جولة جديدة من الصراع الدولي على الأراضي السورية

حجم الخط
0

قد يختلف الرد المرتقب على ضرب النظام لدوما بالسلاح الكيماوي، عن ضربة مطار الشعيرات، العام الماضي، ليس بحجمها ربما، بل بنشوء تحالف دولي يقوم بها، في مقدمته الولايات المتحدة وفرنسا، من غير أن يقتصر عليهما.
ربما هذا هو الجديد الذي علينا التركيز عليه لفهم أبعاده وتداعياته المحتملة.
وقد اتضح في جلسة مجلس الأمن الأخيرة التي انعقدت حول موضوع ضرب دوما بالسلاح الكيماوي، أن طرفي خط المواجهة: الروس من جهة، والأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين من جهة ثانية، لا يأبهان كثيراً بما فعله «الحيوان» (على وصف ترامب لبشار الكيماوي) في دوما، بقدر ما هما مهتمان بصراع الإرادات فيما بينهما. واضح أن التحالف الغربي قد ضاق ذرعاً بتمدد روسيا العسكري ـ السياسي، ومحاولاتها فرض نفسها كلاعب في عالم ثنائي القطب، وتدخلاتها في الانتخابات في أكثر من دولة. وقد طفح الكيل بهذا التحالف بعد محاولة اغتيال الجاسوس الروسي المزدوج وابنته في سالزبوري. أما ضرب دوما بالكيماوي فقد وفر الفرصة المناسبة لتحجيم هذا «التضخم» الروسي بتنفيسه في أعز ما يملك، أي القدرات العسكرية التي استعرضها بوتين، قبل حين، بزهو ديك معجب بنفسه.
ذلك أن الأمريكيين لن ينتظروا نتائج تحقيقات أممية بشأن ما حدث في دوما، ومن الواضح أن القرار اتخذ، وقد لا يعني تأخير تنفيذه إلا الرغبة في تهيئة الرأي العام وتوفير أكبر مظلة دولية تعوض غياب القرار من مجلس الأمن. مع إبقاء الباب مفتوحاً لروسيا، لبضعة أيام فقط، لتقدم مشروع صفقة ما لقاء إلغاء الضربة، على غرار ما فعلت مع إدارة أوباما، في أيلول/سبتمبر 2013، حين طرحت فكرة نزع سلاح النظام الكيماوي مقابل إلغاء الضربة الأمريكية التي كان أوباما قد توعد بها.
ما الذي يمكن لموسكو أن تفعله في مواجهة التحالف الدولي الذي يتم إنشاؤه لمعاقبة بشار الكيماوي؟
فاستخدامها لحق النقض، في مجلس الأمن، يشير إلى نية المواجهة، أو، في أسوأ الاحتمالات بالنسبة لها، حرمان أي عمل عسكري محتمل لمعاقبة النظام من غطاء «الشرعية الدولية». وبالنظر إلى سوابق موسكو في سوريا، لا يمكن أن نتوقع ما هو أكثر من ذلك، أي الاشتباك مع قوات التحالف دفاعاً عن تابعها السوري. وعلى سبيل المثال فقد تجاهلت موسكو مقتل نحو مئة وخمسين من المرتزقة الروس قرب دير الزور، الشهر الماضي، تهرباً من المواجهة مع القوات الأمريكية. بل حتى مع إسرائيل، واظبت روسيا على التصرف كمن لا يرى ولا يسمع كلما ضربت إسرائيل مواقع للنظام أو لحلفائه الإيرانيين. إلى حد أنه يمكن الحديث، في هذا الباب، عن أن «قواعد الاشتباك» المتفق عليها بين روسيا وإسرائيل، في سوريا، تسمح للأخيرة بضرب أي موقع للنظام والإيرانيين كلما رأت ضرورة لذلك.
وقد تشير الغارة الإسرائيلية التي استهدفت مطار تيفور العسكري، قرب مدينة حمص، في غمرة التهديدات الأمريكية بمعاقبة النظام الكيماوي، أن إسرائيل نفسها قد تكون جزءاً من التحالف قيد الإنشاء. فهذه فرصة لها لتظهر في مظهر الدولة المنسجمة مع الإجماع الدولي في مكافحة استخدام الأسلحة المحظورة، لتغطي على تاريخ من العزلة الدولية تحت حماية الفيتو الأمريكي، كنظيره الروسي الذي أغلق مجلس الأمن طوال السنوات السبع الماضية أمام أي محاولة لمحاسبة النظام الكيماوي. كذلك أبدت السعودية استعدادها المبدئي للمشاركة في «تحالف معاقبة الحيوان» إذا جاز التعبير. وقد نشهد، في الساعات والأيام القليلة القادمة انضمام دول إضافية إلى هذا «الاحتفال الجماعي».
هل تملك موسكو أي حوافز جديدة تقدمها للأمريكيين وحلفائهم تجنباً للضربة التي ستؤذي صورة روسيا بوتين، أكثر من أذاها المحتمل على النظام الساقط، بالنظر إلى أنه ليس لدى واشنطن أي نوايا للإطاحة به.
إذا صح ما يشاع من أن أحد الخيارات التي طرحها البنتاغون أمام الرئيس ترامب هو ضرب المطارات العسكرية للنظام بما يشل قدرته على تنظيم أي غارات جوية بعد الآن، فيمكن لموسكو أن تلزم النظام بالإعلان عن التوقف عن استخدام سلاح الطيران بصورة نهائية في الصراع الداخلي. من شأن هذا المخرج أن ينقذ ما تبقى من سلاح الجو التابع للنظام، لكنه يقيد القدرات الروسية تماماً في تغيير موازين القوى على الأرض، على ما دأب طوال سنتين ونصف من تدخلها العسكري في سوريا. لتصبح القوة الروسية في سوريا قوة دفاعية فقط، فإذا خرقت ذلك كانت هي في فم المدفع بدلاً من النظام. فتتحمل مسؤولية كل ما قد ينتج عن غارات طيرانها الخاص من استهداف المستشفيات والأسواق الشعبية والمدارس وغيرها من المواقع المدنية.
إن نتيجة صفقة من هذا النوع لن تختلف كثيراً عن وقوع ضربات التحالف لمواقع النظام فعلاً. فسوف يثبت للعالم، في الحالتين، محدودية القدرة الروسية على حماية حليفها السوري حين يتعلق الأمر بمواجهة تحالف غربي.
شخصية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا تسمح بتوقع ما قد يصدر منه في الساعة التالية. فقبل أقل من أسبوعين أعلن الرجل عن نيته بالانسحاب من سوريا، وتركها للآخرين ليهتموا بها. وها هو اليوم يهدد بضربة عسكرية مشتركة مع حلفائها الذين أبدوا استعدادهم للمشاركة. لكن الثابت، إلى الآن، هو التصعيد ضد روسيا منذ محاولة اغتيال العميل المزدوج، تصعيد بدأ بطرد الدبلوماسيين الروس، ثم بفرض عقوبات على شخصيات مقربة من بوتين، وأخيراً المواجهة في مجلس الأمن والاستعداد لضرب النظام.
سواء وقعت الضربة أم تم تجنبها من خلال صفقة ما، فالروسي هو في وضع الخاسر.

٭ كاتب سوري

جولة جديدة من الصراع الدولي على الأراضي السورية

بكر صدقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية