تونس – «القدس العربي»أكد خبراء ومحللون أمنيون أن الجماعات الإرهابية بدأت بضرب العمق التونسي، محذرين من هجمات جديدة داخل المدن على غرار العملية الانتحارية التي استهدفت حافلة للأمن الرئاسي، وسط العاصمة، فيما طالب بعضهم الحكومة باتخاذ «إجراءات حرب» تتضمن عمليات استباقية لمحاصرة الخلايا الإرهابية ومنعها من تنفيذ عمليات جديدة.
وقال الخبير الأمني علي الزرمديني إن العملية الأخيرة «منتظرة، وتدخل في إطار الترهيب وإرباك المجتمع التونسي، وهي لا تشكل تطورا نوعيا على صعيد العمليات الإرهابية، بل إن واقع الإرهاب موجه نحو المجتمع أساسا ولا يتحدد بمكان أو زمان، وقد يأخذ أشكالا عدة».
وأضاف لـ»القدس العربي»: «يجب أن نواجه هذه العقيدة الإرهابية اليوم أكثر من السابق بعقلية الحرب والمواجهة التي تقتضي حسن التمركز والسبق، لأن الإرهاب مع الأسف خلال الأربع سنوات الماضية أخذ سبقا ميدانيا وتعبويا وخلق رصيدا من الإسناد حوله، وهو ما جعله يأتي بهذه الأفعال سواء في العاصمة أو خارجها».
ونقلت إذاعة «شمس» المحلية عن الأمين العام لنقابة الأمن الرئاسي هشام الغربي قوله إن «الأبحاث كشفت مبدئيا أن شخصا كان يحمل حقيبة ظهر وبحوزته متفجرات عسكرية «تي أن تي» وكان يضع سماعات ويرتدي معطفا وبمجرد صعوده باب الحافلة قال له أحد الاعوان «تفضل» وفى لمح البصر نفذ هذا الشخص عملية التفجير».
وقال الغربي إن المتفجرات العسكرية التي تم استخدامها في العملية، يتم استعمالها من قبل العسكريين، مرجحا أن يكون يكون مصدرها ليبيا.
فيما نقل موقع إخباري يدعى «الحصاد» عن مصدر لم يحدد هويته تأكيده بأن منفذ العملية هو عنصر من الأمن الرئاسي يُدعى كريم، في إشارة إلى احتمال اختراق الجماعات الإرهابية لهذا الجهاز الأمني، وهو ما يعد تطورا خطيرا (في حال ثبتت صحته).
وعلق الزرمديني على هذا الأمر بقوله «من السابق لأوانه أن نحدد طبيعة هذه العملية بتفجير حزام ناسف أو قنبلة أو غيرها، هذه معطيات وتخمينات لا يمكن كشفها إلا عبر الوسائل الفنية التي سيعتمدها الخبراء لتحديد نوعية العمل، ولا بد من التأكيد أن عقيدة الإرهاب تقوم على جملة من المعطيات والوسائل تبدأ بالاغتيالات ومن ثم التفجيرات ولاحقا المداهمة والعمل الإرهابي الموجه بسلاح أبيض أو غيره، ولا يمكن استثناء أي نوع من الوسائل التي يمكن أن يستخدمها الإرهابيون».
ولم يستبعد تكرار العمليات المماثلة داخل المدن، مضيفا «نحن أمام إرهاب ثلاثي، يتضمن الإرهاب العسكري الذي يأخذ شكل عمليات عسكرية ونجده منتشرا في الجبال، والخلايا النائمة المزروعة في كل مكان والتي قد تأتي بأي فعل في أي لحظة من دون تحديد الزمان والمكان، وثالثا ما يُعبر عنه بـ»الذئاب المنفردة»، وكلها تتعامل في إطار دائرة واحد هي دائرة الإرهاب، بغض النظر عن الأساليب والأشكال وآليات التنفيذ».
ورجحت بعض وسائل الإعلام أن يكون منفذ العمليات أحد عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» العائدين من سوريا، مشيرا إلى أن سرعة العملية وآلية تنفيذها تشبه إلى حد كبير العمليات التي يقوم بها التنظيم المتطرف في كل من سوريا والعراق.
وقال الزرمديني «الإرهاب اليوم يملك تركيبة عنقودية دولية ولا يقتصر على نقطة ومكان محدد، كما أنه مُسند من الداخل والخارج، وبالتالي فرضية أن يكون منفذ العملية من بين العائدين من سوريا تبقى مطروحة، لكن الشيء الثابت هو أن هذه الأطراف الإرهابية تتلقى تدريبات من الخارج بعد أن تم التضييق على مراكز تدريبها في الداخل، فليبيا على سبيل المثال تشكل اليوم ساحة وغى تجمع كافة الأطياف ومن مختلف الجهات فيهم العائدون والمتربصون والمبتدئون والخبراء، والمخططات الإرهابية اليوم يُمكن أن تبرمج في أي دولة لتنفذ في دولة أخرى، مع اختلاف آلية التنفيذ فقط».
ودعا الحكومة التونسية إلى اتخاذ «إجراءات حرب» على جميع المستويات، مشيرا إلى أن الأمر يحتاج لإرادة سياسية فاعلة «تتفاعل مع هذه المخاطر بالقوة والحزم المطلوب وعدم الإصغاء للانتقادات هنا وهناك، ولو أني أعتقد أن ثمة إجماع في تونس على أن مكافحة الإرهاب تحتاج لإجراءات ردعية كبيرة (قد تؤثر أحيانا بشكل سلبي على حقوق الإنسان)».
من جانب آخر، أكد الخبير الأمني مازن الشريف أن تنظيم «الدولة الإسلامية» ليس في حالة ضعف «كما يتوهم بعض أدعياء الخبرة، والمناوشات الجانبية ستعقبها ضربات في العمق، ويكون فيها إرهاب أسود لا يرحم».
وأضاف على صفحته بموقع «فيسبوك»: «للأسف تم هذا الأمر اليوم (الثلاثاء) باستهداف حافلة للأمن الرئاسي وتفجيرها. في عملية معقدة لها أبعاد مختلفة ورسائل عديدة من حيث استهداف الأمن الرئاسي تحديدا ومن حيث مكان الاستهداف: شارع محمد الخامس وقريبا من وزارة الداخلية. إنه المزيج بين ما أسميته الإرهاب المافيوي والإرهاب الاستراتيجي».
وتابع «حين تُعلن الدولة الحرب ويكون الإعلان مجرد كلام، فإن العدو لن يقف وسوف يضرب ويعلن الحرب فعليا ومن دون كلام. متى يفهم الحكام الدرس؟ والأكيد أن الأمر سيكون تصاعديا ودمويا جدا».
وكان وحدات من الأمن الوطني طوقت صباح الأربعاء منطقة «المروج» التابعة لولاية بن عروس المتاخمة للعاصمة، إثر ورود معلومات حول حقيبة مشبوهة بحوزة أحد الأشخاص، إلا أنه تبين لاحقا أن الحقيبة المذكورة لا تشكل أي تهديد.
يُذكر أن الرئاسة التونسية ووزارة الداخلية رجحتا في بلاغين منفصلين أن عدد ضحايا العملية الإرهابية ضد حافلة الأمن الرئاسي بلغ 12 قتيلا وعشرين جريحا، مشيرتين إلى وجود جثة مجهولة يُشتبه أن تكون لمنفذ العملية.
حسن سلمان