خطوات مهمة لتطبيع العلاقات بين السودان ودولة جنوب السودان

حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: يعتبر إعلان الرئيس السوداني عمر البشير، استئناف الخط الملاحي النهري بين مدينة كوستي وجوبا بدولة جنوب السودان، خطوة مهمة في تطبيع العلاقات بين الدولتين، التي شهدت توترا شديدا منذ انفصال الجنوب عام 2011.
وقال البشير إن بلاده لديها مسؤولية أخلاقية تجاه مواطني الجنوب الذين وصفهم بالأهل رغم اختيارهم طريق الانفصال.
وقدّم صندوق الأمم المتحدة المركزي لمواجهة الطوارئ في نهاية الأسبوع الماضي 7 ملايين دولار لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالسودان، تُخصّص للاجئي جنوب السودان. وكان البشير أمر بمعاملة لاجئي جنوب السودان بوصفهم مواطنين، لكن معتمدية اللاجئين السودانية قدمت مذكرة في آب/أغسطس الماضي لمراجعة القرار الخاص بمعاملة الجنوبيين الفارين من الحرب كسودانيين، معتبرة أن استضافتهم أكبر من طاقة الدولة.
وفي السودان أكثر من 200 ألف مواطن جنوبي معظمهم فروا من الحرب التي اندلعت بين حكومة الجنوب وفصائل متمردة.
ويعدُّ افتتاح محطة أم دباكر لتوليد الطاقة الكهربائية بولاية النيل الأبيض يوم الخميس الماضي، خطوة أخرى في تحسُّن العلاقات بين دولتي السودان وجنوب السودان، إذ تعتمد المحطة على بترول الجنوب، وتحتاج إلى 18 ألف برميل يوميا.
وأعلن البشير نهاية الشهر الماضي فتح الحدود مع دولة جنوب السودان لأول مرة بعد الانفصال في 2011 تزامنا مع انسحاب جيش جنوب السودان من الحدود لمسافة 5 أميال جنوبا وفقا لحدود عام 1956 وهي حدود الولايات الجنوبية عند استقلال السودان الموحد قبل الإنفصال.
ويتيح قرار فتح الحدود، التي تمتد لمسافة 2000 كليومتر حرية الحركة والتنقل والتجارة بدون قيود لأكثر من ثلاثة عشرة ملايين من سكان البلدين يعيشون على جانبي الحدود.
وحسب الباحث، موسى محمد الدود جبارة، فإنّ الأهمية
الاستراتيجية لمناطق التماس بين شمال وجنوب السودان لا تنبع من موقعها الجغرافي فحسب، بل لما تلعبه هذه المناطق من دور اقتصادي واجتماعي في إطار تعزيز الحراك الاجتماعي وتحقيق الإندماج والتمازج بين سكان البلدين.
ويرى موسى جبارة أن ثلث سكان السودان يوجدون على الحدود الجنوبية. فهناك81 قبيلة في تلك المناطق تمثل 14٪ من قبائل السودان.
وتتنوع أنماط الحياة وتوجد كميات تجارية من خام البترول السوداني بالحدود وكذلك بعض المعادن ذات القيمة الاقتصادية كالنحاس والحديد واليورانيوم والكروم في جبال النوبة، بجانب وجود الذهب في ولاية النيل الأزرق.
ويلفت موسى النظر إلى أنّ مناطق التماس تعدُّ من أهم مناطق السودان إنتاجاً للمحاصيل الغذائية والنقدية كالفول والسمسم والكركدي وحب البطيخ والدخن واللوبيا. وفضلاً عن ذلك، فإنّ هذه المناطق تنتج حوالي 60٪ تقريباً من صادرات السودان من الصمغ العربي والثروة الحيوانية، وتزخر بالثروة السمكية.
وشهدت مدينة جوبا يوم الأربعاء توقيع اتفاقية يتم بموجبها إمداد مصفاة الخرطوم بخام البترول، بغرض زيادة السعة التكريرية ومد محطة كهرباء «أم دباكر» بمدينة كوستي بخام النفط من حقول عدارييل لإنتاج الكهرباء لصالح الدولتين.
واتفقت الخرطوم وجوبا كذلك على تشغيل حقول الوحدة التي توقفت مؤخراً من أجل زيادة الإنتاج النفطي.
وشمل الاتفاق، إضافة لمد محطة «أم دباكر» بـ 18ألف برميل نفط، مد مصفاة الخرطوم بعشرة ألف برميل، ليصل إجمالي النفط المتفق عليه 28 ألف برميل.
ووافقت الخرطوم على طلب من جوبا بدراسة تخفيض رسوم عبور بترول جنوب السودان بعد انخفاض الأسعار عالميا، ووجه البشير بالشروع في هذا الأمر ويتوقع الوصول لاتفاق قريبا.
وقابلت دولة جنوب السودان قرارات البشير، بفتح الحدود بين البلدين ومراجعة رسوم عبور النفط الجنوبي، بارتياح شديد.
وامتدح سلفا كير التطور الذي حدث في العلاقات بين البلدين والذي أثمر في الفترة الأخيرة توقيع العديد من الاتفاقيات لمصلحة الشعبين.
وشهد شهر تشرين الأول/اكتوبر الماضي تمديد اتفاقية المساعدات الإنسانية، التي وقّعها السودان مع برنامج الغذاء العالمي لمدة ستة أشهر، ويجيء ذلك على خلفية توقيع
دولتي السودان مذكرة تفاهم في تموز/يوليو 2014 تم بموجبها الاتفاق على مسارات النقل لإيصال المساعدات الإنسانية لجنوب السودان عبر كل الطرق البرية والجوية والنهرية، وتقوم بتنفيذ هذا الاتفاق لجنة فنية مكونة من ممثلين لحكومتي السودان وجنوب السودان وبرنامج الأغذية العالمي.
ولم تتوقّف الجهود بين الدولتين منذ استقلال دولة جنوب السودان لتطبيع العلاقات. وفي 18 أيلول/سبتمبر 2011 وقّع السودان وجنوب السودان اتفاقا بشأن أمن الحدود، وهي أول مرة يوقع فيها البلدان اتفاقا بشأن الحدود التي يسودها التوتر، منذ إعلان استقلال جنوب السودان في تموز/يوليو 2011. وتم الاتفاق على إنشاء عشرة معابر حدودية داخل منطقة منزوعة السلاح على الجانبين، لكن هذا الاتفاق لم ينفذ.
وشهدت العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في عام 2012 توقيع اتفاق بين البلدين اشتمل على تسعة بنود، لكن تم تنفيذ اتفاق واحد بخصوص النفط. وبحسب مراقبين، فإنّ تعثر تنفيذ الترتيبات الأمنية أدّى لعدم تنفيذ بقية البنود، وساهم اندلاع النزاع بين الفرقاء الجنوبيين في عام 2013 في تجميد كل تلك الاتفاقات.
وفي أيلول/سبتمبر 2015 أنهى الرئيس الأوغندي، يوري موسوفيني، زيارة للسودان بعد عشرين عاما وجاءت الزيارة لمدة يومين ووصفت بالناجحة، وتباحث مع البشير في عدة ملفات ثنائية وإقليمية، وتزامنت الزيارة مع وجود رياك مشار- الذي كان يقود تمردا ضد سلفا كير- في الخرطوم.
وأشار بعض المراقبين إلى ارتباط تلك الزيارة بالضغوط التي مورست على فرقاء جنوب السودان وأجبرتهم على توقيع اتفاق سلام في شهر آب/أغسطس الماضي، إضافة للمتغيرات الدولية والإقليمية التي تصب في اتجاه جمع المعارضة السودانية-بشقيها المدني والعسكري- مع الحكومة على طاولة مفاوضات تنهي النزاع الذي خلق جوا من التوتر في المنطقة.
الاتهامات بإيواء مسلحين معارضين ظلت مستمرة قبل حدوث الانفصال، وتتهم الحكومة السودانية سلفا كير بإيواء حركات من دارفور، خاصة حركة العدل والمساواة، إضافة للحركة الشعبية شمال، وهي جناح الشماليين في الحركة الشعبية التي تحكم دولة الجنوب وتشن حربا بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. وفي المقابل تتهم حكومة الجنوب، السودان بإيواء ودعم متمرديها وعلى رأسهم رياك مشار، لكن هذه الاتهامات انحسرت كثيرا في الفترة الأخيرة.

صلاح الدين مصطفى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية