تم تقسيم الأصوات البشرية إلى عدة أصناف لكل صنف مساحته الصوتية التي يغني داخلها، وتُكتب الألحان لهذه الأصوات تبعا لتلك المساحة المصنفة بها. والأصوات هي: سبرانو، ميتسو سبرانو، تنور باص ألتو، هذا على صعيد مغنيي الأوبرا، لكن أيضاً تنطبق هذه المواصفات الصوتية على المغنين العرب وإن لم يصنفوا علمياً.
يؤلف الملحن أحياناً للمطرب أو المغني عملاً غنائياً أكبر من المساحة الصوتية التي يستطيع تأديتها، ما يجعل المغني يؤدي الأغنية بصعوبة، وفي الغالب يعاني وهو يحاول أداء العمل، وينعكس هذا سلباً على مستوى الأغنية أو دوره فيها وعلى مسيرة المطرب نفسه، وهذا لا ولن يحصل في الغناء الغربي؛ خصوصاً الأوبرا، لأن التصنيفات معروفة لدى المؤلف العالم بأصول الكتابة للمغني وللأوركسترا، والأخيرة أيضاً تخضع لضوابط ومساحات تسمى مفاتيح مثل مفتاح صول أو مفتاح فا وغيره، وتقسم الكتابة الموسيقية على عدة مفاتيح على المؤلف الموسيقي دراستها ومن غير المسموح اللعب خارجها، أو الخطأ بمساراتها.
لو قلنا إن هذا المغني متميز وسط مغنين آخرين يلعبون ضمن المساحة نفسها؛ فهذا يعود لعدة أسباب منها أولاً أكتمال التون (الدرجة الصوتية الواحدة) لديه ثم الحساسية تجاه الأغنية نفسها بمعنى تبنيها نفسيا وتبني مضمونها من نص وموسيقى والغناء والتدريب الجيد يضاف إلى ذلك العلم والموهبة. وفي العالم العربي لا يختلف الأمر كثيراً، لدينا أصوات كثيرة ولكن المتميز منها قليل؛ ومن القليل قلة ممن يمتلكون البقاء والتألق والقبول ولديهم الجاذبية؛ التي أسميها (جاذبية السمع) بمعنى أن حضور الصوت وتأثيره على السمع محبب، كما حضور الرجل الجذاب أو المرأة الجذابة، فالأذن تعشق الصوت المكتمل ولا تستسيغ الصوت المنقوص الذبذبات من دون أن تفسر الأسباب، فقط نقول إنه مغن وصوته من دون نشاز، لكنه لا يمتلك القبول، وهذا المعنى ليس له علاقة بالوسامة وجاذبية الشكل بل بجاذبية وتأثير الصوت الذي يدرك سلامته العقل ليفرض سطوته على روح المتلقي.
بافاروتي وديميس روسوس ومحمد القبانجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وصباح فخري ووديع الصافي وأم كلثوم وعبد الوهاب وعشرات من الآخرين غيرهم ممن حفروا لأنفسهم مكانة مرموقة لدى المتلقي في كل مكان لم يتمتعوا شكلاً بمواصفات الجمال المتعارف عليه؛ ولكن ما أن تنطلق أصواتهم بالغناء حتى تتغير النظرة لهم، ويصبح أحدهم أجمل الناس لأن الأذن عشقت والعقل، كثيراً ما يحتار المرء وهو يستمع إلى بعض الأصوات في أمر كهذا، ولكننا عندما نفكر في هذه النقطة سنجد أنها أيضا توازي أن نجد في امرأة ما جاذبية كبيرة، مع أننا لو حاولنا أن نتأمل في تقاسيم وجهها لما وجدنا الخطوط المثالية التي وضعتها العين للجمال، فالجاذبية شيء تجتمع حوله عوامل كثيرة، وهي في رأيي أهم من الجمال بمراحل، فالعين تعتاد الجمال الثابت، وبالتالي يصبح رونقه أقل حضورا وإبهاجا في النفس، لكن الجمال المتغيّر في الروح، الذي يعايش حالات شعورية مختلفة تنعكس على شكله مثل موج البحر تماما، حيث لا تتعب العين أبدا من متابعة موجة وراء موجة فكل موجة تحمل سرا مختلفا عن الأخرى وتمنح دلالات أيضا مختلفة عن غيرها من الأمواج التي تتبعها أو تسبقها.
الجاذبية إذن تشبه بشكل ما هذه الأمواج، حيث على سطح البحر تعكس بعض داخله لكنها أيضا تخفي الكثير مما يحدث داخل البحر العميق، والسر غير المكتمل هو السر الذي يجعلنا دائما نحاول الغوص فيه واستكشافه وبالتالي هو السر الذي لا نعتاده فيجذبنا في مغامراته.
الجاذبية في الصوت هي كل ما سبق، سر الموجة وسر البحر العميق الذي تموج على سطحه جاذبية سرية تدعونا للغوص في أعماقه.
أحيانا نسأل أنفسنا عن سبب الانحدار الذي طال الغناء العربي ونجاح أشخاص ليست لهم علاقة مطلقاً بالغناء، بل ننتبه إلى أن الناس تستمع إلى أصواتهم وترقص على إيقاعاتهم أو تتقبل أغنياتهم حسياً، فالمغني يلجأ للعضلات المفتولة وكأنه سيُصبِح مصارعا والمغنية تلبس أصغر القطع التي تملكها لتظهر أقصى ما يمكن من مفاتنها من دون تدريب صوتها، ومن دون الاعتماد على موهبة أو علم أو أدنى حد من الخبرة، ومع ذلك تنجح وتصبح نجمة ويصبح نجماً ولكنهم نجوم زائفة سرعان ما تنطفئ من دون أن تترك أثرا حتى ولو صغيرا.
وكما يحدث من مشاعر تجاه إحساسنا بالجمال، يحدث في إحساسنا بالصوت، فالرجل الذي تستهويه المرأة المزركشة التي تملأ وجهها المساحيق والألوان وتطوق معصميها بالأساور الكثيرة وربما قدميها بالخلاخيل هو الرجل نفسه الذي تستهويه أغنية تحمل المواصفات نفسها التي تحملها المرأة التي يحلم بها، حيث أغنية تشبه تماما حركة الأساور الكثيرة في يد المرأة التي قد تصدر أصواتا غير متناسقة وهي تحرك يديها أو تقوم بعمل ما، المرأة التي تضع كل أسرارها في سوار أو خلخال، والأغنية التي تضع كل أسرارها ومفاتيحها في إيقاع سريع أو ملتهب، قد تبدو هذه المقارنة مفارقة غريبة؛ ولكنها مفارقة صحيحة تماما، ويكفي لكل منا أن يقارن بين خيارات إنسان في الحياة تجاه أشياء بعينها ليكتشف كم هو صحيح هذا الكلام.
٭ موسيقي عراقي
نصير شمه
على انغام وصوت الموسيقار فريد الاطرش في رائعته “سهرت طول الليل” التي تجذبني بشكل
–
بشكل لافت قرأت مقال الفنان الكبير نصير شمة المفعم بالافكار القيمة ، اول شيء استرعى
–
انتباهي هي قوله “يؤلف الملحن أحياناً للمطرب أو المغني عملاً غنائياً أكبر من المساحة الصوتية التي يستطيع تأديتها، ما يجعل المغني –
يؤدي الأغنية بصعوبة، وفي الغالب يعاني وهو يحاول أداء العمل . . . ”
–
فالجملة هنا توضح ان الملحن هنا يضع لحنه لمطرب معلوم وهو إذا من يتحمل مسؤولية فشل ذلك المغني في عمله
–
لكونه لم يلزم لحنه المناسب للطاقة الصوتية المناسبة له
–
النقطة الثانية التي اوقفتني هي قولك ” بافاروتي وديميس روسوس ومحمد القبانجي ويوسف عمر وناظم الغزالي وصباح فخري ووديع
–
الصافي وأم كلثوم وعبد الوهاب وعشرات من الآخرين غيرهم ممن حفروا لأنفسهم مكانة مرموقة لدى المتلقي في كل مكان لم يتمتعوا شكلاً
–
بمواصفات الجمال المتعارف عليه؛ ولكن ما أن تنطلق أصواتهم بالغناء حتى تتغير النظرة لهم، ويصبح أحدهم أجمل الناس لأن الأذن
–
عشقت والعقل ” وهذا صحيح ويمكن ان تضيف لهم الاسطورتين الهنديتين لاتا منكيشكار واختها آشا بهوسلي فهما لا تتمتعان بمسحة
–
جمالية ولكن صوتيهما يوهمك قبل رؤيتهما انهما فاتنتان ، و اود ان اشير هنا ان المخرج الهندي الراحل ” راج كابور” كان قد تناول
–
مفهومه للجمال الخالد في احدى روائعه معتمدا على صوت لاتا منكيشكار الساحر كPlayback singer لشخصية مشوهة الوجه
–
تسلب فؤاد بطل الفيلم فيرى جمالها من جمال صوتها فتبدأ الدراما
_
وتحياتي
أحكام مسبقة تُقصي الفلسفة
ومع ذلك، تتميز الفلسفة عن باقي المواد الأخرى في كونها تؤلف بين المعارف وتمكن الشخص من التفكير بشكل متكامل، فبواسطة النقد يستطيع المتعلم أن يحاكم ما يعطى له، أن يراجع ويبحث ويتحقق، فلا يقبل إلا ما يراه يقينياً. تستغرب شعبان الحديث عن الصعوبة والتعقيد، فالحياة مكونة من جملة تعقيدات، والجرأة تكون بطرح الأسئلة المستعصية، لا الأسئلة التي تكون أجوبتها معروفة مسبقاً.
فاتن الحاج