لندن ـ «القدس العربي»: يواجه النظام السوري لبشار الأسد أزمات على كل الصعد فوصول تنظيم الدولة الإسلامية إلى بادية حمص ورفعه علم «الخلافة» على أجزاء من مدينة تدمر التاريخية أثار مخاوف دولية معنية بالتراث الحضاري السوري ودعوات لحماية المدينة التاريخية بعد ما قام به مقاتلو التنظيم من تدمير لمدينة نمرود في العراق وتحطيم تماثيل تعود للحقب التاريخية المختلفة في متحف الموصل.
ولكن أزمة النظام لا تنبع من مخاطر تنظيم الدولة الإسلامية فقط ولن يجد عزاء بالتأكيد على مقتل «وزير» نفط الدولة في دير الزور أبو سياف حيث أعلن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر عن مقتله في عملية قامت بها وحدات الكوماندوز الأمريكية وتم أسر أم سياف زوجة القيادي.
ولا تزال العملية غامضة مع أن النظام السوري سارع وأعلن عن قيام قواته بعملية في المنطقة، رغم أن وجود النظام في دير الزور لا يتعدى المطار وبعض الأحياء. ومهما كان الأمر فقد أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أنه لم يتم تنسيق في العملية مع النظام السوري. هذا مع تنظيم الدولة، أما في الشمال فقد واجهت قوات الأسد هزائم دعت روسيا وأمريكا للتباحث في وضع سوريا ما بعد الأسد.
ما بعد الأسد
ونقلت صحيفة «التايمز» في عدد السبت عن مسؤول أمريكي قوله إن المحادثات التي أجراها وزير الخارجية جون كيري مع نظيره الروسي سيرغي لافروف الأسبوع الماضي في مدينة سوتشي الروسية تطرقت للأزمة السورية وهناك حديث حول سوريا. وأشار إلى أن الأسد قد ينتهي منفيا في موسكو أو طهران.
ولفتت الصحيفة إلى أن الروس لم يظهروا أي إشارات عن تخليهم عن النظام السوري بعد. وتحدثت عن المكاسب التي حققتها المعارضة في الفترة الأخيرة وتركت الأسد في حالة ضعف أكثر من أي وقت مضى منذ عام 2011. وأضافت أن سوريا تمزقت بسبب الاقتتال المتواصل بين النظام وجماعات المعارضة المعتدلة وتنظيم الدولة الإسلامية رغم ان فصائل المعارضة قضت وقتا في محاربة بعضها بعضا.
ولكن النكسات التي مني بها النظام جاءت من تماسك المعارضة وهو ما أعطى الكثيرين أملا بقرب انهيار الأسد. وبحسب مصدر أمني أمريكي فالهزائم في ساحة المعركة وتراجع قدرات الجيش تعني أن سوريا وصلت «نقطة التحول» و»في حالة تدهور وضع الأسد أكثر فستقرر عندها طهران وموسكو إن كان من المفيد مواصلة دعمه».
ولا تزال الإدارة الأمريكية قلقة حول شكل التحول السياسي لأنه لو غادر الأسد دمشق وانتهى نظامه فالسؤال يظل قائما حول من سيقود المرحلة الانتقالية ويحقق الأمن والاستقرار. وعلق مسؤول في الخارجية الأمريكية قائلا «البديل للأسد هو داعش ولكن البديل عن داعش ليس الأسد». وتخشى الحكومة البريطانية من هشاشة المعارضة وإمكانية ظهور صراع على السلطة وبناء الجماعات المتشاركة في الحرب «إمارات حرب» لها.
كما أن الإنجازات التي حققتها المعارضة جاءت بسبب صعود فرع القاعدة في سوريا، تنظيم جبهة النصرة وأحرار الشام.
إضافة لتنظيم الدولة الإسلامية الذي لا يزال قويا في سوريا رغم الغارات الجوية المتكررة التي شنها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. ومع كل ما يجري في الساحة السورية إلا أن المسؤول الأمني الأمريكي حذر من إبداء قدر كبير من التفاؤل خاصة أن حلفاء الأسد – إيران وروسيا وحزب الله – دعموه في وقت العسرة.
تجنب العقوبات
وعلق مايكل بينيون في الصحيفة نفسها أن روسيا دائما ما نظرت إلى الأسد كحليف صعب وحاكم سيئ ويمكنها التخلي عنه لو توفر البديل الجيد عنه.
وأكدت روسيا أنها لن تتخلى عنه لو كان البديل هم المتشددون الإسلاميون. كما أن الروس ليسوا مستعدين للتخلي عنه لمجرد الضغط الغربي عليهم. ويبدو أنهم يعيدون التفكير في موقفهم. أولا بعد الشائعات حول مدير مخابراته الذي اعتقل بسبب ما قيل أنه كان يخطط للانقلاب. وثانيا لأن الدعم العسكري الكبير لم يمنع من هزائمه الأخيرة.
وأخيرا فطالما بقي الأسد في السلطة ظل خطر الإسلاميين قائما، فروسيا مثل الغرب تتعامل مع هؤلاء كخطر يهدد أمنها.
ويعتقد بينيون أن مزاعم موسكو عن عدم تأثيرها على الأسد غير صحيحة، ففي حالة قررت موسكو وقف إرسال السلاح له فسينهار جيشه وتثور عليه حكومته. وهناك عامل آخر في أهمية تغيير روسيا لموقفها والتضحية بالأسد هو أنها ترغب وبشدة وقف التدهور في علاقتها مع الغرب وتريد تجنب جولة جديدة من العقوبات عليها بسبب أوكرانيا. والسؤال هو إلى متى ستظل روسيا تدعم النظام السوري في الوقت الذي يشتد الحصار عليه.
علي مملوك
ففي الشمال يتقدم « جيش الفتح» الذي يلقى دعما من تركيا والسعودية وفي الجنوب تتقدم الجبهة الجنوبية ولا يسبتعد أن تزحف شمالا نحو دمشق. وترى صحيفة «صندي تلغراف» في تقرير أعدته روث شيرلوك ومجدي سمعان أن هناك أدلة واضحة على صراع في داخل الحلقة المقربة من الأسد خاصة قادة الأجهزة الأمنية.
وتشير الصحيفة لحادث وفاة مدير الأمن السياسي السابق رستم غزالة وعزل رفيق شحادة، مدير الأمن العسكري والمتهم بضربه.
وكشفت الصحيفة عن وضع مدير المخابرات العامة علي مملوك تحت الإقامة الجبرية لإتهامه بإقامة اتصالات مع المخابرات التركية بدون إذن من الأسد. وقال مصدر نقلت عنه الصحيفة بداية الأسبوع الماضي إن «مملوك لا يسمح له بمغادرة البيت إلا بإذن من النظام ويتعرض لمراقبة دائمة».
وحاول النظام نفي الشائعات عندما ظهر مملوك إلى جانب الرئيس الأسد في لقاء مع وفد برلماني إيراني. ولكن مصادر نقلت عنها الصحيفة أكدت ان ظهوره كان معدا وللإعلام وقد تم تجريده من كل صلاحياته.
ونقلت عن رجل أعمال مقرب من النظام قوله إن «النظام السوري أجوف في مركزه أكثر مما يتوقعه احد». فهو «بيت قائم على لعبة الورق يعتمد بقاؤه على صورته بأنه سيربح الحرب، ولكن المسؤولين الذين أعرفهم حزموا حقائبهم جاهزين للهرب في حالة انهارت الصورة». وترى الصحيفة إن التطورات الحالية لا تعني نهاية النظام ولا انتصار معارضيه لكنها تكشف عن الطريقة التي حولت فيها حرب الأربع سنوات الماضية البلاد إلى محارة فارغة. فالسلطة متمركزة في يد مجموعة من قادة الأجهزة الأمنية المقربين من النظام وسيطرتهم على الوضع ربما لم تكن قوية بالطريقة التي يصورها الإعلام.
وتكشف النكسات في الوقت نفسه عن الكيفية التي جعلت الأسد يعتمد أكثر وأكثر على حلفائه الشيعة في إيران ولبنان لتوفير المال والرجال، وهو ما جعله يتخلى عن جزء كبير من السيادة على سوريا.
وتعتقد الصحيفة أن حالة الحنق على خسارة السيادة الوطنية تفسر الانقسام في قمة النظام. فبعد أربعة أعوام من حرب الاستنزاف لم يعد الجيش السوري عماد الدفاع عن النظام بل ويعتمد على مجموعات من ميليشيات الدفاع الوطني والحرس الثوري الإيراني وحزب الله وعلى مقاتلين شيعة من أفغانستان. وتنقل الصحيفة عن حسن حسن وهو باحث متخصص في تنظيم الدولة الإسلامية قوله إن اعتماد النظام على إيران كان بمثابة «تحد حقيقي لقيادة الجيش».
العلويون غاضبون
ويشعر قادة الجيش ومعظمهم من الطائفة العلوية أنه تم حرمانهم من سلطتهم «وقد وصل الحنق لدرجة جلس فيها الجنرالات في بيوتهم أو غادروا البلد» حسبما يقول حسن.
وأشارت الصحيفة للتحولات الإقليمية من ناحية الدول الداعمة للمعارضة حيث أصبحت السعودية وتركيا وقطر تتعاون في دعم المعارضة السورية وهو ما ساعد الأخيرة على دخول كل من إدلب وجسر الشغور.
وتشير أيضا إلى تقدم تنظيم الدولة في منطقة حمص وفي حلب. وبحسب تشارلي ويليام من مؤسسة قويليام في لندن وزع التنظيم بيانا على جنود محاصرين في قاعدة عسكرية شمل ثلاثة أرقام هاتفية حثهم على استخدامها لو أرادوا الاستسلام.
ويواجه النظام أزمة في العثور على مجندين كي يحلوا محل من قتلوا أو هربوا من الجنود.
وهناك تقارير تقول أن ثلث الرجال العلويين قتلوا في الحرب الأهلية. ولم تعد العائلات العلوية مستعدة لإرسال أبنائها للقتال دفاعا عن الأسد.
وهناك مشكلة أخرى تمثل تحديا للنظام وهي فشله في منع انهيار الاقتصاد فلم تعد الحكومة قادرة على توفير المواد الأساسية ولا الوقود أو منع ارتفاع الأسعار.
وتقول الصحيفة إن وحدات الجيش الضعيفة والتي إنهارت معنوياتها تركت مواقعها في الشمال للدفاع عن دمشق التي تعتبر مهمة لنجاة النظام. وفي دمشق يحرس الجبهات حولها مقاتلو حزب الله والوحدات المكونة من علويين.
ويعتبر بقاء الأسد في السلطة مهما لإيران التي تستخدم سوريا كمعبر لنقل الأسلحة لحزب الله في لبنان. وحتى إيران بدأت تشعر بضغوط الحرب التي دخلت عامها الخامس فهي تعاني من آثار العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي وهو ما أثار أسئلة حول استمراريتها في دعم الأسد بمليارات الدولارات. ويرى دبلوماسيون غربيون في المنطقة أن إيران ربما ضحت بالأسد في حالة توصلت لتسوية في سوريا تحمي مصالحها. ولكن لو تم استبدال الأسد بشخص آخر من النظام فالتغيير لن يكون كبيرا.
وفي الوقت الذي ترغب فيه الدول الغربية في رحيل الأسد إلا أنها تخشى من انهيار النظام فجأة والآثار التي سيتركها. فالتحالف الجديد الذي يسيطر عليه الإسلاميون من جبهة النصرة قد يقوم باستهداف الأقلية العلوية.
ويظل الحل الدبلوماسي مرهونا بتغيير في المواقف الروسية والإيرانية والظروف الميدانية المتغيرة. والأهم من كل هذا هو الكيفية التي سيتم فيها التعامل مع وضع يعتبر الرابحون فيه هم المتشددون من جبهة النصرة وتنظيم الدولة.
عملية أبو سياف
وهذا ما يفسر العملية الغامضة التي أعلنت عنها الولايات المتحدة يوم السبت بقتل أبو سياف. لكن صحيفة «الغارديان» البريطانية تساءلت عن الهدف الحقيقي وراء العملية.
وقالت إن العملية التي نفذتها القوات الأمريكية الخاصة في داخل الأراضي السورية يوم الجمعة قتلت مسؤولا من قيادات الوسط في تنظيم الدولة، وتعتبر العملية الثانية من نوعها بعد محاولة الولايات المتحدة تحرير الرهائن الأمريكيين في حزيران/يونيو 2014 في عملية فشلت في تحقيق أهدافها بسبب نقل الرهائن إلى مكان آخر.
ويقول مسؤول عراقيون أن الإسم الحقيقي للقيادي أبو سياف هو صادق أبو صالح الجبوري وهو عراقي الجنسية. وأكدت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم البنتاغون أن ام سياف لن ترسل إلى سجن غوانتانامو الذي تعهد أوباما بإغلاقه.
وقالت صحيفة «الغارديان» إن اسم أبو سياف وأم سياف لم يكونا على قائمة المطلوبين من قيادات تنظيم الدولة الإسلامية ولم تضع الولايات المتحدة ثمنا للعثور عليهما على خلاف 10 أسماء من قيادات التنظيم. ونظرا لأن أبو سياف غير معروف تكهن دبلوماسيون غربيون ومسؤولون عراقيون بأن الهدف ربما كان شخصية أهم.
ونقلت الصحيفة عن هشام الهاشمي المتخصص في شؤون الإرهاب في بغداد قوله ان أبو سياف «كان مقربا من العدناني» في إشارة لابو محمد العدناني، المتحدث باسم التنظيم «وكانا دائما معا».
وأكد المسؤولون الأمريكيون أن أبو سياف كان شخصية مهمة في التنظيم ومسؤول عن تمويله من خلال بيع النفط والغاز الطبيعي. فحتى تموز/يوليو كان تنظيم الدولة يحصل على مليون دولار في اليوم كعائدات من النفط المهرب عبر الأراضي السورية إلى تركيا. ولكن الغارات الأمريكية دمرت معظم مصافي النفط البدائية في سلسلة من الغارات المتكررة على دير الزور.
وفي الوقت الذي أكدت فيه الحكومة الأمريكية نجاح العملية إلا أنها لم تكشف عن سبب العملية واكتفت بالقول على لسان كارتر إنها «تعتبر ضربة نوعية لداعش».
وتنشط الطائرات الأمريكية في الاجواء السورية والعراقية منذ الصيف الماضي ويعتقد أنها قتلت 18 من 43 هم قادة التنظيم الكبار.
وهناك تقارير تحدثت عن إصابة البغدادي بالشلل جراء غارة في آذار/مارس الماضي. لكن البنتاغون قالت إنه ليس لديها معلومات. وظهر البغدادي في شريط مسجل يوم الجمعة حيث دعا أتباعه للقتال.
وتقول صحيفة «لوس أنجليس تايمز» إن القوات الخاصة كانت حريصة على أسر أبو سياف لكنه قتل في اشتباك معها. وترى الصحيفة أن الغارة في دير الزور تعني تصعيدا في الحملة المتعددة الأوجه التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ونقلت الصحيفة عن قائد في المعارضة بدير الزور قوله إن أبو سياف كان مسؤولا عن وزارتي النفط والاقتصاد في الدولة الإسلامية ويعتبر شخصية مهمة في دوائر التنظيم.
وقال أبو زينب الهاشمي قائد كتيبة «لواء الحق» في دير الزور «كان أبو سياف يدير ولمدة ستة أشهر وزارة المالية والاقتصاد وكان يعرف ما يملكه التنظيم، خاصة فيما يتعلق بمصادر النفط والغاز».
أول عملية ناجحة
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز» إن العملية تعتبر أول عملية ناجحة داخل الأراضي السورية حيث دخلت «قوات دلتا» على متن مروحيات بلاكهوك ترافقها طائرة التجسس «في-22 أوسبريس» وقتل الشخص المعـروف بأبو سـياف أمـير الـنفط والـغاز.
وتقول إن أبو سياف وإن كان من قيادات الوسط إلا ان محللا قارنه «بمحاسب أل كابوني». وفي الوقت التي تعتبر فيه العملية ناجحة إلا أنها تأتي في ظل سيطرة التنظيم على معظم مدينة الرمادي عاصمة محافظة الأنبار في العراق مما يقترح أن القتال ضد التنظيم في العراق وسوريا مفتوح على كل الاحتمالات.
وتعتقد الصحيفة أن عدم إصابة أي من أفراد المجموعة الخاصة يشير إلى تطور في المعلومات الأمنية حول التنظيم السري (داعش).
وأشارت إلى رواية الحكومة الأمريكية التي قالت إن حراس البناية التي يقيم فيها أبو سياف حاولوا استخدام النساء والأطفال كدروع بشرية لكن القوات الخاصة كانت دقيقة في التصويب وعلقت الصحيفة أنه لم يتم التأكد من صحة الرواية الرسمية بعد.
وتقول الصحيفة إن العملية جاءت بعد أسابيع من التحضيرات والمعلومات التي استخلصت من شبكة المخبرين الذي جندتهم المخابرات الأمريكية والبنتاغون بهدوء وصبر داخل سوريا، بالإضافة للصور الفضائية وصور التقطتها طائرات استطلاع أمريكية والتنصت على الهواتف المحمولة.
وفي الوقت الذي أكد فيه المسؤولون الأمريكيون أن القتلى الذين سقطوا هم من مقاتلي التنظيم ولم تسجل وفيات من المدنيين إلا أنهم لا يزالون يجمعون المعلومات عن العملية. ووصف بروس ريدل المحلل السابق في سي آي إيه والذي يعمل الآن في معهد بروكينغز العملية بأنها «مهمة جمع وهدفها اعتقال واحد أو اثنين، أو احدهم ممن يكون قادرا على توضيح عمل داعش» وبموت أبو سياف «ربما كانت زوجته قادرة على فعل هذا»، ولكنه أضاف «بالنسبة لي تظهر العملية أنه لا تزال لدينا فجوة كبيرة لفهم العدو وكيف ينظم نفسه».
qal
إبراهيم درويش