلطة في أعقاب الثورة المصرية، وصولاً إلى أقصى ما ذهب إليه الإسلام الجهادي في تجربة «الدولة الإسلامية» (داعش). وهي ليست بحال أزمة نمو، بل أزمة تحلل وتفسخ. وربما إحدى المهمات المطروحة على مجتمعاتنا اليوم هي تحرير الإسلام، ديناً وثقافة، من الإسلاميين.
بدلاً من أن يقوم الإسلاميون بالتأمل في تجاربهم السياسية الممتدة منذ السبعينيات إلى اليوم، بعين النقد وإعادة النظر، يحاولون تحميل الآخرين مسؤولية فشلهم المتكرر وفي كل مكان. بدلاً من أن يتركوا الإسلام لحاله وأهله، يصرون على استثماره لمصالحهم الدنيوية الضيقة، إلى درجة تحول فيها «الإسلام» إلى مشكلة عالمية، يواجهها أقوياء العالم بالنار والحديد.
التيار الإخواني بالذات يمارس التقية، كشكل من أشكال العمل السياسي، وعينه دائماً على السلطة. لا تهمه ثورات الحرية والكرامة، إلا بقدر ما تشكل سلماً يتسلقونه إلى السلطة. ولذلك تراهم خاسرين دائماً، لأن من يريد السلطة عليه أن يخاطب القلوب والعقول، بغير تقية، بل بقلب مفتوح، على الأقل حين يكون في المعارضة، وإلا فلا مصلحة لأحد في مساعدتهم على الوصول إلى السلطة.
بدلاً من السؤال عما قدمه العلمانيون للثورة، السؤال الصحيح هو ما الذي فعله الإسلاميون بالثورة السورية؟

٭ كاتب سوري

«ثورة» الإسلاميين ليست ثورة إسلامية

بكر صدقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسن:

    لماذا هذا التلاحي وقد انتصرت روسيا على الجميع ، وخدعت أميركا الجميع، وتسيّدت الصهيونية الأجواء السورية فضربت الجميع وما زالت تضرب بمنتهى الوحشية؟ قولوا إنكم خسرتم لأن بعضكم تطلع إلى المكاسب قبل أن يقدم ماعليه من واجبات، وأن الانسياق وراء الآخرين كان أكبر كارثة. أسمع أن هناك بين الإسلاميين والعلمانيين اتفاقات مبدئية على القضايا العامة تم التوصل إليها في المؤتمرات البينية والغيرية منذ جنيف واحد، حتى الهزيمة صفر، فلماذا تتجاهلونها؟ ولماذا يتم التشهير بالأخر بدلا من دراسة أسباب الهزيمة؟
    بالتأكيد فإن القوميين والبعثيين والماركسييين وأشباهم لن يتقبلوا الآخر المسلم، انظلاقا من أن بعض الفصائل الإسلامية المصنوعة تهرف بما لا تعرف، وتشبه الدبة التي تقتل صاحبها، ولكن هل هذا يمنع من البحث عن حرية وطن وكرامة وطن، واستقلال وطن احتلته جيوش الأرض ومخابراتها؟

  2. يقول إلياس الجزائر:

    السلام عليكم..موضوع قيم و جريئ ووضع الإصبع على الجرح..كل من يستعمل الدين لمصالحه الضيقة،أو جهلا بروح الدين،يجعله الله عبرة لمن يعتبر،لأن الله غيور على دينه،فيسلط الكافر على الفاجر، ليس جزاء لتلاعبه بالأمانة..و الأمثلة أمامنا على المباشر..المسلم الحقيقي يجب أن يصدق في كل شيئ و لو أحرق بالنار،و الصدق نور و النور نعمة من الله يختص بها من يشاء من عباده إنه عليم بذات الصدور..كان الأجدر بمن ثار على الظلم أن يترك إستعمال الدين و ينأى بنفسه من غضب الله،و يتعاون الجميع (من علمانيين و ملحدين و غير متدينين،و مسيحيين و إزيديين إلخ كل أطياف المجتمع..)،بطرق حضارية و بصبر و ثبات،فمهما كثرت التضحيات فانصر لا بد منه لأن هذا من سنن الحياة..لكن التقية و النفاق و الخداع و حب السلطة و الحيل الشرعية!! إلخ تمثل سبيل الشيطان و كان الشيطان لربه كفورا.. و السلام على من إتبع الهدى..

  3. يقول فوزي رياض الشاذلي.......سوريا:

    شكرًا لكاتب المقال ، ولكن لي بعد الملاحظات. انه لمن التجني الحديث عن علمانين، في سوريا او في جميع الدول العربيه، كيف يمكن ان يتواجدوا في نظم اقلويه وطاءيفيه عفنه ارهابيه ، او قبليه بدائيه؟؟؟ان كانت هناك بعض القامات التي حاولت ملامسة الفكر العربي الاسلامي ومحاكته، فغالبيتهم كان مصيره المحاصره او حتى القتل ، ولنذكر على سبيل المثال علي عبد الرازق وطه حسين، وحسين مروه ومهدي عامل وفرج فوده ونصر حامد او زيد،واخرين، اما عن الاسلامين بكل اشكالهم وأنواعهم . وقد نكون نحن المواطنون، نحن الشعب من يتحمل مسوؤليه كبيره في مجاراة الوهم والخوف والعنف والظلم وقلة الادارة والدرايه الذي تمثله الاحزاب والحركات والشخصيات التي تتوهم بناء حضاره على دين ، وقد يكون خراب اوطاننا التي شاركت فيه هذه الحركات الاسلاميه مع الانظمه الاقلويه البدائيه ، المثال الاحدث لما أقول ، ويكفي ان نذكر ان معاويه وعبد الملك بن مروان هم رجال دوله ، ولم يكن الاسلام سوى يافطة تبرر تمسكهم بالسلطه، ولنا الحق ان نتساءل ان شكل وهيكل الخلافة ، لو كان الورع علي ابن ابي طالب هو الذي قبض على السلطة . وليكن بالعلم أني لا اشعر باي انحياز لهذا او ذاك

  4. يقول خليل ابورزق:

    اعطى الكاتب الكريم تفصيلا عن الاتجاهات او الحركات الاسلامية و لكن لم يعط تفصيلا عمن اسماهم العلمانيين. هل هم غير الاسلاميين؟
    الحقيقة ان معظم من صنفوا انفسهم قوميون او ماركسيون اصطفوا ضد الثورة و ان من انحاز اليها منهم كانوا افرادا بذاتهم.
    السبب بسيط:
    الفكر القومي و الماركسي مستوردان و كثير من المنتمين اليهما هم ببساطة من غير المقتنعين بالفكر الاسلامي فقط و دافعهم التمنيات و الاحلام على احسن الاحوال

  5. يقول إلياس الجزائر:

    السلام عليكم..قال الله تعالى: (” أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8)”).. و قال :(” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23)..”)..و قال (” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) ”)..(”قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) ”)..و السلام على من إتبع الهدى..

إشترك في قائمتنا البريدية