داعش أوروبا: المنبع قبل المصبّ

حجم الخط
9

 

محيرة، بدورها، تلك الحيرة التي تنتاب غالبية ساحقة من المختصين بالحركات الإسلامية المتشددة، والجهادية؛ إذْ يُطرح عليهم، أو يطرحون على أنفسهم السؤال المتكرر: ما الذي يجذب شاباً أوروبياً، ولد وترعرع في أنظمة ديمقراطية، علمانية من حيث قوانينها الوضعية على الأقلّ، إلى اعتناق عقائد متطرفة، ومتزمتة، وعنفية، وتنتمي بمرجعياتها إلى عصور ألفية سالفة، مثل «داعش»؟
هي حيرة محيرة، خاصة حين تصدر عن مراقب غربي يزعم الخبرة، والتبحر العميق، سواء في شؤون بلده أو في شؤون الإسلام الجهادي؛ لأنّ الأسباب التي تتيح انجذاب شباب الغرب إلى منظمات مثل «داعش»، وقبلها «القاعدة»، ليست كثيرة ومتشعبة وآخذة في التراكم، فحسب؛ بل هي، أيضاً، واضحة ومعروفة، ولا يحتاج إدراكها إلى تحليلات عويصة.
ليس هنا المقام المناسب لاستعراض تلك الأسباب، أو حتى أهمها، بالطبع؛ ولكن لعلّ من الواجب، في المقابل، أن يبدأ المرء من منبع الظاهرة، قبل بلوغ روافدها ومصباتها. وبهذا المعنى، وقبل البحث في عوامل جاذبية «داعش»، وسطوة فكرة الخلافة، ورغبة البعض في نصرة المظلوم ضدّ الظالم؛ يتوجب الوقوف على العوامل المحلية المختلفة، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية، التي تنفّر الشابّ الأوروبي من مجتمعه، في فرنسا أو بريطانيا أو هولندا أو الولايات المتحدة، وتدفعه إلى السفر آلاف الأميال بعيداً عن أهله وبلده.
ثمة أزمة الهوية، التي يعيشها المتحدرون من أصول غير أوروبية، حتى عند أولئك الذين ولدوا في أوروبا، ودرسوا فيها، ولم يعرفوا أية تربية أو ثقافة أخرى. وثمة أزمة الاغتراب الروحي، العتيقة والمقيمة، التي يمكن أن تعصف بأبناء الثقافة أنفسهم، لاعتبارات شتى قد تبدأ من رفض القِيَم المكرسة، الثقافية والأخلاقية والدينية؛ وقد لا تنتهي عند التوق إلى بدائل خلاصية. وثمة، غنيّ عن القول، أزمات البطالة والمعيشة والتفكك الاجتماعي ومشكلات الحياة اليومية في ظلّ أنظمة اقتصادية طاحنة وقاسية…
كذلك لا يجوز تناسي تلك الحقيقة الكبرى التي تقول إنّ نقل فكرة الجهاد من منظوماتها الفقهية والنظرية الصرفة، إلى تطبيقاتها الفعلية على الأرض وفي الواقع، كانت أساساً قد بدأت كصناعة استخباراتية غربية، وأمريكية بصفة خاصة. وهنا، يصعب على المرء مقاومة إغراء التفكير في تلك «المؤسسة الجهادية» التي أعطت أسامة بن لادن، والأفغان العرب، والطالبان؛ والتي خطط لها، وأطلقها للمرة الأولى، زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.
وفي حوار شهير نشرته أسبوعية «لونوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية سنة 1998، أعترف بريجنسكي بأنّ البيت الأبيض هو الذي استدرج السوفييت ودفعهم إلى خيار التدخّل العسكري والوقوع في المصيدة الأفغانية، ثمّ تمويل وتسليح الجهاديين ضدهم. ويسأله الصحافي الفرنسي فانسان جوفير، ألا يندم على دعم الأصولية الإسلامية، وما أسفر عنه ذلك من تدريب وتسليح إرهابيي المستقبل؟ يجيب بريجنسكي: «ما هو الأكثر أهمية من وجهة تاريخ العالم، الطالبان أم سقوط الإمبراطورية السوفييتية؟ بعض الغلاة الإسلاميين، أم تحرير أوروبا الشرقية ونهاية الحرب الباردة؟». ويلحّ الصحافي الفرنسي: ألا يُقال إنّ الأصولية الإسلامية تمثّل اليوم خطراً عالمياً؟ فيردّ بريجنسكي: «كلام فارغ!»…
والحال أنّ ذلك الخطر لم يكن البتة كلاماً فارغاً، في أية حقبة؛ فكيف في أيامنا هذه، حين تصبح «داعش» الشغل الشاغل لقوى الغرب العظمى!

صبحي حديدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أنا أقول لك ياأستاذ صبحي كيف تجند هؤلاء الأوروبيين بداعش

    1- الجهل بمقاصد الشريعة وبنفس الوقت الجهل بالدين
    2- الانترنيت وعناوين الجهاد والجنه
    3- الظلم الواقع على المسلمين كسوريا
    4- عدم النجاح بالدراسة وحياة الفراغ والملل
    5- عدم مراقبة الآباء لأولادهم وقلة النقاش معهم

    الحمد لله حصلنا من البلدية على صالة رياضية أيام الأحد بالمجان
    ندرس بها العائلة كاملة الكتابة والقراءة وحفظ القرآن داخل 3 فصول عدا النشاطات الاجتماعية والرياضية والترفيهية للجميع وكذلك اقامة الصلوات

    والأهم نعلم الذكور المراهقين أننا داخل أمان دولة لا يجوز بنا أن نغدر بهم

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول salem Ateek:

    بدايات داعش وأخواتها لا تختلف جوهرياً عن بدايات طالبان والقاعدة، فعملياً يد إمريكا وحلفائها خاصة الأوروبيين والخليجيين العرب ورائها، والوضوح في الحالتين ساطع، ولا يقبل الشكوك. أمّا لماذا إنقلبت واشنطن وحلفائها عليهم، لأن المصلحة الرأسمالية جشعة بطبعها ولا أصدقاء أو أمان لها.

  3. يقول عبدالله:

    اعتقد ان ربط المسألة بمنبع ومصب اوروبي قاصر وتنصل من مسؤولية الثقافة الاسلامية عن الظاهرة ..هناك ملايين من الشرق أسويين يعيشون في اوروبا والمسيحيين العرب والافارقة والبوذيين..وهم على تصالح مع موطنهم الجديد
    لواضح ان المسلمين المهاجرين ولاسباب دينية حافظوا على غربتهم في مجتمعات الهجرة ويشعرون تجاهها بالعدوانية والكراهية .

  4. يقول عبدالله عايض القرني:

    الجماعات التي خرجت علينا ، كخوارح من الشرق ، تغلغلت في نفوس شبابنا العربي ، لماذا ؟ لان شبابنا فقد المصداقية والواقعية من حكامهم ، فوجدوا في هذه الطوائف ظالتهم وهداهم ، وجدوا من يعبر عنهم ويأخذ لهم الحق الذي ذهب ، ولن يسترجع ، تركوا الالتزام والكلام المعسول ، والطيبة والمجاملة ، وجدوا ان هذه الطوائف بأنها التي ستنير الارض بعد سوادها ، تخرجوا من الجامعات والكليات وبقيت شهاداتهم حبيسة الادراج ، او رحالة معهم في كل مكان الى ان ذابت في ايديهم ، وهم يبحثون عن عمل ، وان ييخففوا عن ابائهم ما عانوه من مر الزمان ، ويصدمون بالواقع المرير ، فجاء من سيأخذ الحق لهم بالحديد ، كانوا مقهورين من الداخل مكبلين لا احد يقف معهم ، فجاء الامل من الشرق ، اشرقت الشمس لهم ومشوا وراء سعيرها ، جعلوا السلاح قوتهم والقتل هدفهم ، وقوتهم , غابت شمس الحقيقة في ضمائرهم ‘ اسودة الدنيا في اعينهم ، النسمة الباردة تحولت لغصة في حلوقهم . فما كان منهم الا ان تشبذوا بهذه الطوائق وكونوا قوة رادعة ، لا تخاف الموت ، لانهم اصلا ميتين حياة مريرة وايام فقيره ، فاحتوتهم هذه الفئة عرفت من اين تؤكل الكتف ، وخاصة انها تعرف انهم على صفيح ساخن ينتظروا الاشارة فأتتهم ، ولم يترددوا ، فرؤساء الدول العربية حاليا اصبحوا يجرون خلف من يحميهم ، ويدرء الخطر عنهم ، الا يدرون انهم هم الخطر بأكملة وهم السبب في انتشاره ، لم يكن هناك لبيبا يفسر وسيتنج هذه الثورة ، لماذا شبابنا انساقوا وراءها ؟ ان لم تجد الدول العربية حلولا سريعة واستقطاب شبابها وحتوائهم وتسخيرها للعمل الجاد والنبيل ، فالوضع سيكون خطيرا لابعد ما يتصورون وستأتيهم اياما سود وسموم حموم لا بارد سقيم يغلي في البطون ،

  5. يقول عبود:

    صحيح أن المسلمين في أروبا مهمشين وغير مندامجين لكن سفرهم إلي القتال في سوريا ليس عفوي بل منظم ومدبر وربما تقف وراءه مخابرات
    إذا صدقنا نظرية وجود مخطط لضرب السنة فإن الشخص أو الجهة التي خططت لضرب السنة اعتمدت استراجيتان الاستراجية الاول هي داعش والاستراجية الثانية هي الاسلام المعتدل حتي لا يبقي للسنة خيرات اخري بعد ان فشل الاسلام المعتدل بقت ورقة داعش وداعش التي استولت علي الاف المقاتلين الاروبيين وربما قدمت المخابرات الاروبية هؤلاء المقاتلين هديةالي داعش اصبحت ورقة داعش خطر والمعادلة التي رسمت لضرب السنة اصبحت نتيجتها وخيمة علي الجميع

  6. يقول S.S.Abdullah:

    يا سلام عليك يا صبحي حديدي في تحليلك وتفكيكك وغزارة المعلومات التاريخية التي تضيفها وعلو درجة مصداقيتها. وأضيف يجب الانتباه إلى أنَّ القاعدة شيء والجهاد الأفغاني شيء آخر، فالقاعدة تم تأسيسها وفق مبادئ التكافل الاجتماعي لرعاية أهالي المجاهدين أي ليس لها أي بعد غير اجتماعي هذا أولا.
    ثانيا لكي نفهم الحرب في أفغانستان من أجل احتلاله من قبل الاتحاد السوفيتي علينا أن نفهم الحرب في فيتنام من أجل احتلاله فرنسيا أولا وبعدها أمريكيا فالعلاقة بينهما قوية جدا.
    ولفهم كثير من خفايا الحربين التي تبادل فيها الأدوار النخب الحاكمة بين الجانبين تشغيل مصانع السلاح لاستفادة مادية صرفة للنخب الحاكمة، هوليود أنتجت فيلم يُبين دناءة النخب الحاكمة في الجانبين في موضوع تعاملهم في احتلال أفغانستان وكان اسم الفيلم “تشارلي ويلسون وور”
    http://en.wikipedia.org/wiki/Charlie_Wilson's_War

    وتعليقا على عنوان الموضوع أقول الديمقراطية لو كانت تقبل بالتعدديّة لما بحث الشباب في أي مكان آخر ليتنفسوا به عبق الحريّة التي فتحت عيونهم عليهم العولمة وأدواتها، والدليل على ذلك موقف حركة النهضة في تونس من جميع التيارات الإسلامية والتي لم تعترف بها زعيما هناك هي من عملت على شيطنتهم والدليل على ذلك مصطلح جهاد النكاح من أطلقه كان وزير داخلية حكومة النهضة، ومن المثير للدهشة أنّ أول من فنّد هذه الفرية والكذبة كانت امرأة علمانية من تونس وهذه تحسب لها وضد حركة النهضة
    ما رأيكم دام فضلكم؟

  7. يقول جهاد:

    لا يوجد اى عاقل او مسلم مهما كان القهر والمرارة والظلم والبؤس ان يذهب لجماعات تكفيريه تقتل العزل وتسبي نسائهم..
    هؤلاء اصفم بالمرضى النفسيين
    المريض نفسيا لا يهمه ان كان يعيش فى اوروبا المتقدمة او الدول العربية المتخلفة
    هؤلاء بحاجة الى علاج
    الله يرحمنا برحمته

  8. يقول م . حسن . هولندا:

    دموية داعش هي ماتخيف بعض الأوساط في الغرب لأنها تهدد مصالحة الحيوية بالمنطقة . وليس بضع عشرات من المراهقين الذين يبحثون عن هويتهم في بلاد أجدادهم ورغبة منهم أن يروها بلاد متحضرة تسودها حقوق الإنسان والحرية مثل البلاد التي ولدوا فيها . ربما شوهت العنصرية البغيضة المدمرة وجدان بعضهم لأنهم لم يتمتعوا بكل ميزاياها لأسباب متعددة . الي جانب الخداع والكذب والزيف من جانب صيادى المراهقين السذج الذين لايعرفون الكثيرعن الحياة بعد , لتجنيدهم في حروبهم القذرة والعنصرية أيضا , عندها قد يكتشفوا سذاجتهم . الشباب في مقتبل العمر هم دائما وقود لحروب المجانين وتجار السلاح والأوهام والحروب الطائفية .

  9. يقول طارق ابن زياد:

    المخابرات الاوربية تدعي القلق من ذهاب الجهادين الى سوريا ، لكن الحقيقة هي ترسلهم كي تخفف بقدر الامكان من اعداد المسلمين المتشددين .

إشترك في قائمتنا البريدية