قرب نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، في قرية أشيقر السياحية (200 كم شمال غرب العاصمة الرياض) فتاة بتنورة قصيرة، تظهر جزءا من ساقيها وقميص قصير يظهر جزءا من بطنها، فيلم قصير مصور انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي يهز مجتمعا بأكمله، ويطلق حملة بحث وتفتيش عن الفتاة تقودها أجهزة الشرطة.
بالمقابل أمر القبض على الفتاة يثير حملة مناصرة عبر تصوير السيقان العارية تقودها ناشطات سريات يطلقن حملتهن على شبكات التواصل الاجتماعي، هل رأيت فانتازيا تصل هذه الحدود؟ شاب لم يرتكب أي فعل مناف للاخلاق، مشكلته الوحيدة وسامته وشعره الاشقر الطويل وملابسه التي حاول ان تكون مسايرة لأخر خطوط الموضة، لأنه كان يحلم بأن يكون نجما سينمائيا، قتله مجهولون ورموا جثته في مكب نفايات وسط العاصمة بغداد، فهل رأيت رعبا يصل هذه الحدود؟ محطات مترو الانفاق في العاصمة القاهرة، تخلو من المرافق الصحية وتعاني من نقص الخدمات وغياب النظافة وكتمة النفس، نتيجة نقص التهوية والزحام، فجأة يظهر فيها كشك لبيع الفتوى! اي والله، مجمع البحوث الإسلامية في الازهر يفتتح كشكا في محطة رمسيس المكتظة وسط العاصمة القاهرة يجلس فيه شيوخ بزيهم الازهري ليلجأ لهم من يحتاج الى فتوى، ولا يطيق صبرا للوصول الى البيت ليجد ما يحتاج من الفتاوى على شبكة الانترنت، على موقع جامعة الازهر مثلا، أو أي من مراكز الافتاء في العالم الاسلامي، أو على القنوات الدينية التي تزيد عن مئة قناة فضائية، فهل رأيت دروشة المجتمع عندما تصل الى هذه الحدود؟
لا أحد يعلم حتى الان الدافع وراء ما قامت به الفتاة السعودية خلود اليافعي، وهي كما توصف نجمة من نجوم مواقع التواصل الاجتماعي معروفة باسم (مودل خلود) التي اصطحبت مصورا معها ليصورها بملابس اعتبرت فاضحة في مجتمع محافظ مثل المجتمع السعودي، وقد صور الفيديو في القرية التراثية بأشيقر لتتفجر الازمة ولتعلن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على اثرها، أنها رصدت مقطع فيديو لفتاة بلباس مخالف، يتداول عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأعلن المتحدث باسم فرع الرئاسة العامة للهيئة بمنطقة الرياض الشيخ محمد بن إبراهيم السبر، أن الهيئة قامت بإجراء ما يلزم حيال هذه المخالفة والتنسيق مع الجهات المختصة في ذلك، حيث تم اعتقال الفتاة والتحقيق معها، ورغم الافراج عنها دون اي ايضاح او تفسير لما تم، إلا ان الأمر أثار موجة وصفت بأنها انتفاضة في وسائل التواصل الاجتماعي في السعودية، حيث أطلقت ناشطات مجهولات أو يحملن اسماء ربما تكون وهمية، مثل إيمان العتابي التي قادت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي «سناب شات» و»تويتر» وأطلقت هاشتاغ (حملة تصوير السيقان) «تضامنا مع خلود، وتحديا للتقاليد المحلية ومناصرة لحقوق المرأة».
وحسب كثيرين، لقيت الحملة مجهولة المصدر، التي تدعو الفتيات لتصوير سيقانهن ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، انتشارا واسع النطاق وجدلا كبيرا في المملكة. وعادة ما تتصدر ناشطات سعوديات معروفات يكتبن بأسمائهن الصريحة الحملات المدافعة أو المتضامنة مع نساء المملكة، فيما تغيبن هذه المرة بشكل كامل عن حملة كشف السيقان، التي تعد مخالفة لعادات وتقاليد محافظة ومستمدة من الشريعة الإسلامية المطبقة في البلاد. وربما يكون الداعية السعودي المستنير احمد الغامدي قد لخص الازمة التي هزت المجتمع السعودي في كلمات قليلة، عندما غرد على حسابه في تويتر، حيث وضع صورة خلود اليافعي وكتب قائلا؛ «هذه الصورة ستكون مستفزة جداً أكثر من فساد الصحة وضعف التعليم، وعرقلة المشاريع وأزمة الإسكان والحقوق المسلوبة، تنورة واحدة ستزلزل مجتمعا كاملا».
أما الشاب كرار نوشي الطالب الذي درس الفنون المسرحية، والذي عمل ممثلا هاويا في قطاع السينما والمسرح في بغداد، وكان طموحه كبيرا ان يكون نجما، حيث تميز بجمال رجولي وشعر اشقر طويل منسدل على كتفه، يتشبه من خلاله تصفيفه بنجمه المفضل براد بت، هذا الشاب البعيد عن التطرفات الدينية والسياسية، التي تعم المجتمع العراقي، والمتحدر من عائلة فقيرة جدا دفعته للكدح في أعمال البناء ليوفر ما يمكنه من مواصلة دراسته وهوايته، تعرض لحملة مسعورة على صفحات الفيسبوك، وتم التشهير به والطعن بأخلاقه، والاشارة الى انه مثلي الجنس، وكل تلك الاتهامات نفاها الاصدقاء والمقربون من الشاب الذي وجدت جثته بعد ايام من اختطافه وعليها اثار التعذيب والكدمات، إضافة الى العديد من الطعنات، نهاية الحلم كانت جثة ملقاة في مكب للنفايات في شارع فلسطين وسط العاصمة العراقية بغداد، ومع كل الحملات الاعلامية التي اثيرت حول الجريمة، ومتابعة جهود الاجهزة الامنية من قبل وسائل الاعلام، لم تعلن الشرطة حتى الان، وبعد مرور اسبوعين على الحادث، عمن ارتكب الجريمة، بينما تشير اصابع الاتهام الى ميليشيات متشددة تحركت مع اول اتهام للشاب بالمثلية، لتطبق بشكل اعمى عقوبة القتل بحقه، ميليشيا تسرح وتمرح في مجتمع انتهكه الساسة الفاسدون، وسرقوا ونهبوا ودمروا وباعوا للارهاب ثلثه، دون ان يرف لهم جفن، وكل ذلك لم يحرك ضمائر المليشيات الدينية، لكن سكاكينهم تحركت بسرعة البرق لتنهش جسد شاب متهم زورا بالمثلية.
ولان التفنن في (سوق التدين) لا يقف عند حد فبعد المواقع الدينية والقنوات الفضائية الدينية وشركات المحمول التي تبيع الرنات الدينية والادعية والاذكار، ظهرت على الساحة اكشاك الفتوى في قاهرة المعز. الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية في الازهر الشريف محيي الدين عفيفي ادلى بتصريحات صحافية في هذا الشأن قائلا «إن هدف أكشاك الفتوى في مترو الأنفاق هي حماية المواطنين من المتشددين والتكفيريين». واضاف «أن الهدف من هذه الأكشاك، مواجهة فوضى الفتاوى المغلوطة باسم الدين، ومواجهة الفكر المتطرف الذي يتعسف في تفسير النصوص الدينية، والالتحام بالجماهير، وقطع الطريق على أدعياء الدين». وهنا لابد ان نسأل وكيف يتم ذلك؟ ليكون جواب الازهر كما في كل مرة يتم الحديث فيها عن تجديد الخطاب الديني «ان الناس تأخذ فتاواها من الزوايا والجوامع الصغيرة في الاحياء، ومن مشايخ قد يكونون متشددين أو غير مؤهلين للفتوى اصلا، لانهم لم يدرسوا في المعاهد والجامعات الدينية الرسمية، أو قد يأخذ الناس معلوماتهم من الفضائيات المتشددة التي غزت الساحة الاعلامية».
وهنا لابد ان نسأل، هل يلجأ الناس لهذه الاكشاك؟ ولماذا؟ وعن اي شيء يستفتون؟ ويجيب الشيخ أحمد رمزي احد المفتين في كشك محطة رمسيس «معظم القضايا التي يطرحها الجمهور عميقة ومؤثرة في حياة الكثيرين»، مضيفا أن «الإقبال على لجنة الافتاء كثيف، إذ يزيد ما يعرض علينا يومياً عن ثلاثين فتوى، ويطلب بعض أصحابها الحصول على فتواه مختومة بختم الأزهر».
من جانبه يرى الدكتور عمار علي حسن، أستاذ علم الاجتماع السياسي، إن فكرة الالتقاء بالناس او النزول لهم عبر تجربة الاكشاك هي «طريقة تقليدية عفا عليها الزمن، وعلى المؤسسة الدينية اتباع أساليب أكثر حداثة للوصول إلى عموم الناس». وأضاف في لقاء مع تلفزيون BBC أن «التنظيمات الإرهابية لم تعد تعتمد في الغالب على علاقات الوجه للوجه لنشر أفكارها، بل باتت تعتمد كثيرا على الوسائل الأحدث، خصوصا في تجنيد الشباب، كشبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الجهاديين على الانترنت باتت امرا معروفا في هذا الشأن». وأشار إلى أن محاربة الفكر المتطرف تأتي من خلال «زيادة جرعة الثقافة والوعي والتفكير العلمي في مناهج التعليم بمصر، والوقوف بوجه فوضوية وعبثية وسائل الإعلام المليئة بالغث الذي تقدمه للجمهور».
ان المشكلة الحقيقية التي تعاني منها مجتمعاتنا المأزومة اليوم هي الربط الزائف بين الاخلاقي والديني بطريقة غير منطقية لا يمكنها تفسير ظاهرة ازدياد الانحلال والتفكك الاخلاقي، مع كل الانتشار الشكلي لمظاهر التدين في مجتمعاتنا، فمع انتشار التشدد في تطبيقات التدين من انتشار مظاهر الاسلمة، مثل الحجاب واللحى والجلابيب وارتياد أماكن العبادة، الا اننا نجد ان الغش والسرقة وعدم الالتزام والتحرش الجنسي وازدياد حالات القتل والاغتصاب تتزايد بشكل مرعب في مجتمعاتنا، فإذا كان تديننا لا يحد من التردي الاخلاقي الذي تعيشه مجتمعاتنا، فعن اي دين نتحدث؟
كاتب عراقي
صادق الطائي
لا فض فوك استاذ صادق.
تحيه للأستاذ صادق
عباره (تجديد الخطاب الديني) عباره فضفاضه جدا وحماله وجوه وتفاسير عديده،إذا لم يتفضل علينا أحد من مطلقي هذه الدعوه إلى تبيانها بشكل مبسط و واضح ومفهوم للجميع.
هناك تساؤلات تحتاج اجابات من أصحاب الرأي والإختصاص،،فمثلا:
ما هو الجانب أو الجوانب التي تتطلب أو تحتاج التجديد ولماذا؟ ؟ ومن هي الجهات المختصه التي يعول عليها للقيام بهذا التجديد؟ ما هي المعايير التي سيقاس بها وعليها هذا التغيير والتجديد؟ وما هي حدود هذا التجديد؟أم أنه لا يقف عند حد معين ليشمل مجمل الخطاب الديني؟
هذه بعض الأسئله والتي أرجو أن أجد اجابات عليها،،فلقد أصبح من الصعب جدا تقبل أطلاق مثل هذه الدعوه بشكل متكرر بدون أن تكون هذه الدعوه واضحه المعالم.
تفضلوا بقبول فائق الاحترام