تباينت، بل اختلفت التقييمات للإعلان «القنبلة»، الذي اختتم به الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) خطابه أمام الجمعية العام للأمم المتحدة في دورتها السبعين، المنعقدة في نيويورك يوم الأربعاء الماضي.
وفي خطابه تحلل الرئيس عباس من جميع الاتفاقات مع إسرائيل، بشقوقها الثلاثة السياسي والاقتصادي والامني، وهي الخطوة التي طالما طالبنا، إلى جانب الفصائل الفلسطينية، باتخاذها منذ زمن. واتخذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قرارا بشأنها في دورته التي عقدت في رام الله في مطلع مارس الماضي.
وفي إعلانه الذي لم يكن بالحسم الذي كنّا نرغب فيه ونتطلع اليه، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، دعا أبو مازن إسرائيل، التي اتهمها بتدمير كل الأسس التي قامت عليها جميع الاتفاقات، إلى تحمل مسؤولياتها واستحـــــقاقاتها كسلطة احتلال، لأن الوضع القائم لا يمكن استمراره. واستــــطرد «فإما أن تكون السلطة الوطنية الفلسطينية ناقلـــة للشعب الفلسطيني من الاحتلال إلى الاستقلال، وإما أن تتحمل إسرائيل سلطة الاحتلال، مسؤولياتها كافة».
قد يعيب البعض على هذا الإعلان بإنه ليس قاطعا وحاسما، وهو لذلك لا يفي بالغرض، وجاء متأخرا، وكان يفترض أن يتخذ قبل اكثر من 16 سنة، أي منذ انتهاء المرحلة الانتقالية في عام 1999، وهذا موقف لا خلاف عليه، ولكن كما يقال «أن يأتي متأخرا أفضل من ألا يأتي على الإطلاق».
وكما هي العادة فقد استقبل الاعلان أو «القنبلة» التي وعد أبو مازن بتفجيرها في نهاية الخطاب، كما قال في حوار لـ»القدس العربي» قبل أسبوعين»، بالتفاؤل من قبل البعض والتشاؤم جدا من قبل اخرين وهناك طبعا فئة المشككين التي تسخر من الإعلان بمجمله ولا ترى فيه أي بوادر إيجابية على الإطلاق، وتصفه بـ»الاستجدائي» وتقول إنه ليس قنبلة ولا يرتقي حتى إلى مستوى ألعاب نارية بالية.. طبعا لكل دوافعه وأسبابه ولن أغوص في التفاصيل. والموقف الرابع هو البين بين الذي يمثل الأغلبية.
تتقدم صفوف المتفائلين، بالطبع، حركة فتح التي يتزعمها أبو مازن، وعدد من الفصائل المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطيني المستفيدة، التي ترى في إعلان أبو مازن «قنبلة» حقيقية لا فقاعات أطفال، كما يصفها البعض ساخرا. ويقول هؤلاء إنها حقا قنبلة موقوتة شديدة الانفجار، وضعها الرئيس على طاولة الأمم المتحدة، فإما أن يتركها العالم لتنفجر في وجه الجميع لتطول شظاياها مجمل المنطقة.. ولن يطول الزمن، أو أن يتحرك لنـــزع فتيلها قبل فوات الأوان بإحيـــاء عملية السلام وإلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ممثلة بحل الدولتين وتوفير متطلبات ذلك وهذا ما نتمناه.
في الجانب الآخر هناك حركة حماس في قطاع غزة التي قللت من أهمية ما جاء في الخطاب، رغم أن اكبر قادتها في الضفة الغربية حسن يوسف ثمّن الخطوة واعتبرها متقدمة ومهمة في تصحيح المسار السياسي الفلسطيني، بعد سنوات طويلة من الخيبة.
وحددت حماس 5 مطالب قالت إنه لا بد من أن يتخذها الرئيس عباس حتى تتحقق مصداقية إعلانه، وهي اولا «الإعلان الحاسم» عن موت اتفاق أوسلو، وسحب الاعتراف بإسرائيل، وثانيا وقف التنسيق الأمني فوراً وإطلاق يد المقاومة في الضفة، وثالثا وقف الاعتقالات السياسية والإفراج عن كافة المعتقلين، ورابعا التطبيق الفوري لبنود المصالحة والبدء باجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ورفع الحصار عن غزة. وأخيرا التوجه فورا لمحكمة الجنايات الدولية لملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة. ومطالب حماس باختصار شديد اعلان الحرب على اسرائيل.. وهذا بالطبع طلب غير واقعي ولا تسير الأمور على هذا النحو..
وهناك المشككون الذين يَرَوْن أن كلمة عباس جاءت مخيبة للآمال وتعكس الحيرة والارتباك وغياب الخيارات. وأن هذا الخطاب لم يطرح سوى الشكوى والاستجداء والمطالب والتساؤلات، ولم يقدم خطة واضحة، بمعنى هل غدا سيكون الوضع غير ما هو عليه اليوم أو أمس. وفي النهاية لم يسمع هؤلاء صوت القنابل التي كما قالوا، وعد بها الرئيس عباس، لم يكن هناك أي قنابل في خطاب الرئيس ولا حتى «فتاش».
وفي اعتقادي فإن في موقف المشككين نوعا من الإجحاف ويشتم منه رائحة المزايدة لأغراض شخصية. وهل يعقل أن يطرح أبو مازن خطته إن كانت لديه خطة، على الملأ ومن على المنبر الدولي. فأبو مازن في ما قال وهو يعرف جيدا ما يقول، أخذ، حسب وصف مقربين، بالآية الكريمة «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك.. ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا».
أما البين بين ومنها «حركة الجهاد الإسلامي» و»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وغيرهما، فيرون في الإعلان، خطوة إيجابية يمكن البناء عليها والدفع نحو تنفيذ ما جاء بها خدمة للمصلحة العامة.. مصلحة فلسطين وشعبها وليس هذا التنظيم أو ذاك. بمعنى يجب نعطي لما جاء في الخطاب حقه في التقييم فلا ننتقص من قيمته ولا نبالغ فيه حتى نرى كيف يمكن بالفعل استغلاله واستخدامه، للخروج من المأزق الذي تعيشه القضية الفلسطينية، وسط الهجمة الشرسة وغير المسبوقة التي تتعرض لها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي هذه اللحظات على وجه الخصوص مدينة القدس المستهدفة بحملة طمس معالمها الدينية والتاريخية والحضارية.
ومع انني ميال بطبيعتي إلى الحسم في المواقف، وأعمل بالمثل القائل «اقطع العرق وسيح دمه « أو»اقطع الشك باليقين»، ومع إنني من منتقدي القيادة الفلسطينية في مماطلاتها في اتخاذ قرارات بشأن الكثير من القضايا منذ تأسيسها بعد اتفاق اوسلو، الا أنني في هذه المرة أميل إلى أن أكون في معسكر البين بين. لعدة أسباب أولها أن ما جاء في الخطاب، وهو ما كنا ندعو اليه ونطالب فيه منذ سنوات طويلة، وقد يرد البعض بالقول «لما يجي الصبي بنصلي على النبي».. ولكن في الوقت نفسه علينا إعطاء الامر فرصته الأخيرة والانتظار شهرا او شهرين قبل إصدار الحكم فهذا لن يغير من الامر شيئا.. والحكم على النتائج وليس النوايا.
ثانيا: أبو مازن الذي تجاوز الثمانين عاما من العمر قال ما قاله من على أعلى منبر دولي، وقادة العالم بل والعالم أجمع شاهد عليه..
ثالثا: أبو مازن، يريد أن ينهي حياته السياسية بعمل وموقف يحسب له لا عليه.. ولن يعطي وعودا فارغة للاستهلاك المحلي، لأن ذلك من شأنه أن يسحب الورقة الاخيرة من يديه ويديّ السلطة الفلسطينية.
رابعا: ونحن نقيم ما جاء في الخطاب لا بد وان نأخذ شخصية أبو مازن في الحسبان. ومن معرفتي بهذا الرجل فهو عنيد، وإذا وعد فإنه يلتزم بوعده، كما حصل في موضوع الانتخابات التشريعية عام 2006، التي اصر على اجرائها رغم رفض الامريكيين والاسرائيليين لها، ورغم توقعات استطلاعات الرأي التي بمجملها أكدت أن حركة حماس ستحقق فوزا ساحقا وهذا ما حصل.. وكذلك في تكليف اسماعيل هنية رغم معارضة حركة فتح، وكذلك الأمريكان، بتشكيل الحكومة، رغم أنه كان بإمكانه أن يختار اي شخص آخر، خاصة ان نظام السلطة هو نظام رئاسي وليس برلمانيا دستوريا. وكذلك ما حصل في مشروع الاعتراف بدولة فلسطين، الذي أصر على تقديمه رغم معارضة معظم الدول الغربية الممولة والولايات المتحدة. وهناك مثال اخر وهو الاصرار على موقف رفض الانتفاضة المسلحة منها وغير المسلحة، رغم عدم شعبية هذا القرار.
خامسا: نكوص القيادة الفلسطينية، بما وعدت به سيطلق المارد الفلسطيني من قمقمه ولن تستطيع كل الاتفاقيات، وعلى وجه الخصوص الأمنية، في ردع الشعب الذي طال كبته وهو يرى مقدساته تنتهك وتدنس وقدسه تهود وأرضه تصادر والاستيطان يلف حباله حول قراه ومدنه، ومنازله تهدم واطفاله وشبابه تعدم وتحرق ولا حياة لمن تنادي. وها هي البشائر بدأت بالعملية التي نفذتها قوات العاصفة كتائب فيصل الحسيني التابعة لفتح، التي قتل فيها ضابط كبير وزوجته بعد اقل من 48 ساعة على خطاب أبو مازن.
ونختم بالقول إن الافراط في التفاؤل يساوي المغالاة في التشاؤم والتشكيك.. وعلينا أن ننتظر ونراقب الأفعال على أرض الواقع «والمية كما يقول المثل تكذب الغطاس» وبعدها نصدر الأحكام.. وإن غدا لناظره قريب.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
علي الصالح
الظاهر أن هناك أوسلو 2
الله يستر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رابعا :تعني انه ديكتاتور