جنوب سوريا: اللعب بورقة كتلة ديموغرافية هو الأخطر… و«مكر» سوري يواجه بتحذير من عمان

عمان- «القدس العربي» : يخطط النظام السوري وبغطاء روسي على الارض وفي شمال الأردن لاستسلام المعارضة المسلحة هو ليس لإخضاعها وتسليم سلاحها عبر آلية سياسية يمكن أن يقترحها أي طرف ثالث بما في ذلك الأردن.
المحظور الأردني يحصل تماماً وكما توقعه مرات عدة مجلس السياسات في العاصمة عمان حيث بيئة صراع معقدة في الجنوب السوري واجندات متزاحمة وغياب لمركز قرار حقيقي يمكن التفاهم معه. ففي موسكو ومع لافروف خلال الساعات القليلة الماضية ناضل وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي لتثيبت دور وساطة لبلاده حتى لا تنفجر الأوضاع على الحدود مع سورية وتصبح حالة الفوضى مؤرقة او خارج حسابات التنظيم والاحتواء.
في الوقت الذي كان فيه الصفدي يتفاوض مع نظيره الروسي لافروف على اتفاق وقف لإطلاق النار تحت عنوان الحفاظ على ما تيسر من خفض التصعيد كانت القوات النظامية السورية تعبث بالجملة العصبية الأردنية فتهاجم بالمدفعية الثقيلة وسط وغرب درعا مما ادى مجددًا إلى سقوط سبع قذائف جديدة او مخلفات قذائف مدفعية في الاراضي الأردنية.
الاوضاع توترت بعد ظهر الاربعاء جداً واستمر التوتر حتى بعد ظهر الخميس وسرعان ما التقطت عمان رسالة دمشق وفكرتها ببساطة إخراج أي اتفاق محتمل مع موسكو على سيناريو خفض التصعيد وعملية سياسية لتسليم سلاح المعارضة عن سكة الخدمة لأن ما يطمح له جيش بشار الاسد هو الحسم العسكري فقط وخضوع فصائل المعارضة المسلحة دون قيد او شرط.
ما لم يحسمه فريق المتابعة المكلف في زارة الخارجية الأردنية بعد هو دور روسيا في إلهاء الاطراف جميعها بكلام عن عملية سياسية لتسليم السلاح لا تنجح وبمعنى ان روسيا تمارس الإلهاء السياسي مع الأردن وتوفر الغطاء في الوقت نفسه لتحركات الجيش النظامي السوري ولعمليات القصف بالسلاح الثقيل.
وبالتوازي مع ابتعاد الأمريكيين التام عن الواجهة والمواجهة يضطر الأردن للعب وحيدا والتعامل بالقطعة مع الروسي لكن غرفة القرار العميق في عمان ادركت بان عمليات القصف السورية لمواقع وبلدات تحديدا في عمق وغرب درعا حظيت بغطاء جوي روسي وبالتالي تم بناء استنتاج أردني ابلغ للملك عبد الله الثاني المتواجد خارج البلاد بدوره وتحت عنوان احتمالية وجود عبث روسي لكسب الوقت وفرض الوقائع على الارض.
إزاء هذا التعقيد المنتج اضطرت الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية جمانة غنيمات امس الأول لإعلان موقف يتباين قليلاً مع فكرة الهدنة ومفاوضات وقف اطلاق النار. وقالت غنيمات مجدداً بضرورة وجود عملية سياسية ولمحت إلى صعوبة الحسم العسكري بعيداً عن إطار سياسي.
الاهم في مضمون منطوق تصريح الغنيمات هو تلك الإشارات التي تعلن فيها وعبرها عمان أنها مضطرة للعودة إلى سياقات الدعوة لحل الصراع بعملية سياسية وليس عبر الحسم العسكري.
وهي اشارة تصبح أكثر اهمية اذا ما ادرك المعنيون ان الحكومة الأردنية تتحدث هنا ليس عن الصراع داخل سوريا برمته بل عن جغرافيا ملاصقة لحدودها.
بمعنى آخر ترفع عمان العتب عنها سياسياً وتعلن بأن وساطتها مع فصائل المعارضة المسلحة وصلت إلى حدود الممكن بالقدرة الأردنية وهو العمل مع الروس على تسليم السلاح مقابل حوار سياسي برعاية موسكو. وأكثر من ذلك لا تستطيع عمان ان تفعل مع ملاحظة في غاية الاهمية طفت على السطح في غرفة العمليات وتتمثل في ان الجانب الأردني لا يتحدث بتفاصيل أزمة حدوده مع الجنوب السوري مع أي طرف من الحكومة في نظام دمشق بل مع الروس فقط.
لافت جداً ان ذلك يحصل بالرغم من تبادل رسائل ناعمة مع النظام السوري مرات عدة طوال الفترة التي سبق اشتعال الاجواء والصراع في الجنوب. ولافت أكثر ان ذلك يحصل بعدما حصلت وعلى مدار اشهر واسابيع عمليات تنسيق امنية بين الجيش العربي الأردني ونظيره السوري حيث تبخرت اليوم ضمن واقع الميدان تلك المعطيات التي توحي بأن عمان ودمشق في طريقهما للتفاهم.
وزاد منسوب التبخر لسببين بالتوازي، الأول يتمثل في ان الجانب السوري اتجه بالمدفعية الثقيلة نحو غرب درعا وقصف بشدة في اليوم الذي تم الإعلان فيه عن بروتوكول وقف اطلاق النار حيث الرسالة هنا واضحة وتمثل تهديدًا للأردن واستفزازًا عسكريًا له واستنزافًا بالمقابل لطاقته الأمنية لان منطقة غرب درعا تحديدًا هي الأكثر خطورة بالنسبة للأردن.
والسبب الثاني له علاقة بان عمليات الجيش السوري تفرز يومياً كتلة متحركة ضخمة ديمغرافيا من النازحين تتجه بحكم الواقع العملي والميداني إلى الحدود مع الأردن مما يفتح المجال امام ضغوط دولية ودبلوماسية واخرى شعبية داخلية في الاتجاه المعاكس لقرار إغلاق الحدود.
ذلك القرار لا يزال صامداً حيث يتبع الأردن حتى اللحظة استراتيجية مساعدة الكتلة الديمغرافية النازحة داخل الارض السورية مع ضغوط طبيعية تدفعه لتحويل بعض المصابين إلى مستشفيات الداخل. وتدفع كل الاطراف المعنية بالجانب الإنساني للضغط على الأردنيين رغم ان الخشية ملموسة من ان يؤدي مسار التداعيات الإنسانية لمكافأة نظام دمشق على جرائمه العملياتية ضد مسلحين دون اعتبار للسكان والمواطنين السوريين.
يلمح الاعلامي الأردني المعروف جهاد المومني ومن خلال نقاش إذاعي عبر «القدس العربي» لتلك الاعتبارات التي يسقطها الجيش النظامي السوري من حساباته وهو يتجاهل ازمة النزوح في الوقت الذي يلمح فيه سياسي أردني رفيع المستوى من وزن الدكتور ممدوح العبادي إلى ان ارقام النازحين التي تتحدث عنها المنظمات الدولية لا علاقة لها بالواقع حيث لا توجد صور او توثيقات تدلل على تلك الارقام.
بكل حال تختلط الأوراق وسط العبث الروسي الخبيث وعودة الناطق الرسمي الأردني للحديث عن صعوبة الحسم دون عملية سياسية يمكن اعتبارها بمثابة تحذير شديد للهجة من الجانب الأردني للنظام السوري. وفي رسالة ملغزة وملغومة تقول فيها عمان بأنها تستنفد طاقات المرونة لديها ولن تقبل بمعالجة عسكرية بالسلاح الثقيل على حساب الامن الحدودي الأردني.
في المقابل يكتمل هذا التحذير عند اشارة الوزير الصفدي إلى ان جيش بلاده سيرد على مصادر تطلق القذائف باتجاه الارض الأردنية وهي رسالة يمكن اعتبارها لفت نظر لصالح نظام دمشق بان عليه احترام الحدود الأردنية وأمنها وهو يسعى للحسم العسكري للسلاح الثقيل.
وازاء كل هذا التعقيد الميداني تبدو خيارات الدولة الأردنية ضيقة ومحدودة ومفتوحة الاحتمالات في الوقت نفسه… والسؤال يبقى: هل لدى عمان اوراق مخفية تستطيع عبرها منع انزلاق ازمة الجنوب السوري وتفجرها في حضن الأردن الشمالي؟

جنوب سوريا: اللعب بورقة كتلة ديموغرافية هو الأخطر… و«مكر» سوري يواجه بتحذير من عمان
نظام بشار يعبث بـ «الجملة العصبية» للأردن بعد «تعطيل» التنسيق… و«إلهاء» روسي بغرض «الاستسلام»
بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    الجميع متآمر على الثورة السورية! نعم الجميع, حتى البعض من الذين إدعوا أنهم ثوار!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سامح //الأردن:

    *لن يسكت نظام الطاغية الأسد
    ولا روسيا المتوحشة حتى يستسلم
    المعارضين والمسلحين ويتكرر
    سيناريو (الغوطة )..؟
    *الأفضل للمعارضة مهادنة النظام
    لتقليل الخسائر البشرية وعودة
    النازحين لقراهم ولبيوتهم وخاصة
    أن أمريكا تخلت عنهم وكذلك السعودية.
    سلام

  3. يقول سلام عادل_المانيا:

    الأمر محسوم كما في الحالات السابقة حرب قصيرة ثم استسلام وتهجير لمدينة إدلب التي سياتيها الدور لاحقا وستخضع كل المدن والبلدات للنظام ومن بعدها يعود النظام للجامعة العربية بطلب من لبنان او الأردن لإعادة النازحين في البلدين وكان شيئا لم يكن وتعود العلاقات العربية العربية كما كانت والخاسر هو سوريا،هنيئا للمتامرين

  4. يقول هاني الشرعة الاردن:

    احذر النظام السوري من إيران وليس من فصائل المعارضة المسلحة ، العراق يشكل نموذج لاخذ العبرة . واليمن كذلك ، وللعلم الايرانيون يعدون انفسهم للحظة التي سينقلب الاسد عليهم فيها ، فهم خبثاء جداً ، وكما فعلوا بعلي عبدالله صالح عندما انقلب عليهم سيفعلون بكم ايها العلويون .

  5. يقول عيسى القلاب الاردن:

    هناك تداعيات للعبة الامم في الجنوب السوري فليس عبثا ان تنسحب امريكا من المشهد ولا مصادفه ان تصمت اسرائيل ولا تطلق طلقه وليس واضحا غياب السعوديون عن المشهد في الجنوب السوري على كل المستويات الاعلاميه والسياسيه والدبلوماسيه وحتى الانسانيه .فالى اين تتجه البوصله في الجنوب السوري وهل هناك توافق على العبث بامن الاردن خاصة بان كل التقديرات تتفق ان ما يحصل في الجنوب السوري له مساس بالاردن.ولنتذكر ما قاله ذات مره النظام السوري بان جنوب سوريا مشكله اردنيه اكثر منها سوريه…الوضع خطير جدا خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار تولد تحالفات وتفاهمات اقليميه قد تفرض نفسها على الساحه

إشترك في قائمتنا البريدية