نواكشوط – «القدس العربي»: أعاد صناع موريتانيا التقليديون المعروفون محليا بمسمى «لمعلمين»، قضيتهم للواجهة بعد هدأة تلت تفجيرهم لحراكهم قبل أشهر، حيث نشروا عريضة مطلبية اعتبروها «خريطة طريق مقدمة للمجتمع الموريتاني ولصناع القرار لرد الإعتبار لهذه الشريحة الكريمة وإعطائها حقوقها على كافة الصُّعُد وفي جميع المجالات».
وأكد قادة ثورة الصناع المعروفة بـ«حراك لمعلمين» في عريضتهم «أن الحراك ارتأى أن يخرج من الإطار النظري البحت إلى الإطار العملي، ليجيب من خلال هذه الوثيقة المطلبيّة على سؤال طالما تردد على الشفاه مفاده لماذا حراك لـمْعَلْمِينْ؟.. وماذا يسعى له لـمْعَلْمِينْ؟ ليضع أمام المجتمع الموريتاني وصانعي القرار الوطني هذا التصور ليشكل خريطة طريق لرد الإعتبار لهذه الشريحة».
وأشار الحراك «إلى أن هدف الاقتراحات العملية التي تضمنتها العريضة هو تحسين صورة هذه الشريحة لتَتَـبَوَّأ المكانة التي تستحقها تقديراً لدورها الريادي في خدمة المجتمع الموريتاني القديم، وتقديراً كذلك لتضحياتها التاريخية في محاربة الاستعمار ونشر دين الله، وتثميناً أيضا لمنتوجها التراثي والإرتقاء به والقائمين عليه، لينال التقدير والتكريم الذي يستحقه باعتباره ركناً ركيناً في هُوية الأمة الموريتانية ورافداً أساسياً من روافد ثقافتها».
وأقترح المحور الأول للعريضة «تأسيس إطار تنظيمي مؤسسي وقانوني يضمن للصناع التقليديين ومؤسساتهم المشاركة الفعلية في تسيير وتنظيم قطاعهم بشكل مستقل ودائم» فيما اقترح محورها الثاني «تنمية المصادر البشرية لهذه الشريحة عبر التكوين المهني والفني الذي سيكون له، حسب العريضة، الأثر البالغ على المدى البعيد في التغيير الإيجابي لنمط وسلوك الإنتاج لدى الصانع التقليدي وكذا تحسين ظروفه المادية والمعنوية».
وأما المحور السادس للعريضة فيقترح «توفير محيط أمني وصحي ملائم يقلل من إحتمال تعرض الصانع التقليدي الموريتاني للأخطار المهنية أثناء ممارسة نشاطه»، منتقدا «إهمال السلطات لقطاع الصناعة التقليدية (بمفهومها التراثي) من الخطط والبرامج التنموية في البلد وامتناع الممولين الخصوصيين عن الاستثمار فيه، مما يجعل هذا الجانب الهام من هوية البلد وتراثه الحضاري عرضة للتلاشي». وثمنت العريضة التجربة المغربية في مجال نفي الصبغة الفئوية عن الصناع التقليديين وتخليصهم من الحمولة السلبية اللصيقة به، عبر إقامة معاهد متخصصة تخرج شبابا ينحدرون من مختلف الشرائح الاجتماعية، مع تشجيع الخريجين على العمل في نفس القطاع بتقديم حوافز وإمتيازات مغرية». وأكد حراك لمعلمين «أن وثيقتهم قدمت إجابات مبسطة عن التساؤلات المتعلقة بحال وواقع شريحة «لـمْعَلْمِينْ» التي تعتبر، حسب الوثيقة، من أكثر الشرائح الموريتانية تهميشاً وإقصاءً على كافة الصُّعُد وفي جميع المجالات، مؤكدة «أن ما اتخذ من خطوات في سبيل تصحيح أوضاع هذه الشريحة لا يزال دون المبتغى».
وبلهجة مريرة أكدت الوثيقة «أن الصناع التقليديين الموريتانيين سئموا العيش في كنف الذل والتهميش والإقصاء وقد قبضوا على الجمر لعقود من الزمن، وطال انتظارهم لدخان أبيض تنفثه مداخن واقع مجتمع استمرأ غض الطرف عن معاناة جزء أصيل منه مراده أن يعيش في بيئة تنصفه وتقدره ولا تقصيه».
واقترح قادة ثورة الصناع التقليديين في عريضتهم المطلبية على الحكومة تجنيد الوسائل الإعلامية والمنابر الدينية لتصحيح الصورة النمطية التي بناها المخيال الجمعي عن الشريحة من خلال الخرافات المغلفة بغلاف الدين، مع إقامة منتدى وطني للحوار حول كيفية دمج هذه الفئة ومسايرتها للحياة الاجتماعية والنشاط الاقتصادي، وتشجيع المبادرات الهادفة إلى زيادة الحوار والنقاش حول ضرورة التجانس بين مكونات المجتمع الموريتاني».
وطالبت العريضة بتشجيع دخول أبناء شريحة «لـمْعَلْمِينْ» لجميع الوظائف السامية والسيادية بما فيها رئاسة الحكومة، إشراك المناضلين السياسيين من فئة لمعلمين في عضوية الهيئات القيادية للأحزاب، لضمان ولوجهم لقبة البرلمان والمجالس البلدية».
كما طالبت «بالنص على إشراك الصانعة التقليدية «لمْعَلْمَه» في الكوتا الممنوح للمرأة الموريتانية في الوظائف الانتخابية، مع إشراك نخب الشريحة في القرارات المصيرية والمنتديات والأيام التشاورية، ومنحهم فرصة إدارة المؤسسات الإعلامية وإشراكهمْ في إدارة بعض المجالس كالمجلس الدستوري والمجلس الأعلى للقضاء والمجلس الاقتصادي والاجتماعي».
وخلصت الوثيقة للتأكيد «بأن لا عيب في اعتراف أمة ما بأخطائها وسعيها لتصحيحها، وإنما العيب كل العيب أن تظل سائرة على نهج النعامة التي تعمد إلى دفن رأسها في التراب حتى لا تواجه المخاطر المحدقة بها». وكانت ثورة «لمعلمين» قد بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 عندما لاحظ أبناء هذه الشريحة عدم وجود أي واحد منهم بين الرموز الوطنية التي وشحها الرئيس الموريتاني في ذكرى عيد الاستقلال ذلك العام.
وشكل ذلك بداية احتجاجات قياديي هذه الشريحة، حيث طرحوا قضيتهم في ندوات فكرية ومقالات وأزجال شعبية، كما ألفوا كتبا تشرح واقعهم وتطالب بإنصافهم.
ورغم التحولات الكبيرة التي شهدها المجتمع الموريتاني في جميع المجالات، فما زال هذا المجتمع يشهد تراتبية توزع المجتمع إلى نبلاء ومن هم أقل شأنا، ويتجلى ذلك التراتب في أمور منه عدم التزاوج بين فئة النبلاء التي تضم مجموعتي الزوايا وحسان، مع المجموعات الأدنى في السلم كالصناع التقليدين والأرقاء السابقين.
وعانت شريحة لمعلمين من نسج توصيفات في المخيال الشعبي لا أساس لها في الواقع، حول أبنائها بينها ما يتعلق بأصولهم العرقية، وبينها الجشع وغرابة التحرك والحملقة الذي اشتق منهم تلقيب بطن من بطونهم بلقب «لحركات»، ومنها مص الدماء المعروف محليا بـ»السل» وغير ذلك.
ومع كل هذا فثمة عدد كبير من رجالات «لمعلمين» لهم الإحترام الكبير في المجتمع الموريتاني وبينهم العلماء الكبار والمهندسون البارعون ومنهم من يتسنمون ذروة شعراء الزجل الشعبي.
عبد الله مولود