منذ أيام قليلة، انتهت فعاليات الدورة السادسة لجائزة الطيب صالح الدولية للإبداع الكتابي، التي أعلنت عنها شركة زين للاتصالات، مباشرة بعد وفاة الطيب، وما زالت ترعاها بالكفاءة نفسها، والجهد المميز، والاحتفاء الجيد بضيوف الجائزة، والفائزين بإحدى جوائزها. وألاحظ أن عددا من الكتاب العرب المعروفين، من جميع الأجيال، شاركوا في فعاليات الجائزة منذ تأسيسها وحتى الآن، بعضهم أدلى بشهادته الخاصة عن تجربته، وبعضهم، تحدث عن رؤيته لأعمال الطيب، التي على قلتها، ما زالت مسار نقاش كثيف حتى اليوم.
أيضا ألاحظ أن كثيرا من المثقفين ما زالوا مصرين على طرح سؤال مكرر، عن ماهية تلك الجائزة، ولماذا شركة للاتصالات، ترعى جائزة أدبية؟ وما العائد من استثمار بلا عائد؟، وهكذا، كثير من تلك الأسئلة التي أعتبرها غير مجدية، وغير ضرورية على الإطلاق.
فبذلك الدعم الكبير الذي بدأ مميزا، واستمر مميزا حتى الآن، وأتمنى أن يستمر كذلك، حصلنا في السودان على جائزة جيدة المواصفات، تطرح لكتابنا المحليين، وللكتاب العرب على حد سواء، ويزداد عدد المشاركين فيها كل عام، مما يدل على نجاحها بالفعل، ولأنها جائزة في النهاية، محلية، أو إقليمية بحكم النشأة، ولها قوانينها الخاصة، فلن تكون بالطبع ذات ضوضاء كبيرة، ولن يصبح الفائزون بها، إن كانوا غير معروفين، أعلاما بين ليلة وضحاها، كما يحدث للحاصلين على جائزة البوكر، الذين يحصلون على الجائزة، وعلى أصداء صوتها العالي في الوقت نفسه. كما أنها لن تزيد المعروفين بريقا. وأظنها أقرب لجوائز عربية أخرى، مثل جائزة نجيب محفوظ، الخاصة بالجامعة الأمريكية، في القاهرة، وجائزة الشيخ زايد بالإمارات، حيث تمنح إحداهما فرصة ترجمة الكتاب الفائز إلى اللغة الإنكليزية، والأخرى تمنح المال الضروري جدا للمبدعين، حتى يحسون بعائد الإبداع، ذي السمعة السيئة، في مجال حصد المال.
لقد شاركت شخصيا، كضيف في أول دورتين للجائزة، الدورة الأولى كفرد من أفراد أسرة الراحل الكبير، الذي تحمل اسمه الجائزة، وكانت دورة استذكار لحياته، وكتاباته، ومعرفته، وثقافته، ولقاءاته، وتلك الشخصية الجذابة التي كان يحملها، وحضر تلك الدورة، عدد كبير من أصدقائه، الذين عاصروا محطات حياته كلها، ولهم بصمات بشكل أو بآخر، في بعض تلك المحطات، ومنهم الرسام الكبير: إبراهيم الصلحي، وحسن تاج السر، رجل الأعمال الذي يقيم في لندن، ويشكل مع الأستاذ محمود صالح، رجل الأعمال المثقف، الذي رحل منذ فترة وجيزة، ثنائيا مدهشا في حب الطيب صالح، وحب أعماله، ومعروف أن محمود أسس من قبل جائزة محلية باسم الطيب، يرعاها مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، في أمدرمان.
الدورة الثانية، كانت شهادة عن تجربتي قدمتها لأول مرة في السودان، بعد أن قدمتها في بلاد أخرى، من قبل، وكان معي، كتاب جيدون، ومتمكنون أمثال العراقي عبد الرحمن الربيعي، والكويتية ليلى العثمان، وصديقنا القاص السوداني المدهش بشرى الفاضل.
كانت تلك دورة متميزة بالفعل، حضرها من كنت أعرفهم شخصيا، وأشتاق للقائهم، ومن كنت أعرفهم بالاسم وأتمنى لقاءهم، ومن المفرح حقا، أن جمهور الندوات في السودان، لا يختلف كثيرا عن جمهور الغناء والحفلات، في كثافة الحضور، نعم فإنك قد تجد قاعة، تلقى فيها محاضرة عن الأدب، أو قصائد شعرية، ممتلئة عن آخرها، وتشبه تلك التي تغنى فيها مطربة، أو يتحدث فيها أحدهم عن السياسة، ولطالما كنا وفي أحلك الأوقات، نهتم بالقراءة، ونمنحها هيبتها ووقارها الذي تستحقه، وتلك هي الصفة التي يلمسها كل ضيف عربي مثقف، شارك في ندوة ثقافية في الخرطوم.
ويهمني هنا أن أشير إلى برامج القراءة في الهواء الطلق التي يعقدها شباب في الحدائق العامة، وأيضا النادي السوداني للكتاب، الذي أسسته الأستاذة الجامعية مشاعر شريف، ويقدم في كل أسبوع أمسية نقاشية عن كتاب يقرأه أعضاء المجموعة، وقد امتد نقاش الكتب ليشمل الانتاج المحلي والعربي، والعالمي، وما زال مستمرا.
بالنسبة لجائزة شركة زين، أو جائزة الطيب صالح الدولية، يبدو لي شرط إرسال العمل مخطوطا، لم يسبق نشره من قبل، ليصبح إن فاز في تصرف الجائزة التي تنشره على حسابها، يبدو لي ذلك الشرط، غير ضروري، ولا أعلم لماذا وضع أصلا، فبالإضافة إلى زيادة الأعباء بنشره على حساب الجائزة، يبدو شرطا فضفاضا، وغير ملزم للمشاركين في أحيان كثيرة، وأعلم أن هناك أعمالا فازت بهذه الجائزة، كانت منشورة من قبل، ومقروءة، وبعض الأعمال التي أرسلت مخطوطة بالفعل، نشرت مباشرة بعد فوزها، في أماكن أخرى، يرى المؤلفون أنها أقدر على إيصال أصواتهم إلى القراء، بدلا من الطبعات المحلية التي ستنجزها الجائزة، وهكذا، أتمنى لو تم التجاوز عن هذا الشرط، وترك الأمر مفتوحا للأعمال المنشورة في السنة نفسها، أو خلال سنتين كما يحدث مع معظم الجوائز.
أيضا، وفي جدول الفعاليات، وما دامت تحدث في الخرطوم، وتحت سمع وبصر الكتاب المحليين، وبعضهم قد يكون محبطا من عدم استطاعته الوصول إلى الناس، لماذا لا تزداد حجم المشاركات المحلية، وتقام أمسيات خاصة بالكتاب، والشعراء الشباب، بغض النظر عن مشاركتهم بأعمال في المسابقة أم لا؟، هذه الدماء الشابة لن تضر الجائزة في شيء، بل على العكس تمنحها وقود الاستمرارية، إلى زمان أطول، وتخفف من حدة المرارة التي يحس بها البعض، كلما انقضت دورة، وبدأ الاستعداد لدورة جديدة.
عموما، نحن نمسك بجائزة أعتبرها مهمة، فهي إضافة إلى مميزاتها العديدة التي ذكرتها، تعد أيام فعالياتها، موسم لقاء ثقافي ضخم، يلم المثقفين من كل مكان، ويمنح الخرطوم أياما مبهجة.
كاتب سوداني
أمير تاج السر
في البداية وانا السوري الشامي اقول : الخرطوم تستحق والطيب صالح يستحق هذه الاحتفالية واكثر،لقد تعرفت على الطيب صالح عن طريق الصديق والاعلامي على شمو في السبعينات من القرن الماضي ،وكنت اجريت اعدادا لبرنامج اذاعي بعنوان سهرة في الخرطوم تعرضنا فيه للحياة المنوعة بالخرطوم مستعرضين الاعمال الروائية للطيب ولاسيما موسم الهجرة الى الشمال ،وقد اذيع البرنامج من اذاعة دمشق التي كنت اديرها في ذلك الوقت ولقي تجاوبا كبيرا من جمهور مستمعي اذاعة دمشق الامر الذي جعلنا نعيد اذاعته عدة مرات، ومن ثم التقيت بالطيب بالدوحة عندما استلم بعد عي شمو ادارة الاعلام فيها وتكررت اللقاءات في دمشق وغيرها مستذكرا منح مؤسسة اصيلة برعاية محمد بن عيسى جائزتها للطيب ايضا.لقد عرفت بالراحل الاديب الشخصية الانسانية المميزة،اضافة الى موهبته الادبية ومتابعاتي لمقالاته في مجلة المجلة،شكرا للاستاذ الكاتب ،ولما اثاره من اهتمام سوداني بالحياة الادبية بمعناها الواسع،الامر الذي حرضني على اهمية كتابة بعض الذكريات من الاعلام الثقافي العربي