خير جواسيس الأرض!

حجم الخط
15

إذا كان أشرف مروان زوج منى ابنة جمال عبد الناصر وأحد كبار مستشاري أنور السادات في سنوات حكمه الأولى والرئيس السابق للهيئة العربية للتصنيع، جاسوساً لصالح إسرائيل بالفعل، فكيف تمكنت مصر من مباغتة إسرائيل بعبور خط بارليف؟ ولماذا لا نفترض أنه كان عميلاً مزدوجاً قام السادات بدفعه لتسريب المعلومات لإسرائيل قبل الانقضاض عليها في السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973؟
يتصور البعض أن طرح هذين السؤالين كافٍ لحسم كل ما يثار حول تجسس أشرف مروان لصالح إسرائيل، وهو موضوع يسبب الحديث عنه الكثير من الضيق للملايين من أنصار اليقين المطلق بأن كل من حكم مصر بعد 1952 ليسوا فقط معصومين من الخيانة، بل إنهم معصومون أيضاً من وجود خونة في الدوائر القريبة منهم، فضلاً عن عصمتهم من الفساد والفشل وضعف الكفاءة وسوء الإدارة.
لا يصمد السؤالان كثيراً في وجه المعلومات التي يكشفها كتاب «الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» للمؤلف الإسرائيلي يوري بار جوزيف، استناداً إلى شهادات أُخذت ونُشرت في حياة عدد من القادة العسكريين الذين شهدوا حرب أكتوبر 1973، أكدوا فيها أن أشرف مروان كان المسؤول عن تمكين الإسرائيليين من منع السوريين من السيطرة على مرتفعات الجولان في حرب أكتوبر، بعد أن أدى تحذيره بخصوص موعد بدء الحرب إلى استدعاء قوات الاحتياط قبل أربع ساعات من المعركة، ولولا ذلك لكانت إسرائيل قد تورطت في معركة طويلة مريعة بعد خسارة الجولان، وكان ذلك سيزيد من فعالية الهجوم المصري على سيناء ثم على جنوب إسرائيل، بشكل كان سيجعل خسارتها فادحة على كل الجبهات.
بالإضافة إلى ذلك فقد استفادت إسرائيل من معلومات أشرف مروان في لحظتين حاسمتين، الأولى حين قامت قاذفات مصرية بإطلاق صاروخي جو ـ أرض في اتجاه مقرات قيادة الجيش الإسرائيلي في تل أبيب، لكن إسرائيل كانت مستعدة لتلقي الصاروخين، وقامت بضربهما وإسقاطهما في البحر، لأن خطط الحرب التي نقلها مروان كشفت عن نية إطلاق مثل هذه الصواريخ على تل أبيب، ولولا ذلك لأحدث سقوط أي من الصاروخين في قلب تل أبيب ضربة ذات وقع هائل على الروح المعنوية للجمهور الإسرائيلي، أو على منحى تطور الصراع.
يكشف الكتاب أن إسرائيل بعد أن تجاوزت الفوضى العارمة التي تجلت في الأيام الأولى من الحرب على كل مستويات صناعة القرار، استفادت بعد ذلك من المعلومات التي سبق لمروان أن أمدها بها عن خطط الجيش المصري وقدراته، وصارت حظوظ الجيش الإسرائيلي أفضل بكثير في ساحة المعركة، وهو ما جعل رئيس الموساد يأمر بدفع مبلغ قدره مئة ألف دولار لأشرف مروان مكافأة على ذلك التحذير، وهو رقم فلكي بمعايير ذلك الوقت، بالإضافة إلى ما سبق له أن تقاضاه من مكافآت وهدايا، ثم تواصلت بعد اندلاع الحرب بأيام خدمات مروان لإسرائيل حين ساعدها على معرفة نوايا السادات في إدارة العمليات العسكرية، بعد الضربة الموجعة التي تلقاها الجيش المصري الثالث، بل حين أرسله السادات إلى سوريا كان أشرف في الوقت نفسه يلبي طلب الموساد بمعرفة ما الذي يفكر فيه الأسد حقاً بشأن القتال مع إسرائيل، ولقي تقرير مروان ترحيباً واسعاً لأنه كشف أن أفكار الرئيس السوري بخصوص الحرب مع إسرائيل كانت أقل عدائية بكثير مما كان يتوقع الإسرائيليون.
في معرض رده على الآراء التي تدعي أن أشرف مروان كان عميلاً مزدوجاً محنكاً، يقول مؤلف الكتاب، إنه كان على مروان في تلك الحالة أن يؤخر تسريبه لموعد الهجوم المصري السوري المشترك إلى وقت متأخر، لتصبح استفادة إسرائيل منه غير ممكنة، لكن ما حدث أن مروان لم يكن يعلم أصلاً بموعد الهجوم الذي أخفاه السادات عن كل المقربين منه، بمن فيهم وزير خارجيته محمد حسن الزيات، وأن مروان استنتج الموعد بالصدفة حين زاره في شقته في لندن صديقه محمد نصير رجل الأعمال الشهير في ما بعد، وقال له إنه سمع من المدير التنفيذي لفرع الخطوط الجوية المصرية في لندن أن هناك أوامر صدرت من وزير الطيران المدني بتغيير مواعيد رحلات الطيران، ولأن ذلك الإجراء كان جزءاً من خطة الحرب التي يعرفها أشرف وقام بتسليمها للإسرائيليين، فقد قام بتحذير إسرائيل في وقت كان كافياً لنشر الجيش النظامي استعداداً للحرب واستدعاء القوات الاحتياطية، بل توجيه ضربة استباقية، وكون إسرائيل لم تقم بتلك الخطوات، فسبب ذلك هو ارتباك قادتها، وعدم رغبة رئيس هيئة أركان الجيش إيلي عيزرا والخاضعين لنفوذه بأخذ تحذيرات مروان على محمل الجد، وكان عيزرا نفسه في ما بعد أكثر المتبنين لنظرية أن مروان كان عميلاً مزدوجاً. شارك مروان في لعبة خداع محكمة لعبها السادات، لكي يبرر عدم اقتناعه بتحذيرات مروان ومعلوماته.
يورد الكتاب تفاصيل كاملة للقاءات التي جمعت بين أشرف مروان ورئيس الموساد تسيفي زامير، الذي يصف مروان بأنه «أعظم مصدر حظينا به يوماً»، في حين يقول العميد عاموس جلبوع رئيس شعبة أبحاث الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في الثمانينيات، الذي اطلع بعناية على المواد التي قدمها مروان، أنه لم يظهر في تاريخ إسرائيل كله جاسوس «جعل مصر شفافة بالطريقة التي فعلها مروان»، في حين يصف العميد أهارون ليفران معلومات مروان بأنها «من النوع الذي ترغب فيه وكالات الاستخبارات طوال حياتها، وقد لا ترى مثلها إلا كل عدة أجيال»، وقد تم حفظ هذه المعلومات في أربعة مجلدات ضخمة في أرشيف الموساد، تتضمن جميع التقارير والوثائق التي قدمها، والتي كانت في أغلب الأحيان أصلية وليست مصورة، وهو ما كان يثير استغراب ضباط الموساد، حين يطلعهم أشرف عليها، فيقول ضاحكاً إنه مطمئن أن أحداً لن يفتشه، كما تتضمن توثيقاً لانطباعاته الشخصية التي تفوه بها في جلساته مع ضباط الموساد، والتي ساعدت قرائها من ضباط الموساد على تكوين فكرة جيدة عن الحياة في الدوائر العليا للمجتمع المصري.
لعلك لن تستغرب حين تعرف أن الأجهزة الأمنية في مصر قامت مؤخراً بوقف تداول طبعة مصرية كانت قد صدرت من كتاب «الملاك»، الذي كانت قد صدرت ترجمته العربية في بيروت مطلع العام الماضي، صحيح أن ذلك القرار جاء متأخراً بعد انتشار الكتاب على الإنترنت، لكنك لا يمكن أن تفصل القرار عن التعتيم الإعلامي الذي تم فرضه على صدور الترجمة العربية للكتاب، على عكس ما حدث حين صدرت طبعته الإنكليزية، قبل أن تحكم الأجهزة الأمنية قبضتها على الإعلام. وفي الوقت الذي يتم توجيه شراشيح التوك شو ومخبري الصحافة إلى رمي اتهامات الخيانة والعمالة لكل من يعارض نظام السيسي، يستمر فرض الرواية الأمنية التي ترى أن أشرف مروان كان بطلاً، بدون تقديم أي دلائل على بطولته المزعومة، وبدون الرد على الاتهامات الإسرائيلية التي لا تمس شخص مروان، بل تكشف عن اهتراء بنية الدولة المصرية التي يمكن لفرد قريب من رأس الدولة، أن يجعل كافة أسرارها مستباحة في وقت الحرب، فكيف هي حال البلاد إذن في وقت أصبحت إسرائيل هي الحليف الأبرز والشريك الأكثر حرصاً على بقاء نظام السيسي بأي ثمن لن يدفعه غير المصريين؟

ـ «الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل» ـ يوري بار جوزف ـ ترجمة فادي داود ـ الدار العربية للعلوم.

٭ كاتب مصري

خير جواسيس الأرض!

بلال فضل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عرفات ... مصر:

    …. اعتقد ان الرئيس السادات رحمه الله لم يكن ساذجا ، بل كان ثعلبا ماكرا ولولا أنه وضع اشرف مروان في هذا الوضع كعميل مزدوج ، مااستطاع ان يخدع مخابرات امريكا وروسيا وبريطانيا واسرائيل …. اما مايقوله الاعلام الاسرائيلي وبعض كارهو مصر والمصريين فهو تنفيذ لأسلوب الماسونيه العالميه بتشويه القيادات واظهار القدوة والمثل الأعلي في اسوأ الصور وذلك لقتل الوطنيه وحب الوطن ونزعها من قلوب الشباب .
    ماضية مصر في طريقها شاء من شاء وأبي من أبي …. واذا كان هناك من يشكك في مقولة ان جند مصر خير اجناد الارض .. فهل يستطيع ان يشكك في “” ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين “”

  2. يقول ربيع الديب.. مصر:

    ولما لا يكون السيسي ايضا جاسوسا.. تم زراعته في اعلي مناصب الدوله المصريه

  3. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    مرة اخرى ، تعليقات تثير الاستغراب !
    .
    بدايةً ، تقييم السادات ، و فترة حكمه و طريقة تفكيره و الأسلوب السياسي الذي استخدمه و اضاع به نصر جبار حققه الجيش المصري العظيم (حين قام بوظيفته الحقيقية ) ادى الى بكاء المشير الجمسي ، واحد من كبار قادة الجيش المصري عبر التأريخ ، حين علم بنتائج مفاوضات السادات (المنفرد لوحده) مع اسرائيل ، و الى استقالة و ابعاد واحد من اعظم العقليات العسكرية المعاصرة و هو الفريق سعد الدين الشاذلي ، و الى استغراب غير مفسّر للوسيط المفترض في المفاوضات ، وهو هنري كيسنجر ، الذي عبر عن استغرابه من تصرفات السادات و اندفاعه غير المبرر لاعطاء تنازلات كان لا يحلم بها اشد المتفائلين في القيادة الاسرائيلية ، ومن يريد الاستزادة يمكن الرجوع الى مذكرات كيسنجر نفسه ، و الى كتب هيكل عن حرب اكتوبر (وهو شاهد من الداخل ) و بالمناسبة ، ابتعد او ابعد هيكل لنفس الاسباب ، و ايضاً مذكرات سعد الدين الشاذلي ، اضافة الى سلسلة مقالات للدكتور الجزائري محي الدين عميمور ، نشرها قبل سنتين على صحيفة رأي اليوم !
    .
    اما موضوع تبرير ان اشرف مروان عميل مزدوج ، فما المقصود بعميل مزدوج هنا ؟!
    هل هو كان يشتغل لصالح اسرائيل و لكن يخدع مخابرات بلده بأنه يشتغل لصالحها وانها هي من جندته ، فتلك خيانة كبرى ايضاً !
    .
    هل هو كان يشتغل لصالح بلده مصر ، و يخدع المخابرات الإسرائيلية بأنه عميل لها ؟! ما رشح من الوثائق ، لا يتماشى مع هذه الفرضية ، لأن لدينا وثائق تثبت انه اعطى اسرائيل الكثير من المعلومات الصحيحة في التوقيتات الصحيحة ، قد يفهم انه يعطي بعض المعلومات الصحيحة لكي يكسب ثقة الطرف المقابل ولكن ليس الى الدرجة التي تؤذي بلده و تجعل العدو يقيمه بأنه افضل جاسوس حصل عليه خلال تأريخه و انه لا يتكرر مثله الا كل اجيال ! و تدفعهم الى اعطاءه مكافاءة خيالية بمقايسس ذلك الزمن!
    .
    هل كان يشتغل لصالح نفسه ، فخدع الطرفين ؟! ممكن – نظرياً – ، بحيث يعطي معلومات الى الطرفين بطريقة تبين لكل طرف انه يشتغل لصالحه ؟!
    ممكن ، و لكن هو كان الاقرب الى رأس القيادة المصرية و ليس الاسرائيلية ، فكيف يحصل على معلومات قيمة عن اسرائيل وهو ليس جاسوساً خفياً في موقع يتيح له التجسس على اسرائيل اصلأً !
    .
    و مع ذلك فرضية انه يشتغل لصالح نفسه ، إن ثبتت ، لا تعفيه من تهمة الخيانة العظمى !
    .
    تتمة رجاءاً …

  4. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    تتمة لطفاً …
    .
    اما موضوع ورود مصر في القرآن مثل ” وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ ”
    .
    ما علاقة هذه الآية بذلك الحديث ، وهل ذكر احد هنا مصر العظيمة و الكبيرة بسوء ، حتى يتهم بالتشكيك بها لا سمح الله ؟!
    .
    وهل كون انه لا يوجد حديث نبوي صحيح يشيد بأجناد مصر ، سيعني ذلك أن مصر كلها سيئة او غير آمنة ؟! أي منطق هذا ؟
    .
    و حتى هذه الآية ، هي على لسان سيدنا يوسف عليه السلام ، حين حكم مصر وجعلها آمنه بفضل سياسته الحكيمة و نزاهته المشهود بها ، و بعد ان عفا عن اخوته على ما فعلوه به ، و بعد ان ارسل اليهم ، وهو الحاكم بامر مصر ، اراد ان يطمأنهم ، ان لا يخشوا شئ من مجيئهم الى مصر و دخولهم اليها ، لأنه عفا عنهم ، و لذلك قال لهم انتم آمنين اذا دخلتم و لا تخشوا شئ ! حالة خاصة جداً بعينها و لا يمكن تعميمها لأننا نريد ذلك و نرغب به!
    .
    و لا يعني هذا كارت بلانش ان مصر آمنة على طول الأزمنة و الاوقات ، التدبر في الآية لا يعني ذلك البتة ، و الدليل مرت على مصر بعد ذلك اوقات لم تكن فيه آمنة ، بل هي ليست آمنة اليوم للجميع ، بل للكثير من اهلها ، المسجونين فيها اليوم ظلماً وعدواناً ، و اسأل تراجع السياحة ، و حالات قتل السياح ، التي جعلت الكثير يفكر مرات قبل ان يزورها ، فأي امان هذا بالله عليكم ؟!
    .
    الله سبحانه ، خاطب امة الأسلام الحقيقي ، وقال ،” كنتم خير امة اخرجت للناس” !
    .
    هل اليوم نحن خير امة ؟ بعد ان تركنا العمل بأسباب الخيرية هذه ، بالتأكيد كلا ، بل نحن الان من اسوء الامم و في قعرها!
    .
    فليس ذكر آية في القرآن ثم انتزاعها من سياقها ومعناها ، يعني انطباق ما جاء فيها على كل حالة و زمان و مكان !!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية