واشنطن – «القدس العربي»: ما الذي تريده الإدارة الأمريكية حقا في سوريا؟ الولايات المتحدة كما هو معروف لديها مصلحة حيوية واضحة فقط في سوريا وهي منع تنظيم «الدولة الإسلامية» من شن هجوم أرهابي ضد أمريكا أو حلفائها وهي تفتقر كأمة إلى الإرادة السياسية والمصلحة الوطنية للالتزام بانهاء الحرب الأهلية الدموية. ولكن الاستنتاج الذي قد نخرج به من القاء نظرة فاحصة لخطط الرئيس الأمريكي باراك أوباما في سوريا هو ان التخبط الأمريكي وصل إلى مرحلة تستدعي على عجل التوصل إلى أعادة مراجعة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
الإدارة الأمريكية بذلت جهودا واضحة لانكار رغبتها بتغيير استراتيجيتها الحالية في سوريا رغم التسريبات التي تظهر بين الفينة والأخرى حول الاجتماعات المغلقة التي تهدف لإعادة تقييم الخطط الحالية للإدارة ولكن الخبراء لا يرون بارقة أمل من الاستراتيجية الحالية التي تتطلب من العالم الانتظار لسنوات طويلة لتدمير «داعش» ولا تقدم أي ضمانة لسقوط نظام الأسد.
أما المقترحات الجديدة فهي تركز على افتراضيات خطيرة حول قدرة الولايات المتحدة على تحقيق ما تريد وهي أفتراضات واهمة تتكئ على قناعة متغطرسة بان الولايات المتحدة دولة قاهرة. الخبراء الأمريكيون بدورهم حذروا من هذه النظرة وقالوا بان أمريكا قد تكون أمة لا غنى عنها ولكن هذا لا يعني عدم أمكانية تعرضها لهزيمة قاسية.
يحوم أفتراض في واشنطن والشرق الأوسط بان التدخل الأمريكي الحالي من شأنه ان يسرع نتيجة الحرب ولكن معظم الدراسات المتعمقة تشير إلى نقيض ذلك، حيث توصلت خلاصة قامت بها جامعة جورج واشنطن لمعظم الدراسات الدفاعية والأكاديمية بان التدخلات الخارجية لا توقف الحروب، بل انها في الحقيقة تساعد على أطالة أمد الحروب الأهلية. ومن بين هذه الدراسات يبرز تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية يؤكد هذه النتيجة فيما يتعلق بالشأن السوري، حيث توصل التقرير لنتيجة واضحة هي ان سياسة دعم المعارضة السورية المعتدلة لن تعمل وربما تكون فكرة سيئة، ويقال في واشنطن بان أوباما مقتنع حتى الآن بذلك رغم اصراره على برامج تدريب وتجهيز المعارضة السورية.
التدخل الأمريكي لدعم الحركات المتمردة لم ينجح إلا في حالتين هما افغانستان في فترة الثمانينيات ونيكاراغوا. ولكن الخبراء قالوا بانه لا يمكن الأخذ بهذه التجارب التي تشوبها الكثير من التحريفات وانه من الأفضل لأوباما ان يتفحص جيدا خياراته وان يلقي نظرة متمهلة إلى نيكاراغوا وافغانستان باعتبارهما أدلة على الفشل لا النجاح حيث تحولت افغانستان إلى «جنة» لطالبان وتنظيم القاعدة أما نيكاراغوا فهي غارقة في حرب استنزاف لم تتوقف حتى الآن.
وقد يبدو للوهلة الأولى بانه من الحكمة العمل بهذه الاستنتاجات والتوقف عن احتضان الأفكار السيئة منذ التدخل الأمريكي في الشأن السوري منذ 3 سنوات ولكن الامور لا تسير بهذا المنطق في واشنطن.
تقول الخبيرة دانا ستوستر بان التدخل الأمريكي في سوريا سيواجه الفشل، ومما يضاعف من ترجيح هذه النتيجة «حالة نصف التدخل» التي تنتهجها الولايات المتحدة في سوريا لان روسيا مستعدة لدعم الأسد لسنوات كما ان إيران لن تسمح بانهزام عمودها الفقري في المجال الإقليمي، أما المعارضة السورية المعتدلة فهي لن تكون مستعدة قبل سنوات وستكون مشغولة بمحاربة «داعش».
وتضيف ستوستر بان الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد تؤرق ضمير أمريكا والعالم ولكن التدخل وسفك الدماء في حرب لا تنوي الولايات المتحدة الفوز بها هو بديل غير أخلاقي، فالهدف من الحروب الأخلاقية هو بناء سلام أفضل وهو أمر مستبعد في سوريا وليست هنالك ضمانة بان تؤدي التحالفات الهشة للولايات المتحدة في البلاد والمنطقة إلى صياغة حكم يمكن التفاؤل به.
التدخل الأمريكي في العراق أدى إلى كارثة وتدخلها في سوريا سيؤدي إلى كارثة مماثلة والحل الوحيد الذي خرج به أوباما للحصول على القليل من النتائج هو «الصبر الاستراتيجي» الذي يراهن على حصول تقدم لصالح دول التحالف على المدى الطويل، وهذا يعنى بالتأكيد المزيد من سفك الدماء والتمزق والدمار.
رائد صالحة
” وهذا يعني بالتأكيد المزيد من سفك الدماء و التمزق و الدمار” و هل ينتظر السوريون أفضل من هذا . عليهم من الآن فصاعدا التفكير في إيجاد حل سلمي يحقن الدماء و يعيد المهجرين إلى وطنهم و إلى بيوتهم ، و أن لا يستمعوا لدعاة الحرب و إسقاط النظام بأي ثمن ، لأنه لو استمرت الحرب فإنه سيأتي اليوم الذي لن يجد فيه المنتصر شعبا يحكمه .