ثورية أمريكا ورجعية «ثوارنا»…

حجم الخط
13

ما زال بعض»الثوريين» يعتبر أن شتم أمريكا هو أعلى مراحل الوطنية، ويكتفي بالقول إنه لا يقف حيث تقف أمريكا إثباتًا لوطنيته، ولا يلبث أن يبدأ بسرد تاريخ وجرائم الأمريكيين منذ الهنود الحمر إلى غوانتانامو مرورًا بملجأ العامرية والدعم المطلق لإسرائيل في مواجهة حركات التحرر في العالم.
كل ما قيل ويقال عن همجية أمريكا في تعاملها مع الشعوب الطامحة للتحرر صحيح. ولكن يجب أن نرى الوجه الآخر لأمريكا والوجه الآخر للأنظمة التي تدعي العداء لأمريكا، يجب أن نرى أن رجلا أفريقيًا من كينيا هاجر إلى أمريكا في مطلع الستينيات من القرن الماضي، وبعد أقل من خمسة عقود إنتخب ابنه المدعو باراك حسين أوباما رئيسًا لأعتى قوة في التاريخ البشري، هذه الثورية ربما لا تعادلها ثورية في مكان آخر من العالم بغض النظر عن سياسة أمريكا الخارجية، وهنا يحق لنا أن نتساءل وخصوصًا لرافعي لواء القومية والمتاجرين بها، هل يمكن لمهاجر عربي إلى قُطر عربي آخر أن يحلم بهكذا منصب في بلد عربي شقيق! بل هل يستطيع أن يمحو عن نفسه كنية أو صبغة اللاجيء أو الغريب أو الدخيل بعد خمسة عقود؟
صحيح أن جرائم أمريكا بحق الشعوب أكثر من أن تحصى، وهي مستعدة لخوض حروب مدمّرة لأجل مصالحها، هذا يعرفه كل طفل، ولكن ألا تعيش المنطقة العربية حالة استنزاف ونهب لثروات شعوبها من قبل الأنظمة نفسها!
صحيح أن أمريكا أقامت سجن غوانتانامو وهذا أمر وحشي وهمجي، ولكن ألا يعج وطننا العربي بالسجناء السياسيين أضعاف ما يوجد في غوانتانامو، بل ويُعدم الكثيرين منهم في ظروف لا يدري بها أحد!
نحن الذين نتحدث عن التحرر والنضال ضد الإمبريالية والصهيونية،هل تتمتع شعوبنا بحرية التعبير والإبداع والنقد بدون أن توجه تهمٍ جاهزة لها مثل التكفير والردة من قبل بعض الأنظمة أو التآمر والخيانة على مصلحة واستقرار الوطن لدى أنظمة أخرى؟! هل استقرار الوطن ومصلحته تعني أن لا تتنفس إلا في مدح الحاكم كي تضمن طعامك وشرابك بلا تفكير نقدي لما يدور حولك في كل مجالات الحياة؟!
لو فتحتْ أمريكا وغيرها من دول الغرب أبوابها للعرب لرحلوا إليها بعشرات الملايين! ألا يعني هذا أن هناك من جعل الوطن العربي جحيمًا، ألا يعني هذا أنه لا شأن لأمريكا ودول الغرب في قذاراتنا الداخلية، سوى أنها تستخدم للتغطية لإستمرار هذه القذارة؟!
أليست أنظمتنا هي التي تدفع المواطن لركوب البحر والمغامرة في وسائل بدائية، وقد يقضي بعضهم غرقًا كي يهرب من جحيم وطنه إلى دول الكفر والدول المتآمرة علينا!
لماذا لا نرى أوروبيين أو أمريكيين يهاجرون إلى بلاد العرب هربًا من حكامهم مصاصي دماء الشعوب والعنصريين؟! لماذا لا نرى أسرًا أوروبية تترك بلادها وتأتي إلينا، بينما ملايين الأسر العربية موجودة هناك؟! لماذا يضيق العالم العربي بأهله، ومعظم العواصم العربية تعيش أزمات سكنية،علمًا أن العالم العربي أكبر مساحة من الولايات المتحدة والهند مجتمعتين، وثرواته لا تقل عن ثروات أمريكا! لماذا أصبحت أمريكا «الولايات المتحدة الأمريكية» بينما التفكير بـ (ولايات متحدة عربية) يعتبر ضربًا من الوهم والخيال، وقد يعتبر خيانة وطنية في بعض الأقطار العربية!
قبل أسابيع قرأت خبرًا أن محكمة أمريكية حكمت لرجل مسلم من أصل تونسي بمليون ونصف المليون دولار تعويضًا، بعدما أثبت محاميه أنه عانى من التمييز بسبب لحيته وشكله الخارجي!
لو طرد عامل عربي في أي قطر عربي من العمل بسبب لحيته أو شاربيه وسالفيه أو لأنه علق صليبًا أو أي شارة دينية أخرى في عنقه، كم يساوي هذا المواطن في قضائنا؟!
كم عالم وباحث عربي هاجر إلى أمريكا وبلاد الغرب لأنه لم يجد في بلده من يحتضن موهبته ويقدّرها ويرعاها ويفجّر قدراته وطاقاته! ما هو العرض الذي قدمته الحكومة المصرية للعالم أحمد زويل كي تغريه بالبقاء في بلاده في حينه؟! مدير مدرسة ثانوية!!
وطنية شتّامي أمريكا تشبه وطنية تشاوشيسكو في رومانيا وأنور خوجة في ألبانيا وكيم جونج في كوريا الشمالية الذين امتصوا دماء شعوبهم وحالوا بينها وبين حريتها بينما هم يحذرون الشعب من مؤامرة عالمية على الوطن، هؤلاء جاهزون لتوجيه تهمة العمالة والخيانة لكل من تسوّل له نفسه أن ينتقد حكمهم! والكارثة أن هناك قطعانًا رددت معهم خوفًا أو طمعًا نظرية المؤامرة!
يرفع بعض المثقفين العرب في دفاعهم عن النظام السوري الشعار السخيف «لا أقف حيث تقف أمريكا». وينسى هؤلاء أنهم يقفون حيث وقف تشاوشسكو وأنور خوجة والقذافي وموسيليني وفرانكو وحيث يقف الآن بشار الأسد وتنظيمات داعش والنصرة التي تقتل الأبرياء وتذبح الثورة.
الوطنية ليست بشتم الإمبريالية واتهامها بسلب حريتنا بينما نحن نحكم شعوبنا بالحديد والنار.
الوطنية ليس بشتم الإمبريالية التي تمتص خيرات بلادنا بينما نحن أول المعتدين على المال العام دون رقيب أو حسيب.
الوطنية ليست تعصبًا أعمى لشخص أو حزب أو نظام أو عقيدة على حساب تنمية وتربية أجيال على الثقة بالنفس والتسامح مع الآخر المختلف، سواء كان مختلفًا في الحزب أو الدين أو المذهب أو الجنس أو العرق أواللون أو الطبقة الإجتماعية أو القبيلة.
الوطنية هي في الحفاظ على حقوق العامل والموظف، وليس فقط حقوقه التي تكفل له العيش المادي بكرامة، بل أيضًا حقه في عقيدته وقناعاته ومبادئه السياسية والدينية دون مضايقته.
الوطنية هي أن يكون كل الناس متساوين أمام القانون من أكبر زعيم إلى عامل النظافة، والشعور بأن القانون يحمي الضعفاء حتى لو كان غريم أحدهم هو حاكم البلاد نفسه.
الوطنية تعني أن الشعب والوطن هو الذي أنجب الزعيم والقائد والرئيس والوزير والموظف الكبير، وليس الحكام هم الذين أنجبوا الوطن والشعب. لو راجعنا أنفسنا لوجدنا أن الكثير الكثير جدًا من القيم الثورية والإنسانية الراقية نجدها لدى الإمبرياليين وفي بلاد «الكفر»، بينما نجد الكثير من القيم العفنة لدينا مغلفة بشعارات ثورية ووطنية تارة ودينية تارة أخرى لدى حكامنا أو لدى بعض الذين يطمحون لأن يكونوا حكامنا..

سهيل كيوان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول شادي+ الدنمارك:

    صدقت. ينقصنا في العالم العربي نقض الذات . في أوروبا عندهم النقد البناء لتحسين الأداء ولا للتهميش.

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    أحسنت يا أستاذ سهيل
    جميل جدا جلد الذات
    ولكن هل نبرئ زعمائنا المحنطين من المشاركة باءنحطاطنا

    الحرية يا أستاذ وليس غيرها من سيغير المعادلة
    لذلك زعمائنا لها بالمرصاد – وفهمك يكفي

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول ﻣﺎﻳﻚ:

    كل واحد لا يعلم علم اليقين ان هذه الانظمة لا يمكن لها ان ﺗﺒﻘﻰ يوما واحدا بدون رضا ودعم امريكا فهو اما انسان ساذج او متواطئ. كل الذي تحدث الكاتب عنه في ذم هذه الانظمة هو اوامرﺍامريكية لخدامها حكام العرب. كلنا يعرف عندما زار كولن باول وزير خارجية امريكا السابق دمشق ورأى لباس المدارس وشرطة المرور باللون الخاكي أمر بتغييره للون الأزرق.. انظر ماذا فعلوا بصدام حسين عندما قرر ان يبتعد قليلا عنهم و يحسن بلده مذا فعلوا به.ومرسي مثال آخر.

  4. يقول د.خليل كتانة-قائد كتائب مثقفي الشعراوية-فلسطين:

    ***** صهيب الرومي و سلمان الفارسي *****

    أخي الحبيب سهيل: التاريخ هو مرجع. إن لم نتدبر القرآن. جاء رسول كسرى يسأل عن خليفة رسول الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقالوا له رأيناه يمر من هنا قبل هنيهات باتجاه نخلة يجلس تحتها هناك؟ ذهب رسول كسرى ووجد سيدنا عمر يتوسد خفيه نائمآ عليها. فوكزه برمحه وأيقظهغير مصدق بأنه رأس الدولة ، سائلآ إياه إن كان أمير المؤمنين كما قيل له أم لا؟ أكد سيدنا عمر. ولم يكن معه هوية ولا جواز سفر؟ لكن من جاء مع رسول كسرى للدلالة على سيدنا عمر بدل بطاقة هويته أو جواز سفره. أثبت أنه عمر بدلالة مفتاح بيت مال المسلمين يتدلى في عنقه؟ فقال ذلك الرسول الفارسي: يا أمير المؤمنين: حكمت، فعدلت.فأمنت. فنمت. أشهد ان لا إله إلا الله. محمدآ رسول الله. كسرى عدو نفسه وعدو الله. وما عاد لايران ولا لبلاط كسرى أبدآ.. عندما كان المسلمين يعولمون العالم بعدلهم وعلمهم ، لا براقصاتهم . كان عرينهم ملجأ لمن هم من الاحرار من الطيور المهاجرة.ومن صبر وتحمل مثلكم. فاز وظفر. ومن هم مثلي (طفش أخاه) وهو ( على صبر وفيه جلد طفر) وما هاجر. كما هي اليوم طبورنا الجميلة تهجر مزارع صهيون في الاوساط الأعرابية والمسلمة. والتاريخ دولاب دوار. فلا تقلق ولا تحتار.
    د. خليل كتانه-قائد كتائب مثقفي الشعراوية
    فلسطين[email protected]

  5. يقول على إبراهيم:

    أحى الأستاذ سهيل على تناوله لهذا الموضوع وخوضه مستنقعا أعتبره من بين المسكوت عنه طواطؤا وجهلا. إنه الداء العضال الذى أعاق هذه الأمة وأقعدها (نظرية المؤامرة)..
    جمهور هذه الآفة (متآمر ومتآمر عليه) فهى تكرس منطق الضحية السمج ” الآخرون هم دائما أشرار أقوياء ونحن مسالمون ضعفاء”. ” ضعفنا وتخلفنا هوأيضا بسبب الآخروليست من مسؤليتنا أوبالضرورة نتيجة أخطاءنا نحن فنحن لانخطىء (شماعة) “. ” وهى تتيح للمجرم الحقيقى الإفلات من العقاب” والمحصلة من كل ما تقدم تبرير أخطاءنا وإستمداد شىء من الإتزان وراحة للنفس. المفارقة ونحن نشهد إرهاصات زوال عالمنا العربى بفعلنا الذاتى المحض مانزال نجد من يبرر للشتامين الخبثاء المتآمرين حقا خطاياهم.

  6. يقول د. احمد الفحماوي:

    الكاتب والاديب الفلسطيني سهيل الشيوان كان واضحا في ترتيب الرؤيا الواضحه من الامبراليه الامريكيه وقهرها للشعوب العربيه المغلوبه على امرها واستطيه القول :ان الوضع القائم في فلسطين وتسلط الصهيونيه العالميه على ادمغة مشايخ النفط سيكون لها الاثر الكبير على تناول النضال الشعبي والتطله نحو الاستقلال الفلسطيني الوشيك

  7. يقول سلمى حايك + هنغاريا:

    المقال يتضمن أنصاف حقائق فقط!
    أن أقف ضد أميركا لا يعني أنه يجب أن أقف مع بشار والقذافي وغيرهم.
    أن أكون تقدمي الفكر لا يُجبرني أن اقف في أحد هذين المعسكرين. أستطيع أن أقف في معسكري الخاص وضد الخيارين الذين رُسما في هذا المقال.
    قد أضطر لأسباب تكتيكية أن أقف مع أحدهم لإلحاق الهزيمة بالآخر ولكني أعرف مكاني تماماً.
    تشرشل وروزفلت تحالفوا مع ستالين ضد هتلر مع أنه كان عدوهم اللدود على مبدأ “عدو عدوي صديقي” وبعد القضاء على النازية أداروا بندقيتهم ضد الشيوعية.
    يجب التمييز بين التكتيك والاستراتيجية. تكتيكياً أنا مع الغرب ضد الأنظمة الشمولية في العالم العربي ومع بعض هذه الأنظمة ضد أميركا وحلفائها.

  8. يقول م. حسن هولندا:

    الوطن المعاش محزن . كالسفينه المحملة بأكثر من طاقتها وسط الأمواج والعواصف العاتية كما لو كانت في المحيط الهادئ . المفاهيم والمصطلحات المتداولة تكشف بؤسه . لابد من مفاهيم جديدة بديلة كقطع غيار لمفاهيم عطبت . هل نريد وطن يحترم الديمقراطية كمبدأ لنظام الحكم ؟ وطن الإنفتاح السياسي غير قائم عل هيمنة المتدينين أيا كان دينهم أو ملتهم . وطن لا يقلد فيه العسكر عدوه , بل ينتصر عليه ويهزمه حضاريا . وطن مدني يدير شئونه محترفين يحاسبهم برلمان بلا هواده عن أموال الخزينة لماذا وأين صرفت ؟ لنطمئن علي علي أن حقوق أبنائنا في يد أمينه . يمكن فيه لإبن البواب أن يحكم متي إمتلك المؤهلات والكفاءه اللازمه للحكم . بلا هيبه أو حصانه من المسائله .

  9. يقول حسين المغربي:

    امريكا دولة واقعية يحكمها القانون الذي يسري على الجميع دون تمييز لاعلى اساس الجنس او الدين او الوضع الاقتصادي و انا مع نظام يحترمني كبشر ويحفظ لي حقوقي المادية والمعنوية داخليا وخارجيا ويضمن لي العيش الكريم .وحالنا في العالم العربي ;دون استثناء ناجمة عن غياب الديموقراطية وسيادة القانون وعندما تسود هذان القيمتان بالخصوص يمكن الحديث عن نهضة عربية شاملة

  10. يقول ابو الفضل الدرباس-عين يبرود:

    اخي سهيل
    ليس من المعقول ان نعلق مشاكلنا العربيه على الشماعة الاميريكيه لان هناك من يريد النيل من نضال الامة العربيه والفلسطينين بالذات ولا شك ان الكاتب الاستاذ سهيل حمل لنا فكرة واضحة وكم كنت اتمنى ان تجد القبول لدى الزعامة العربيه التي ارادت لشعوبها ان تقهر وان تعيش المر بكامل صنوفه ورفوفه ولعلي اجد السلوى في رايه السديد بشان امريكا وتخاذلها ضد العرب ,,,

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية