بحسب مقالة في صحيفة «غارديان» البريطانية فقد تعاطى سياسيّو العالم مع إعلان تعيين بوريس جونسون وزيراً للخارجية بمزيج من الرعب، والمرح والعصبية، وهذا يتناسب مع هذا الصحافيّ والسياسيّ اللاذع اللسان الذي كرر إساءاته المتعمدة للثقافات والشعوب الأخرى وخصّ العرب والمسلمين بحصّة أقذع من غيرهم.
ورغم أن جونسون، ينحدر من سلالة تركيّة (جدّ أبيه صحافيّ تركي يدعى أحمد كمال) فإن أشهر الإهانات التي ارتكبها خلال حياته السياسية والصحافية كانت «قصيدة» مقذعة ومخجلة تسيء للزعيم التركي رجب طيب إردوغان وتعيد تأكيد إساءات قام بها كوميدي ألمانيّ.
تحمل إهانات جونسون للثقافات الأخرى طابعاً عنصريّاً واضحاً يتوجّه بالسخرية واللؤم نحو مشاهيرها، ولم يوفّر ذلك الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي وصفه جونسون بـ«شبه الكينيّ» (نسبة إلى بلد أبيه)، وأحد تعليقاته المقارنة بين الشرقيين (يقصد اليابانيين والصينيين) والسود كان: «الشرقيّون… لديهم أدمغة أكبر وسلم ذكاء أعلى. السود هم في القطب الآخر».
لا تحتاج توصيفات وتشبيهات جونسون إلى كثير من التحليل لاكتشاف قوالبها النمطية الاستشراقية التي تكرّر آراء أوروبا القرون الماضية حول الشعوب والثقافات الأخرى، وكان أحدها وصفه فترة حكم حزب العمال بأنها «حفلات غينيا الجديدة الجماعية لأكلة لحوم البشر والجنس الجماعي»، ولم توفّر تنميطات جونسون الأوروبيين، حيث وصف اللكنة التي يحكي بها الفرنسية بأنها «البربريّة الخاصة به للغة».
وكان للفلسطينيين نصيب من التحامل السياسي ضدهم وله الكثير من التصريحات المساندة لإسرائيل ومنها حديثه عن حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية التي اعتبرها «جنونيّة تماماً» ولا يساندها غير «أكاديميين يساريين بريطانيين من ذوي الأسنان الناتئة والملابس المقلّمة» وهو ما اعتبره فلسطينيون ألغوا مقابلتهم معه «تصريحات مبنية على معلومات غير صحيحة وغير دقيقة وغير محترمة».
مواقف جونسون من الفلسطينيين يمكن نقلها أيضاً إلى الوضعيّة السوريّة وهي تصب بشكل واضح في مصلحة الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، فقد طالب في مقالة له عام 2015 بالتعاون معهما، بل إنه في مقالة في شهر آذار/مارس الماضي قال مخاطباً الأسد: «برافو ـ استمر بالعمل»!
ردود الفعل الأولى على تعيين جونسون عكست الانزعاج من إمكان تأثير هذه الشخصية المثيرة للجدل على القضايا العالمية وكان وزير الخارجية الفرنسيّ جان مارك إيرولت أهمّ المعلّقين الأوائل فقد اعتبر اختياره إشارة الى الأزمة السياسية البريطانية التي نتجت عن الاستفتاء الشهر الماضي، ولمّح إلى رفض له بالقول إن جونسون شخص كذّاب وإن فرنسا بحاجة إلى وزير خارجية بريطاني ذي مصداقية ويمكن الوثوق به.
بالمقاييس السياسية فإن ما فعلته رئيسة الحكومة البريطانية الجديدة هو تعيين أغلبية وزرائها من تيّار المطالبين بمغادرة الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسهم يأتي جونسون طبعاً، وهو أمر يتنافى بالحقيقة مع تصريحاتها الأولى عن «محاربة الظلم»، فتعيين شخص صنع مجده بالسخرية من ثقافات الشعوب الأخرى وتمتلئ أحكامه بالتنميطات الاستشراقية الساذجة والسخيفة، ويعلن بصراحة دعمه أشكال الاستبداد والاحتلال والطغيان (إسرائيل، روسيا، النظام السوري)، سيُنظر إليه كرجل حرب مع العالم، بدءاً من أوروبا التي أبدى سياسيوها ومعلّقوها استياءهم، ومروراً بأنحاء العالم الأخرى التي لم تسلم من تعليقاته البذيئة (تركيا وماليزيا وكينيا) وصولاً إلى منطقتنا العربية المليئة بالظلم والتجبّر والإذلال.
الخطوة بهذا السياق، تشبه شخصيّة جونسون نفسه، فهي تثير السخرية والانزعاج، وتحمل في صلبها رغبة في عودة غير ممكنة للامبراطورية البريطانية خلال القرن التاسع عشر.
الإمبراطورية لن تعود طبعا، ولكن تنميطاتها العنصرية ستجد متنفّساً كبيراً لها إلى أن تصطدم بالحقائق العلمية والتاريخية والسياسية الراسخة وتعود إلى أرض الواقع.
رأي القدس
للعلم فقط, بوريس جونسون صهيوني عتيق, كان أيام شبابه ( وقد اعترف بهذه شخصياً) منطو تحت حركة الشباب الصهيوني وهي منظمة كشفية وكان يتدرب على حمل السلاح كل عام في فلسطين المحتلة. المعروف عنه أن لسانه حاد وطويل ويتصف بوقاحة قل نظيرها ولكن يخرس عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. وهو أسوأ اختيار لهذا المنصب لأنه يتحلى بصفر دبلوماسية لذا لا أتوقع له الإستمرار.