«داعش» وقيادة الجهاد العالمي: تشوهات النشأة وحصاد الممارسة

حجم الخط
2

لندن – «القدس العربي»: من يقود حركة الجهاد العالمي اليوم؟ الدكتور أيمن الظواهري أم أبو بكر البغدادي؟ سؤال طرحه أكثر من معلق و «خبير» في شؤون الحركات الجهادية العالمية وظاهرة التشدد الإسلامي. ومدعاة هذا السؤال هو التقدم الذي حققه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» في كل من سوريا والعراق منذ بداية عام 2014 وسيطرته على الموصل وتكريت في حزيران/يونيو الماضي.
فمن قال إن أبو بكر البغدادي هو من يقود الجهادية العالمية استند إلى حقيقة سيطرته على مناطق في سوريا والعراق التي تبلغ مساحتها مساحة هولندا وهو أمر لم يحققه أي تنظيم من قبله، إضافة لما رشح من بيانات تواترت في شهر آب/أغسطس عن دعم تلقاه «داعش» من تنظيمات محلية للقاعدة، تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، «أنصار الشريعة» في ليبيا وتونس وطالبان الباكستان. وهناك بعض التمظهرات التي لم تكتمل بعد عن استنساخ للتنظيم في غزة، حيث تساءلت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية عن سبب الحريق الذي اندلع في مخزن تابع للمركز الثقافي الفرنسي في غزة. وفي مصر بثت جماعة «أنصار بيت المقدس» صورا لقطع رؤوس جنود تحاكي ما يقوم به «داعش» مع الرهائن الأجانب.
كل هذه التطورات تشي بتحرك جيل القاعدة الشاب نحو «داعش» باعتباره قائد الجهادية العالمية حيث فسر إعلان زعيم تنظيم القاعدة الظواهري في إيلول/سبتمبر عن إنشاء فرع في شبه القارة الهندية كمحاولة يائسة منه للإمساك بزمام الأمور. ومن الباكر الحديث عن قيادة للجهادية العالمية، فصعود دولة البغدادي قد يكون مدعاة للحديث عن خروج البيعة من يد الظواهري، لكن إعلان البغدادي عن «الخلافة» لم يلق قبولا من منظري التيارات السلفية الجهادية ولا من القيادات الدينية الرسمية أو مفكري الحركات الإسلامية، فشرعية البغدادي لا تزال محل تساؤل، ومصيره ودولته معلقان على الهواء في ظل التحالف العالمي ضده والمعادلات الجيوسياسية التي لن تسمح بطالبان جديدة في قلب المتوسط أو تورا بورا في العراق وسوريا. وعلى ما يبدو فالمسألة أعقد من التحليل المتسرع والتعليقات التي تلقى جزافا.
ويجب أن نضع تنظيم الدولة الإسلامية في سياقه الصحيح، فهو نموذج متطرف من التنظيم الأول «التوحيد والجهاد» الذي تسمى لاحقا باسم الدولة الإسلامية في العراق- القاعدة الذي أنشأه أبو مصعب الزرقاوي، حيث نجح الأخير في بناء حركته في السياق العراقي في مرحلة ما بعد صدام حسين والإحتلال الأمريكي لكنه لم يكن محل رضى من قيادة القاعدة المركزية في الباكستان وأفغانستان، ذلك ان الرمز المؤسس أسامة بن لادن كان على قيد الحياة ويحظى بشرعية عالمية بين الناشطين الجهاديين.
ومن هنا جرى تقريع الزرقاوي على أساليبه القاسية وذبحه للأمريكي نيكولاس بيرغ وغيره من الرهائن الأجانب في العراق. وعليه فنزوع البغدادي الذي عمل في صفوف القاعدة في العراق قبل سجنه عام 2004 في سجن «بوكا» للقتل والتحشيد الطائفي نابع من كونه امتدادا للظاهرة التي بدأها الزرقاوي ولكنها أصبحت أكثر تطرفا وشدة لدى البغدادي وأتباعه من المقاتلين الأجانب.
وجاء صعود «داعش» نتاجا لعوامل محلية في العراق وسوريا، طائفية رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وتهميشه للسنة، وفوضى الحرب الأهلية في سوريا. أما العوامل الخارجية فمرتبطة بالضرورة بحركة الجهاد العالمية والفشل الذي أصابها في مرحلة ما بعد بن لادن. فظهور البغدادي على خريطة الجهاد العالمي جاء في وقت فقدت فيه القيادة المركزية للقاعدة قدرتها على التحكم بالتنظيمات والفروع التابعة لها عالميا، فبعد تسلم الظواهري القيادة في حزيران/يونيو 2011 حاول الزعيم الجديد تعزيز قوته وسيطرته على القاعدة لكنه لم يكن قادرا على فعل هذا بسبب وضعه كملاحق يتنقل دائما في المناطق الحدودية الأفغانية- الباكستانية، عدم توفر الجاذبية القيادية لديه وطريقته في القيادة التي لم تكن تحظى بإجماع. فالظواهري الذي يعتبر العقل المنظر للقاعدة والذي أكد على تسيد الفكر الجهادي المصري الأفكار الأخرى التي تلاقت على الساحة الجهادية الأفغانية في ثمانينيات القرن الماضي، سلفية، إخوانية وجهادية ظل يكافح لمركزة القاعدة حتى عندما كان بن لادن حيا، لكن أفكاره لم تكن عملية ولم تطبق والحالة هذه. يضاف إلى هذا أن الظواهري ورث حركة واسعة باتت فيها الفروع المحلية أقوى من المركز، كما هو الحال في اليمن والصومال والمغرب العربي، وجاء الظواهري في وقت فقدت فيه القاعدة القدرة على شن هجمات عالمية على غرار 9/11 أو قطارات مدريد أو أنفاق لندن.
وفوق كل هذه قتلت الطائرات الأمريكية بدون طيار – درون- عددا من قيادات الوسط والقادة المهمين للقاعدة مثل أنور العولقي، إلياس الكشميري وهارون فضول وعطية الليبي ومصطفى أبو اليزيد. وعليه لم يكن الظواهري بقادر على إدارة أو التدخل في الشؤون اليومية لهذه الفروع المحلية. وعلاوة على ذلك لم يعد الظواهري الذي يمثل «الحرس القديم» يستوعب التطورات الحاصلة على الجيل الثالث من أبناء القاعدة وفي مرحلة ما بعد الربيع العربي، ولعل مشكلته مع البغدادي حول من يقود القاعدة في الساحة السورية هي تعبير عن صعوبة مركزة القرار داخل القاعدة. فقد حاول الظواهري فرض أبو محمد الجولاني زعيم «جبهة النصرة» لأهل الشام على المقاتلين في سوريا إلا أن المحاولة انعكست سلبا بل وأدت لتقوية جناح البغدادي الذي قاد معه «المهاجرون» أو المقاتلين الأجانب، وعزز من صفوفه وسيطرته على الساحة.
وخسر الظواهري الرهان أو الحرب الأهلية داخل صفوف الجهاديين التي أشعلها وجند فيها إلى جانب النصرة جماعات أخرى إسلامية مثل «أحرار الشام». ولعل فشل الظواهري في سوريا التي تحولت إلى مركز الجهاد الذي كانت تبحث عنه القاعدة، يعكس فشله في الساحات الأخرى، في منطقة الساحل حيث سحقت القوات الفرنسية تنظيم القاعدة في شمال مالي، وفي مصر التي ظلت تمثل ورطة ورمزا لاحلامه الضائعة فشلت جهوده في هندسة ثورة هناك، فقد تم الكشف عن خلاياه وواجه الجيش المصري الجماعات المسلحة في سيناء بقسوة بالغة.
ووصف البعض ما فعله الظواهري في سوريا بأنها حرب أهلية «فتنة» داخل الحرب الأهلية والتي عززت في النهاية من قوة البغدادي. وفي أماكن أخرى دخلت بعض تنظيمات القاعدة حروب تصفية بين قيادتها كما حدث في حركة الشباب الإسلامي، وما قيل إن أحمد غوداني، الزعيم الذي قتلته الطائرات الأمريكية الشهر الماضي استهدف عددا من رموز التنظيم للإستئثار بالسلطة. وبالمحصلة فشل الظواهري في جمع شتات القاعدة ومنع الإنقسامات. ولم يبق من بيت الورق الذي شيده سوى حركة الشباب الإسلامي التي تراجعت هي الأخرى وفقدت آخر معاقلها الشهر الماضي أما بقية التنظيمات القاعدية فقد تحولت نحو دعم البغدادي.
وهنا يعود السؤال الذي بدأنا به عن مصير وقيادة الجهاد العالمي؟ في ورقة نشرها معهد أبحاث السياسة الخارجية في آذار/مارس 2014 طرح كلينت واتس ثلاثة سيناريوهات حول قيادة الجهاد العالمي، وكان أولها صعود «داعش» على حساب القاعدة.
وعلق على هذا السيناريو قائلا إنه قد يحدث في أشهر نظرا للدعم الذي تلقاه البغدادي من الفروع المحلية للقاعدة خاصة من شمال إفريقيا واليمن وهو الوضع الذي نشاهده اليوم. أما السيناريو الثاني فهي حرب أهلية بين «داعش» والقاعدة، أي استمرار الحرب التي بدأها الظواهري ضد البغدادي. ورغم أن هذا السيناريو يخدم الغرب إلا أن صعود «داعش» وتراجع القوى المحلية في سوريا، النصرة وأحرار الشام والجبهة الإسلامية يعني استمرار سيادة تنظيم الدولة الإسلامية. بل إن هناك نوعا من التقارب بين تنظيم القاعدة في سوريا- جبهة النصرة و»داعش» بعد الضربات الأمريكية على سوريا قبل اسبوعين. أما السيناريو الثالث فهو تفكك القاعدة بناء على الولاءات المحلية والإقليمية وغياب التنسيق بينها، وهذا سيناريو محتمل على المدى البعيد وهو ما ينشأ عادة على الحركات القوية التي تبدأ تتفكك بناء على الوقائع المحلية وتراجع الصلة بين المركز والهامش.
في الوضع الحالي يواصل «داعش» تسيده المشهد الجهادي بسبب معاركه اليومية وأشرطة الفيديو التي يذبح فيها الرهائن والهجمة الدولية عليه، لكن هناك مشكلة تواجه التنظيم عند مقارنته بالقاعدة على صعيد الأيديولوجيا والبرنامج والقيادة. فـ»داعش» يظل تنظيما محليا بدون أدبيات سوى تلك التي يستلهمها من العقيدة الوهابية- السلفية، أما برنامجه فهو متركز الآن في منطقة الهلال الخصيب كما يوحي اسمه، لكن لا يعني أن طموحاته متركزة في هذه المنطقة، فقد أصدر تهديدات ضد الأردن والسعودية وهو ناشط في لبنان ويقال إن لديه خلايا نائمة في تركيا. وتظل في النهائة رؤيته محلية ولم يظهر ميلا لاستهداف الغرب داخل أراضيه كما هو حال القاعدة التي ركزت جهودها على مواجهة «فسطاط» الكفر في معاقله- الغرب وأمريكا. أما على صعيد القيادة فالقاعدة اعتمدت القيادة المركزية حتى هجمات إيلول/سبتمبر وحتى وقت قريب كان لديها صف من القادة الجذابين ممن لديهم القابلية على الحديث والتنظير. وفي المقابل تعتمد قيادة البغدادي على مجموعات من الضباط السابقين والذين يفضلون العمل والتخطيط في السر دون العلن.
ومن ناحية التواصل أعتمدت القاعدة على أساليب التواصل الإعلامي التقليدية- فيديو وكاسيت ورسائل، وطور بن لادن خطابا أدبيا كلاسيكي النزعة، وكان حريصا على لقاء الصحافيين وإنتاج اشرطة خطبه، أما «داعش» فلا يظهر قادته سوى الخطبة اليتيمة التي ألقاها البغدادي من المسجد النوري في الموصل، واستغنى البغدادي عن الصحافيين بالإعلام الجديد، فقد أتقن التنظيم التواصل الإجتماعي ولديه جيل من المتعاونين ممن يوصلون رسالته للعالم وبأكثر من لغة.
ولعل ما يفرق «داعش» عن القاعدة هو تفسيره المتشدد للسلفية بدون أن يكون لديه فقهاء أو منظرون، ووحشيته في التعامل مع المخالفين حيث يشهر سلاح التكفير في وجه من يقف أمامه ومبالغته في الحشد الطائفي وهو وضع أملاه صعود الشيعة في العراق وتهميش السنة.

إبراهيم درويش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    هل داعش أصبحت الملاذ الأخير للسنة المظلومين
    مع الأسف أقول نعم
    فمالم يتحقق العدل للسنة ممن ظلمهم فداعش ستتمدد

    داعش مخترقة من الجميع والجميع محتشد ضدها

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول واثق السعاده/جامعه لايدن /هولندا:

    داعش ليس عن غباء غاب في خطابها التهديد للغرب كما كان الحال مع القاعده وداعش تستمد شرعيتها من التنظيمات التي بايعتها وليس بالضروره ان تستمد شرعيه مطلقه وغياب القاعده الفعلي منذ احداث سبتمبر ومقتل ابن لادن وتولي الظواهري زمام الامر وفشله في ذلك جعل كوادر او مقاتلي صفوف القاعده بالانسحاب التدريجي من صفوف القاعدهوالانضمام الى حركات او جماعات تنظيميه محليه اخرى وذلك لاسباب قد تون ايدولوجيه ومنها انه لا يستطيع مقاتل القاعده البقاء جالسا دون عمل وقتال في حين ان هناك اماكن صراع ملتهبه وظهرت فيها جماعات مقاتله اضافه الى مفهوم التكسب المادي من خلال الغنائم والسبايا وهي مغانم اصبحت تسيل لها لعاب المقاتلين الجدد

إشترك في قائمتنا البريدية