جيل جديد من الإرهابيين

حجم الخط
1

المعلومات التي لدى أجهزة الأمن الألمانية، والتي كشفتها إحدى الصحف الصادرة في برلين، تشير إلى أن أكثر من 18 ألف جواز سفر سوري غير معبأة بأي بيانات، تمت سرقتها ولم يعد يعرف أحد مصيرها، من بين هذه الـ18 ألفاً تُقدر ألمانيا أن 11 ألفاً سقطت في أيدي تنظيم «داعش».
قصة جوازات السفر المسروقة تكشف أن التنظيم يتأهب لنقل أعداد كبيرة من مقاتليه إلى أماكن مختلفة من العالم، وهو ما يعني أنه بصدد القيام بعملية إعادة انتشار، أو ربما بدأ فعلاً بإعادة الانتشار، استعداداً لما بعد سقوط مدينة الرقة وسقوط معاقله الكبرى داخل سوريا، وهو ما يؤكد في نهاية المطاف أن انهيار التنظيم في الموصل والرقة لا يعني بالمطلق نهايته، ولا يعني نهائياً أنه هُزم، ذلك أننا أمام تنظيم وليس دولة، وانهيار معاقله على الأرض لا يعني بالضرورة تفكك خلاياه التنظيمية.
بالتحليل التاريخي لمسار تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان، ومن ثم تنظيم الزرقاوي في العراق، الذي تطور لاحقاً الى تنظيم «داعش» نجد أن سقوط التنظيم واندحاره في نقاط تمركزه لا يعني مطلقاً أنه انتهى وتلاشى، ولا يعني مطلقاً أن الحرب ضده قد انتصرت، وإلا لكان تنظيم «القاعدة» قد انتهى يوم سقوط «تورا بورا» في أيدي الأمريكيين وحلفائهم من الأفغان عام 2002، لكن هذا لم يحدث، بل كان التنظيم يعيد انتشاره في كل مرة وكانت ظاهرة الإرهاب تشتد وتتأزم بدلاً من أن تندثر وتنتهي.
وبالتحليل الأخير نجد أن سقوط تنظيم «داعش» في الموصل والرقة لا يمكن أن يدفع إلى الاعتقاد بأن التنظيم سيكون قد انتهى، وأن ظاهرة الإرهاب قد أوشكت على الاختفاء، وإنما قد يكون سقوط التنظيم في سوريا والعراق بداية لموجة جديدة من الإرهاب والعنف في المنطقة، وقد تكون المنطقة العربية على موعد مع جيل جديد من الارهابيين، سواء كانوا من أبناء مدرسة الزرقاوي والبغدادي أو من مدرسة جديدة لجيل جديد، لا يعلم إلا الله ما هي الأفكار التي ستتبناها.
القضاء على الإرهاب إذن لا يمكن أن ينجح بالحرب ولا بالقوة العسكرية، وهذا ما جربته الولايات المتحدة في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وانتهى إلى الفشل، حيث تم طرد تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان من العاصمة الأفغانية كابل، لكن أيا منهما لم ينته، وإنما توسع وتمدد وازداد شراسة وتطرفاً وجرأة على القتل واستهداف المدنيين. من يريد محاربة الإرهاب كظاهرة والقضاء عليه من جذوره حقاً فعليه استئصال أسباب ظهوره ونشأته، وعليه تجفيف وتفنيد مدرسته الفكرية القائمة على التكفير واصطياد النصوص من بطون الكتب القديمة، وهذا يستوجب بالضرورة رفع الغطاء والدعم عن الأنظمة المستبدة في العالم العربي والاسلامي، التي تمارس إرهاباً منظماً ضد شعوبها تدفع به فئة من أبناء هذه الشعوب الى إرهاب مضاد أعمى.
الوصفة الأنجح لمحاربة الارهاب في العالم هو تعزيز الحريات والانفتاح والحفاظ على حقوق الناس واحترام إرادة الشعوب، وعدم السماح للأنظمة المستبدة بأن تواصل انتهاكاتها بحق شعوبها، لأن ظاهرة الارهاب، خاصة في السنوات الست الأخيرة، كانت نتيجة لموجة الاستبداد التي شهدتها المنطقة العربية، وكانت رداً على الارهاب المنظم الذي مورس من أنظمة وجيوش كان من المفترض أن تقدم الحماية لشعوبها، لكنها خانت هذه الشعوب ورفعت السلاح في وجهها، كما مارست البطش والقمع ضدها.
خلاصة القول، هو أن الحرب العسكرية ضد تنظيم «داعش» قد تؤدي الى استعادة الموصل والرقة ودير الزور وطرد المقاتلين من هذه المدن، وقد يتم اعتقال البغدادي أو قتله يوماً ما، لكن هذا لن يعني بأن التنظيم سيكون انتهى، وأن ظاهرة الارهاب قد اختفت؛ لأن من يريد مقاومة الارهاب والقضاء عليه فعليه أولاً أن يقاوم الأنظمة المستبدة والقمعية في العالم، التي تشكل محركاً لإنتاج مزيد من اليائسين المحبطين، الذين يمكن أن يفعلوا أي شيء ويمكن أن يكون كل منهم إرهابياً محتملاً في أية لحظة.
كاتب فلسطيني

جيل جديد من الإرهابيين

محمد عايش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود:

    القصة الحقيقي هي أن النظام الأسدي نفسه من باع جوازات السفر بالعملة الصعبة أو مقابل نفط داعش ثم إدعى سرقتها !
    ولا حول ولا قوة الا بالله

إشترك في قائمتنا البريدية