يجري تناول العلاقة بين اليهودية والصهيونية في وطننا العربي، من خلال رأيين، أوّلهما يرى أن كلّ يهودي صهيوني، والثاني يفرّق بينهما. الرأي الأول له مبرراته، والثاني أيضا لديه أمثلة كثيرة من واقع محسوس.
صحيح، أن خيطا رفيعا أصبح يربط بين مفهومي اليهودية كديانة على شاكلة الديانتين الإسلامية والمسيحية، والحركة الصهيونية التي حاولت وحوّلت منذ الانتقال بها من مفهوم «صهيون» الديني إلى شكلة السياسي، انتقلت باليهودية إلى مفهومها ذي الأهداف السياسية كـ»قومية»، أمّة، «شعب»، وبالتالي اخترعت بالضرورة أساطيرها التضليلية ملصقةً إياها بالوعد الإلهي.
كثيرة هي التجمعات الدينية التي وقفت على الضد من هذا الانتقال لأسبابها الدينية التوراتية بالطبع، لكن قدرة هذه الجماعات أخذت بالتضاءل تدريجيا وصولاً إلى انخراط معظمها في أضاليل وأساطير الصهيونية السياسية. هذا الوضع هو ما أخذ يحكم هذه الجماعات الدينية «الحريديمية» سواء في إسرائيل بعد إقامة دولتها القسرية على أرض فلسطين، وطرد 800 ألف من سكانها، كما الجماعات والتجمعات اليهودية في العالم.
تعود نشأة غالبية هذه الجماعات إلى الأسس الفكرية التي عبر عنها الحاخام آبراهام كوك قبل إقامة إسرائيل بحوالي ربع قرن، حينما أسس مدرسة «مركاز هراف»، التي تعتبر أول مدرسة صهيونية متطرفة، تخرّج منها معظم قادة هذه التيارات، لذلك بدأت معظم الجماعات الدينية في تفصيل المقولات التوراتية، سواء أكانت الوصايا العشر، أو غيرها من المقولات (وهي كثيرة) بدأت تفصيلها على مقاس الرواية الصهيونية، ولذلك وصلت درجة التطرف لدى هذه الجماعات إلى حدودها القصوى، بينما بقيت فئة قليلة جدا منها على طروحاتها الدينية الأساسية. كان من الطبيعي والحالة هذه أن يظهر تياران في أوساط الحريديم، بعد تحولات حزبية كثيرة جرت في إسرائيل، ووصلت حاليا (بحكم عدم تمازج الإثنيات – حتى اللحظة – المشكلّة للشارع الإسرائيلي) الأول، انقسم بدوره إلى فرعين: جماعات شرقية «سفارديم»، وتضم حركات: «شاس» وأحزاب أخرى صغيرة. أما الفرع الثاني: فيضم الجماعات الغربية «اشكنازيم»، ويندرج تحتها حركات «اجوادات يسرائيل»، «يجيل هاتوراه أو علم التوراة»، حزب «البيت اليهودي» وحزب «إسرائيل بيتنا»، حزب «المفدال»، وتصل الخلافات بين هذه الجماعات إلى حد تكفير بعضها بعضا، لكن كل معتنقيها يجمعون على كراهية العرب واستبعاد الموافقة على تأسيس دولة لهم، أو الاعتراف بحقهم في العيش على «أرض الميعاد» المزعومة. التيار الثاني، وتنفرد به جماعة «ناتوري كارتا».
مناسبة هذه المقالة، هي ما ذكره موقع (عاروتس شيفع) الإسرائيلي منذ أسبوع، بعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، إذ قال بعدها يوئيل كراوس، اليهودي المتشدد ذو الصلة بحركة (ناطورى كارتا): «بدأنا نشعر بأنه من المستحيل أن نعيش هنا كيهود متدينين، يجب أن نفر من هنا. لطالما قال اليهود المتدينون إن الوضع يصل إلى نقطة الانهيار، لذا فإننا إذا وصلنا إلى إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، نكون قد وصلنا إلى هذه النقطة، وليس هناك ما هو أسوأ من ذلك». مضيفًا: «هذا ليس إعلانًا فحسب، بل سيكون له الكثير من التداعيات».
وتعتبر (ناطورى كارتا) التي تعني بالعبرية (حراس المدينة)، حركة يهودية متشددة تأسست عام 1938، وترفض الصهيونية بكل أشكالها، وتعارض قيام «دولة» إسرائيل من منطلق إيمانها بأن اليهود محرومون من قيام دولتهم حتى نزول المسيح.
من ناحية أخرى، وجّه الحاخام اليهودي الأمريكي المناهض للصهيونية آرون تيتلباوم، انتقادًا شديدًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل. وقال تيتلباوم وهو قائد واحدة من جماعتي طائفة (ساتمار) اليهودية المناهضة للصهيونية، أمام آلاف الأشخاص في نيويورك، إن ترامب لا يمتلك حق إعلان القدس عاصمة لإسرائيل. ونسب موقع (عاروتس شيفع) إلى تيتلباوم قوله: «نعلن باسم اليهودية الحريدية أن القدس – المدينة المقدسة – لن تكون عاصمة للدولة الصهيونية، حتى إن قال الرئيس الأمريكي ذلك». وأضاف تيتلباوم: «كما لم يعترف يهود الحريديم بإعلان الرئيس الأمريكي الراحل هاري ترومان يهودية إسرائيل في عام 1948، لن نعترف أيضا بهذا الأمر الآن». متابعًا: «القدس مدينة مقدسة ومدينة تقوى، والصهيونية لا صلة لها بالقدس».
منذ أقدم العصور نشط اليهود في تضخيم تاريخهم، وترديد أكاذيب تدعي أنهم وحدهم العنصر الأرقى والجنس الأذكى والشعب المختار. ومع مرور الوقت نجحت المنظمات اليهودية عبر تغلغلها في العديد من المجتمعات الغربية والمنظمات الدولية، في وضع استراتيجيات تجرّم أي شخص يعارض احتلال إسرائيل لفلسطين، أو ينتقد اجتياح غزة، أو لا يوافق على إقامة المستوطنات أو يدين جدار الفصل العنصري، أو يشجب حرب إسرائيل على لبنان، لأنّ تهمة «معاداة السامية» باتت جاهزة دوماً للتنكيل بكل من يجرؤ على معاداة إسرائيل، حتى إن كان يهودياً من أبناء جلدتهم. وفي الآونة الأخيرة ارتفعت أصوات كثير من المفكرين اليهود، الذين يعتبرون الصهيونية العالمية وجوداً طفيلياً يفترس البشرية، ويحاول السيطرة على العالم، ويتخذون من القضايا العربية مواقف منصفة، بل يلعبون دوراً بارزاً في تنوير العالم بأساليب إسرائيل المخادعة في ليّ أعناق الحقائق وسلب الحقوق. إلا أن العرب لم يحسنوا استغلال هذه الورقة لصالحهم في الصراع العربي الصهيوني للأسف، ولم يحاولوا تقديم هؤلاء للعالم لكشف الوجه الحقيقي للممارسات الصهيونية، خاصة أن هذه الشخصيات اليهودية التي تغرد خارج السرب، أصواتها مسموعة لدى الغرب، وتتمتع بقدر كبير من الصدقية. ولا بد لنا هنا من وقفة لتوضيح الهدف من فكرة استعراض مجموعة من المفكرين اليهود المعادين للصهيونية، فهي ليست من باب «وشهد شاهد من أهلها» فقط، أو من باب الترويج لفكرة الحوار مع الآخر أو الاختراق، ولكنها محاولة للعثور على المفاتيح المنسية واستخدامها، لعل أحدها يساهم في فتح الأبواب المغلقة.
ما سبق يذكرنا بسبعينيات القرن الماضي، عندما جرت إقامة حركة «الفهود السود» في إسرائيل عام 1971، احتجاجا على الظلم والتمييز والتفرقة التي يتعرض لها يهود الدول العربية منذ إقامة إسرائيل عام 1948، بمساعدة عمال «وحدة الشارع» التابعة لدائرة العمل الجماهيري التابعة لبلدية القدس «الإسرائيلية» الذين احتجوا على ما سموه، في حينه، تجاهل النظام الرسمي للمشاكل الاجتماعية الحادة، والقتال من أجل تغيير مستقبلهم نحو الأفضل. وأخذت حركة الاحتجاج اليهودية الشرقية اسمها من حركة الاحتجاج الأمريكية، التي شكلها الأمريكان من أصول إفريقية. وكان من أبرز وجوه «الفهود السود» الذين عايشوا وواكبوا انطلاقتها، رؤفين افرجيل، سعدية ميرتسيانو، تشارلي بيتون، رافي مريتسيانو، وغيرهم. لقد نجح هؤلاء في تجنيد جمهور واسع يؤمن بحركتهم ومقتنع بقدرتها على تحسين الوضع، ونجحوا أيضا في تجنيد أوساط إعلامية، مثل الصحافيين باروخ ندل، حايم غوري، عاموس كينون، الذين عملوا على رفع وزيادة الوعي حول هذا النضال والصراع الذي تخوضه الحركة. كذلك تذكرنا هذه الحركات بحركة «متسبين» التي أنشئت عام 1962 من عدد من الشيوعيين المؤيدين للصين. وعرفت بعدائها الشديد للصهيونية وإدانتها لوجود (دولة إسرائيل) لأنها قاعدة للإمبريالية والاستعمار في منظومة الشرق الأوسط. ويعد ناتان فاينشتوك من أشهر منظريها. وقد ألف كتاباً بعنوان «الصهيونية ضد إسرائيل».
من بين اليهود المعادين للصهيونية أيضا: نعوم تشومسكي، الموسیقي جلعاد اتزمون المعادي ّ للصھیونیة، الذي ھاجر إلى لندن ومزق ھویته الإسرائیلیة، فيلتسيا لانغر، إيلان بابيه، ياكوب رابكين والمئات غيرهم. النقلة النوعية لهؤلاء، أنهم أصبحوا لا يطيقون العيش في إسرائيل، ويغادرونها، صحيح أنهم أفراد قلائل، لكن ظاهرتهم تتزايد، وعلينا أن نمدّهم بكل أشكال المساندة، فهؤلاء مسموعون في العالم، فهم من «أهل البيت».
كاتب فلسطيني
د. فايز رشيد
يعد الزعيم اليساري المغربي اليهودي ابراهام السرفاتي واحدا من هؤلاء الوجوه
–
التي تحدث عنها الكاتب فهو بالاضافة لأسيدون من ألد أعداء الصهيونية
–
تحياتي
أن ما يقترحه الدكتور فايز رشيد بخصوص مدّ كافة اشكال المساندة لليهود المعادين للصهيونية فكرة جيدة يتوجب على منظمة التحرير العمل بها وخصوصاً في هذه الأوقات الصعبة بالنسبة للقضية الفلسطينية. ان المقال هذا يذكرني في الوقت الذي كان يتم به مطاردة المرحوم عرفات من قبل قوات العدو الصهيوني وقيام احد هؤلاء اليهود المعادين للصهيونية بحمايته في منزله.
المشكلة يا استاذي هي في تحديد اولوياتنا كدول و منظمات
للاسف فان اولويات دولنا هي رضا العدو ذاته حتى صار هذا العدو يجاهر بانه لولا رضاه و حمايته لبعض انظمتنا ما استمرت اسبوعا او اسبوعين. و صرنا لا نستحي من الاصطفاف علنا مع اسرائيل و امريكا ضد جيراننا الازليين
المصيبة ان قضية فلسطين لم تتراجع فقط في قائمة اوليات الانظمة و المنظمات، بل صار الفلسطيني هو العدو او يكاد يتم حصاره او تجويعه بايدي اشقاءه و حسب ما يملي الاعداء.