لندن ـ «القدس العربي»: أشارت آخر دراسة عن حالة تنظيم «الدولة» إلى أنه خسر في الأشهر التسعة الاخيرة مناطق استراتيجية وعلى قاعدة غير مسبوقة.
وذكرت الدراسة التي أعدها مركز «أي أتش أس كونفليكت مونيتور» أن حجم ما يطلق عليها «الدولة» تقلص وأصبح بحجم سريلانكا بعدما كانت مساحتها تعادل بريطانيا عام 2014. وتأتي تراجعاته في وقت أصبح يواجه فيه ضغوطاً على أكثر من جبهة في الموصل ودابق التي تحمل أهمية رمزية في أيديولوجيته باعتبارها مسرح الحرب النهائية بين الخير والشر. وكشفت دراسة المركز عن خسارة التنظيم نسبة 16% من أراضيه خلال الأشهر التسعة الماضية.
ونقلت صحيفة «إندبندنت» عن مدير المركز كولمب ستراك قوله إن «خسائر التنظيم تظل متواضعة إلا أنها غير مسبوقة من الناحية الاستراتيجية»، وأضاف أن «خسارة المناطق الحدودية المهمة له للتهريب من وإلى تركيا حجمت من قدرته على تجنيد أعداد جديدة من المقاتلين الأجانب، فيما تخطط الحكومة العراقية للقيام بهجوم على الموصل».
ويقول محللون إن تنظيم «الدولة» خسر 1080 ميلاً مربعاً من أراضيه في تموز/يوليو ولم يعد يحكم إلا 25 ألف ميل مربع، مشيرةً إلى أن حجم الأراضي في بداية عام 2015 كان 35 ألف ميل مربع، أي ثلث الأراضي السورية والعراقية.
ولم تقتصر خسائره على الأراضي بل تأثرت موارده المالية من خلال ضرب قدراته المالية وتراجع أسعار النفط الذي كان يعتمد على تهريبه لإدارة مناطقه.
وقتل التحالف الدولي عدداً كبيراً من قادته البارزين كان آخرهم عادل حسن سلمان الفياض المعروف بـ»أبو محمد الفرقان» والذي كان يشغل منصب «وزيرإعلام» التنظيم، وقتل التحالف قبله المتحدث باسم التنظيم ومسؤول العمليات الخارجية أبو محمد العدناني.
ويعتقد كما نقلت صحف غربية أن قادة التنظيم فروا من معقليه المهمين في الرقة والموصل إلى المناطق الريفية ومنهم أبو بكر البغدادي كما أوردت مجلة «إيكونومست» في عددها الأخير.
لا تحولوه إلى رمز
وفي هذا السياق كتب مايكل روبن، المسؤول السابق في البنتاغون، والباحث المقيم في «أمريكان انتربرايز انستتيوت» مقالاً بمجلة «نيوزويك» دعا فيه لعدم قتل البغدادي وأشار إلى أهمية إلقاء القبض عليه حياً وسجنه كطريقة لإنهاء جاذبية تنظيمه.
ويقول روبن إن الهجوم المحتوم على الموصل فتح المجال أمام تكهنات حول نهاية قريبة للتنظيم. وأضاف روبن أن أبو بكر البغدادي أصبح رمزاً للتنظيم وسيكون مقتله لو حصل جائزة كبيرة ينتظرها الرئيس باراك أوباما.
وسيتمكن في أيامه الأخيرة في البيت الأبيض من إنقاذ إرثه السياسي الذي تأثر بصعود الجهاديين في كل من العراق وسوريا. مشيراً إلى أن مقتل زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في 2 أيار/مايو 2011 قوى مصداقية أوباما في مجال الأمن القومي وأسكت أصواتاً ناقدة له.
وبعد أيام من مقتل بن لادن أعلن عدد من الصحافيين الكبار عن موت «القاعدة» وكافأتهم الولايات المتحدة المنتصرة على تصريحاتهم بمأدبة غداء خاصة في المكتب البيضاوي. ويعلق روبن «دعونا نتأمل أن لا يواجه البغدادي تجربة الرحيل السريع من عالم الأحياء كما حصل لإبن لادن، ذلك أن أنهيار تنظيم «الدولة» لن ينهي الضرر الذي جلبه».
ويرى الكاتب أن حالة الثائر اللاتيني أرنستو «تشي» غيفارا مهمة. ففي الوقت الذي ساعدت فيه وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية الحكومة البوليفية على ملاحقته وقتله، إلا ان «المختل القاتل» أصبح رمزاً للعدالة الاجتماعية ونموذجاً لطلاب الجامعات في كل أنحاء العالم. ومقارنة مع وضعية غيفارا البطولية فإن إبيميل كوزمان زعيم حركة «الدرب المضيء» في بيرو والمسؤول عن مقتل مليون شخص، لم يحظ بهذا الشرف حيث يقبع في السجن بعدما ألقت القوات البيروية عليه عام 1992.
وعليه يقول «ما هي أفضل طريقة لضرب الفكر القيامي الذي يقع في قلب خلافة البغدادي وخطابه من تركه يتعفن في زنزانة السجن وإثبات أن الخلافة عارية بلا لباس. فصورة أفضل من ألف كلمة، ولكن صورة البغدادي في القيود يقف أمام ضحاياه تعدل أكثر من ألف تغريدة من تغريدات وزارة الخارجية المعتدة بنفسها وأفضل من عشرات ملايين الدولارات التي تنفق على برامج مواجهة «تطرف العنف» ويقول «اقبضوا على البغدادي واتركوه في السجن لعقود طويلة كرمز على أيديولوجيته المهزومة».
وسواء قتل أم ألقي القبض عليه فتنظيمه يقف أمام منعطف خطير، وتتعرض كل مؤسساته للضرب والتدمير. وآخر هذه هي القدرات الإعلامية التي تقول صحيفة «نيويورك تايمز» إنها ضعفت ولم تعد تنتج كما السابق. وكتب سكوت شين قائلاً إن «عمليات الدعاية المتبجحة لتنظيم «الدولة» والتي ساعدت على إغراء أكثر من 30.000 مقاتل اجنبي إلى العراق وسوريا تراجعت بشكل جذري». وبنى الكاتب كلامه على نتائج دراسة قام بها عدد من الباحثين في الأكاديمية العسكرية المرموقة «ويست بوينت».
ولاحظ الباحثون تحولاً في طبيعة المادة المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي لم تعد تصور دولة تعمل ومؤسسات ببيروقراطية وأسواقاً مزدهرة وسكاناً يشعرون بالسعادة. وحسب دانيال ميلتون، مدير «مركز مواجهة الإرهاب» في ويست بوينت «لا ينحصر التراجع في الجانب العددي» ولكن بالفكرة نفسها، فقد «كانت الخلافة هي الفكرة الكبرى التي يبيعها. والآن هناك عجز عن القول إننا نقوم بعمل الأشياء التي تصلح للدولة والتي كانت وراء الجاذبية التي تمتعوا بها».
ويقول الكاتب إن التنظيم كان يصدر في ذروة نشاطه مواد إعلامية ضخمة. ففي آب/أغسطس 2015 أصدرت مؤسساته في سوريا وخارجها أكثر من 700 مادة إعلامية. وفي الشهر نفسه من العام الحالي تراجع مستوى الإنتاج إلى 200 مادة.
لم تعد تتمدد
ولاحظ الباحثون أن حجم التقارير المخصصة للعمليات العسكرية تضاعف في الفترة نفسها وتفوق على الأخبار المتعلقة بالإدارة والتجارة والقضايا الأخرى المتعلقة بالحياة المدنية، وبنسبة 70%.
وتكشف دراسة «ويست بوينت» عن سقوط متتالٍ لما يطلق عليها الدولة بشكل يشير لتراجعها من الناحية الإعلامية والسيطرة على الأراضي. ومع ذلك يحذر الخبراء أن تراجعها لا يعني نهاية للأيديولوجية المحركة لها. ويقول إن دعاية التنظيم كانت في بداية عام 2014 أداة فاعلة ليس بسبب الحرفية العالية التي انتجت بها بل وللرسالة التي كانت تحملها عن النصر القريب ودعوتها للمسلمين في كل أنحاء العالم الهجرة والمساعدة في بناء الدولة.
وجذبت رسالته الشباب المسلم في العالم العربي والدول الأوروبية في وقت كان يتمدد ويسيطر على مدن وبلدات في العراق وسوريا وليبيا لاحقاً. ومع بداية التراجع بسبب الحملات الجوية التي نفذها التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة واستهداف قادتها لم يعد التنظيم كمن يدير دولة دينية بقدر ما تحول لجيش إرهابي في حالة انكماش مستمرة.
ففي نيسان/إبريل اعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن تدفق المقاتلين الأجانب تراجع من 2.000 في الشهر إلى 200 مقاتل.
وفي حزيران/يونيو قال المبعوث الأمريكي لدول التحالف بريت ماغيرك إن التنظيم خسر نصف أراضيه التي كان يسيطر عليها في العراق فيما انخفض عدد مقاتليه من 33.000 إلى 20.000 مقاتل.
وحسب جي أم بيرغر، مؤلف كتاب «تنظيم الدولة: دولة إرهاب» والباحث في المركز الدولي لمواجهة الإرهاب بهيج- هولندا فإن باحثين آخرين لاحظوا تراجعاً في الإنتاج الإعلامي.
وقال إن كل مراقب لاحظ نقصاً وانخفاضاً في الترويج للفكرة اليوتوبية التي بدأ بها بشكل أثر على معدلات التجنيد. ووصلت معدلات الإنتاج ذروتها في صيف 2015 حيث انتج ما تراوح انتاجه من 500- 800 مادة مقارنة مع المعدل الإنتاجي هذا العام الذي تراوح من 400 مادة كحد أعلى إلى 100 أو أقل في المستوى الأدنى.
مادة مرئية
وركزت دراسة مركز مكافحة الإرهاب – ويست بوينت على المادة المرئية من مصادر تعتبر «رسمية» وتشمل أشرطة فيديو، تغريدات على التويتر وصوراً وتقارير مصورة. ويعتقد ميلتون أن السبب الرئيسي وراء تراجع المادة الإعلامية راجع بشكل جذري إلى الحملة الجوية للتحالف التي استهدفت المؤسسات والمؤلفين، مشيراً إلى أن مسؤولي الإعلام هم مقاتلون بالضرورة وعندما ينشغلون في القتال لا يتاح لهم الوقت لكتابة رسائل إعلامية. ويضيف ميلتون أن تباطؤ الدعاية عند التنظيم ربما كانت نتاجاً للسياسة المتشددة التي اتبعتها شركات التواصل الاجتماعي والتي تقوم بشطب أو تعليق الحسابات التي تشك انها متعاطفة مع تنظيم «الدولة». واضطر هذا لاستخدام تطبيقات أخرى مثل «تيلغرام».
ووجدت دراسة ويست بوينت صعوبات حتى في المواد الإعلامية المرعبة وتراجع في مشاهد إعدام المقاتلين الأعداء الذين ألقي القبض عليهم، وفي المقابل زيادة في عمليات إعدام مقاتلي التنظيم ممن اتهموا بالخيانة والتجسس. ويرى الباحثون أن التحول يعبر عن حالة قلق داخل التنظيم من المندسين ورغبة لمنع محاولات الانشقاق عن «الخلافة».
ولا يعني تراجع مادة التنظيم الإعلامية نهاية لخطره، بل ويحذر باحثون من أن الخطر سيزيد خاصة بعد هروب المقاتلين الأجانب من ساحات سوريا والعراق ويعودون إلى بلادهم ويثيرون فيها المشاكل.
ويقول ميلتون إن واحداً من الأسئلة الغامضة تلك المتعلقة بالدعاية التي ينشرها التنظيم يوميا للسكان الخاضعين لحكمه. فقد تعرض الكثيرون خاصة الأطفال لثقافة غسيل دماغ وتعصب. وتساءل ميلتون «كيف تتعامل مع الأطفال الذين عاشوا هذه التجربة وتعرضوا لهذه الرؤية؟».
مشيراً إلى أن هذه ستكون مشكلة ذات آثار على المدى البعيد. ولا يتوقف خطر التنظيم الجهادي عند هذا الحد، بل تشير دراسة لخطر آخر نابع من التماهي بين الجريمة- الإرهاب خاصة بين الجنود الأوروبيين الذين يقاتلون في صفوف الخلافة. وأشار ملصق على صفحة فيسبوك لراية التوحيد إلى هذا البعد وجاء التعليق على خلفية صورة مقاتل يحمل كلاشينكوف وتحته عبارة «في بعض الأحيان يصنع رجال بماض سيئ مستقبلاً أفضل». والهدف واضح من الملصق وهو استهداف الرجال الذين يبحون عن التوبة والخلاص من الجريمة والمخدرات أو حياة العصابات وإنقاذهم من خلال دعوتهم لطريق الجهاد والإنضمام لتنظيم «الدولة».
وفي هذا السياق كشفت دراسة جديدة عن الأصول الإجتماعية لعناصر تنظيم «الدولة» ووجدت نصفهم له ماض سيئ وحياة في الجريمة والمخدرات.
وكشفت الدراسة التي أعدها «مركز دراسات التطرف والعنف السياسي» بجامعة كينغز في لندن عن ملمح مثير للقلق يشير لاندماج الجماعات الإجرامية والإرهابية في أوروبا في هدف واحد بشكل يخلق نوعاً من الجهادية الخطيرة، يتحول فيها العنف إلى طريقة حياة وليس واجباً مقدساً فقط. ونقلت صحيفة «إندبندنت» عن بيتر نيومان، مدير المركز إن «رابطة الجريمة- الإرهاب» تجعل من إمكانية الكشف عن مظاهر التشدد أمراً صعباً.
وقال «هناك الكثير من المحللين لا يزالون يقولون إن الإرهابيين يتحدرون من الطبقات المتوسطة أو العليا. فقد كان أسامة بن لادن نجل مليونير وكان منفذو هجمات أيلول/سبتمبر طلاباً»، مضيفاً «لا أعتقد أن هذا يعكس الواقع الذي نراه مع تنظيم «الدولة»، ونحن بحاجة لإعادة النظر في استراتيجيتنا».
ويقول نيومان إن العاملين في المؤسسات الأمنية يرون أن تغيير الشباب المتطرف سلوكه نحو «التدين» يكون من خلال إطلاق لحاهم أو تغيير زيهم. ومع أن تصرفات كهذه يمكن أن تطبق على البعض ولكنها ليست صحيحة على الآخرين.
سلوك إجرامي وتظهر البيانات التي يحتفظ بها المركز عن المقاتلين في تنظيم «الدولة» أن عدداً منهم لم يقلع عن تدخين السجائر أو الخمور والمخدرات حتى مغادرتهم مناطق «الدولة». ولم تتوقف الجريمة عندما التزام الشخص بقضية الجهاد، فقد اشترى سعيد كواشي، منفذ الهجوم على المجلة الفرنسية الساخرة «شارلي إيبدو» سلاحه من خلال بيع الأحذية الرياضية المزيفة.
وفي الوقت الذي كان هو وشقيقه ينفذان الهجوم كانت «الخلية الكبيرة» في بروكسل وباريس تستخدم علاقاتهما في عالم الجريمة لاستصدار وثائق مزيفة لهما تساعدهما على تجنب ملاحقة الشرطة لهما.
معروفون
ويقول نيومان إن الجهاديين الذين تم التدقيق في تفاصيل حياتهم في الدراسة الحالية لم يرتبطوا بعالم الجريمة فقط بل إن ثلثيهم له ماض في العنف.
وفي الدول الأوروبية الأخرى حيث يعتقد أن النسبة أعلى، فإن نصف المقاتلين الذين انضموا لتنظيم «الدولة» كانت سلطات الشرطة في بلادهم على معرفة بهم وبنشاطاتهم قبل السفر إلى سوريا.
ويعلق نيومان «يصبح لديهم المبرر الأخلاقي لعمل ما كانوا دائماً يفعلونه – ولكنهم الآن سيذهبون إلى الجنة».
وتقول الصحيفة إن أيديولوجية تنظيم «الدولة» تركز على اتباع تفسيرها للدين أكثر مما تركز على معرفة عناصرها الدينية، خاصة أن الوثائق التي تم تسريبها عن معرفة المقاتلين الأجانب بالدين تشير إلى أنها «بسيطة».
وهذا بخلاف تنظيم «القاعدة» الذي ركز على الجانب الديني وأصدر كتاباً يبرر فيه كل عملية من عملياته إلا أن تنظيم «الدولة» لم يكرس سوى فقرات قصيرة في مجلاته وأشرطة الفيديو التي يصدرها بطريقة متقنة وصقيلة. ويعلق نيومان «لا يوجد هناك توافق تام بين الشاب والجماعة يلقي ضوءاً على محاولات للنقاش الأيديولوجي الجاد».
ويواصل أن التنظيم «يعشش على فكرة رفضه للتفسير الرئيسي وحتى علماء السلفية» ويقول بشكل أساسي «تستطيع القدوم لو وافقت على المهمة، ولا نهتم إن كنت ملماً بالإسلام الحقيقي- فنحن الإسلام الحقيقي».
ويهدف التنظيم لتصوير أهداف العضوية على أنها طريق للفعل والمغامرة والقوة وحس الأخوة التي يبحث عنها الأشخاص الضعاف الباحثون عن هدف في حياتهم.
ويرى ألين غرينغارد، المسؤول البارز في وكالة مكافحة الإرهاب البلجيكية أنه يمكن النظر لتنظيم «الدولة» على أنه امتداد للعصابات في أحياء المدن الأوروبية. وتحدث لـ «مركز مكافحة الإرهاب» في ويست بوينت «ينضم الشباب المسلم ممن لهم تاريخ في ارتكاب الجريمة والجنح الإجتماعية إلى تنظيم «الدولة» باعتباره جزءاً من «عصابة كبيرة».
وقال «كنا في الماضي نتعامل مع «المتشددين الإسلاميين»- وهم أفراد مالوا للعنف من خلال التفسيرات المتطرفة للدين- ولكننا الآن نتعامل وبشكل متزايد مع «متشددون تأسلموا».
وعليه فقد عززت الرابطة ما يمكن وصفه «لعبنة الجهاد» حيث يقدم تنظيم «الدولة» دعايته الملوثة بالدم في أشرطة فيديو مثل لعبة فيديو تحتوي على الصور والمتاهات والأهداف. وتقوم عملية التجنيد للجماعة المتشددة عبر إجراءات سريعة لا تستغرق سوى أسابيع أو أشهر مقارنة مع الفترة الطويلة التي تستغرق سنوات للانضمام إلى تنظيم «القاعدة» أو حركة طالبان.
ويقول نيومان «في الكثير من الحالات، يصبح أحدهم ناشطاً في الحركة الطلابية ومن ثم يبدأ بدعم الأيديولوجية الجهادية ولكن يصعب بعد ذلك إقناعه القيام بهجوم أو قتل شخص». والأمر مختلف بالنسبة للعناصر الجديدة «فمع هؤلاء المجرمين الذين اعتادوا على العنف فإن تحولهم من كونهم متطرفين إلى متطرفي العنف لا يحتاج جهدا كبيرا».
وكمثال على هذا هو عمر الحسين الذي قتل شخصين في عملية إطلاق نار في مدينة كوبنهاجن بعد تقديمه البيعة لتنظيم «الدولة» في شباط/فبراير 2015. وكان قد انضم لعصابة وهو حدث صغير وقام بعمليات سرقة وجرائم صغيرة ومخدرات قبل سجنه عام 2013 بقضية طعن.
وفي فترة سجنه أصبح متديناً بشكل متطرف وبدأ يتحدث عن رغبته بالقتال في سوريا، ولم تنتبه السلطات للتحولات هذه رغم تلقيها ثلاثة تحذيرات. وبعد الإفراج عن الحسين ووجد نفسه بدون بيت أو عمل وقام بعمليته بعد اسبوعين من مغادرته السجن.
رواية الخلاص
ويجذب تنظيم «الدولة» الشبان المضطربين من خلال ما يطلق عليه المحللون «رواية الخلاص» حيث تبرز من خلالها فكرة الشهادة كطهارة من كل الذنوب. وعادة ما يتحول الشخص كما يقول نيومان «بعد تجربة تترك أثرها النفسي وتكون بمثابة صيحة التحذير مثل السجن أو مقتل صديق أو الإصابة بمرض السرطان». و»عندها يبدأون بالتفكير، ماذا نفعل؟ وكيف أنقذ نفسي؟ وفي تلك المرحلة ربما كانت لهم علاقة هشة مع فكرة الجهاد، وهي رواية عامة».
وفي العادة ما تتم التحولات في السجون الأوروبية، وقد تم توثيق هذه الظاهرة بين السجناء الذي يقومون في بعض الأحيان بتنظيم خلاياهم الخاصة.
وحسب هاري سارفو المتشدد الألماني، والذي انضم لتنظيم «الدولة» فقد «تعلمت أيديولوجية الجهاد والتوحيد عندما سجنت لمشاركتي في عملية سطو على متجر».
ووجد نفسه في سجن بيرمان مع رينيه مارك سيباك، المتشدد المتهم المرتبط بـ»القاعدة» والمتهم بنشر دعاية الجهاد وأدى «لتغيير فهمي للإسلام». وسافر سارفو إلى سوريا للقتال مع تنظيم «الدولة» ومن ثم انشق عنه بعد ثلاثة أشهر وعاد إلى ألمانيا حيث لا يزال في السجن. ويقول نيومان إن تقرير مركزه وثق عدداً من الحالات التي لم تكن سلطات السجن واعية لميول أصحابها نحو التشدد.
ومن أشهر الأمثلة هي الشبكة التي قامت بتنفيذ هجمات باريس وبروكسل. فقد كان منسق العملية عبد الحميد أبا عود والمنفذ إبراهيم عبدالسلام وشقيقه صلاح على علاقة مع عالم الجريمة بحي مولنبيك في بروكسل.
وسجن كل من عبد الحميد وصلاح في عام 2010. وكذا قضى احمدي كوليبالي الذي قتل أربعة في متجر يهودي في باريس فترة في السجن بعد إدانته بالسرقة والإتجار بالبضائع المسروقة وتهريب المخدرات.
وأخبر صحيفة «لوموند» أن فترته في سجن فليوري – ميرغوي كانت بمثابة «مدرسة في الجريمة» «وفي المكان نفسه تلتقي لصوصاً كورسيكيين ومسلمين ومن الباسك، تجار مخدرات صغار ومهربين كباراً وقتلة وتتعلم من تجاربهم الطويلة».
ودعا مركز دراسة التطرف والعنف السياسي لإصلاح السجون في أوروبا بحيث يتم تدريب طواقم السجون على التقاط ملامح التشدد الأولى ونقلها للمؤسسات الأمنية وتشديد الخناق على عمل المتشددين فيها.
إبراهيم درويش