بيروت ـ «القدس العربي»: تعمل الفنانة جاهدة وهبة لإطلاق «سي دي» جديد سيكون في مجمله بالمحكية اللبنانية، وتعد المتلقين أن موسيقاه ستكون أكثر قرباً من ذائقة الجميع. الفنانة التي عُرفت بثقافتها منذ خطواتها الأولى ربما تسعى من خلال عملها الجديد للتخفيف من وقع وصفها مطربة النخبة. لكنها دون شك ستبقى المغنية ذات المعرفة العالية بحرفتها وما يدور حولها في هذا العالم. مؤخراً أحيت جاهدة وهبة حفل الختام في مهرجان موازين. حفل تعتبره من المحطات المهمة في مسيرتها. وفي خريطة مواعيدها لهذا الصيف محطات أخرى تضيف إليها، ومواعيد مع أعمال غنائية جديدة.
في اللقاء معها نتعرف إلى تفاصيل حفلها في المغرب. فمنذ سنوات واسم جاهدة وهبة يحتل أجندة موازين، إنما التأجيل كان سيدا لظروف لم تصبح ملائمة للطرفين سوى سنة 2017. في مسرح محمد الخامس حيث مكان الحفلات الكلاسيكية والنخبوية كان الحفل. تقرأ وهبة في أسباب اختيارها للغناء في موازين بدءاً من: الحفلات الكبيرة التي أحيتها في عدد من البلدان، والتي تركت أصداؤها في السنوات الثلاث الأخيرة. كما وأظن أن جولتي الأخيرة الناجحة جداً في عدد من مدن المغرب والتي لم يمر عليها الزمن شكلت عاملاً حاسماً لحفل ختام موازين. أنا سعيدة لنجاحي مع جمهور المغرب، وفي موازين تحديدا، فهو من المهرجانات المهمة في العالم، ويستقطب فنانين من كافة أنحاء العالم. كما يتميز بتعدد مسارحه ذات الحجم الكبير. خصائص موازين كثيرة ولذلك هو قبلة للفنانين. الحمدلله كان حفلي ناجحاً. وتضمن البرنامج أغنيتين مغربيتين، أحدها كلاسيكية من أعمال نعيمة سميح «من رموز الغناء المغربي». وأغنية أخرى صوفية من أعمال فرقة «ناس وديوان». وهي فرقة لها حضورها الخاص لدى جيل الشباب في المغرب. وقد تلقف الجمهور الأغنيتين بحب كبير. وفي تموز/يوليو المقبل سأحل ضيفة شرف على ملتقى أصيلة، إلى حفلات متعددة في شهر أب/اغسطس، ومؤتمر شعري في تشرين الأول/اكتوبر، وجميعها في المغرب.
بين حفل وآخر ما الذي يتحكم في اختيار ريبرتوار الأغنيات؟ توضح وهبة: في أي حفل أحرص على تقديم جزء من أغنياتي الخاصة التي يحفظها الجمهور ويطلبها. والحرص متواصل لتقديم باقة من الأغنيات الكلاسيكية الطربية المعتادة مني منذ البدايات. أقدم أغنيات لعمالقة الطرب من لبنانيين وعرب بتوزيع جديد قام به ايلي معلوف قائد الفرقة الموسيقية في حفلاتي. وأقدم مقطوعات صوفية من ألحاني وأخرى قديمة العهد. وبعض من ريبرتوار إديث بياف الذي حولت 15 أغنية منه إلى العربية. وهو من المشاريع الفنية التي وجدت النجاح الكبير والتي أحرص على وجودها في كافة حفلاتي. ولا تغيب عن حفلاتي أنماط الغناء الوطني والعاطفي وسواهما.
○ اخترت غناء قصيدة «موطني» الشهيرة للشاعر الراحل ابراهيم طوقان فهل السبب هذا الوطن العربي المعذب من شرقه إلى غربه؟
• للأغنية وقعها في نفسي تقول وهبة. أقدمها بتوزيع جديد، ومترافقة مع أغنية «كلمة حلوة وكلمتين» الوطنية كذلك. الأغنيتان معاً تمسان ذاكرتنا الجماعية. «موطني» نشيد تنقل بين فلسطين والعراق، وأشعر أن الناس تحفظه وكأنه نشيد وطنهم الخاص الذي هو الوطن العربي الكبير. من جهتي أعيش مشاعر خاصة مع هذا النشيد حين أغنيه، خاصة وأننا نقدمه بشجن وحنين وليس بنكهة ثورية كما الصيغة اللحنية الأساسية. «موطني» نشيد يحمل حنيناً لوطن عربي سابق كان أقل عنفاً. نقدمه وكأننا حيال دعوة للأمل والتكاتف بوجه الهمجية والعنف والعنصرية والتعصب والتكفير التي تسود بلداننا، خلافاً للآمال التي سادت مع بداية ما أطلق عليه «الربيع العربي» العقيم.
في كل حفل لجاهدة وهبة نشعر بمنسوب الدسامة يرتفع. وهي أطلقت على غنائها تعريف الموسيقى العالمة، وهنا تفسير للسبب: هي محاولة لتقديم الثقافة على طبق من موسيقى وغناء وامتاع. هو حرص لتقديم الكلمة الرصينة والهادفة المترافقة مع موسيقى مطرزة على المقامات الأصيلة. قد يتأتى وصف الدسامة نتيجة الاختلاف عن السائد من موسيقى. ففي أحيان نمرر ما يصح أن نطلق عليه تعبير دسامة، والذي تفرضه نوعية الشعر. هو غناء يلقى الترحيب مشفوعاً بالتوزيع الذي يقربه إلى الأذن المعاصرة. هي تركيبة موسيقية نحاول معها التسلسل بخفة إلى قلوب الناس، دون أن نشعرهم أنهم حيال برنامج من الوزن الثقيل.
نعرف أن المسارح المفتوحة في مهرجان موازين تستقبل الفنانين اللبنانيين بحفاوة كبيرة. فهل بين غناء جاهدة وهبة وغناءهم هوة أم تكامل؟ تقول: مع احترامي لهم جميعهم أكيد ليس بيننا تكامل. بل مسافة واسعة جداً تفصل بين أعمال كل منا. لكنني احترم المهرجانات التي تلبي متطلبات كافة الأذواق كما هو الحال في موازين. في حين أن المهرجانات اللبنانية التي تُصنف بالمهمة والدولية تحرم الجمهور من التنوع.
لماذا تغيب وهبة وغيرها عن المهرجانات اللبنانية؟ تقول ان السؤال مطروح عليها على الدوام. وتضيف: عندما نتحاور مع المسؤولين عن المهرجانات يأتي الرد «انتو جمهوركن ضيق». مسارح مهرجاناتنا تتسع لخمس آلاف وأكثر، وجمهوركم لن يملأ المقاعد. هي حجج غير منطقية والدليل أن الفنانين من خارج لبنان يعجزون عن ملأ المقاعد التي يتحدث عنها المسؤولون عن المهرجانات. لست بصدد موقف خاص، بل أن الكثير من الفنانين يستحقون الوقوف على خريطة المهرجانات القائمة في وطنهم لبنان.
بالعودة إلى إنتاج جاهدة وهبة الخاص نتعرف إلى «سي دي» «مزامير» الذي قدمته لمواجهة موجة الظلامية والتعصب التي تعصف بمنطقتنا العربية. عنه تقول: نعم هو «سي دي» قدمته بالتعاون مع قناة «سات سفن» يتضمن عشراً من مزامير داوود، وهي صلوات للديانات السماوية الثلاث، والتي صورت فيديو كليب تعرض على شاشتها. وبالتعاون مع تلفزيون أبو ظبي أقدم يومياً وبمناسبة شهر رمضان مقطوعات صوفية وابتهالات أكثريتها من ألحاني، وهي قصائد لكبار الصوفيين العرب. ومع ختام شهر الصوم أكون قد سجلت 30 قطعة من وحيه.
وفي مسيرة جاهدة وهبة ربما نقرأ أن «سي دي» «كتبتني» وضعها بقوة على سكة الفنانة المستقلة بعد سنوات من الغناء للعمالقة. في قراءتها الشخصية ترى: «كتبتني» هو السي دي الأول الذي لحنته بكامله، وهو من إنتاجي الخاص. هو عمل يتميز باختيارات نصوصه، ولم تكن الأعمال التالية أقل أهمية منه كما «النسيان» الذي قدمته مع أحلام مستغانمي والذي بيع منه أكثر من 60 ألف نسخة. وفي «سي دي» «شهد» لحنت قصائد لكبار الشعراء اللبنانيين، والعرب ومن العالم. هذا العمل كرّس هويتي كفنانة تجتهد من خلال الشعر والقصيدة ومن ألحانها. ربما تأثرت أنت بـ«كتبتني» فقد كان له وقعه لكونه الأول ولمضمونه من جهة الشعر والموسيقى. المسيرة تتواصل ونحن نؤكدها تباعاً في محاولة لتخطي الذات.
○ »سي دي» «شهد» وصف بالنخبوي فماذا ترد صاحبته؟
• هو موّال أحببت غناءه. قصائد أغرمت بها، جميعها يصوب على مقام العشق. غنيت الموال، ولا أجد نقيصة في اتهام «شهد» بالنخبوية، مع العلم أن أغنيات منه انتشرت على نطاق واسع منها قصائد لطلال حيدر، ومحمود درويش وأنسي الحاج. ذهب الـ«سي دي» أبعد من توقعاتي وهذا جيد لجهة القدرة على جذب عدد أكبر من محبي الموسيقى والغناء إلى منطقة الشعر وما نرغبه من غناء.
ألحانك لها الغلبة في أغنياتك فماذا عن تعاونك مع ملحنين آخرين؟ تقول جاهدة وهبة: تعاونت مع العديد من الملحنين، وفي الـ«سي دي» الذي أعده حالياً أتعاون مع الفنان شربل روحانا. ويتضمن أغنيات من كلمات طلال حيدر، وجرمانوس جرمانوس، وماجدة داغر وسعاد الصباح. شخصية العمل الجديد تقول أنه سيكون أكثر قرباً من الناس وأكثر شعبية، فجميع الأغنيات بالمحكية اللبنانية. العمل بكليته أقرب للحفظ وأقرب لمزاج الناس وإيقاعاته أكثر سرعة.
غنت جاهدة وهبة من قصائد الحلاج والشاعر الألماني غونتر غراس وأحلام مستغانمي فما الذي يجمع بين الثلاثي؟ تقول: ليس بالضرورة وجود ما يجمع بين الأسماء الثلاثة. هم يلتقون في حبي لقصائدهم. وجدت أني قادرة على منح تلك القصائد وجهاً جديداً من خلال موسيقاي. عندما تسكنني قصيدة أجد رغبة في منحها هذا البعد الموسيقي والغنائي. وأجد نفسي أدندنها، وأقلق معها، فأعمل على تلحينها بشتى الوسائل ومنحها البعد الذي أشعره معها. تلك القصائد تمكنت من أن تستخرج جديداً مني.
○ لقبت بكاهنة المسرح الغنائي فمن ألبسها إياه؟ وهل هو مصدر راحة أم عبء؟ أم تفضل لقب شاعرة الصوت ومثقفته؟
• أحب اللقب الثاني الذي أطلقه هنري زغيب، ولست أدري بالتحديد من أطلق اللقب الأول في الصحافة وصار متداولاً. لقب يتصف بالهيبة ويوحي بالرصانة، ودلالة على الرسالة الغنائية التي أقدمها. الألقاب تقدير ويبقى على الفنان تقديم ما هو جميل. ومن المهم أولاً وأخيراً الأثر الذي نتركه لدى الناس. نلت الكثير من التكريم، لكن تعبير من متلقي بعد حفل ما بأنه طار عن الأرض، أو أني كنت الطرف الثالث في قصة حبه، أو أني أعدت له ذكريات مع من فقد من أحباب. فهذا هو «الزاد والزواد» والحافز للتقدم والاستمرار. فالتواصل مع المتلقي بعد كل حفل هو الأمل المتجدد.