دمشق – «القدس العربي» : تزامناً مع اختفاء أي حديث عـن الوجود العسكري الإيراني، شهد ملف الجنوب السوري في اليومين الأخيرنين تطورات متلاحقة وقد تكون دراماتيكية في المقبل من الأيام فبينما دخلت روسيا بقوة على جبهة محافظة درعا أرسلت واشنطن ما يوحي بتخليها عن دعم المعارضة لقاء تفاهمات ثلاثية مع روسيا وإسرائيل. تزامناً تحدث مصدر رفيع المستوى لـ»القدس العربي» عن وساطة أردنية بين موسكو وفصائل المعارضة لإنهاء التصعيد العسكري في المنطقة الجنوبية، مرجحاً ان تكون النتائج «وسطية» بين الأطراف، وقال المصدر المطلع على التفاصيل، «إن هناك وساطة أردنية لدخول المعارضة في مفاوضات غير مباشرة مع الروس، حيث سينوب الأردن عن المعارضة على طاولة المباحثات، وننتظر الأيام القليلة المقبلة التي قد تكون حبلى بتفاهمات جديدة حول الجنوب السوري». وفي الوقت نفسه يصعد النظام السوري على جبهة درعا وسط نزوح كثيف للمدنيين من المدينة.
وأوضح المصدر الواسع الاطلاع أن دوافع الأردن تأتي من تخوفه الكبير من سيل النازحين الجارف الذي قد يعصف باقتصاد الأردن والتركيبة الاجتماعية فيه، لذا «فإنه يستعجل الخطى للوصول إلى التهدئة»، مضيفاً ان «النتائج المنتظرة تتوقف على الموقف الامريكي من الأردن ذاته إذ يقع الأخير ضمن المخطط الامريكي في حل المسألة الفلسطينية، فإن كانت الرغبة الامريكية تدور حول الحفاظ على الأردن فإنها ستتدخل لايقاف المعارك وإيجاد حـل سـياسي سـريع».
رئيس الوفد العسكري السابق إلى مفاوضات أستانة العقيد فاتح حسون أوضح لـ»القدس العربي» ان فصائل المعارضة في الجنوب «تعول على سلاحها»، مرجحاً «حدوث ضغوط إقليمية وخاصة من الأردن الذي يعتبر أكثر المتضررين الدوليين مما يحدث بسبب موجة النزوح للمدنيين باتجاهه، وقد ينتج عن هذه الضغوط تهدئة وتفاهمات».
تنصل أمريكي
ورأى المتحدث ان أمريكا غيرت أولوياتها في سوريا، وما عاد لاستمرار نظام بشار الأسد أو سقوطه أي أهمية مقارنة مع القضاء على داعش أو تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، مما أتاح لروسيا والنظام السوري المجال للاستفادة من خطة واشنطن، مضيفاً «لطالما وجهت النصائح لنا من دول كبيرة وفاعلة بالملف السوري بضرورة الاستفادة من العروض الروسية المقدمة لنا ما أمكننا، لا سيما في ظل تراجع الإدارة الأمريكية عن دعم الثورة السورية وعدم قدرتها على الوقوف في وجه روسيا سياسياً عبر مجلس الأمن، وقد كانت العروض الروسية متمثلة حينها باتفاقية خفض التصعيد حينما كانت معظم المناطق المحررة بأيدينا، حيث مضينا بالاتفاقية بسبب وجود ضمانات للتنفيذ».
ولكن روسيا انقلبت على الاتفاقية بذرائع مختلفة حسب المتحدث الذي اضاف ان موسكو قامت بحملات عسكرية مكنت القوى المعادية للثورة من السيطرة على الغوطة الشرقية فالقلمون فالريف الشمالي لحمص، وذلك بعد إيقاف الدعم الأمريكي عن فصائل الجيش الحر في الوقت الذي استمرت فيه بدعمها لقوات سوريا الديمقراطية.
ويرى البعض أن التهديدات التي اطلقتها الادارة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية خلال الأيام الماضية، والموجهة للنظام السوري وموسكو، حول منعهما من شن أي هجمات على المنطقة الجنوبية ما كانت إلا بهدف الاستهلاك الإعلامي، ولذا فإن رسالة الولايات المتحدة الامريكية الموجهة لفصائل المعارضة قبل ايام، عبر سفارتها في عمان، هي برأي محللين تنصل من تهديدات واشنطن ومؤشر على إبرام صفقة ثلاثية «روسية – أمريكية – إسرائيلية»، الأمر الذي أدخل درعا على خط المعارك بشكل مباشر. ويبقى
السؤال الملح الآن هل كان لروسيا ان تفعل ذلك لولا التفاهمات الدولية والإقليمية وموافقة الكيان الصهيوني على ذلك؟ فصائل المعارضة المنتشرة في درعا والقنيطرة فسرت الرسالة الامريكية على أنها نعي لاتفاق خفض التصعيد، وضوء أخضر مفتوح أمام روسيا والنظام السوري للقضاء على فصائل الجيش الحر.
وفي هذا الإطار قال العقيد خالد النابلسي أحد أبرز القيادات العسكرية في المنطقة الجنوبية ان «الرسالة الامريكية هي إعلان واضح لفتح الأبواب على مصراعيها أمام موسكو والنظام السوري والسماح لهم في شن الهجمة الموسعة على المنطقة الجنوبية ضد فصائل المعارضة، إذ باشرت المقاتلات الحربية الروسية بعيد الرسالة الامريكية بنحو ثلاثين دقيقة، بالإقلاع من قاعدة حميميم العسكرية باتجاه درعا ونفذت خلال يومين اكثر من 100 غارة جوية على مختلف مناطق درعا وأهمها منطقة بصر الحرير شرق درعا ومنطقة اللجاة».
وأضاف القيادي في المعارضة المسلحة «كل التصريحات الدولية حول الجنوب وبالرغم من تطميناتها مسبقاً الا ان فصائل المعارضة في المنطقة عززت من عمليات التحصين والتدشين والوسائل الدفاعية اللازمة وتم تشكيل غرف عمليات فرعية بكل منطقة ثم ربطت غرف العمليات بغرفة العمليات المركزية التي تدير وتنسق التعاون بين جميع الفصائل بهدف منع النظام من الاستفراد بمنطقة على حساب أخرى، كما شكلت فصائل المعارضة غرف عمليات مدنية للطوارئ سعياً منها في متابعة النازحين وتأمين أمورهم واحتياجاتهم». حيث كان التنسيق حسب المتحدث متوازياً بين الشقين المدني والعسكري «وسط تلاحم بين القاعدة المدنية والجهة العسكرية فيما يتعلق بالمواجهة وعدم تسليم المناطق للنظام».
وبيّن انه بالرغم من الموقف الامريكي بعدم دعم المعارضة، إلا ان الفصائل أعلنت موقفها معتمدة على تلاحم عناصرها واصرارهم على حماية ارضهم، عازياً السبب إلى ان «كل التجارب السابقة التي انتهت بابرام المصالحات والاستسلامات حملت عواقب وخيمة على الاهالي والمقاتلين والمدنيين حيث هجر سوادهم الأعظم فيما جند من اختار البقاء في صفوف النظام، ولهذا كان القرار بالصمود».
روسيا تدخل… وواشنطن تتخلى
وبدأت القوات الروسية بقيادة الحملة العسكرية للنظام السوري على جنوب البلاد، حيث قامت المقاتلات الروسية لأول مرة منذ توقيع اتفاق خفض التصعيد، بسلسلة من الغارات الجوية على ريف درعا الشرقي، خلال الساعات الماضية، مستهدفة من خلالها أكثر الجبهات تحصيناً للمعارضة السورية. وكانت واشنطن قد أبلغت فصائل المعارضة السورية العاملة في الجنوب السوري، بضرورة ألا تتوقع حصولها على دعم عسكري لمساعدتها على التصدي لهجوم ضخم تشنه قوات النظام لاستعادة مناطق يسيطر عليها مقاتلو المعارضة في جنوب سوريا ومجاورة للأردن ومرتفعات الجولان السورية المحتلة.
نص الرسالة الأمريكية، وفق ما نقلته وكالة رويترز، يطالب من المعارضة السورية «ضرورة ألا تبنوا قراراتكم على افتراض أو توقع قيامنا بتدخل عسكري، وإن الأمر يعود إليكم فقط في اتخاذ القرار السليم بشأن كيفية مواجهة الحملة العسكرية التي يشنها الجيش السوري بناء على ما ترون أنه الأفضل بالنسبة لكم ولشعبكم». وأضافت الرسالة، «إننا في حكومة الولايات المتحدة ندرك الظروف الصعبة التي تواجهونها ومازلنا ننصح الروس والنظام السوري بعدم الإقدام على إجراء عسكري يمثل خرقاً للمنطقة».
تخلي الولايات المتحدة الأمريكية عن المعارضة السورية في الجنوب، وانسحابها من الاتفاق الثلاثي الموقع مع الأردن وروسيا، تزامن مع دخول روسيا على سير المعارك، إذ تركز قصف المقاتلات الحربية على الريف الشرقي من درعا، وذلك بهدف عزل منطقة «اللجاة» عن المحافظة، تمهيداً لتجزئة المنطقة لقطاعات والتفرد بكل منها على حدة.
مخطط خبيث
قاعدة حميميم الروسية، ذكرت أمس الأحد، عبر معرفاتها الرسمية، أن «القوات الجوية الروسية ستشارك في دعم قوات الضابط السوري العميد سهيل الحسن في القضاء على ما وصفته بـ «الإرهاب» جنوبي البلاد دون النظر إلى تبعية تلك «القوى المتطرفة «والتي تتلقى الدعم من دول إقليمية عدة».
وأشارت «حميميم» إلى انضمام قوات «الجيش الحر» لقوات النظام السوري في 10 بلدات جنوب سوريا تزامناً مع الهجوم البري الذي تشنه القوات الحكومية السورية بدعم جوي من القوات الفضائية الجوية الروسية، الحدث الذي نفته مصادر عسكرية في المعارضة. قيادة روسيا لمعركة الجنوب، جاء بعد أيام فقط من نقل القناة الثانية العبرية عن مصدر رفيع المستوى قوله إن تل أبيب «وافقت على انتشار قوات الجيش السوري على حدودها الشمالية»، وأشار المصدر إلى أن الاتفاق تم بوساطة روسية، وأضاف أن الاتفاق يضمن «انتشار الجيش السوري في مواقع على الحدود مع إسرائيل، ولقاء ذلك، يعد الروس بعدم وجود الإيرانيين وحزب الله هناك».
الباحث السياسي السوري خليل المقداد، تحدث عن وجود مخطط وصفه بالـ»خبيث» يرسم لسوريا، والجنوب على وجه التحديد، يفيد بعدم سماح الأردن والكيان الصهيوني، بتسلل الفوضى إلى حدودهما، وخاصة ان إسرائيل لم يعد لديها مانع من عودة بسط نفوذ النظام السوري على الجنوب بدعم روسي مباشر، مشيراً إلى ان الخلاف الوحيد يتعلق بمدى ثقة إسرائيل بقدرة روسيا على «لجم الإيرانيين».
وقال المقداد ان الهدف الرئيسي من الحملة العسكرية على محافظة درعا، هو الوصول إلى الحدود مع الكيان الصهيوني، والمعابر الحدودية مع الأردن «القديم والجديد»، وأن هذه الحملة لا يمكن أن تتم إلا بتوافق إقليمي ودولي.
وأعرب عن خشيته من تحقيق أهداف المخطط «خاصة مع وجود فصائل تدور في فلك السعودية والإمارات والأردن وغيرها، وهذه التشكيلات جميعها ممسوكة بعامل الدعم المالي، عبر شخصيات «معارضة» لكنها تعمل لصالح النظام السوري وبسط سيطرته على كافة الأراضي السورية».
ولم يستبعد الباحث، خلق مسرحيات عسكرية على الأرض، من قبل بعض التشكيلات التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة، بهدف الطعن في مصداقية الفصائل التابعة للجيش السوري الحر الراغبة بالصمود أمام هجمات النظام السوري والمقاتلات الروسية.